كر وفر ومطاردات مثيرة خناقات للبحث عن مكان في ميدان ما او شارع هذه العلاقة الأبدية بين الباعة الجائلين والشرطة في مصر. بل ومعظم الدول ومنذ عدة أسابيع لاحظ الجميع نشاط المحافظين ووزارة الداخلية في مختلف ميادين القاهرة والمحافظات للقضاء علي ظاهرة الباعة الجائلين وإخلاء الميادين الرئيسية منهم وتلقي الجميع هذا الاجراء بالارتياح والترحيب الشديد, ولكن علي الجانب الآخر هناك المئات وربما الآلاف الذين تلقوا هذه الحملات بالرفض التام وبالطبع هم الباعة اللذين فقدوا مصدر دخلهم الوحيد بعمليات الأخلاء التي تتم وهم أيضا أصحاب رأي ووجهة نظر دفاعا عن مصدر رزقهم بما لايحرم الآخرين من حقهم ان يكون لهم شوارع منظمة. تحقيقات الأهرام اقتربت من عالمهم المفتوح علي كل رصيف وشارع وميدان في قلب العاصمة فلا يوجد لشارع رئيسي أو جانبي في منطقة وسط المدينة وميدان التحرير, وميدان رمسيس أو العتبه الا ويفترش عليه الباعة الجائلون ببضائعهم المختلفة والتي علي لو,ن. التقيت ببعض الباعه الجائلين من ميدان رمسيس وهو الميدان الذي شهد مناوشات عديدة بين الباعة والأجهزة التنفيذية أثناء الحملات التي تمت علي الميدان, تحدثوا معي بحرية قائلين مالهم وما عليهم ولكنهم رفضوا بشدة ذكر أسمائهم لأنهم, كما قالوا نحن أبناء الميدان منذ سنوات عديدة ومعروفون لكل مسئول في الحي والمحافظة وشرطة المرافق وقسم الشرطة. وكانت نقطة البداية في الحوار مع أي بائع هي تأكيده علي أنه لن يترك الميدان أبدا ففيه يقع مقر عمالهم ومصدر رزقهم فإلي أين يذهبون؟ وقال أحدهم: نحن موجودون في الميدان منذ عشرات السنين وتوارثنا المهنة أبا عن جد وقصة الباعة في الميدان تتلخص في وجود عدد معين هم أساس هذا الميدان ولكلا منهم فرشه أو مساحة صغيرة لاتتعدي مترا ومترا ونصف يضع عليها البضائع ويقف في مكان محدد له في الميدان وكلا يعرف مكانه أو موقعه, أما إمام مسجد الفتح أو عمارة رمسيس أو بجوار محطة السكة الحديد, وهناك واحد من الباعة يسيطر علي كل المنطقة الموجودة عند سور الهندسة بمفرده ولايقترب منه أحد في أي أي حملة! وقال: طوال عمرنا ونحن نقف في مواقعنا ولم نترك الرصيف أو نعطل المرور ونلتزم بهذه الأماكن مراعاة للمرور والمشاه وكذلك لأصحاب المحلات التي تقف أمامها, وكان هذا هو الحال قبل الثورة وبالطبع كان هناك حملات تتم من البلديه من وقت الي اخر ولكننا كنا دائما نوفق أوضاعنا لأننا لانسبب أي مشاكل. إلا أنه ومع أحداث ثور25يناير زاد عدد الباعة الوافدين علي الميدان بشكل كبير فأصبح البائع الذي كان يقف بعربة بطاطا أو ترمس أو فرشة شاي أو أي بضائع أخري يخرج الي الميدان من الشوارع الجانبية, وجاء آخرون من باعة الأسواق البعيدة مثل سوق غزة وسوق الأحد وتوافد أيضا باعة من المحافظات وأصبح العدد كبير جدا ونزل بعضهم الي حرم الطريق وأصبحت الفرشة التي لاتتعدي متر فرشة ضخمة تنافس فترينات المحلات وهكذا ظهرت المخالفات الفاجه والتعطيل الذي تحدث عنه المسئولون والذي لم يكن لباعة الميدان الأصليين أي دخل فيه. التقط آخر أطراف الحديث وقال بأنفعال: تخرجت من الجامعة عام88 ولم أجد أي وظيفة بمؤهلي حتي حصلت علي عمل بعقد مؤقت في احدي الشركات وذلك حتي وقتنا هذا وأحصل علي راتب شهري4450جنيها ولدي من الأبناء خمسة في مراحل التعليم المختلفة وكانت شنطة الجوارب التي أقف بها بعد ساعات العمل في ميدان رمسيس هي السند الرئيسي لي طوال هذه السنوات ونحن نعمل بهدوء وبدون إثارة أي مشاكل وتساءل: لماذا لايفكر المسئولين قبل إرسال هذه الحملات لمطاردتنا في عواقب ضم المئات من الباعة الجائلين في ميدان رمسيس والآلاف منهم في ميادين مصر الي صفوف العاطلين؟! وأضاف اذا كان هناك أعمال بلطجة وعنف من بعض البائعين فهؤلاء ليسوا من الأصليين في رمسيس وإنما هم المسجلين خطر المعروفين بالأسم للمسئولين واللذين وضعوا بضاعتهم ووقفوا عنوه وسط باعة رمسيس بعضهم تاب الله عليه وعمل وسطنا بالحلال والبعض الآخر يصر علي أعمال الشغب والعنف وهؤلاء من يجب تطهير الميدان منهم. بائع آخر اتفق علي وجهة النظر السابقة في حديثه قائلا: نحن علي استعداد لمواجهة هؤلاء البلطجية والدفاع عن ميدان رمسيس والحفاظ علي النظام والأمن فيه ولكننا نخشي مواجهتهم بنفس الأسلوب فنقع تحت طائلة القانون, خاصة بعد إلقاء القبض علي ستة من زملائنا أثناء احدي الحملات واتهموا بأعمال شغب وحصلوا علي ثلاث سنوات سجن وهم لم يفعلوا شيئا ونحن نشهد علي ذلك. واذا اقتربنا بالصورة الي واقع ميدان رمسيس الآن فسوف نجد مجموعة صغيرة متناثرة من الباعة الجائلين يتخفون في أماكن بعيدة عن أعين الضباط المرابطين في الميدان. وبأعين زائغة تراقب حركة الضباط في انتظار تحركهم يمينا او يسارا ليبلغ زملاءه تحدث معي بائع آخر قائلا: الكثير منا يخاف الآن من النزول الي الميدان حتي لايتم إلقاء القبض عليه وهذا يخراب بيوتنا والحاق الجوع بأطفالنا, كما أن الوضع أصبح متاءزم جدا والبعض يجازف باحضار الطاولة والبضائع ويقف متأهبا لأي حركة من الضباط ليفر هاربا وذلك في سبيل الوقوف ساعة يبيع فيها أي شيء ويحصل علي لقمة عيش. وأضاف أنه لايمانع من وجود مكان بديل لهم سواء كان سوقا أو أكشاكا ولكن المهم بالنسبة لهم هو وجود البديل في موقع مناسب أو كما قال مكان فيه رجل وزبون, وقال لن نوافق مثلا علي الحصول علي محلات في مدن بعيدة أو أماكن صحراوية لن أجد فيها من يشتري بضائعي. وتحدث بائع آخر قائلا: نحن لانمانع أبدا من تقنين وضعنا ونحن علي استعداد أن ندفع إيجارا وضرائب عن نشاطنا ولكن لابد أن توفر لنا الحكومة مكان بديلا والحقيقة أن أي حديقة من الحدائق الكثيرة داخل ميدان رمسيس تصلح لبناء بواكي أو أسفل الكوبري وتكون بمساحة منرو ونصف في متر ونصف فقط لكل بائع ويتم بناءه بشكل حضاري وسياحي يتماشي مع الميدان وفتح سيولة للمرور بشكل منظم. وطالب أيضا بضرورة حرص الحكومة اذا أرادت توفيق أوضاع الباعة وتقديم حلول لهم أن تقوم بتحديد أصحاب هذه الحقوق وهم الباعة الأصليين للميدان حتي لانفاجأ بتدخل عناصر جديدة ليس لها علاقة بالمكان. حركة المشاة وتشير للدكتورة سهير حواس فهناك العديد من الأسواق المفتوحة والساحات والشوارع المخصصة للمشاة, والتي يخصص فيها أماكن رسمية للباعة الجائلين أو يتم بناء أكشاك لهم مثلما حدث مع باعة سور الأزبكية وفي هذه الحالة يكون لهم تراخيص وتقدم لهم خدمات مثل النظافة والأمن ووجود أماكن لجلوس المشاة, وماحدث في القاهرة الخديوية يؤخذ في الاعتبار, حيث تعد منطقة ذات قيمة متميزة وفقا لهذا القانون وهو مايعني وجود أسس حماية خاصة بها فلا يمكن عمل رصيف أو زرع شجرة أو حتي طلاء وجهة عقار بدون الرجوع الي الجهاز القومي للتنسيق الحضاري لتطبيق أسس ومعايير الحفاظ علي تلك المناطق, والتي تضم أشهر الميادين في القاهرة مثل ميدان التحرير, ورمسيس, والعتبة, حيث تبدأ الحدود الشمالية للقاهرة الخديوية من ميدان أحمد حلمي شمال محطة مصر ثم شارع الجمرك وشرطة الازبكية وشارع الجلاء حتي ميدان عبد المنعم رياض وصولا الي كورنيش النيل والممر الغربي يبدأ من تقاطع كورنيش النيل مع ميدان عبد المنعم رياض وصولا الي ميدان سيمون بوليفار.