كشفت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية أمس أن جهود مصر للحصول علي قرض صندوق النقد الدولي تعثرت مجددا, مما قد يدفع الحكومة المصرية إلي طلب تمويل عاجل لتجنب الانهيار الاقتصادي. ونقلت الصحيفة, في تقرير لها بعنوان مصر تواجه مشكلات بشأن قرض صندوق النقد, عن أشخاص مطلعين علي المفاوضات بين الجانبين قولهم إن الصندوق أبدي تحفظات علي الخطة الاقتصادية للحكومة المصرية اللازمة لتوقيع اتفاق الحصول علي القرض الذي يجري التفاوض عليه منذ ما يقرب من عامين. وأشارت الصحيفة إلي أنه في الوقت الذي تراجعت فيه احتياطيات النقد الأجنبي إلي13.5 مليار دولار, وهي أقل من المعدل الحرج الذي يكفي الواردات من الخارج لمدة ثلاثة أشهر, فإن القاهرة تفضل المنهج التدريجي في الإصلاح الاقتصادي, حتي أنها اضطرت إلي تقليص وارداتها من القمح والوقود. وأوضحت أن عاملا آخر يسهم في تعقيد مفاوضات صندوق النقد وهو أن الرئيس محمد مرسي متردد في اتخاذ إجراءات مثل زيادة ضريبة المبيعات قبل الانتخابات البرلمانية, التي كان من المقرر أن تبدأ في أبريل المقبل وتنتهي في يونيو المقبل, لكنها تأجلت إلي أجل غير مسمي بعد حكم المحكمة بتعليق إجراء الانتخابات, حتي تنظر المحكمة الدستورية في مدي دستورية قانون الانتخابات, وهو الأمر الذي قد يستغرق عدة أسابيع. وقالت فاينانشيال تايمز إن البرنامج المصري يفضل اتخاذ خطوات صغيرة ومترددة بشأن تطبيق إجراءات تقشف تهدف إلي زيادة عائد إضافي للدولة وتقليص دعم الطاقة الذي يلتهم ربع الميزانية, وذلك وسط مخاوف من أن تؤدي الإجراءات الصارمة إلي إثارة اضطرابات اجتماعية في وقت تعاني فيه مصر من عدم استقرار سياسي. وأضافت أن صندوق النقد أبلغ القاهرة بأن برنامجها المقترح للإصلاح الاقتصادي غير فاعل بشكل كاف. ولم يعلق مسعود أحمد مدير إدارة الشرق الأوسط ووسط آسيا في صندوق النقد علي المفاوضات مع القاهرة, لكنه قال إن وجهة نظر الصندوق هي أن البرنامج يجب أن يكون له التأثير المرغوب فيه إحداث نوع من الثقة, ويحتاج إلي أن يتضمن إجراءات قوية للتعامل مع المشكلات الاقتصادية الأوسع لمصر. ومع تراجع آفاق التوصل لاتفاق مع صندوق النقد, يقول المحللون إن الصندوق والمانحين ربما يقدمون تمويلا طارئا لمساعدة القاهرة علي اجتياز الفترة المقبلة حتي بعد الانتخابات البرلمانية. وذكر المحللون أن هذا التمويل سيكون قصير الأمد ومتواضع في الحجم, وبدون شروط عديدة تطلب إصلاحات مؤلمة مثل تلك التي يتطلبها برنامج الإصلاح. وقال محمد أبو باشا الخبير الاقتصادي في مجموعة إي إف جي- هيرميس, وهي بنك استثاري إقليمي, إنه بدون برنامج إصلاح فإن التمويل الطارئ لن يكون له سوي تأثير ضئيل بشأن استعادة ثقة المستثمر, لكن الفشل في الاتفاق مع صنوق النقد سيبعث برسالة سلبية إلي جميع المستثمرين الذين ينتظرون إشارات علي تحرك حقيقي علي الأرض لإصلاح الاقتصاد. وأشارت الصحيفة إلي أن الأمر لا يتوقف فقط علي قيمة القرض التي تبلغ8,4 ملير دولار, لكن من المتوقع أن يساعد الاتفاق مع صندوق النقد علي حصول مصر علي تمويل إضافي بقيمة9.5 مليار دولار من مصادر خارجية أخري. وأضافت أن برنامج الإصلاح الذي اقترحته مصر علي صندوق النقد يستهدف تقليص عجز الميزانية من10.9% من إجمالي الناتج المحلي في الميزانية الحالية التي تنتهي في30 يونيو المقبل, إلي9.5% في العام المقبل. ووفقا للمسئولين المصريين, فإن الرؤي الخاصة بالبرنامج الاقتصادي تتضمن الزيادة الفورية لضريبة المبيعات, ولكن علي ست سلع فقط, وهي السجائر والكحوليات والمشروبات غير الكحولية والاتصالات والاسمنت والحديد. كما تتضمن أيضا فرض ضريبة جديدة هي ضريبة القيمة المضافة في ربيع2013, ورفع أسعار الوقود للمصانع إلي المستويات العالمية خلال ثلاث سنوات. وكانت الحكومة قد رفعت بالفعل أسعار السولار والغاز الطبيعي إلي الضعف بالنسبة لبعض الصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة, رغم أنها أبقت علي أسعار الوقود بالنسبة لأصحاب السيارات والمستهلكين المحليين. وقال هاني قدري دميان المسئول البارز في وزارة المالية, في تصريحات ل فاينانشيال تايمز, إنه مع الزيادات الأخيرة في أسعار الوقود فإن فاتورة دعم الطاقة في الميزانية التي تنتهي في يونيو المقبل ستبلغ15 مليار دولار, ولكن هذه الفاتورة سترتفع في العام المقبل إلي22 مليار دولار إذا لم يتم اتخاذ مزيد من التخفيضات في الدعم. وأضاف أن البرنامج يتعامل مع التحديات الآنية وعلي المدي القصير, ويضع الأسس لإصلاحات علي المدي المتوسط. وفي الوقت نفسه, اهتمت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بتصريحات وزير التخطيط أشرف العربي والتي قال فيها إن الحصول علي قرض سريع من صندوق النقد الدولي ليس أمرا مطروحا وإن مصر ليست في حاجة لمثل هذا القرض, مشددا علي أن علاج عجز الموازنة يحتاج إلي اجراءات هيكلية واسعة وليس اعانات عاجلة من صندوق النقد. ونقلت الصحيفة عن بعض المحللين قولهم إن الصندوق ربما يكون مترددا في التفاوض علي اتفاق كامل مع مصر في الاضطراب السياسي الحالي. وأشارت إلي أن مشكلات مصر تتصاعد مع تراجع احتياطيات النقد الأجنبي إلي ثلث المعدلات التي كانت عليها قبل ثورة25 يناير, مما أجبر البنك المركزي علي توزيع الدولار بحصص, وهو ما أصاب بالشلل الشركات الصغيرة والمتوسطة, التي تحولت إلي السوق السوداء للحصول علي الدولار لأن البنوك تجعلها تنتظر شهورا للحصول عليه بالسعر الرسمي. وأضافت أن أبرز تلك المشكلات هي عجز الميزانية الذي وصل إلي مستويات غير مقبولة لا يمكن تحملها, بالتزامن مع انهيار سعر الجنيه.