تابعنا جميعا التطورات التي حققتها تركيا بعد وصول حزب الحرية والعدالة إلي سدة الحكم. ولاشك في أننا نتابع المزيد من هذه التطورات, خاصة بعد فوز الحزب للمرة الثالثة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. فالفوز للمرة الثالثة يعني أن تركيا التي عانت من الاضطرابات السياسية والاقتصادية خلال عقدين من الزمان دخلت واستمرت في حالة استقرار عام ساعدها علي تحقيق عدة قفزات اقتصادية قربتها من الدول الأكثر تحقيقا للتقدم نحو زيادة الدخل القومي من الصناعة والسياحة والتجارة. وعندما أعلن عن زيارة مرتقبة لرجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي إلي مصر, وهو رجل يقولون إنه مفكر ويفهم العالم ومجرياته, كما يجب أن يفهم, استقبلنا جميعا الاعلان بكل الترحيب. فعدد كبير منا يسعي إلي التعرف علي تفاصيل الخطوات التي دفعت تركيا إلي هذا المركز المعترف به في الغرب, كما في الشرق. كيف مرت تركيا بمرحلة التحول إلي الديمقراطية؟ ثم. كيف تحقق التقدم الاقتصادي, هل من خلال الاستثمار الخاص أو الاستثمار العام أو المختلط؟ كما من الأهمية أن نعرف هل تحولت أو ترجمت هذه الزيادة في الدخل القومي إلي مكاسب اجتماعية عامة, فرص عمل وأجور وخدمات تعليمية وصحية إلي آخر كل هذه الأمور التي تشغلنا في المرحلة التاريخية التي تمر بها بلادنا بعد أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير. وقد زاد ترحاب البعض منا بالزيارة, خاصة بعد تأجيلها إلي ما بعد أحداث الثورة ثم مع الإعلان عن مصاحبة السيد رئيس الوزراء التركي عدد هائل من المستثمرين والاقتصاديين, بما يعني أن الزيارة هي في الأساس زيارة عمل حقيقية. لقد رحبنا بالزيارة وبالزائر الكريم ونحن نعلم أن تركيا عضو قديم في حلف شمال الأطلنطي, وأن علي أرضها توجد قاعدة أمريكية مهمة وكبيرة ومكملة في أنشطتها مع جميع القواعد الأمريكية في المشرق العربي وفي بلدان الخليج. كما نعرف علم اليقين أنه بالرغم من كل الحقوق الثقافية( وهي قليلة بتقدير الأكراد) التي وفرتها للأقلية الكردية, إلا أن هذه المشكلة تأخذ الكثير من الجهد المالي والعسكري والسياسي, وأن المشكلة الكردية لم تحل إلي الآن وتزداد تعقيدا وصعوبة في تماسها مع الشعب الكردي في البلدان المجاورة لتركيا, العراق وسوريا وإيران. كما نعرف أن لتركيا علاقات خاصة بالاتحاد الأوروبي. تركيا ليست عضوا في الاتحاد ولكن علاقاتها الاقتصادية مع بلدان الاتحاد علاقة خاصة؟ فقد كان لتركيا نصيبها الكبير في الاستثمارات الأوروبية, وكذلك كان لها نصيبها في المجال السياحي, ألم تلغي حكومة رجب طيب أردوغان الأولي بعد أول فوز لها في أول انتخابات يدخلها الحزب بعد تطويره وتغيير قيادته عقوبة الإعدام بناء علي طلب الاتحاد الأوروبي وإرضاء لبلدانهم. فباتت الحكومة التركية الحكومة الوحيدة ذات المرجعية الاسلامية التي تلغي عقوبة الإعدام في بلادها. وفي مجال الحريات العامة والخاصة لابد من الاعتراف بأن تقدما تركيا حدث بالمقارنة بما كانت خلال عقود عسكرية سابقة, ولكنه ليس بالتقدم المثالي الذي يجعل من الملف التركي ملفا ناصع البياض. فللحكومة التركية الحالية مشاكل عديدة مع الصحفيين والكتاب, وتشير تقارير منظمات حقوق الصحفيين إلي العديد من الانتهاكات التي تسعي هذه المنظمات إلي عدم تكرارها من قبل الدولة, بحيث تتحول التجربة التركية إلي مرشدا عاما للشعوب القريبة من الشعب التركي. لذلك كان ترحيبنا بزيارة أردوغان ترحيبا حقيقيا, فإننا أناس نريد الاستفادة من كل التجارب وخاصة تلك التجارب القريبة منا, تماما كما رحبنا بالسيد مهاتير محمد مفجر التغييرات الحقيقية التي نقلت ماليزيا من بلد فقير للغاية إلي بلد يشق طريقه إلي التنمية والاستقرار. وكما ذكرنا لم يكن ترحيبنا بالزائر التركي الكبير ترحيبا أفلاطونيا مثاليا وإنما كنا نسعي إلي مناقشة التجربة من الألف إلي الياء. وهي التجربة التي يمكن أن نقرأ كتبا عنها, ولكنها ستكون أكثر حيوية لو حدثت من خلال حوار فيه الأخذ والعطاء مع أحد صناع التجربة ومفجريها. خاصة أن العلاقات التركية المصرية لم تكن باستمرار علي وفاق. ولم يبدأ عدم الانسجام هذا منذ ثلاثين عاما مضت وإنما أتذكر الخلاف منذ أن رفضت مصر بشكل دائم الدخول في أحلاف عسكرية, كحلف بغداد وغيره من التجمعات التي تخدم مصالح الغرب. وكان ضمن هذه الأحلاف حلف الناتو بالتأكيد. كما كانت مصر ضد وجود قواعد عسكرية أجنبية علي أرضها. وهذه كانت أمورا أساسية حكمت العلاقات المصرية مع أي من الدول القريبة الأخري. ولكن عندما جاء رجب طيب أردوغان إلي القاهرة في زيارته القصيرة وجد مجموعات مصرية سياسية ترفع شعار الخلافة علي أساس عودة النفوذ العثماني القديم ولم شمل المسلمين تحت راية الخلافة الاسلامية. وإذا بالرجل المسلم القادم من أنقرة يتحدث عن العلمانية وعن الدولة المدنية. يعيش رجب طيب أردوغان في تركيا عام2011أي تركيا الألفية الثالثة التي لا تستطيع أن تعود إلي تكرار الماضي بعباءات مختلفة. في وقتنا هذا تسمي الأمور بمسمياتها الحقيقية. فالوجود التركي القديم في المنطقة العربية كان استعمارا عثمانيا للأقطار وللشعوب العربية كلها. أخضع العثمانيون البلدان والشعوب واستنزفها, واستخدموا الدين الاسلامي كغطاء لتثبيت أقدامهم. واستخدموا كل أساليب الإخضاع والاستنزاف كما فعل المستعمرون قبلهم أو المستعمرون الذين جاءوا من بعدهم. يعرف رجب طيب أردوغان حقائق عصره, كما يعرفها الكثيرون منا. فعصر المستعمرات القديمة بغزواتها القديمة وبقانونها القديم لم يعد يصلح لوقتنا الحالي. فالذين خرجوا استقبالا لأردوغان مطالبين ب الخلافة لم يتذكروا ولو للحظة أن الرجل, كغيره من الحكام المنتخبين أو الذين يرثون كراسي حكمهم, يحمل علي كتفيه حقيقتين, الأولي عضوية تركيا في حلف الناتو والثانية استضافتها لقاعدة أمريكية مهمة. كما انهم, أي الذين خرجوا مطالبين ب الخلافة, لم يتذكروا أن البلدان التي ستنضم إليها تحمل هي الأخري علي أرضها مجموعات من القواعد العسكرية وأنها متمسكة بها. أردنا من زيارة أردوغان أن نتحاور معه لنتعلم وليس أن نطالبه ب الخلافة بعمامة الناتو. المزيد من مقالات أمينة شفيق