لم يكن سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسية يدري أن ما طرحه علي الرئيس بوتين تحت عنوان مذهب السياسة الخارجية الروسية للتصديق عليه كاساس لعمل المؤسسة الدبلوماسية في الفترة القادمة سيتعرض للحذف والإضافة حين أعلن في مؤتمره الصحفي الذي عقده في نهاية يناير الماضي عن ان الوثيقة بصدد التوقيع عليها من جانب رئيس الدولة. لذا كان من الطبيعي ان يسارع المتحدث الرسمي باسم الكرملين إلي الكشف عن ارجاء التصديق علي هذه الوثيقة بسبب الحاجة إلي إعادة النظر في بعض جوانبها لأسباب قال انها تتعلق بضرورة مراعاة احداث الربيع العربي خلال الفترة القليلة الماضية, الي جانب التأكيد علي اهمية ما وصفها ب عناصر القوة الناعمة وهو ما تضمنته الوثيقة الصادرة بهذا الشأن في نهاية الأسبوع الماضي عقب اجتماعاته التي عقدها مع ممثلي الدبلوماسية الروسية والعاملين في وزارة الداخلية وقيادات جهاز الامن والمخابرات اف اس بي, التقي الرئيس فلاديمير بوتين مع اعضاء مجلس الامن القومي, ليؤكد معهم ولهم ضرورة تغيير مذهب السياسة الخارجية الروسية بما يتفق مع ما تشهده المنطقة العربية وشمال افريقيا من تغييرات واحداث واضطرابات تتزايد حدتها مع كل يوم جديد, الي جانب ما يعيشه العالم من ازمات مالية واقتصادية لا تزال تشكل مصدر ازعاج لجميع الاطراف العالمية. وقال بوتين ان مذهب السياسة الخارجية الجديدة يعتمد في معظمه علي ضرورة استخدام الأشكال والمناهج العصرية للعمل السياسي الخارجي, بما في ذلك الدبلوماسية الاقتصادية, وإدخال ما يسمي بعناصر القوة الناعمة والاندماج الواعي في التيارات المعلوماتية العالمية. واشار الزعيم الروسي الي ان هذه النظرية تعير الاهتمام الأكبر لحماية مصالح وحقوق المواطنين الروس في الداخل والخارج. علي ان بوتين حرص في الوقت نفسه علي تأكيد التمسك بالمبادئ الرئيسية لنظرية السياسة الخارجية التي سبق واعلنها خلال ولايتيه السابقتين ومنها الشفافية والوضوح والبراجماتية والتصميم علي تحقيق وحماية المصالح القومية, مشيرا الي ضرورة تنفيذ ذلك دون الانزلاق الي اية نزاعات أو مواجهات مع الاخرين والتعاون مع كل شركاء روسيا علي أساس مبدأ المساواة والاحترام المتبادل,الي جانب مراعاة الدور المحوري للأمم المتحدة وسيادة القانون الدولي. وكان بوتين سبق وكشف في لقائه مع قيادات جهاز الامن والمخابرات عما تواجهه روسيا من تحديات وضغوط في الساحتين الداخلية والخارجية, ومنها تزايد الضغط الجيوسياسي ضد روسيا من جانب الولاياتالمتحدةالامريكية وحلفائها ممن يعتبرونها احد اهم منافسيهم في الساحة الدولية. واشار بوتين في الاجتماع الموسع للهيئة الفيدرالية للامن القومي الي ان بلاده ترفض اية ضغوط من جانب الاخرين مؤكدا ان اي تدخل مباشر او غير مباشر في شئون روسيا الداخلية, أوأي شكل من اشكال الضغط عليها او علي حلفائها وشركائها أمر مرفوض, واضاف ان احدا لا يملك حق احتكار الحديث باسم المجتمع الروسي, ولاسيما الجهات التي تجري ادارتها وتمويلها من الخارج في اشارة واضحة الي ممثلي منظمات المجتمعات المدني والمعارضة المسماة ب غير الممنهجة. وكشف الرئيس الروسي عنه انه جري وضع نظام واضح لنشاط المنظمات غير التجارية وهو الاسم الذي دأبت المصادر الرسمية علي استخدامه في وصفها لمنظمات المجتمع المدني في روسيا, والذي قال انه يتناول ما يتعلق بتمويلها من الخارج. اما عن ابعاد هذا النظام الذي وضعه بوتين فقد تجلت في سلسلة القوانين التي اقرها مجلس الدوما لتنظيم اعمال هذه المنظمات ومنها ما يعتبرها منظمات اجنبية الأمر الذي يقضي بالتبعية باعتبار اعضائها عملاء أجانب وهو ما كنا تناولناه في رسالة سابقة من موسكو. ومضي بوتين في تحذيراته ليتوقف عند ضرورة تكثيف الجهود الرامية الي فرض الرقابة علي شبكات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي من اجل الحيلولة دون استخدام المتطرفين لهذه الشبكات والمواقع في تنفيذ اهدافهم, وكشف الرئيس الروسي عن القبض علي34 من رجال المخابرات الاجنبية و181 عميلا اجنبيا, من بينهم12 جري ضبطهم في حالة تلبس, واضاف ان مكافحة التجسس احد اهم الاتجاهات الرئيسية في عمل الهيئة الفيدرالية للامن القومي, مشيرا إلي ان المخابرات الاجنبية تسعي بالدرجة الاولي الي التجسس علي كل ما هو جديد في تكنولوجيا المستقبل, وما يتحقق من اكتشافات علمية, فضلا عن محاولاتها معرفة كل ما تضعه روسيا من خطط لبناء وتطوير قواتها المسلحة والمجمع الصناعي العسكري, إلي جانب المعلومات الاقتصادية والسياسية ذات الطابع الاستراتيجي. وكان بوتين سبق واعلن في لقائه مع قيادات وزارة الداخلية واجهزتها الامنية عن اكتشاف اكثر من600 جريمة ذات طابع ارهابي فضلا عن24 عملية ارهابية جري احباطها في العام الماضي, مشيرا إلي اغتيال ما يزيد علي خمسين من كبار رجال الدين في القوقاز خلال السنوات العشر الاخيرة. واكد الرئيس الروسي ضرورة الاهتمام باتخاذ كل التدابير اللازمة لمكافحة الجريمة المنظمة والعصابات الدولية والإثنية, والكشف عنالشبكات الإجرامية التي تحاول التطفل علي علاقات روسيا الاقتصادية المتنامية مع جيرانها, لا سيما شركاء الاتحاد الجمركي والفضاء الاقتصادي الموحد.