عندما انتقل الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وتولى الخلافة أبوبكر الصديق، حدث ما لم يكن في الحسبان لقد امتنع عدد كبير من القبائل عن دفع الجزية وسرعان ما يرتد معظمهم عن الإسلام ويتصدى أبوبكر لهؤلاء ويقول قولته المشهورة "لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لجالدتهم عليه بالسيف. وعندما حاول بعض الصحابة أن يثني أبا بكر الصديق عن عزمه فقال: "والله لو عصت يميني أن تقاتلهم لقاتلتهم بشمالي". ويجهز أبو بكر الصديق أحد عشر جيشا لقتال المرتدين وكان على رأس أحد هذه الجيوش خالد بن الوليد ويبلي خالد بلاء حسنا، وما أن ينتهي الصديق من قتال المرتدين ومانعي الزكاة حتى أعد جيشا عظيما بقيادة خالد لقتال الفرس، ويتمكن خالد من إنهاك قواهم، ثم يجهز أبوبكر الصديق أربعة جيوش لتأمين حدود الدولة الإسلامية من جهة الروم، وتتطاير الأخبار لأبي بكر بأن ملك الروم هرقل أعد جيشا عظيما لغزو مدينة المصطفي عاصمة الدولة الإسلامية في جيش قوامه 240 ألف جندي، عندها يرسل أبوبكر لخالد في عجل لأن عاصمة الخلافة في خطر وقال أبو بكر قولته المشهورة "عجزت النساء أن يلدن مثل خالد والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد". وبين يدي المعركة وقف خالد في المقاتلين خطيبا فقال بعد أن حمد ربه وأثنى عليه: "إن هذا يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي، أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم، إن تأمير بعضكم لا ينتقصكم عند الله ولا عند خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعالوا نتعاور الإمارة، فيكون أحدنا اليوم أميرا، والآخر غدا، والآخر بعد غد، حتى يتأمّر كلكم" ولم تنقص القائد العظيم كما يقول صاحب كتاب "رجال حول الرسول الفطنة المفعمة بالإيثار، فعلى الرغم من أن الخليفة وضعه على رأس الجيش بكل أمرائه، فإنه لم يشأ أن يكون عونا للشيطان على أنفس أصحابه، فتنازل لهم عن حقه الدائم في الإمارة وجعلها دولة بينهم، وتنتهي اليرموك بنصر عزيز للمسلمين. وينتقل خالد بالجيش من انتصار إلى آخر.. ويتوفى أبو بكر ويتولى عمر الخلافة ويعزل خالدا عن القيادة ويتحول خالد من قائد للجيش إلى جندي في الجيش ومع ذلك يلبي خالد النداء بصدر رحب، فلم يفكر خالد في محاولة انقلاب عسكري ليستأثر بالحكم، ولم يعترض وهو في قمة انتصاراته وتحت إمرته آلاف الجنود الذي يأتمرون بأمره، ولم يستغل الفرصة كي يبحث عن مصالح شخصية أو تحقيق مطالب فئوية بل لقد أدرك خالد أن المسئولية تكليفا وليست تشريفا.. وأن الوطني الحقيقي هو من يخدم بلده ودينه في أي موقع وتحت أي ظرف، وأن المصلحة العامة تعلو فوق كل اعتبار.. وعندما سئل عمر عن سبب عزل خالد فأجاب رضي الله عنه: أنه خاف أن يفتتن به الناس فيذكرون خالدا وينسون أن النصر من عند الله، كذلك خاف على خالد من نفسه. المزيد من مقالات حماده سعيد