من مظاهر الانتحار: الاستشهاد.. فالفنان قد استراح إلي عبارة تقول: إنه يفضل أن يموت واقفا علي أن يعيش نائما.. وانه يفضل خشبة المسرح.. علي خشبة الحانوتي.. أو أنه يفضل أن ينسج المتفرجون له كفنا من رموش عيونهم.. وأن تكون جنازته تصفيقا يستمع إلي لحظات منه.. فكأن الفنان قد اختار العذاب بكل أشكاله الجسمية والعضوية والنفسية نفسه! وفي عصور الرومانسية في أوروبا كان الشاعر والموسيقار ينزف دما في الطريق وفي الحفلات.. وكان الناس يرون ذلك طبيعيا: إنه فنان.. إنه حساس.. إن العناية الإلهية قد اختارته لهذه الرسالة المقدسة.. التي يجب أن يراق علي جوانبها الدم.. ولم يكن الطب قد تقدم ليدرك هؤلاء العباقرة ولو تقدم لرفضوه! وهناك عبارة عربية قديمة تقول: من تقدم تقاي الدم أي من يريد أن يتقدم لابد أن ينزف الدم. فمات صغيرا دون الثلاثين عباقرة موسيقيون عظام مثل: موتسارت وشوبرت وبلليني وبرسيل وجرشوين.. وشعراء من مثل: شيللي وكيتسي ولرمنتوف وتوفالي وغيرهم. وكان الموسيقار شوبان عاشقا للأديبة جورج صاند واحدا بين كثيرين معاصرين يقول في أيامه الأخيرة: كانت جورج صاند تقول لي: لن تموت الا بين ذراعي.. فأين هي وأين ذراعاها.. انها تحتضن رجلا آخر تنتظر وفاته لتكون في أحضان رجل آخر! وأكثر الناس حساسية أكثرهم مللا فهم ينشدون الجديد في الناس والأشياء والعلاقات.. والملل يدفعهم إلي التغيير والتمرد والتطرف والعنف.. والرغبة في التغيير العنيف هي التي جعلت عددا كبيرا منهم يسرف في الجنس والخمر والمخدرات والخناقات أيضا. وتكون الخمر والمخدرات والجنس نوعا من الهروب الذي يضاعف متاعبهم الجسمية والنفسية ويقصف أعمارهم! المزيد من أعمدة أنيس منصور