حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق شوشة بلغته الجميلة‏:‏
الإعلام الخاص غول‏..‏والرسمي كسيح‏!‏

الحوار مع إعلامي قدير مغامرة محفوفة بالمخاطر‏..‏ بعضها يتوقف علي اختيار السؤال‏..‏ ومعظمها يتعلق بمفاجأة الإجابة وبين السؤال والجواب يمتد جسر الحوار سلسا متدفقا معتمدا علي ذكاء المحاور ودهاء المسئول.‏‏ محاورنا نموذج فريد للإبداع الأدبي الأصيل.. عشق الشعر منذ طفولته فأتقن نظمه.. وشرب اللغة في سن صغيرة فامتطي ناصية الحروف والكلمات باقتدار. إنه الإنسان قبل الشاعر والمفكر قبل الإعلامي وعاشق لغتنا الجميلة قبل المدافع عنها.. وقبل هذا وذاك هو المواطن العروبي المهموم بقضايا مصر والعرب. إنه فاروق شوشة المبدع مصريا وعربيا.. هو جهاز إعلامي مستقل بآلياته من لغة متميزة دافئة إلي صوت صاف حنون يعرف طريقه للقلوب قبل الآذان.علي هذه المساحة نحاوره عن لحظات العنف والقوة في حياة اللغة العربية وارتباطها بمنظومة القيم والمبادئ.
نسأله عن أزمة الإعلام المصري الرسمي وسبب نكسته؟ عن علم الحوار الغائب في الإعلام؟ عن الإعلام الخاص وخطورته الآن؟ عن رؤيته للمشكلة والحل؟.
فاروق شوشة بلغته الجميلة فاجأنا قائلا: الإعلام الخاص غول.. والإعلام الرسمي كسيح!!
اللغة وصهرها في حياة الشعوب وارتباطها بالانتماء.. ولحظات قوتها ولحظات ضعفها أيهما الأقدر علي الحفاظ بالآخر؟.. وربط هذه المعادلة باللحظة الصعبة التي تمر بالوطن؟.
في رأيي أن اللغة هي الإنسان.. فعندما أقول لغتي, هنا أتكلم عن علاقتي بوطن وثقافة وانتماء ومواصلة حياة إذا فقدت هذا الارتباط فقد فقدت هويتي وبالتالي اللغة ليست فقط وسيلة تعبير أو وسيلة كتابة وقراءة, أو وسيلة إبداع وإنما هي في الأساس تحقق لهوية الإنسان, أسمعه فأعرف من هو, من هو ليس بمعني أنه مصري أو هندي أو إنجليزي ولكن أعرفه بمعني إلي أي ثقافة ينتمي إلي أي حضارة يجيء منها, موقعه في التراث العالمي والإنساني, كل هذا أستدل عليه من خلال هذا المتاح, العرب فرطوا في لغتهم بمستويات مختلفة فرط رؤساؤهم وملوكهم وممثلوهم في المحافل الدولية عندما تصوروا أن الحديث باللغة الأجنبية يكسبهم احترام الآخرين وهو في حقيقة الأمر يكسبهم احتقار الآخرين, لأن الذي يعتز بلغته يتمسك بها في كل مكان وعلي الآخر أن يصل إلي هذه اللغة بالوسائط الحديثة( الترجمة).. أتذكر أنني كنت في مناسبة ثقافية قريبة, وأصر صاحب المناسبة علي أن يتكلم بلغة أجنبية مراعاة لبعض الضيوف فكانت أجنبيته مثيرة!! فتساءلنا: لم لا يتكلم بلغته التي يجيدها.. وهناك ترجمة فورية.. لكن نحن غرسنا في أنفسنا هذا من منطلق عدم الثقة, من منطلق كما استعرنا كل مقتنيات الآخرين.. نريد أن نستعير حتي اللغة.
الأمر الثاني, اللغة في المجتمعات العربية الأولي.. لم تكن تتعلم.. لم يكن هناك كتاب ولا مدرسة ولا جامعة لكن كل مجتمع يعرف اللغة الصحيحة فيرضعها الطفل ويكبر بها.. نحن مضطرون إلي التعلم وقدر التعلم هو الذي يجعلني أشعر كم أتقنت من مفاتيح هذه اللغة؟ وإلي أي حد أصبحت وسيلة أو سلاحا أستعين به في الحياة وأحقق به ذاتي, تعليمنا الآن فاقد الأسس الصحيحة, ليس فقط لتعلم اللغة ولكن لتحبيب النشء فيها.. حصة اللغة العربية في المدرسة هي الحصة المكروهة, معلم اللغة العربية في المدرسة هو المعلم الثقيل الوطأة علي نفس الأولاد, الكتاب المدرسي في اللغة العربية بالمقارنة إلي الكتب الأخري في كل المواد وبالذات إلي اللغات الأجنبية هو الكتاب الأسوأ شكلا ومضمونا.. أيضا اللغة العربية في المجتمع المفروض أنها ليست مسئولية أساتذة اللغة العربية فقط.. بل هي مسئولية الجميع.. مسئولية وزارة التجارة والصناعة والصحة والأوقاف والثقافة والإعلام.. لأن هؤلاء جميعا مواطنون.. لغتهم هي العربية.. وكان يؤلمني عندما أتناقش مع أستاذ في الجيولوجيا أو مهندس أو طبيب ويقول لي أنا لست دارسا للغة العربية!!.. فأقول له: ولكنك مواطن مصري.. للأسف.. حصرت اللغة في دائرة وهمية مصطنعة.. أنا أسأل المهندس والطبيب وعالم الجغرافيا وكل إنسان لابد أنك ستتعامل باللغة العربية.. ولذلك فهي مسئولية كل أفراد المجتمع.. وإذا قصرت علي متعلمي اللغة العربية فقط.. فقد ماتت وضاعت.. أخيرا اللغة العربية لن ينصلح أمرها إلا إذا اعتبرها المجتمع مشروعا قوميا.. مشروعا قوميا يحاسب عليه الجميع ويهتم به الجميع..
هل البنية اللغوية لديها قدرة علي العلو والارتفاع بمنظومة القيم والمبادئ في المجتمع؟ وإلي أي درجة هي مؤثرة؟
اللغة هي منظومة القيم.. سلم القيم تجسده اللغة.. تجسده ليس من خلال كتاب النحو والصرف ولكن من خلال إبداعات أدبية وثقافية وفكرية تراكمت.. وأصبحت هي المنظومة التي من أجلها نقول هؤلاء حريصون علي قيمة العدل أو الحرية أو الكرامة أو الفروسية.. وتهبط اللغة فيهبط هذا كله.
اللغة هي الإنسان.. هي أنا وهي الآخرون.. فإذا تخلفت تخلفت لغتي.. وإذا انقطعت صلتي بالحياة انقطعت صلة لغتي بالحياة.. وإذا استبدلت بها لغة أخري صرت مهاجرا لغويا أعيش في ثقافة وأفق وتقاليد هذه اللغة الأخري, ولذلك نحن نحذر من خطورة أن مصر بلد سايبة بلد مفتوحة لكل الغزاة.. وأقصدأن مصر هي البلد الوحيد في العالم الذي يسمح بوجود جامعات كندية وصينية وروسية وفرنسية وأمريكية داخل أراضيه.. وهذا الأمر يؤدي إلي تشرذم في الهوية الوطنية, لأن الخريجين في الجامعة ينتمون إلي عالم هذه الثقافة.. الذين تعلموا تعليما فرنسيا.. الذين تعلموا وارتبطوا بالثقافة الفرنسية.. يصبح مثلهم الأعلي في باريس بمعني أن نعلم لغة من يقودنا.. إلي الانتماء لأصحاب هذه اللغة جغرافيا وتاريخيا وثقافيا وحضاريا.
وهناك فرق في رأيي.. بين تعلم اللغة بمعني أن أكون مواطنا عصريا أعرف إلي جانب لغتي لغة أو أكثر من اللغات الأجنبية.. وبين أن أتعلم اللغة الأجنبية.. الموقف ليس أن يكون الإنسان ضد اللغة الأجنبية كفكرة أو كأساس في تكوين شخصيته.. لكن أن يتكلم باللغة الأجنبية.. هنا هذا الإنسان هو أصبح حلقة في سلسلة من المواطنين الذين يمثلون هذه اللغة دون أن يدري.. تخيلي بيتا مصريا بعد عشر سنوات فيه شاب درس في الجامعة الكندية وشاب درس في الجامعة الفرنسية وآخر درس في الجامعة اليابانية.. كيف يمكن أن يكون بينهم تواصل؟.. من أي نوع؟.. في أي هموم ثقافية أو أدبية أو فنية؟ من أين تجيء المواطنة؟ للأسف مصر مقبلة علي كارثة فيما يتصل بالهوية الوطنية نتيجة التوسع في هذه الجامعات التي ليست مظهرا حضاريا بقدر ما هي وسيلة استثمار, ووسيلة استغلال لفقدان الجامعات المصرية لدورها وانهيار هذه الجامعات أمام المنافسة.
فأصبح كل شيء أجنبي من الحضانة إلي المدرسة إلي الجامعة هو البديل..
وأنت من حماة اللغة العربية وعشاقها.. كيف تتحمل ذبول رونق اللغة العربية وضياع هيبتها وسط المفردات الجديدة التي يتم التعامل بها وتصل أحيانا إلي ألفاظ بذيئة وخادشة ببساطة ويسر؟
هذه المسألة بدأت منذ فترة.. وكان التغيير اللغوي خصوصا عند الشباب خطة للاعتراض علي المجتمع.. ليقولوا للمجتمع: أنا لست منتميا لكم, لأني تخرجت من الجامعة ولا أستيطع الزواج ولا العمل, الحل الوحيد أمامي أني أغرق في البحر.. لهذا يقول لنفسه لن أتكلم لغتهم سأشوهها باعتبار أن هذا التشويه انتقام من الأكابر الذين حجبوا الأرزاق وسرقوا الأموال وأغلقوا كل سبيل للأمل.. هذه اللغة الخاصة مثل التي يتم التعامل بها في التنظيمات السرية.. ولكنها تنظيم سري لغوي لإفساد لغة!! وما يقوله فاروق شوشة في لغتنا الجميلة أنا البحر... فتصدر أغنية لضرب المعني والرمز!!
تيار آخر.. بدأ يظهر في العقود الأخيرة نتيجة عدم تعلم العربية.. بدأ يقول لا اللغة العربية ليست لغتنا هذه لغة الغزو الإسلامي الذي جاء به عمرو بن العاص.. واعتبروا اللغة العربية للمصريين هي العامية فلتكتب بالعامية ونسجل أشعارنا بالعامية وإعلامنا بالعامية ورأينا قنوات تقدم نشرات أخبارها بالعامية.
عندما صدر معجم الروشنة وهو يقيم المفردات الجديدة لهذه اللغة.. وجدنا في المجمع أن هذه المعاجم هي بمثابة ثورة مجتمعية من وجهة نظر الشباب!!
الإعلام المصري الرسمي يمر هو الآخر بأزمة كبري تصل إلي حد الكارثة.. وهذه الكارثة هي نتاج سنوات سيطرة نظام مبارك وأعوانه تارة وتارة أخري جموده وولاؤه لمن يحكم دون أي اعتبار لقيمة المهنية والشفافية.
في رأيك كيف الخروج من هذه النكسة الإعلامية التي ساعدت بشكل ما في أزمة ماسبيرو( الأحد الدامي) وكيف تصف الأمر؟
بداية.. أحب أن أبدأ وأقول إن الإعلام له فضيلة وهي أنه المكان الوحيد الذي تستعمل فيه هذه اللغة وهي حية.. أقصد أنها تنطق وتسمع.. عكس اللغة في المدرسة.. نجد أن مدرس اللغة العربية مثلا يشرح النحو بالعامية.. لكن في الإعلام سأجد قارئ نشرة الأخبار يقرأها باللغة العربية والنشرة مسموعة حية ليست ميتة داخل كتاب.. اللغة المطبوعة لغة ميتة لا تتطور.. ليست لها علاقة بالجسد.. فمثلا لو أن أمامي كتابا ينتمي للعصر العباسي سأجد لغته لغة قديمة.. لكن عندما أستمع إلي الإعلام أجد لغة هذا اليوم.. وبهذا استطاع الإعلام أن يبقي علي قدر ضئيل من اللغة الفصحي فيما يذيعه من مواد دينية.. وثقافية وثائقية.. وسياسية.. لكن الإعلام هدم اللغة في معظم منتجه الإعلامي.. في برامج التوك شو وحوارات الأداء اللغوي الهزيل للمذيعين والمذيعات لأن عدم التكوين اللغوي الذي يجعل مقدم البرنامج مسيطرا علي أدواته.. وأحيانا تحدث مصائب!! لأن المذيع الذي يتكلم لا يعرف معني المفرد.. أتذكر في أثناء عملي بالإذاعة.. عندما تسلمنا العريش وعادت إلي السيادة المصرية.. أقامت الإذاعة المصرية حفلا ساهرا في العريش.. والمذيع الذي يذيع الحفل أراد أن يقول تعبيرا معجزا فقال.. وقضت العريش ليلة ليلاء!! كان يقصد ليلة لا شببه لها في الجمال.. لكن معني ليلاء يعني ليلة سوداء!! وهذا المذيع كان فاقد الإحساس باللغة ودلالتها.. استعمل كلمة في غير مكانها فقلب المعني من أقصي منطقة إلي أقصي منطقة.. وهذا لأنه لم يعرف اللغة. وفي رأيي أن كوادرنا الإعلامية بحاجة إلي أشياء كثيرة.. ليس فقط التدريب اللغوي.. ولكن أيضا الجهاز الصوتي لأنه لم يدرب عند كثير من الإعلاميين.. وأصبح الصوت جهازا للغمغمة وليس للإفصاح!! أنا أصغي إلي مذيعين يتكلمون ولا أفهم ماذا يقولون لا المخارج ولا الزمن ولا طريقة ايقاع العبارة..
أنا أسأل: أين تعلموا أن يتكلموا؟
هؤلاء يحتاجون الي تدريب حقيقي ومنظم ليتعلم كل اعلامي.. كيف يصوغ سؤالا بطريقة موضوعية واضحة محددة.. حتي يستطيع الضيف الاجابة بشكل واضح.. أما الأسئلة من أمثلة.. كيف تري هذه المسألة؟ كيف تفكر في هذا الأمر؟ ماهي قراءتك للمشهد؟.. هذه أسئلة تؤدي الي اجابات انشائية.
لابد أن يسأل المذيع عن شيء محدد ليصل الي اجابة محددة.. معظم المذيعين فاقدون لمعني علم السؤال.
ولابد قبل أن يتولي المذيع برنامجا حواريا أن يتعلم فن الحوار.. كيف يبدأ اثارة الموضوع؟ كيف يتصاعد معك هذا الموضوع درجة بعد درجة؟ متي تبلغ ذروة المناقشة.. أو الشيء الذي ينتظره المستمع أو المشاهد.. لأنك وضعت يدك علي قلب المشكلة.. ماهو الشيء الذي يجب أن تركز عليه في الحوار؟ ما هو الشيء الذي يجب عليك أن تتجنبه.. ولا يأتي ذكره علي لسانك؟ ليس لأنه مناف للحقيقة لكن لانه مختلف عن التقاليد والعرف والقيم فلا يسأل عنه.. فعلم السؤال وعلم الحوار غائبان في معاهد التدريس الاذاعي والتليفزيوني.. هذا بالاضافة الي اجادة اللغة, وهما من صميم التكوين اللغوي, وهما ليسا منفصلين عن ان أكون لدي القدرة علي التصدي والقدرة علي نفي كلمات والاتيان بكلمات اخري.
لو كان هناك وعي أكبر باللغة العربية وبعلم السؤال وبعلم الحوار.. ما وصل الإعلام الحكومي لما وصل اليه الآن.. لو عدنا الي مايسمي بموقعة ماسبيرو9 أكتوبر التي وصل فيها الخطأ الإعلامي الحكومي فيه الي ذروته واتهامه من كل أطراف المجتمع بالتحريض واشعال نار الفتنة بين المسلمين والأقباط والجيش والشرطة.
هذه الأزمة الكبري بخبرتك الاعلامية وحسك الوطني كيف يتم تجاوزها وعدم تكرارها مرة أخري؟
هذا سؤال مركب.. وقبل أن أدخل في جوهر القضية.. أنا أحمل احتراما وتقديرا لشخص وزير الإعلام كاتبا وصحفيا, وقلبي عليه في هذا المشهد الذي أشعر فيه أن أي وزير سيتولي الاعلام الآن يواجه محرقة.. فكل وزير للإعلام معرض لهذه المحرقة؟ وهذا لأن بعد ثورة25 يناير الغي منصب وزير الإعلام وتفاءلنا خيرا وقلنا هذا مطلب الاعلاميين لكي يصبح وضع اتحاد الاذاعة والتليفزيون القانوني والإداري والمالي والثقافي والوظيفي سليما.. ويقطع اللسان الذي كان يتكلم به وزراء الاعلام. منذ العصر الناصري ليكونوا ألسنة الدولة والنظام, لأن طبيعة عمل وزير الاعلام أن يكون معبرا عمن أتوا به وأن يكون المدافع الرسمي عنهم وأن يعيش هذه الحيرة الهائلة بين ولائه لمن عينوه ورؤيته للحقيقة التي في الشارع, وبالتالي جزء كبير من اللخبطة الإعلامية ان لدينا كاتبا وصحفيا حرا لديه قناعاته التي مارسها في عمله الصحفي ولديه رؤيته لمعني الحرية, ويعرف مامعني السلوك الديمقراطي, لكن وضعه علي رأس وزارة الاعلام يجعل منه حارسا ولسانا ومحاميا ومدافعا عن سياسات معينة.
في رأيي, الحل من الجذور الا يكون هناك وزيرا للاعلام, لأن عودة الدولة الي فكرة وزير الاعلام معناها عودة الي التسلط ونقض لفكرة الديمقراطية والحرية التي نادت بها الثورة العظيمة.
وهناك أمر آخر وهو ماقيل ان الغاء منصب وزير الاعلام أدي الي انهيار الاعلام!! وان اتحاد الاذاعة والتليفزيون فشل في النهوض.. وفي رأيي كان لابد من ان تعاد هيكلة هذا الاتحاد, وأمامنا نماذج في العالم ناجحة, الاعلام في بريطانيا وصيغة الB.B.C, الاعلام في فرنسا.. الاعلام في المانيا.. هذه بلاد ليس فيها وزير اعلام لانها لا تريد ناطقا باسم الدولة وبالتالي اتحاد الاذاعة والتليفزيون لكي يكون معبرا عن المجتمع لابد أن يكون له مجلس أمناء فيه النقباء المهنيون الذين يعبرون عن نقاباتهم والمتسببون لهذه النقابات, وممثلو المجتمع المدني.. والخبراء الاعلاميون البعيدون عن ان يكونوا قد لوثوا بوضعهم في لجنة سياسات أو في حزب أو في كذا.. مجرد انه خبير إعلامي له هذه الصيغة التي تبعده عن التلوث بأمر ما, نقابة الاعلاميين لو كان لهم نقابة, المستثمرون لأن الاعلام استثمار وأيضا الدولة, لأن لها نصيبا في ميزانية الاتحاد ولابد أن يكون لها صوت داخل الاتحاد لتعبر عن فلسفة الدولة.. لأن الاعلام لابد أن يحكمه ضوابط ما, أولها الأمن القومي وعدم تجاوزه.. ونجد أن لمشكلة9 أكتوبر التي تشيرين اليها جزء منها مسئولية الإعلام الرسمي, لأن الاعلامي خرج عن الخط القومي وتجاوز الخط الأحمر.
الأمر الثاني هو منظومة القيم التي تحكم المجتمع.. لأن لابد أن يكون لدينا إعلام يحافظ علي الأمن القومي, ويحافظ علي منظومة القيم بوجود من يمثل الحكومة أو الحكم في هذا الاتحاد.. بهذا الشكل يصبح مجلس الأمناء منظومة شرعية لها السلطة الكافية ولها الدعم المالي الكافي ولها الحقوق الدستورية المشروعة ولانها تمثل كل طوائف المجتمع وكل النقابات وكل منظمات المجتمع المدني.. ولكن للأسف نحن لم نفعل هذا ولن نفعله..!!وقد قيل عند عودة وزارة الإعلام ووزيرها.. ان السبب هو إصلاح الهيكل.. وأنا اسأل وأريد أن أعرف خطوات اصلاح هذا الهيكل وماذا تم فيه حتي الآن؟.. واعتقد أنه لن يتم فيه شئ, لسبب بسيط.. ليس لان وزير الاعلام مقصر ولكن لأن همومه اليومية وما سيصادفه من مآس ناتجة عن الشلل في الجهاز وناتجة عن الكوادر غير مدربة وستجلب المصائب التي سيتحمل نتائجها هو شخصيا, هذه الكوارث اليومية ستجعله لا يفكر في أكثر مما يحدث كل يوم, وليس التخطيط للمستقبل, ولذلك عندما دعيت للمشاركة في مجلس الامناء الأخير اعتذرت وكنت في مجلس الأمناء الذي قبله برئاسة اللواء طارق المهدي.. لأن كان لدينا أمل, ولم يكن هناك وزير اعلام.. لكن عند عودة منصب وزير اعلام.. قلت هذه ردة.. الدولة ترتد عن الخط الديمقراطي الذي طالبت به الثورة.. مرة أخري مع تقديري واحترامي لشخص وزير الاعلام وشكري له لانه اختارني من بين الرواد الإحدي عشر المستمرون في الاذاعة.
أخشي ان يقع الوطن بعد ثورته المشرفة علي الاستبداد والديكتاتورية فريسة بين الاعلام الحكومي المتخبط الفاقد للمصداقية والمهنية تارة وبين الاعلام الممول من أصحاب رءوس الأموال بمصالحهم واهدافهم التي لابد ولها منظومتها الاخلاقية المتناسية مع مصالحها الخاصة تارة أخري؟ وبدل مايسهم الاعلام في العبور والنهضة التي نحتاجها يسير بنا في دهاليز المصالح والتخبط وعدم الشفافية؟
الاعلام الخاص الآن أصبح غولا.. هناك قنوات خاصة: سياسية تابعة لأحزاب وقنوات دينية اسلامية ومسيحية.. وقنوات تدافع عن مصالح أصحابها. الاعلام الخاص أصبح غولا ولديه آلة اعلامية هائلة خارج نطاق الاعلام الرسمي أو الحكومي.. هذا الاعلام الآن كسيح بقدراته, بمديونياته التي تبلغ نحو13 مليار جنيه.. وكسيح بكوادره غير المدربة.. وبكوادره التي رأت في اعلامي العهد السابق نموذجا رائعا لانعدام المهنية فهي تحاول تقليدهم لأنهم تحولوا الي زعماء يوجهون الجماهير.. يعني عندما يصبح المذيع نتيجة لاحساسه بأن وزير إعلامه وراءه لجنة السياسات ووراءه الوريث, فهو يعامل الوزير كأنه موظف لديه, ويهاجمه في الحوار وكأنه يعمل في عزبته!!, والمذيع يتخيل انه سلطان!! هنا انتهت المهنية.. انتهت المهنية في اللغة وفي أدب الحوار وفي النتائج التي سينتظرها المستمع أو المشاهد ولذلك أنا شبهتهم جميعا بالاراجوزات.. قلت هؤلاء ارجوزات الاعلام الذين تضخمت ذواتهم وظنوا انهم هم الزعماء البديلون لمصطفي كامل وسعد زغلول ومصطفي النحاس.. هؤلاء هم زعماء الأمة الجدد الذين يرسمون فكرها ويصنعون مستقبل مصر كما توهم بعض أعضاء الحزب الوطني.
انهم يرسمون خريطة جديدة لمصر.. هؤلاء أيضا كانوا يرسمونها بطريقتهم.. للأسف كل من الاعلام الرسمي والخاص فقدا المهنية.. والمهنية بأبسط تعريفاتها هي تتصل بالفن الاعلامي وبقيم المجتمع وبمضامين التوجهات ونوعية القضايا المطروحة والتقاط حساسية الناس لأمور تطرح أو لا تطرح, أنا أحيانا أجد أن كثيرا من الفضائيات في بقعة واحدة تصر علي فتح الجرح لتعرض الصديد علي الناس وهي تنافس أي قناة ستقدم أكبر كمية من الصديد؟ أي قناة ستجري وتهرع لاستضافة الخارجين من السجون اليوم لتحقق السبق!! وتعرض علي الجماهير نماذج تملؤها أمراض وأحقاد وطائفية وعنصرية!!
في هذا الجو ماذا نقول غير ان المهنية قد نسفت, واستعادتها ليس بالأمر السهل في القنوات الخاصة, اما في الاعلام الرسمي اعتقد انه سيظل موصوما ولا مفر من الغاء فكرة وزير الاعلام مرة أخري والعودة الي اتحاد الاذاعة والتليفزيون يملك مقاديره كاملة.
دائما بعد اندلاع الثورات.. تمر المجتمعات بمراحل انتقالية صعبة ولها ظلالها الثقيلة.. في رأيك العبور من هذه المرحلة الآن أمر يمكن تداركه أم لا؟
عموما, مايخفف من مرور المراحل الانتقالية بعد الثورة.. هو ان الثوار بعد نجاح ثورتهم يحكمون ويحققون بأنفسهم مايريدون ويطهرون الطريق من أعداء الثورة بأنفسهم.. لانهم يعرفونهم واحدا واحدا, وأيضا يقدمون منهجا مخططا يصبح لقيادتهم الدور الأول في صنع المجتمع الجديد.. لكن ثورتنا ليس لديها شيء من هذا كله.. لم يكن لديها المنهج.. لم يكن لديها القيادة.. لم يتح لها ان تصبح مسئولة بشكل مباشر عن المجتمع.. فلجأت الي الصديق, والاستعانة بالصديق أمر مختلف, لأن الصديق قد يتفق معك في خطوة وقد لا يتفق في خطوة أخري.. بعد قليل.. يقع صدام.. لأن الصديق هنا تحول الي سلطة والي صانع رؤية وموقف..
ونحن الآن مقبلون علي انتخابات والناس تترشح والفاسدون كما تقول الصحف القومية كلها هم أول المتقدمين في الانتخابات القادمة.. كيف يتم هذا؟ ماذا نريد بمستقبل مصر؟ وكيف يتخذ القضاء قرارا بحل المجالس المحلية ولا أحلها؟
كان عهد مبارك هو العهد الذي كان يصدر فيه القضاء أحكاما لكي تعلق ولا تنفذ!! الآن هل الأمر تغير أم لا؟
هل يمكن تلخيص الوضع الراهن المليء بالخوف والتوجس والتخبط والقلق والأمل في غد أفضل وأنقي وأرقي.. في ابيات شعرية عربية؟
بعد صمت دافئ اختار ابياتا لأحمد شوقي, ابياتا تغني بها محمد عبدالوهاب.. تصف وتحكي المشاكل أثناء التهديد بفصل مصر عن السودان والسودان عن مصر:
إلآم الخلف بينكم إلآم..... وهذه الضجة الكبري علام
وفيم يكيد بعضكم لبعض...... وتبدون العداوة والخصام
وأين الفوز لا مصر استقرت...... علي حال ولا السودان دام
ويكمل فاروق شوشة.. قيلت هذه الأبيات عن مصر والسودان عندما حدثت فتنة كبري.. وأري إذا تغير البيت الثالث سيحاكي حالنا الآن..
وأين الفوز.. لا مصر استقرت علي حال ولا الاصلاح دام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.