«واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» موضوع خطبة الجمعة اليوم    الحبس والغرامة.. تعرف على عقوبات تسريب أسئلة الامتحانات وأجوبتها    مصر تشارك بأكبر معرض في العالم متخصص بتكنولوجيا المياه والصرف الصحي بألمانيا "IFAT 2024" (صور)    تضامن الدقهلية تنظم ورشة عمل للتعريف بقانون حقوق كبار السن    إيقاف أعمال بناء مخالفة بقرية الأشراف في قنا    سعر الدولار فى البنوك المصرية صباح الجمعة 17 مايو 2024    الجزار: انتهاء القرعة العلنية لحاجزي وحدات المرحلة التكميلية ب4 مدن جديدة    مصر تفوز بحق تنظيم الاجتماعات السنوية للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في 2027    رسميا.. تجديد تكليف مي فريد مديرًا تنفيذيًا للتأمين الصحي الشامل    17 مايو 2024.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    الانتهاء من القرعة العلنية اليدوية لحاجزي الوحدات السكنية ب4 مدن جديدة    وزيرة التخطيط تشارك بافتتاح النسخة الحادية عشر لقمة رايز أب    محكمة العدل الدولية تبدأ نظر دعوى جنوب إفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي (بث مباشر)    أمريكا: تفريغ الحمولة الأولى من المساعدات على الميناء العائم بغزة    الخارجية الروسية: لا نخطط للتدخل في الانتخابات الأمريكية    ليفربول عن رحيل نجمه: جزء من تاريخنا إلى الأبد    مواعيد مباريات الجمعة 17 مايو.. القمة في كرة اليد ودربي الرياض    بعد تعثره أمام الخليج.. اتحاد جدة خارج دوري النخبة الآسيوي    سيد عبد الحفيظ: مواجهة نهضة بركان ليست سهلة.. وأتمنى تتويج الزمالك بالكونفدرالية    بعد 3 أسابيع من إعلان استمراره.. برشلونة يرغب في إقالة تشافي    بدء امتحانات الشهادة الإعدادية 2024 فى قنا غدا    مصرع ربة منزل ونجليها في حادث دهس أسفل سيارة بعين شمس    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق بقطعة أرض فضاء في العمرانية    ضبط زجاجات مياه غازية ولحوم مذبوحة خارج السلخانة ببني سويف    الزعيم عادل إمام يحتفل بعيد ميلاده ال84 اليوم    وفاة أحمد نوير مراسل قنوات بين سبورت.. موعد ومكان الجنازة    طارق الشناوي ل «معكم منى الشاذلي»: جدي شيخ الأزهر الأسبق    الإثنين.. المركز القومي للسينما يقيم فعاليات نادي سينما المرأة    دعاء يوم الجمعة المستجاب.. «اللهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها» ردده الآن    انطلاق قافلة جامعة المنصورة المتكاملة "جسور الخير-21" المتجهة لحلايب وشلاتين وأبو رماد    في 5 دقائق.. طريقة تحضير ساندويتش الجبنة الرومي    مرور مفاجئ لفريق التفتيش الصيدلي على الوحدات الصحية ببني سويف    طريقة عمل الهريسة، مذاقها مميز وأحلى من الجاهزة    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أين وصلت جلسات محكمة العدل الدولية للنظر في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟    رونالدو يتحدى ميتروفيتش في التشكيل المتوقع لديربي الرياض    الشرطة السويدية تطوق منطقة تتواجد بها سفارة إسرائيل بسبب حادث إطلاق نار    «الأوقاف» تعلن افتتاح 12 مسجدا منها 7 إحلالا وتجديدا و5 صيانة وتطويرا    احذر.. قلق الامتحانات الشديد يؤدي إلى حالة نفسية تؤثر على التركيز والتحصيل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    سيولة مرورية وسط كثافات محدودة بشوارع القاهرة والجيزة    الاغتسال والتطيب الأبرز.. ما هي سنن يوم «الجمعة»؟    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة.. غدا    جيش الاحتلال: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان وانفجار أخرى في الجليل الغربي    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    النواب الأمريكي يقر مشروع قانون يجبر بايدن على إمداد إسرائيل بالأسلحة دون انقطاع    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    عاجل - أخبار فلسطين.. مصادر محلية: بدء انسحاب قوات الاحتلال من بلدة بلعا بطولكرم    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    "كاميرا ترصد الجريمة".. تفاصيل تعدي شخص على آخرين بسلاح أبيض في الإسماعيلية    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر الخروج الي النور
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 10 - 2011

‏في بر مصر المحروسة وفي الزمن القديم‏...‏تعود المصريون أن يعيشوا حياتهم في رحاب فكرة التجويد والتحسين فقد كان أكثر ما يهم المصريين هو أن يؤدوا واجباتهم في هذه الحياة علي أكمل وجه.‏ فلم يكن هناك ما يعني المصري بشكل خاص الا ان ينجح في تأدية دوره اداء يبلغ فيه الرضا عنه في الحياة الآخري.
فلم تكن في حقيقة الأمر هناك حزمة متراكمة من التطلعات المادية ولم يكن هناك شغف كبير بما يمكن أن يطلق عليه جنون الحصول علي مكاسب إلي آخر مدي لتحقيق الاحلام التي غالبا ما تكون خارجة عن النسق والمألوف.
فكل ما كان يهم المصري الذي عاش يومها ان يحترم الكبير ويحنو علي الصغير, ان يكون وفيا لأرضه وللونها الأخضر, وان يعيش ولا يؤذي أحدا و أن يموت وهو يقسم بأنه لم يلوث يوما مياه النيل.
وأما الجائزة الكبري بعد حياة حافلة بالاجتهاد وتحمل الصعاب فكانت جائزة ا الخروج إلي النهارب وتعني في أبسط تفسيرالخروج من هذه الدنيا ذات النظرة الضيقة إلي رحاب السماء الواسعة التي يتألق النور فيها ولا ينقطع وكأننا في عز النهار.
ورغم ان هذه السطور تحمل بعض التفسير والاضافات الشخصية فأنني أريد في النهاية أن أصل إلي الحال الذي بدأت عليه الحضارة والتقدم في مصر وهو الأمرالذي أختلف الآن كثيرا.
من خلال مقدما بسيطة في التحضر والتزام الاطار الاجتماعي واحترام الآخرين وتقديم أصحاب المواهب والقدرات وأهل الرأي أستطاع المصريون أن يحققوا أعظم حالات التحضر في الوجود ووصلوا إلي حالة فريدة هي حضارة الفأس والقلم.
وقد ظلت هذه هي الملامح الرئيسية لمصر القوية المتحضرة التي كانت كثيرا ما تصيبها حالات من الاعياء والمرض الشديد عندما تتخلي عن أي من هذه المفردات.
فالقصة المصرية كلها وفي أي عصر تتلخص في أن الخروج عن هذه الملامح والمفردات التي تحتمل تعبير الوسطية والاعتدال في كل شئ يعني خروجا عن الحضارة وان الالتزام بها يعني الخروج إلي النهار في هذه الدنيا الواسعة.
ولهذا كله فالسؤال الذي يفرض نفسه الآن.. هو معني وجود مشروع حضاري مصري في هذه اللحظات المترقبة من تاريخ مصر؟!فإذا كان الأجداد قد نجحوا في أن يؤسسوا حضارة متوازنة بأبسط المفردات لماذا نعجز نحن اليوم ؟ وإذا قدر لنا أن نتحرك من هذه النقطة وأن نؤسس مشروعا حضاريا مصريا من جديد فكيف سيكون وكيف يمكن أن ينجح في تجاوز عقبات صغيرة لا تلبث أن تتحول إلي عقبات كبيرة أمام الاستمرارية المصرية.
وهكذا نصوغ السؤال.. بعد الأحداث المؤسفة الأخيرة كيف يري هؤلاء المفكرون الاحوال في مصر وهم الذين عاشوا سنوات في الواقع المصري وأصبح لهم تجاربهم مع الايام. فاليوم نسألهم وان كنا في تقديمنا لأرائهم تعمدنا اللجوء إلي الترتيب الابجدي حيث ان كلا منهم حجة ودليل يقتدي به.
يحدث هذا عندما نفقد البوصلة
المفكر د. إسماعيل سراج الدين:- لدينا بالفعل أربع خطوات لهذا الاصلاح. أولي الخطوات لابد وان تكون التعليم الذي يعاني من حالة إنهيار تام في مصر. فهناك من يتحدث عن الريادة المصرية وهذا كان في الماضي. والآن لا يليق أن نعامل أبناؤنا هذه المعاملة. فلابد أن نفتح أذهانهم علي هذا العالم المتغير. وأما الخطوة الثانية فهي فخاصة بالجامعات التي لابد من إحياء دورها وبعد الثورة هناك رؤية في هذا الاتجاه.. فالجامعة هي الفترة العمرية التي يتحول فيها الفرد من تلميذ إلي مواطن. وهي الفترة التي يتحول فيها الشخص من مجرد شخص يتعلم إلي إنسان له رأي سياسي ومشارك في الحياة. فبصورة عامة هي فترة مهمة في حياة أي شخص وهي تحتاج إلي تطوير وفهم مختلف. و التعليم الاساسي قبل الجامعة مهم أيضا لاننا نريد من الطفل أن يسأل. ولا يربط أسئلته بوجودها أو عدم وجودها في المقرر الدراسي.
وأما الخطوة الثالثة فهي حالة التخوف من الجديد و هناك من يعطي لنفسه السلطة لمحاسبة كل من يخالفه الرأي. والمعروف أن الدين الاسلامي هو أكثر الاديان تسامحا وانفتاحا والسماح بالتعددية في هذه الدنيا. ونحن في حاجة إلي إظهار صورة الاسلام الحقيقية التي تمثلها شخصيات عظيمة بدءا من الامام محمد عبده وحتي الشيخ الطيب. فلابد للوسطية المصرية أن تعبر عن نفسها في صورة واضحة. ولدينا في المكتبة إصدار لكتب التنوير التي صدرت في القرنين التاسع عشر والعشرين في العالم الاسلامي بمقدمات جديدة. كما أننا طلبنا من مجموعة طلاب جامعيين قراءة هذه النصوص, وقاموا بالفعل بتحديد الكلمات والعبارات غير المفهومة لتوضيحها وحتي تصبح متاحة لأي قارئ. وستكون الكتب متاحة علي الانترنت في وقت قريب.
وأما الخطوة الرابعة و الأخير فهي الابداع الفني وليس كل من يقدم عملا مبتذلا يطلق عليه حرية التعبير, فقد تقهقر الابداع الفني نسبيا في مصر فترة من الفترات والآن علينا أن نعود.
ومسيرة المجتمعات لا تسير في خط مستقيم ومحدد. فإذا نظرت إلي الامواج في البحر لن تجدي الامواج تسير بنفس السرعة وفي خط واحد. والامواج هي التيارات المختلفة في المجتمع. ومجتمعنا المصري حظي بانطلاقة جميلة وثورة25 يناير كانت ثورة قيم جميلة مؤكدة للحريات والمشاركة. وجاءت بعدها موجة أخري من المطالب الفئوية ثم موجة ثالثة تحطيمية للبلطجية. ولكن في النهاية هذا الوعي العظيم الذي جاء مع الشباب هو الذي سيحدد معالم الجمهورية الجديدة.وهي بالضرورة جمهورية ديمقراطية. وأري أن الدور الاساسي في التفكير الجديد يتطلب تقوية المحليات. وأعتقد انه لابد أن يكون في مصر محليات قوية منتخبة ومحافظين منتخبين لتحقيق مشاركة بطريقة كبيرة قادرة علي محاسبة السياسيين علي ادائهم وهو ما يتحقق بوجود موارد حقيقية تعطي لهذه المحافظات لحل المشاكل. فلا يعقل ان يكون من لديه مشكلة في مدرسة أو صرف صحي في اسوان مثلا عليه أن يذهب إلي القاهرة لحل هذه المشكلة. فالمحليات من المفترض أن تكون الحضانة لجيل جديد من الشباب الذي مارس العملية الديمقراطية من المهد ليصل إلي العمل القومي.
و مصر تستطيع أن تصلح من أوضاعها بسرعة. بمعني اننا لدينا المقومات وإذا انتهجنا برامج إصلاح حقيقية في التعليم يمكن أن تظهر آثار الاصلاح في فترة من ثلاث إلي خمس سنوات. وبالنسبة للأوضاع الاقتصادية والدبلوماسية فنحن في حاجة إلي نفس الفترة تقريبا. ولكن علي المدي البعيد من عشرة إلي خمسة عشر عاما يمكننا أن نطور المنظومة العلمية والبحثية لدينا بدرجة لائقة. وفي تاريخ الأمم هذا الزمن لا يمثل شيئا. فهناك اشياء لابد وأن تأخذ وقتها. فمثلا كوريا الجنوبية التي أنتجت السيارات أرادت أن تصبح رائدة في البيوتكنولوجي فوضعوا خطة أولي مدتها ست سنين لاصلاح النظام التعليمي الخاص بهذا الفرع العلمي, ثم انتقلوا إلي خطة أخري بعدها لتطوير المؤسسات العلمية التي تستطيع أن تمتص هذه القاعدة العلمية لإنشاء خمسمائة مؤسسة كبداية وتوقعوا أن تنجح فقط من خمس إلي عشرين مؤسسة من الخمسمائة علي أن تفشل البقية. ومن خلال هذا النجاح يستطيعوا إنتاج دوائيين جديدين وهذا يمكنهم من وضع خطة أخيرة تمكنهم من إنتاج من خمس إلي سبع أدوية جديدة. وهذا يحتاج كما قلت ثلاث خطط, علي أن تستغرق كل خطة ست سنوات. فالنجاح لا يتقرر بأين كنت أقف, ولكنه يتقرر بمكاني الذي حققته في الوجود العالمي.
الحلم المصري
الكاتب والروائي بهاء طاهر: لدي مصر بالفعل مشروع قومي منذ قرنين من الزمان, وقد كتبت عن الحلم المصري في كتابي ابناء رفاعة وأقصد أبناء رفاعة الطهطاوي في مصر الذين حاولوا أن يحققوا هذا الحلم الذي يتمثل في الديمقراطية والتعليم وحرية المرأة والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية.
فمن أجل هذه الأهداف دخلت مصر وقامت ثورات وكل هذا كان وراءه فكرة الحلم المصري الذي سعت إليه عدة أجيال لتحقيقه. والاحداث الأخيرة التي حدثت في مصر تندرج تحت الاحساس بأن هذا الحلم المصري تقف في طريقه عقبات وأن هناك رغبة في الخروج من هذا النفق الذي دخل فيه الحلم لكي يتحقق كاملا بحذافيره.
ومن يقرأ الكتاب سيجد انني وصفت هذا الحلم بأنه ضد التتريك والتغريب, علي اساس أن الدولة العثمانية لا ينتمي إليها هذا الحلم ولا يمثله بالتالي حكم الدولة العثمانية, كما أنه لا ينتمي إلي الغرب الذي فرض نفسه كوريث للامبراطورية العثمانية.
فالحلم المصري حلم مستقل وإذا نجحنا في تحقيقه بعد أن نقضي علي العقبات التي تقف في طريق تحقيقه تحقق مصر في هذا الوقت ما سعت إليه الأجيال علي مدي قرنين.
وأظن أن الثورة الاخيرة أي ثورة25 يناير هي دليل حي علي أن المصريين لا يستسلمون للعقبات التي تقف في طريق تحقيقهم للحلم.
وإن كانت هناك مازالت عقبات في الطريق ولكن يستمر الصراع من أجل أن تحقق مصر حلمها.
أول خطوة
الكاتب الكبير سلامة أحمد سلامة: كل الشعوب التي نهضت مثل اليابان وكوريا وحتي ماليزيا كان التعليم أولي خطواتهم. فما فعلته هذه الشعوب لتحقيق الارتقاء هو أنها أعادت تشكيل الأنظمة التعليمية بطريقة تتفق مع التطورات الحديثة في العالم لتجعل منها أساسا للنهضة.
وعندما نبني أساسا يصبح من السهل علينا تأسيس نهضة ترتفع طابقا فوق طابق.
واساسا التعليم هو المفتاح لبداية أي نهضة ولا يمكن أن نخطو خطوة إلي الامام بدونه, كما ان الوصول إلي مستوي متقدم من التعليم يجعلنا نستطيع وبسهولة التعرض إلي عامل آخر من عوامل البناء والنهضة.
والتعليم يعني تحقيق اقتصاد قوي ووجود عمال مهرة. فلدينا بالفعل عمال ولكنهم ليسوا مجهزين بمستوي العمالة في البلاد الآخري التي نجد فيها العمالة مدربة وتستطيع أن تتابع التطورات التي تحدث ولهذا لابد من إصلاح منظومة التعليم ككل.
والتعليم أيضا يؤدي إلي ارتفاع مستوي المعيشة والمستوي الصحي كما انه ينمي فينا مستوي الوعي بمعني القدرة علي استنباط الاساليب الحديثة وتقبل واستيعاب والتعامل مع منجزات الحضارة.
فالحضارة هي مجموعة من الانجازات وأساسها التعلم لكي يعرف الناس أدق أسرارها. فالنهضة لا تبدأ من فوق والنهضة التكنولوجية لا تحدث الا إذا كان هو الاساس.
والتعليم يجعل للتدين شكلا مختلفا لانه اساس حقيقي للارتقاء بالروح وليس مجرد شكليات. فعندما نحصل علي قسط جيد من التعليم يكون الدين مفهوما لدينا بطريقة أفضل ونتعامل معه بطريقة افضل.
وياتي بعد التعليم الرغبة في الارتفاع بمستوي المعيشة وزيادة الدخل والقضاءعلي الفقر وكلها أساسيات إذا تحققت يكون المجتمع وقتها أكثر قدرة علي التآلف والتماسك.
مركب كيميائي
الكاتب والباحث سمير مرقس: إذا أردنا أن نتحدث عن مشروع حضاري مصري فلابد أن نعيد قراءة الكتاب المفتاح تكوين مصر لمحمد شفيق غربال ويضم عددا من المحاضرات التي القاها في البي. بي. سي في الخمسينات وكانت باللغة الإنجليزية وترجمت إلي العربية في كتاب صغير لا يتجاوز الستين أو السبعين صفحة.
والكتاب يضم خلاصة المشروع الحضاري المصري ويعد من افضل الكتابات التي قدمها غربال وهو شخص استطاع ان يخدم الثقافة المصرية. وبشكل خاص هناك فكرة المركب الحضاري المصري الفرعوني والقبطي والاسلامي والحديث. ولهذا أرشح هذا الكتاب ليتم تدريسه للطلبة علي أن يتكرر تدريسه في كل المراحل السنية حسب قدرة الاستيعاب.
وبالفعل مصر بالنسبة لي مركب حضاري وهي بلغة الكيمياء خلاصة التفاعل بين العناصر المختلفة. وهذه عبقرية مصر التي لا يمكن أن تكون عنصرا واحدا فقط.
فلدي مصر قدرة عجيبة علي منح الأشياء طعما ونكهة خاصة وقدرتها علي إستيعاب الثقافات الوافد وإعادة إنتاجها بشكل مركب لاتقارن. فكما يؤكد د. أنور عبد الملك ود. لويس عوض هناك نوع من الاستمرارية الحضارية والتواصل الحضاري.
لذا يمكن أن نجد تجليات قبطية في الثقافة الاسلامية وتجليات إسلامية في الثقافة المعاصرة. وتجليات الشخصية المصرية مختلفة ومتنوعة وهي مشتركة بين المصريين ولا يمكن الحكم عليها بالمعني الضيق للأشياء.
فقد كان د. ميلاد حنا يتحدث عن فكرة الرقائق الحضارية والحالة المصرية فيها جدل وتفاعل أخذ وعطاء بين كل رقيقة ورقيقة. وتبدو هذه الفكرة واضحة وبالذات في مرحلة النهوض وهذه هي روح هذا لمركب. وفي الأزمات فقط يحدث أن يحاول كل عنصر أن ينفصل عن بقية العناصر الآخري وأن يظهر رموزه بمعزل عن الآخرين. فالحالة المصرية الطبيعية تجعل عناصر المركب في حالة حوارية.
مواجهة الصراع بين الانغلاق والليبرالية
المفكر السيد يسين: كلمة المشروع الحضاري لم تعد تستخدم الآن. وكباحثين كنا نستخدمها في الستينات والسبعينات ولم يكن لدينا مع هذا تعريف محدد لها. ومن هنا كانت تختلف الاجتهادات في هذا المجال. وعلي كل الاحوال كنا نقصد بهذا المفهوم مشروعا قوميا محدد الأهداف والوسائل تجتمع عليه كلا فئات المجتمع وتقوم علي ادارته سلطة سياسية لديها القدرة والارادة علي تنفيذ هذا المشروع.
وفي العقود الآخيرة بطل أستخدام هذا المفهوم وأصبحت الرؤية الاستراتيجية هي البديل كتصور محدد لأي مجتمع من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في العشرين عاما القادمة. وهناك العديد من الدول المعاصرة التي صاغت لنفسها رؤي استراتيجية من بينها الولايات المتحدة الامريكية التي أصدرت وثيقة شهيرة بعنوانmapingTheglobalfuture او تخطيط المستقبل الكوني قامت علي أساس قراءة دقيقة للخريطة المعرفية للتغيرات التي لحقت بالمجتمع العالمي ومقابلات منهجية مع عدد من مؤسسات المجتمع المدني والمثقفين في مختلف بلاد العالم. وهي تحمل استشرافا دقيقا لكل العالم في العشرين سنة القادمة.
وحتي اسرائيل لها رؤية استرتيجية ولديها مشروع اسرائيل2020 وصدر في16 مجلدا باللغة العبرية وشارك فيه600 أكاديمي اسرائيلي واستمر لست سنوات.
ومشكلتنا في مصر انه ليس لدينا رؤية استراتيجية بهذا المعني المحدد. وفي كتابي الأخير ما قبل الثورة..الأزمة والنهضة.. نقد إجتماعي ورؤية مستقبلية ويضم مقالاتي التي نشرتها في الاهرام المسائي وهي جريدة قومية من الفترة من2009-2011 ويتضمن الكتاب انتقادات عنيفة للسياسات التي كانت سائدة في عصر الرئيس السابق. وقد اشرت إلي أربع قضايا رئيسية وهي: أجندة سياسية للمستقبل, أجندة اقتصادية للمستقبل, وأجندة اجتماعية للمستقبل, وأخيرا أجندة ثقافية للمستقبل. ومعني ذلك أن أي رؤية استراتيجية تشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالاضافة إلي وضع مصر في النظام العالمي.
وتتعرض الأجندة السياسية للمستقبل الذي ينبغي أن نتفكر فيه وفي تنقية المناخ السياسي من كل الحدود والقيود التي تحد في الممارسة الديمقراطية الحقيقية. وهناك إتجاه لإلغاء حالة الطوارئ واصدار القانون الخاص بالارهاب الذي وعدتنا به الحكومة. كما ينبغي النص في الدستور الجديد المقترح علي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين.
والرؤية الاستراتيجية للمستقبل هي مسئولية مؤسسات المجتمع من أول الأحزاب إلي مؤسسات المجتمع المدني بالاضافة إلي جهود المثقفين ومراكز الابحاث.
وبالنسبة للأجندة الاقتصادية فموضوع العدالة الاجتماعية وترشيد السياسات الاقتصادية المنحرفة التي سادت العصر السياسي السابق هي الاساس.
وأما مواجهة الأمية التي وصلت إلي نسبة من38%-40% فلابد وان تأتي متضمنة في الأجندة الاجتماعية, ورفع مستوي الوعي الاجتماعي وصياغة سياسات تعليمية وثقافية وإعلامية لرفع مستوي الوعي الاجتماعي لدي الجماهير وإعداد مصر للانتقال من مجتمع المعلومات إلي مجتمع المعرفة.
وتأتي مواجهة أزمة المشاركة السياسية وتضيق الفجوة بين ثقافة النخبة وثقافة الجماهير ومواجهة الصراع العنيف بين رؤيتين للعالم أحدهما دينية منغلقة ومتطرفة والآخري ليبرالية وان كانت مشتتة والتركيز علي نشر التفكير العلمي وتشجيع الابداع في كل المجالات هي أهم ما جاء في الاجندة الثقافية.
الدين واللغة والثقافة
الشاعر والكاتب فاروق جويدة: أولا قضية مصر الأولي حضاريا وإنسانيا هي قضية التعليم. لا شك أن التعليم ليس فقط مجرد مدارس نبنيها أو جامعات نشيدها ولكن التعليم يعني أن نلحق بالعصر وأن نسعي إلي مستقبل أفضل.
وعلي التعليم تقوم كل مشروعات التنمية ابتداء من التنمية البشرية وانتهاء بالتنمية الاقتصادية وبينهما بالطبع التنمية الاجتماعية.
ان التعليم المتخلف يمثل أهدارا للحاضر وقطيعة مع المستقبل و لا أعتقد أن هناك شعب في هذا الزمن يمكن أن يبني حضارة أو يلحق بروح العصر بعيدا عن التعليم.
ولو كان لدي الحكومة100 مليون جنيه وخصصت منها90 مليون جنيه للتعليم فهذا هو الانجاز الحقيقي.
ان الاستثمار في التنمية البشرية هو الاساس فمهما حقق الانسان من إنجازات يبقي عنصر البشر أهم عناصر المعادلة.
الجانب الثاني هو التاريخ وذاكرة الأمة والثوابت التي يقوم عليها كل بناء. وإذا أهدرت الشعوب ثوابتها ومقدساتها خسرت كل شئ. و من هنا يكون التركيز علي ثلاثية الدين واللغة والثقافة.
ان هذه الثلاثية التي تحفظ للشعوب مقومات وجودها في زمن تتآكل فيه الثقافات الصغيرة.
ولاشك أن مشكلة التكوين الثقافي من أهم مشاكل الانسان المصري الذي تشوه دينيا أمام خطاب ديني خارج العصر وخارج الزمن وأمام ثقافة ضحلة افقدته أهم مقوماته وعناصر وجوده وأمام تاريخ مزيف غابت عنه الحقائق والثوابت مما استباح ذاكرة الأمة.
العنصر الثالث في هذه المعادلة هو اللغة ولاشك أن اللغة العربية تعيش الآن ظروفا صعبة علي مستوي الشعوب العربية كلها ولا أدري بعد مائة عام هل سيتحدث العرب لغتهم العربية أم أن الهجوم الكاسح علي الاجيال الجديدة يمكن أن يدمر مقومات هذه اللغة.
استقلال ثقافي و استقلال سياسي
الكاتب والمفكر فهمي هويدي: المشروع الحضاري بشكل عام لا يوجد فرد يعمل عليه وحده فهو توافق في مرحلة سياسية معينة وتآلف بين النخب علي مجموعة من المبادئ.
فبولندا مثلا عندما انتقلت من النظام الشيوعي إلي الديمقراطية كان الشعار: لتكن بولندا هي بولندا فأن تكون أنت ذاتك ومستقلا سياسيا وثقافيا وإقتصاديا فهذا يقرر الكثير من الأشياء. والمشروع الحضاري ليس إبداع فرد ولكنه ثقافة أمة. وبالتالي إذا تكلمنا عن الركن الاساسي في المشروع الحضاري الذي يقدم سيكون لابد أن يكون مستقلا وهذه نقطة إنطلاق. والاستقلال يعني الاستقلال السياسي والثقافي. وهناك ركيزتان في الهوية وهي العروبة والاسلام. وأنا إذا كنت مستقلا ومنطلقا من انطلاقي العربي والاسلامي فهذه هي الحلقة الأولي في المشروع الحضاري,
ثم تبدأ عدة تساؤلات ما هو موقفك من الغرب؟ وما موقفك من العالم العربي؟ وما موقفك من العالم الاسلامي؟ وكيف ينعكس استقلالك في التعليم والاعلام. فهذه رؤية أمة لذاتها ومستقبلها.
والاهم هو الاستقلال الثقافي واخواننا في تونس يقولون إن تونس لم تنفصل يوما عن فرنسا برغم حكم الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي الا أن النفوذ الفرنسي مستمر حتي في دوائر الحكم فقد أخذوا من الاستقلال مظاهره.
ولهذا فالمشروع الحضاري ينجح إذا انطلقت من هويتي ونظرت إلي قيمي وأدركت ما حولي وأستفدت من غيري. فالمستقل لا يمكن أن يكون في خصومة مع غيره.
رصيد تراكمي
المؤرخة الدكتورة لطيفة سالم: في مشروعنا الحضاري المصري لابد من استحضار بعض اللحظات والمواقف التي مرت بمصر علي مر تاريخها. فالواقع المصري يكشف انه في أيام الثورات والمجاعات والصعوبات يتضح التوافق بين النسيج المصري والرغبة في الوصول إلي كلمة واحدة.
كما أن هناك ظاهرة لابد من تلافيها إذا كنا نتحدث عن تكوين رؤية واضحة وخاصة في المجال الثقافي وهو ان الثقافة رصيد تراكمي فإذا أردنا أن نبدأ فلابد أن نبدأ من حيث انتهي الآخرون. فلا يصح إهمال مجهودات سابقة وكأنها لم تحدث أو لم تكن موجودة من حال الأصل, ومثال علي هذا ما قدم الشيخ محمد عبده والشيخ علي عبد الرازق والمفكر أحمد لطفي السيد من فكر مستنير وتعليقات وأراء تعبر عن الصفوة المتميزة في مصر.
فهذه النتيجة أو ما يمكن أن أطلق عليه الخاطر قد راودني في أثناء عملي البحثي عن قانون الاحوال الشخصية في مصر بعد ان وجدت أن هذه القضايا قديمة وجديدة في الوقت ذاته ولا يمكن النظر إليها الا من منظور الاستمرارية. ولهذا لابد في مشروعنا الحضاري أن يكون هناك اتساق بين القديم والحديث والتأكيد علي فكرة التواصل بين الأجيال لنصل إلي نقاط القوة ونأخذ بالاسباب التي تجعلنا أقوياء.
ولابد ايضا من إصلاح التعليم, فعندما نقرأ لعلي باشا مبارك رائد التعليم في مصر والذي واكب فترة الخديو إسماعيل نجده يعتبر أن التعليم هو الحياة. وعندما قرأت كتابه نخبة الفكر في تدبير نيل مصر وجدت انه فهم مصر تماما وفهم ان الاصلاح يشمل الاهتمام بنهر النيل.
ولكي نفهم أكثر الطبيعة المصرية علينا أن نتساءل ماذا لو ذهب محمد علي باشا إلي مكان آخر غير مصر ليحقق مشروعا نهضويا كبيرا, فهل يا تري كان سيحقق هذا المشروع بنفس النجاح؟ لا أعتقد لان المصريين يعرفون ان الاتحاد في المصلحة.
وفي الوقت نفسه لابد من الالتفات إلي أهمية الاعلام في المشروع الحضاري النهضوي. فالرأي والرأي الآخر مهم ولكن لابد ان يكون داخل إطار من الالتزام. فالتليفزيون يدخل كل بيت في مصر ولابد من احترام المصداقية وفهم وجود اتجاهات للفكر ولكنها جميعا يجب ان تصب في مصلحة الارتقاء بالمجتمع المصري.
وأما العدل فيجب ان تكون الصفة الملزمة للحاكم فلا يوجد امتيازات لطبقة أو مجموعة أو طائفة. فالمجتمع المتعافي تتساوي فيه الحقوق والواجبات. كما اننا يجب ان نحترم الاصول المتجذرة وان ننظر للايجابيات أيضا. فإذا سلكنا طريقا وجدنا إيجابياته أكثر من سلبياته فإن هذا يعني أن الطريق مفتوح وأن علينا إصلاح كل السلبيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.