الإسلام دين عام يدعو الناس جميعا علي اختلاف جنسياتهم وبيئاتهم ودياناتهم إلي التعاون والتواصل. وينزع من نفوسهم الاتجاه إلي التعصب أو العصبية.. ويناديهم بالبعد عن التفرق والتمزق أو التقاتل والتطاحن لأي سبب ويذكرهم بأنهم ينتمون إلي أصل واحد فهم جميعا لآدم وآدم من تراب كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم. وجاء نداء القرآن بذلك ليؤكد للناس جميعا أنهم ينحدرون من أب واحد وأم واحدة: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا فيذكرهم بأصل تجمعهم وهدف تقاربهم في مناهج الحياة ليصلوا إلي ما يرتضيه لهم خالقهم. ويعمروا ويبنوا في حياتهم.. وقد اهتم الإسلام بالتأليف بين أتباعه وبين سواهم من الخارجين عن دائرته..فدعا إلي العدل وإلي التعاون, وإلي كل ما يظهر الإخاء الانساني والمودة الاجتماعية. وها هو الإسلام يرغب أهله والمؤمنين في التكتل والتضامن مع أهل الكتاب: والتعاون معهم في شئون الحياة جميعا. والارتباط معهم بمعاهدات طالما كان ذلك التآخي الانساني لا يمس التقاليد الإسلامية. ولقد حان الوقت لدعاة الأديان جميعا أن يؤمنوا حقا بأن تعميق المعاني الخيرة للدين أي دين وتدعيم الايمان بالله وبالمثل العليا في نفوس المؤمنين خير ألف مرة بل ملايين المرات من التصدي لحرب بعضهم البعض أو التصدي لدين الآخر والحديث عن أخطاء في هذا الدين أو ذاك ومن تشكيك الآخرين في دينهم وإثارة الأحقاد بين الآمنين من أهل الأديان. ليس الإسلام ولا المسيحية بحاجة إلي تكثير أعداد المنتسبين لهما بقدر الحاجة إلي توعيتهم. ليتمسكوا بقيم دينهم وأخلاقه. ورجل الدين العاقل الواعي هو الذي ينجح في تعميق الإيمان في نفوس أتباعه والمستمعين له. لا الذي يشغل نفسه ويشغل أتباعه بالطعن علي دين الآخرين. وإثارة الأحقاد عليهم فليس هناك ما هو أخطر علي المجتمع من إثارة الأحقاد والنزعات الدينية بين أبناء المجتمع الواحد. ولو نظرنا حولنا لوجدنا أمثلة كثيرة تؤكد ذلك. ولهذا كنت أشم رائحة الخيانة لهذا الوطن العزيز. كلما وقفت علي بعض الأشياء المثيرة. وأقول: لمصلحة من كل هذا؟ وفي هذه الظروف بالذات؟ أليست النتيجة لمثل هذا العبث واضحة لو سار إلي نهايته؟ لقد عشنا جميعا مسلمين ومسيحيين علي أرض هذا الوطن إخوة متجاورين ومتحابين ومتعاونين في السراء والضراء. منذ أن دخل الإسلام مصر. ونعم أهلها بالإسلام وعدالته فأقبلوا علي اعتناقه. وما من مسلم أو مسيحي إلا وله جيران وأصدقاء يتعاون معهم. ويعزهم ممن ليسوا علي دينه. وكلنا سواء في همومنا وأفراحنا. فلمصلحة من تثار هذه الحساسية وتحدث هذه الفتن وتفتعل هذه الأزمات في تلك الظروف الحرجة؟ إنها قطعا ليست في صالحنا كمواطنين وليست في صالح بلدنا وإنما هي لصالح أعدائنا كم أخذ منا هذا الذي حدث في نجع حمادي من مجهود. كان من الأولي أن نصرفه للأعمال الايجابية النافعة التي تعود علينا جميعا وعلي وطننا بالخير والتي تحتاج إليها البلاد في هذه الآونة. أما يكفينا تجمع الأعداء الخارجين علينا. حتي يثير الجهال من الدعاة ضيقو الأفق من هنا ومن هناك وهذا أحسن وصف لهم. وحسن ظن بهم وإلا فأعمالهم وتحركاتهم تدفعهم بالخيانة لبلدهم. أما يكفيهم أعداؤنا في الخارج. حتي يثيروا بين الآمنين الوادعين المتعاونين من المسلمين والمسيحيين. من أبناء الوطن مثل هذه الفتن البشعة.. وهذه الرياح السامة. ليضعفوا قوتهم ويفتتوا صلابتهم. ويشتتوا وحدتهم؟ إن الإسلام أدب أتباعه بالأدب الرباني الذي نزل من الله سبحانه وتعالي في كتاب هو الدستور والمنهج للمسلمين جميعا حين ناداهم بقوله:[ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين] الممتحنة8 فالبر هو الود والتعامل الطيب كما عرفه الأقدمون( البر شيء هين بشاشة وكلام لين). والقسط هو العدل. فالود والعدل هو نداء المولي سبحانه وتعالي للمسلمين في التعامل مع إخوانهم في الوطن وشركائهم في الحياة. كما أدب الإسلام أتباعه بهذا الأدب النبوي الرائع: من آذي ذميا فأنا خصمه ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة وأيضا: من آذي ذميا فقد أذاني, وقد تأدب المسلمون. أو يجب أن يتأدبوا بهذا الأدب الذي أمرهم الله به. ولكن نحو أولئك الذين لا يعتدون علي الإسلام ولا ينالون منه ومن مصلحة أتباعه. والقرآن الكريم أمر بهذا أمرا قاطعا: فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم وأحداث الإسلام في عصوره الأولي تؤكد ذلك وتوضح أن الإسلام لا يدعو إلي عنصرية أو إلي تعصب. فبعد أن اشتد ايذاء المشركين لرسول الله صلي الله عليه وسلم والمؤمنين به أمر المسلمين بالهجرة إلي الحبشة: وقال لهم إلي الحبشة فإنها أرض صدق وإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد. وكان ملكها النجاشي وكان نصرانيا. وحين جاء وفد نصاري نجران إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم في عام الوفود. أقامهم في مسجد قباء وأمرهم أن يمارسوا صلواتهم في المسجد كما نصب لهم عمر بن الخطاب وعبدالرحمن بن عوف ليقوما علي خدمتهم وحراستهم ويجب ألا ننسي أن أول وحدة وطنية أو أول تطبيق للمواطنة طبقة رسول الله صلي الله عليه وسلم مع اليهود ومن علي شاكلتهم من المقيمين في المدينة بعد الهجرة. لهم ما للمسلمين من حقوق وواجبات وعليهم ما علي المسلمين من حقوق وواجبات أرأيتم ماضي الإسلام المجيد وتاريخه العظيم دين فيه فسحة ويسع الناس جميعا بسماحته فهل لأتباعه أن يلتزموا أو أن يسيروا علي الدرب حتي يعلم العالم كله أن الإسلام دين يجمع ولا يفرق يبني ولا يهدم يسالم من يسالمه ولا يعادي إلا من يعاديه. وأخيرا.. فإن حب الوطن من الايمان وليس من الحب للوطن ولا من الإيمان إثارة مثل هذه الفتن والقلاقل. أو استثارة مثل هذه النزعات المهلكة. فليتق الله في وطنهم وإخوانهم أولئك الذين يلعبون بالنار. فإن القائمين علي أمر هذا البلد. الحراس علي مصالحه والمخلصين لترابه. لن يتركوا العابثين يعبثون.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.