كان الوقت صيفا حينما غادرت القاهرة إلي الولاياتالمتحدة, ولكن صيف القاهرة لم يكن مناخيا فقط وإنما كان سياسيا كذلك وهو ما استمر قيظا حافلا بالأحداث والفواجع والمآسي الوطنية. كانت الصورة الوردية للثورة قد تركت في أثرها عالما حقيقيا آخر, وذهبت الرومانسية لكي يحل محلها الواقع المصري بكل تعقيداته. وببساطة كانت ليلة زفاف مصر لشباب جديد وامتلأت بالأفراح وحلم الليالي الملاح قد استيقظت في صباح اليوم التالي وهي في حاجة إلي علاج الكثير من صداع الرأس. الصيف الأمريكي لم يكن أقل حرارة, وفي مدينة بوسطن الساحلية فإن الرطوبة عادة ما تجعل الحر خانقا, وكانت أرقام البطالة قد جعلت الصحف تتحدث عن ركود اقتصادي ثان. وبالنسبة للغريب لم يكن الأمر جديدا, وعندما سألت صديقا عن حالة الاكتئاب الجارية رغم أن الحال كما يبدو لم يختلف كثيرا عما كان عليه في سنوات سابقة. وكانت الإجابة هي أن الأمريكيين انسحبوا من السوق, فمن هم في حالة بطالة(9.5%) لا يمكنهم إنفاق ما لديهم من قليل, وهناك مثلهم أو أكثر يخاف من مواجهة المصير ذاته فيبقي أمواله سائلة, أما أصحاب البيوت والعقارات فهؤلاء انخفضت قيمة ممتلكاتهم بفعل الركود ومن ثم لم يعد لديهم شجاعة الإنفاق مما هو متبق في البنوك. ضع ذلك كله فوق بعضه البعض وسوف تجد أن نصف الشعب الأمريكي انسحب من السوق إنفاقا أو استثمارا. كان الصيف حارا والرطوبة خانقة, وأضاف له الحديث بؤسا آخر. ذهب الصيف علي أي حال, وفي القاهرة لم تأت الأنباء بما يبشر حول برودة من نوع ما في شهر أكتوبر, أما عبر المحيط فجاء الخريف حاملا معه بردا يصاحبه ألوانا مبهجة. وعلي مدي الأسبوعين الماضيين كان الطريق من وإلي الجامعة تحفه أشجار باسقة راحت ألوانها تتغير من الأخضر إلي الأصفر إلي البرتقالي, ومن الخبرة السابقة فسوف يأتي اللون الأحمر ومن بعده البني, ولا يبقي بعد ذلك إلا سقوط الأوراق وتبدأ الطبيعة فصل الشتاء. الجميل في الأمر أن الأشجار كلها لا تتغير في وقت واحد, فالأمر متروك للحرارة والضوء والظل والرياح فيأتي التنوع المتناغم فيجري علي النبات ما يحدث مع الموسيقي في طبقاتها المختلفة. وإذا كنت لا أدري هل ستهبط الحرارة في القاهرة التي سوف أعود لها قريبا, فإنني لا أعلم عما إذا كان الخريف الأمريكي سوف يكون مقدمة لشتاء طويل أم لا؟ [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد