عادت موسكو الي محاولات ترتيب اوضاع جوارها الاقليمي الذي سبق واكتوت معه بنيران ما سمي ب' الثورات الملونة' في اولي سنوات القرن الحادي والعشرين، تلاقت رغباتها مع توجهات الرئيس الاوكراني الجديد فيكتور يانوكوفيتش.التي اعلن عنها في اعقاب مباحثاته مع القيادة الروسية. فبعد الاعلان عن انشاء التحالف الجمركي مع كل من بيلاروس وقزقستان ثم المزيد من خطوات انشاء التحالف الاورواسيوي ثم استقبال نينو بورجانادزه رئيسة البرلمان الجورجي سابقا ورفاقها من رموز' ثورة الورود' الذين انقلبوا علي زعيمهم ميخائيل ساكاشفيلي وجاءوا اليها بحثا عن السلوي والملاذ فتحت موسكو أحضانها لرفيقها القديم الرئيس الاوكراني فيكتور يانوكوفيتش لتبدأ معه صفحة جديدة في تاريخ صداقة الشعبين الروسي والاوكراني في وقت تواصل فيه غريمته يوليا تيموشينكو محاولات اعادة عقارب الساعة الي الوراء. زيارة يانوكوفيتش جرت في توقيت مواكب لتواصل احتدام الاوضاع الداخلية في أوكرانيا قبيل الاتفاق مؤخرا حول تشكيل الائتلاف الحاكم وتعيين نيكولاي ازاروف رئيسا للحكومة ممثلال' حزب الاقاليم' الذي يتزعمه الرئيس يانوكوفيتش علي أمل تجاوز تبعات الازمة المالية وتدهور اقتصاد الدولة بعد خمس سنوات عجاف من حكم' الثورة البرتقالية' عبر تعاون طويل الامد مع موسكو وهو ما تجسد في اعلان مشترك وقعه مع الرئيس دميتري ميدفيديف يقول بطي صفحات الماضي والتحول الي استراتيجية تطوير علاقات التكامل الاقتصادي والتعاون في شتي المجالات ومنها منظومة الغاز والطاقة بما فيها النووية الي جانب التعاون التقني العسكري وبناء الطائرات والفضاء والنقل. وكان الرئيس الاوكراني قد التقي ايضا مع رئيس الحكومة الروسية فلاديمير بوتين الذي طرح عليه فكرة انضمام بلاده الي الاتحاد الجمركي وهو ما يعتبر في حال تحقيقه نقلة نوعية ذات ابعاد استراتيجية نحو تحقيق الهدف المرجو وغير المعلن وهو لملمة اطراف الثوب السوفييتي في كيان يعيد توحيد ما يقرب من90% من القدرات الاقتصادية للامبراطورية السوفييتية السابقة, وإن اكتنف ذلك محاذير عدة تبدو علي طرفي نقيض من التزامات اوكرانيا بمقتضي وثيقة انضمامها الي منظمة التجارة العالمية. علي ان احدا لا يقول بان الامور تسير في اتجاه اعادة بناء الاتحاد السوفييتي السابق من منظور تمسك موسكو بما سبق واعلنه بوتين حول' ان من لم تراوده مشاعر الاسي ازاء انهيار الاتحاد السوفييتي انسان بلا قلب ومن تراوده الرغبة في استعادة بناء ذلك الاتحاد انسان بلا عقل'. في الكرملين بدا يانوكوفيتش مزهوا بالوجود في ضيافة رفاق الماضي ممن بدت واضحة مبالغتهم في الترحيب به وإن تلعثم لدي تفسير اسباب زيارته لبروكسل مقر الاتحاد الاوروبي قبل زيارة موسكو القريبة الامر الذي تناوله البعض من منظور ترتيب قائمة أولويات سياساته في الفترة المقبلة. ومن هذا المنظور تذكر المراقبون ان موسكو كانت اولي محطات قطار الزيارات الخارجية لسلفه فيكتور يوشينكو عام2005 علي النقيض من يانوكوفيتش الذي اختار عاصمة الاتحاد الاوروبي المحطة الاولي في سلسلة رحلاته الخارجية. قال يانوكوفيتش ان دعوة بروكسل كانت في أول مارس بينما كانت دعوة موسكو في الخامس من نفس الشهر. وحين ران علي قاعة الكرملين ما بدا اشبه بصمت القبور شكا في مصداقية الكلمات سارع يانوكوفيتش ليعزو' فعلته' الي نقص الخبرة والتجربة وهو ما أثار ضحك الحضور. وكان ميدفيديف استهل لقاءه الانفرادي مع ضيفه الاوكراني بالتاكيد علي ان تقدم اوكرانيا احد اقرب البلدان الي روسيا علي حد تعبيره يتوقف علي نجاح توجهات يانوكوفيتش الذي قال ايضا ان به ترتبط محاولات تجاوزها للمرحلة السوداء في تاريخ علاقات البلدين مشيرا الي ان نتائج الانتخابات الرئاسية الاخيرة في أوكرانيا كانت تعبيرا حقيقيا عن الرغبة في تطوير العلاقات بين الشعبين. واعلن الرئيس الروسي المشاعر الطيبة والبراغماتية سبيلا الي تطوير العلاقات الاقتصادية وتقرير القضايا الاقليمية بما يسمح بخلق الاسس اللازمة لاقامة حياة سليمة للكثيرين من مواطني البلدين والتعاون في مختلف المجالات ومنها تطوير الاستثمارات والتعاون في مجال بناء الطائرات والفضاء الي جانب بحث مستقبل استمرار وجود الاسطول الروسي في قاعدة سيفاستوبول شبه جزيرة القرم. ولعله من اللافت في هذا الصدد ان الجانب الروسي ابدي الكثير من اوجه التسامح حين اعلن استعداده لبحث العديد من المسائل العالقة ومنها ما يتعلق برغبات اوكرانيا في مراجعة القضايا المتعلقة بمنظومة واسعار الطاقة وهو ما سارع الرئيس يانوكوفيتش بالرد عليه من خلال اعلانه عن استعداده لمناقشة مستقبل وجود الاسطول الروسي في البحر الاسود بقاعدة سيفاستوبول التي تستاجرها روسيا حتي عام2017 وترسيم الحدود في منطقة خليج كيرتش في القريب العاجل في نفس الوقت الذي اشار فيه الي ان علاقات بلاده مع الناتو ستحددها المصالح الوطنية للدولة الاوكرانية التي اعلنت تمسكها بنهج البقاء خارج الاحلاف. وتوقف الجانبان عند الاستعدادات للاحتفالات المشتركة بالذكري الخامسة والستين للنصر علي الفاشية في التاسع من مايو المقبل فيما المح يانوكوفيتش الي احتمالات اعادة النظر في مراسيم الرئيس الاوكراني السابق حول تكريم' مجرمي الحرب' ممن سبق وتعاونوا مع المحتلين الهتلريين ابان سنوات الحرب العالمية الثانية والتي ندد بها البرلمان الاوروبي واصدر بيانه الذي ادان فيه مثل هذه التوجهات. وكان يانوكوفيتش اكثر صراحة حين كشف عن عزمه علي استعادة اللغة الروسية لوضعيتها المناسبة في اوكرانيا بعد ان تعرضت للكثير من المهانة ابان سنوات حكم سلفه وإن كشف فور عودته الي ارض الوطن عن وجهة نظر مغايرة تقول بضرورة مراعاة الدستور الذي لا يسمح باعتبار اللغة الروسية لغة رسمية مشيرا الي انه سوف يعالج هذه المسالة من منظور الميثاق الاوروبي الذي يحفظ للاقليات حقوقها. وكانت موسكو تنتظر موقفا اكثر حسما بالكثير من الشوق والامل في استعادة امجاد الماضي بعيدا عن محاذير الحاضر.