اسألوها.. لماذا ينقبض قلبها وينبض سريعا حتي يكاد يقفز من مكانه عندما تمكث بضع دقائق في مكان ضيق؟.. ولماذا يقع هذا القلب عند قدميها عندما تعتلي مكانا مرتفعا وتنظر من نافذته علي العالم الخارجي؟.. واسألوها لماذا يندي جبينها وتتصبب عرقا وتجري إلي الخارج عندما تقودها قدماها إلي مكان متسع يحتفل فيه الناس بأي مناسبة؟.. ولماذا كل هذا الخوف الذي يراودها ويبقيها مستقرة باقية في مكانها الذي تعودت عليه لسنوات ولا ترضي به بديلا, وقد أخذ يلح عليها ألا تغادره؟.. فخلف الباب يوجد دائما من يريد إيذاءها! اسألوها متي ستتخلص من خوفها وتخرج إلي العالم الخارجي؟.. وهل هذا الخوف الذي يراودها مرضي.. أم أنه أمر عارض في حياتها وسوف ينتهي يوما ويمر مرور الكرام؟ د.محمد أحمد عويضة, أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر, يؤكد أن لدي كل إنسان بعضا من المخاوف, وأن كل إنسان يخاف من شيء ما, ونادرا ما نجد أشخاصا لايخافون من شيء, وإن كان يوجد فارق كبير بين المخاوف الطبيعية والمخاوف المرضية والتي تسمي بالفوبيا باختلاف أنواعها, فالمخاوف الطبيعية لدي الإنسان تكون نتيجة لسبب موضوعي وحقيقي, مثل خوف أي إنسان من مواجهة أسد جائع أو نمر هائج علي سبيل المثال, وهذا النوع من الخوف أو الفوبيا يمكن للإنسان أن يتخلص منه بالتدريج, وذلك بمواجهة ما يرهبه ويخافه حتي يتعود عليه ويصبح شيئا عاديا. أما عن الفوبيا أو المخاوف المرضية فتحدث نتيجة لأسباب غير موضوعية وغير حقيقية ولايخشاها ولايخاف منها إلا المرضي فقط, أما الأسوياء فلا يخافون منها علي الإطلاق, مثل خوف البعض من ركوب الطائرة في أثناء السفر أو الأسانسير في أثناء صعود الأدوار المرتفعة, فالسبب في حد ذاته لا يسبب خوفا إنما يشعر بالخوف المرضي وحدهم, لوجود معني آخر يوجد بداخلهم, فالمكان الذي يخافونه قد يرمز لشيء ما في حياتهم قد مروا به وكرهوه, أو يذكرهم بحادثة ما في طفولتهم المبكرة قد أثرت بالسلب علي حياتهم مما كان سببا في مشاعر الخوف المرضية التي تنتابهم علي فترات متقاربة, وفي هذا النوع من المخاوف يسعي الشخص لتجنب الموقف الذي يؤدي إلي شعوره بالخوف مثل أحد الكتاب الكبار الذي كان يخشي الإصابة بالأمراض, وخصوصا الإنفلونزا فيتجنب مقابلة أو ملامسة من يعتقد أنه مصاب بالرشح أو بالبرد, أو مطرب كبير راحل كان يرفض ركوب الطائرة فكان يسافر عن طريق البر أو البحر. وتوجد أنواع عديدة من المخاوف المرضية وتصنف وفقا لطبيعة الموقف الذي يؤدي إلي إثارته منها,الخوف من الأماكن الضيقة الكولوستروفوبيا, والخوف من الأماكن المتسعة وتسمي أجورا فوبيا ومثل الخوف من التواجد في الحفلات المقامة في الأماكن المتسعة الفاخرة أو الجلوس في الاستاد في أثناء إقامة المباريات أو في المسارح. أما عن المصابين بالخوف من الأماكن المرتفعة هايت فوبيا فنجدهم لا يستطيعون النظر من شرفات الأدوار المرتفعة- السادس فما فوق- ومن المستحيل صعودهم إلي الأماكن شديدة الارتفاع مثل برج القاهرة أو أبراج كورنيش المعادي علي سبيل المثال, وبالقطع لا يستطيعون الصعود علي قمم الجبال في جنوبسيناء ولا أي مكان آخر في العالم, وهناك أيضا الأشخاص الذين لديهم مخاوف اجتماعية سوشيل فوبيا وهم الذين يشعرون بالحرج البالغ والخوف الشديد عند مواجهتهم تجمعات, فنجد الشخص منهم لا يقابل أكثر من فردين علي الأكثر في المقابلة الواحدة, وهنا نجده لبقا ومهذبا ومستريحا, أما إذا تواجد في مكان به عدد من الأشخاص فنجده يتلعثم ويتصبب عرقا غزيرا وتتسارع ضربات قلبه ويشحب لونه ويسعي للهروب بأقصي سرعة, وبأقصي ما يمكن من هذا الموقف, وهناك نوع آخر من الخوف أو الفوبيا يصيب بعض الأشخاص المختبئين دائما خلف جدران منازلهم ولا يبارحونها إلا فيما ندر وللضرورة القصوي, وهؤلاء هم المصابون بالنوزو فوبيا الذين يخافون من الإصابة بأي مرض لأنهم يعتقدون أن أي مرض سوف تكون له مضاعفات خطيرة يمكن أن تودي بحياتهم, وهذه الفئة كثيرة الذهاب للأطباء لأي عرض مرضي حتي لو كان بسيطا, ونجدهم يجرون خلف الأطباء والمعامل والأشعات والتحاليل وينفقون كثيرا من الأموال خوفا من الأمراض الخطيرة وبالذات خوفا من مرض السرطان, لذلك فهم المعذبون علي الأرض والذين لا يعيشون الحياة بمعناها الحقيقي, فالخوف من المرض جعلهم جبناء في مواجهة الحياة.. أما الفوبيا الشائعة والمنتشرة بين الناس فهي الفوبيا البسيطة وهي تصيب عددا كبيرا منهم وأعراضه الخوف من الأبراص والصراصير والفئران, وهؤلاء يميلون للعيش في حياة نظيفة راقية, يبتعدون عن الزيارات ويرفضون تناول الطعام في المطاعم خوفا من أن ينالهم شيء من هذه الحشرات. ويؤكد د. محمد عويضة أن جميع أنواع الفوبيا أو المخاوف المرضية قابلة للشفاء بنسبة100% عند تلقي العلاج المناسب والمكون عادة من عقاقير مضادة للخوف, والمواظبة علي جلسات العلاج السلوكي وفقا لخطة متدرجة الخطوات يستطيع عن طريقها المريض معالجة نفسه, فعلي سبيل المثال يمكن للشخص الذي يخشي الأماكن الضيقة كالأسانسير أن يتبع الخطوات التالية. - محاولة تخيل أنه يري الأسانسير امامه. - مرحلة رسمه الأسانسير الذي يخافه - مرحلة تخيله أنه يدخل الأسانسير الذي رسمه - مرحلة دخوله لمكان ضيق يشبه الأسانسير الذي يخافه في وجود صحبة وليس بمفرده. - مرحلة دخوله بالفعل الأسانسيرالذي يخافه في وجود نفس الصحبة السابقة - ثم دخوله مرة أخري الأسانسير في وجود فرد أو فردين فقط من نفس الصحبة.- وأخيرا دخوله الأسانسير بمفرده. وهكذا في باقي أنواع الفوبيا, فبإمكان الشخص المريض بالخوف أن يضع خطة مكونة من تخيل الموقع الذي يخافه أو يخشي منه, يلي ذلك دخول مكان يتشابه والمكان الذي يخاف منه, ثم دخول المكان نفسه في صحبة آمنة مكونة بعدد من الأفراد, ثم بصحبة فردين أو ثلاثة فقط, وأخيرا خوض التجربة بمفرده., ونخلص من كل ذلك أنه قد آن الأوان للجميع أن يحاولوا مواجهة مخاوفهم ومحاولة التغلب عليها.