صدر كتاب25 يناير رؤية ثقافية ونماذج تطبيقية للدكتور( السيد نجم)في أسلوب أدبي متطور ورؤية انطلقت بعد قناعة متطورة بالثقافة الرقمية وهو ماوافق قناعتي الأدبية بأن الوعي المعاصر هو الحيلة الأدبية والشفرة الفنية لزمنه كما حاولت تطبيقها في القالب الأدبي والنموذج الذي بين يدي القارئ. كان معروف يخفي مهاتفات( الموبايل) وقد جعلها سرا بينه وبين المهاتفين للمظاهرات والاعتصامات الاحتجاجية خاصة إذا كانت المهاتفة من جارته النشطة ساكنة القطاع الراقي( من أرض معروف) التي تدعي رجاوات. وكان رجال الأمن يتولون كل ليلة كبح تلك المظاهرات التي بدأت بميدان التحرير منذ(25 يناير) فبات يتخلف عن تلك المصادمات الكسور والجروح وعويل الأمهات في قطاعي حي معروف( القطاع العشوائي القديم التقسيم المعماري الحديث) وكان عدم انتشار الجهاز الأسود( الموبايل) في قطاع العشوائيات يجعل أم معروف لا تلقي بالا إلي الجهاز الأسود الصغير الذي يختفي في قبضة اليد.. لكنه ينشر وسوسته في كل أرجاء الدنيا. وأم معروف تضن بولدها الوحيد الذي لم يبق من الأبناء سواه. فترصد حضوره وغيابه ليل نهار حتي تسلل إليها الفتي( عريان) ابن جارتها وهمس بها في تلك الليلة من يناير فقال لها: إن ابنها معروف في القاهرة ويدير النداءات والهتافات التي تسب الحكومة ويضج السكان في قطاعي الحي من ضوضائه. منذ تلك الليلة بدأت أم معروف تتابع المظاهرات وتستمع إلي هتافات الهاتفين فبعد أذان المغرب تخرج من عشتها الخشبية إلي ناحية الطريق الذي يفصل الحيين وتفرش الحصير القديم وفوقه بعض الوسائد وتقضي سهرتها خارج مرقدها فتحيي العابرين من الجيران وتستضيف من ينعطف قلبه فيجلس اليها مشفقا علي لوعتها وهي تنتظر إبنها الوحيد الذي تسمع هتافاته ولكنها لاتراه وتتذكر تلك المشاحنات قبل أن يهجرها الفتي, والجيران يطمئنونها علي عودة معروف قائلين إنها مسيرات لاخطر منها فهي غالبا مسيرات سلمية ويقول لها الحاج صالح قبل أن تقدم له القهوة انها احتجاج مشروع للشباب الضائع ضد مهاوي الفساد الذي عم البلاد أي أن حالنا لم يعد انحرافا بل( شوطة) علي الأهالي وعلاقات العمل ولاسبيل إلا بهذه الاحتجاجات التي يسمح بها القانون!! وعندما تبكي الأم وهي تصيخ السمع إلي صوت الهتافات وتصيح: إنه صوت ابني الذي يتهم الحكومة ويسب الفساد فيجيبها: يعني نحمد ربنا ان يتركونا نعيش مثل البهائم؟ ويسب معروف المجرمين الذين خلت قلوبهم من الرحمة فهم يخلقون البطالة ويستثمرون العاطلين.. فيتخلصون منهم بوسائل إجرامية( في البر والبحر) لم يسبق لها مثيل ويكرر لها الحاج صالح: أمست هذه الشوطة تمس كل طبقات الأمة وهي كارثة علي الأهالي قبل أن تكون كارثة علي الأبناء وما إن تسمع الأم علي البعد صوت ابنها يردد: سلمية.. سلمية... ويرتفع وراءه صوت الأفواج مرددة( سلمية.. سلمية) حتي يجن جنونها فتبحث عن مداسها حتي تلحق بالمسيرة فيهدئها الجار الطيب وجيرانها الأمهات. وكانت مأمورية الصحة قد سارعت بإعداد خيام ميدانية للإسعاف حول ميدان التحرير تحسبا لشرور المتآمرين والمندسين الذين يتخذون من أي زحام سترا لشرورهم وجرائمهم. وكان بعض العابثين يعرفون ان منادي الهتافات ذو الصوت الذي يرتفع إلي السماء هو وريث أهالي الحي القديم وابن الأم التي تأوي الباعة الجائلين وعربات السريحة النازحين من شطري القطر. ولاينكر أن صوت معروف كان مقبولا إذا تغني علي ثمار الباعة أو أسعار الخضر والفاكهة. أما إذا تحول في جوف الليل الي الشحناء والشجار مع الام فهو يزعج الآمنين ويقض المضاجع فالأم يغطيها انصياعه إلي ساكني الأبراج( تقسيم معروف الجديد) وتعطل مهنته وهي( الكهرباء) التي سهت حتي حصل علي الشهادة فيها, وهو لاينير بيتها أو الحي الذي ولد فيه بل ينير المدينة بأسرها ولاتعرف سببا لتعطله. فإذا ما تصاعدت تلك الشحناء الليلة إلي ذروتها حتي تصل إلي ذكر أهل الفساد من الحكام فيبث أهل الحي في مرارة وهم مقيم. ولم يخلص السكان من تلك المشاجرة الليلة المزمنة وسب أهل الضبط والربط من المفسدين إلا تلك المسيرات الاحتجاجية للمضربين والمعتصمين. وبالأمس حكت للأم جارتها( أم عريان) أن ابنها اصيب في المظاهرة بغاز سام يقال له( المسيل للدموع) وقد أخذ إلي قصر العيني والليلة جاءت أم عريان وهي تولول وتردد: إن رجال الأمن بدأوا الليلة( الضرب في المليان) وهي لاتعرف مكان ابنها إن كان فارا من رجال الأمن أم أصيب( في المليان). وغادرت أم معروف مجلسها وكانت تخاطب السماء في صيحات هستيرية: لماذا ينزل لي كل هذا السخط ومعروف هو كل من بقي لي من أبنائي الخمسة, وتتذكر ذلك الجهاز الأسود الشيطاني الذي استجد علي حياة الآمنين( الموبايل) فهو الشر الاسود الذي تسلل إلي سريرتهم. وهي لاتنسي أن ذلك الخاطر وما سيطر علي حواسها وأوقعها في نوبة الغضب اذ تخطف الموبايل من ابنها وتضرب به الارض فتناثر أحشاؤه فوق أرض معروف( القديم) تحت سمع وبصر ابنها الذي طاش صوابه فناثر التهديد والوعيد وبلغ عنان السماء واقسم( أنها لن تراه مرة أخري فهو لن يعيش هدفا لما تلحق به وبجارتهم( رجاوات) من التهم البذيئة. بألفاظ جارحة تعافها الأمهات حتي ساكنات العشوائيات ولحقت بها أم عريان وراحت تهدئها قائلة: وهل جنن الشباب إلا ذلك الشيطان الأسود إن أحدا لم ينج منه فله وسائط واذناب من فتيات الليل وماضلل ابنها عريان إلا واحده منهن فهو حتي لانعرف لها شبها محددا فهي تارة قصيرة الشعر وتاره طويلة الشعر او محجبة في يوم وسافرة في يوم آخر. وترتدي ملابس الذكور ما يزيف أنوثتها ويجعلها هدفا للعبث والتحرش.. وفجأة مرت المسيرة وحاولت الأم أن تلحق بها وهي تصيح ابني.. ابني رد علي أمك يا معروف ثم لاحقتها بعض الطلقات والصرخات وتقدمت من خلف المظاهرة سيارة من سيارات الشرطة وقد اطفأت مصابيحها وهرع بعض الأهالي خلف المظاهرة وخرج سكان الحي العشوائي وسكان التقسيم الجديد واتجهوا نحو خيمة في نهاية الشارع, وهرعت أم معروف لاهثة الي مصدر الضوء حتي بلغت خيمة الاسعاف وكان يلاحقها بعض الطلقات والصرخات مما يشير الي سقوط البعض فيحملهم زملاؤهم وكانت تهرول خلف المظاهرات سيارات الشرطة في بطء شديد وعند الخيمة كان رجال الاسعاف وبعض المساعدات يقومون بواجباتهم. وتقدم الخيمة رجل ضخم الجسم في معطف أبيض وسأل قائد السيارة الأولي: لماذا لم تذهبوا بهم إلي قصر العيني؟؟ وكان رد قائد السيارة الذي لم يتحرك من مكانه: ليسوا مطلبون من الأمن وهبط بعض المصابين من الباب الخلفي للسيارة وهمس رجل الأمن بمساعد التمريض: امسكهم.. امسكهم انهم ينشرون الفوضي ويمنعون الاسعاف من مباشرة عملها. ولما بلغت أم معروف خيمة الاسعاف كانت فقدت مداسها وكان المساعدون قد نشطوا في نقل المصابين إلي داخل الخيمة وكان يساعد رجال الاسعاف نشطتان تغسلان الأعين بينما ترتفع صرخات من أصيبوا في عيونهم, وجاءت بعض الأمهات يبحثن عن أبنائهن وقال المساعد ذو العوينات السمكية: لقد أصابتهم عدوي النواح عدوي الفوضي وبينما كانت أم معروف تفحص ملامح المصابين وهي تردد: أنا السبب يا ابني أنا السبب يا ابني أنت مش ابني أنا ابني معروف يبيت في عشتي.. يعشش علي وأعشش عليه وأصمت أذنيها طلقات البنادق فصرخت في سماء يناير الملبدة بالسحب السوداء الضرب في المليان يامعروف!!! جابوا أجلك.. يامعروف!! لاحد حيعشش عليك ولاحد حيعشش علي يا ولدي!!!