السّاعة حمامتانِ حطّتا ، في صيفِ برلين علي مبنيً بلا نوافذَ. الحمامتانِ َ كانتا بين الهوائيّاتِ والأطباقِ والسطحِ المُصَفّي تبحثانِ عن بذورٍ عن بقايا خُبزةٍ عن قطرةٍ ... أسمعُ ، في الهدأةِ ، منقارَينِ : تِك ْ تِكْ أهِيَ الساعةُ ؟ هل دقّتْ علي المبني الذي بلا نوافذَ ، الساعةْ ؟ برلين 15 / 6 / 2010 Alt _ Lubarsاللوبار القديم "ضاحيةٌ في شمالَي برلين " الخيولُ التي لا نراها الخيولُ التي قد نراهنُ يوماً عليها الخيولُ التي تسكنُ المنزلَ الضخمَ ، لكنْ بلا عرباتٍ ولا عربنجيّةٍ كلُّ تلك الخيولِ المطهّمةِ ارتضت اليومَ ألاّ ترانا ارتضتْ ، منذ أن وُلِدَ الرسمُ ألاّ نراها ... هكذا نحن في ملعبِ الخيلِ ، لكنْ بلا أيّ خيلٍ ! ..................... ..................... ..................... إذاً هل نكون ُ: أنا. أنتَ . أنتِ الجميعُ كما كانت الخيلُ ؟ أعني : أنحنُ ، هنا ، نحنُ أمْ أننا رَسْمُ نحنُ ؟ برلين 15 / 6 / 2010 متاعب مُتَعتَعةً بالسُّكْرِ كانت ْ جَهِدْتُ في إعادتِها للبيتِ ... كانت تقولُ لي: لنذْهبْ إلي ملهيً ، أريدُ أن أراقصَكَ ! الملهي قريبٌ ... ........................ ........................ ........................ أقولُ : يا هُنَيْدةُ لن يرضَوا بأن تدخلي ... أرجوكِ ! عرَّيتُها ثمّ اتّرَكْتُ حديثَها يُبَقْبِعُ تحتَ الماءِ ............... ............... ............... نشَّفْتُ جسمَها اللذيذَ وقلتُ : استمتعي ، بنعومةِ الحريرِ ! لقد أغمضتِ عينيكِ فاذهَبي إلي الحُلْمِ إني رهْنُ حُلْمِكِ ... إنْ أردتِ حُبّاً نكُنْ جسماً مع الدفءِ واحداً وإنْ لم تريدي الآنَ نرقدْ إلي الغدِ ! البِسْتْرو! كان هذا البِسترو غيرَ بعيدٍ . أقلّ من ربعِ ساعةٍ نقطعها مشياً من المنزل. قلتُ لابنتي : نحن نمرّ يوميّاً من هنا . لندخلْ مرّةً ! كان البِسترو منخفضاً عن مستوي الرصيف . تهبطُ أربعَ درْجاتٍ ، لتكونَ في شبه حديقةٍ . في شبه الحديقة ثلاثُ موائدَ ( فارغة في العادة ). كان زبائنُ البِسترو النظاميّون يجلسون في الداخل ، يواجهون البارَ وسيّدتَه. جلستُ مع ابنتي في الحديقة. حيّتْنا امرأةٌ ، كانت تجلس ، مصادفة، في الحديقةِ . قالت : المرأة ، سيدة البار ، تتحدّث بالإسبانية. لا أدري لِمَ قالتْ ذلك . ربما لأننا لا نبدو ألمانيّيَنِ . جاءت السيدة . قالت بالإسبانية : إنها من فنزويلا . قلتُ لها: أنا كنت في فنزويلا . كاراكاس . الأنديز . بداية الأمازون... قالت : في لَرِيدا . البرد شديد ( كانت تتحدث عن الولاية التي تفخر بجبال الأنديز ). قلت : الناس يحبّون شراب الروم مع الليمونادا ! Ron con limonada ! قالت : Cuba Libra( كوبا الحُرّة ) قلتُ : أريد الروم مع الليمونادا . عاشتْ فنزويلا ! تغيّرتْ ملامحُها فجأة: تسقط فنزويلا ! شافيز شيوعيّ ... قلتُ : عاشت فنزويلا! لم أقُلْ لها إنني قابلتُ شافيز مرّتين ، إحداهما كانت في القصر الجمهوريّ . دخلتُ المكان ثانيةً . السيدة الفنزويلية التي تكره شافيز لم تكن هناك. طلبتُ شراب الروم مع الليموناد ! القطار الألمانيّ أينَ تمضي برُكّابِها كلُّ هذي القطاراتِ ؟ في الفجرِ تَهدرُ في الليلِ تَهدُرُ في الظُّهرِ تَهدرُ حتي المخدّةُ تهتزُّ من هولِ هذي القطاراتِ صفصافةُ الحيّ تهتزّ والبابُ في مَشربِ البيرةِ المخزنُ الآسيويّ وتمثالُ بوذا ، الندي... اين تمضي برُكّابِها كلُّ هذي القطاراتِ ؟ أنّي ستُلقي بهم؟ وإلي أين تتّجهُ؟ العالَمُ ارتَدَّ ( نعرفُ ؟ ) ................ ................ ................ تلك القطاراتُ تمضي إلي الإتّجاهِ المعاكِسِ ( نحوَ محطّتِها قبلَ قرنَينِ ) تمضي بركّابِها ، هي تمضي بركّابِها الغافلين ... برلين /8 0/7 201 القناةُ البرلينيّةُ ذاتُ الماءِ الأخضر جوان ماكنلي ، تعرف ، بالضبط ، القناةَ التي ألقي الضبّاطُ البروسيّون ، فيها ، جثّةَ روزا لكسمبورغ. وهي تعرف ، بالطبعِ ، اسمَ الجسرِ القائمِ علي هذه القناةِ حتي الآن . كنّا نسيرُ من ساحة اكسندر بلاسه مارَّينِ بالكتابةِ البرونزيّةِ الناتئةِ ، الكتابةِ التي أرادها الألمانُ الديموقراطيونَ خالدةً . أقوالِ روزا لكسمبورغ. روزا الحمراء. قالتْ جوان : هنا! وأشارتْ إلي إلي القناةِ ، حيثُ الماءُ يجري أخضرَ داكناً . منذ عشرين عاماً ظلّتْ صحافةُ اليمين ( كما روي مؤيَّد الراوي ) تذرفُ الدموعَ علي الماءِ الأخضرِ الداكنِ. قالوا : إن الشيوعيين لوَّثوا الماءَ . صبغوه أخضرَ . وقتلوا الأسماكَ . الماءُ ( في القناةِ التي ألقي فيها الضبّاطُ البروسيّون جثّةَ روزا لكسمبورغ ) لا يزالُ أخضرَ داكناً . لا أحدَ يذكرُ روزا الحمراءَ سوي كلماتِها هي ، كلماتِها المقدودةِ برونزاً ، في أضلاعِ الشارعِ الألمانيّ القديم. لكنّ جوان ماكنلي تحفظُ ، مثلَ تعويذةٍ ، اسمَ الجسر. برلين 8 //7 2010 خيمةُ الوبَرِ نحن لا نتذكّرُ ... والأمرُ أعقدُ من أننا ، مثلَ ما يقعُ الآنَ في السوقِ ، لا نتذكّرُ. نحن انتهينا من التمرةِ السعفِ والنخلةِ ... اليومَ ، نحن مُقِيْمونَ في حِصْنِ مَن لم يرَوا نخلةً حِصْنِ مَنْ لم يمُصّوا نواةً ولم يَخْضِدوا سعفةً . حِصْنِ مَن لم يرَوا غيرَ ما يخزِنُ الحصنُ : تلكَ الحبوبَ وذاكَ الغروبَ ... وما كتبوا في صحائفِ رِقٍّ مُذَهّبةٍ . نحن لا نتذكّرُ ... لكنْ هنالك مَن يذكرون... هنالكَ مَن يعرفونَ عيونَ المياهِ العجيبةِ في التيهِ ، مَن يعرفون تواريخَنا واحداً واحداً ... مثلاً : يعرفون بأنّ فلاناً قضي قبلَ أن يولَد ! الأمرُ ليس عجيباً ( كما تتصوّرُ ) الأمرُ أبسطُ من كل هذا : إن اخترتَ خيمتَكَ الوبَرَ الحُرَّ بيتاً نجَوتَ ! صيف ألمانيّاتٌ مكتنزاتٌ يتمدّدنَ طويلاً تحت سماءٍ ساخنةٍ. والساعةُ ثالثةٌ ب.ظ الألمانياتُ طويلاتٌ ، مكتنزاتٌ والشمسُ مواتيةٌ ...والألمانيّاتُ يَسِحْنَ ، تماماً كالزبدةِ مشكلتي أني أقرفُ من مرأي الزبدةِ أو من مأكلِها ............... ................ ............... الألمانيّاتُ المكتنزاتُ تمدّدْنَ طو كيف انتهيتُ إلي تلك الشقّةِ ... كان الصيف البرلينيّ رائقاً. شمسٌ ناعمةٌ.شجرٌ مخضلٌّ بندي الليل.فتياتٌ أشباهُ عرايا. مقاهٍ مزدحمةٌ دوماً. وأكشاك مآكلَ ألمانيّةٍ تقليدية ، و "شاورمة" تركيّة. كنت أعرف العنوان. الشقة قريبةٌ من ألكسندر بلاسّه ، وليست بعيدةً عن " سوق آسيا " المتخصص ببيع المواد الغذائية الصينية. أقرأُ الأسماءَ علي لوحة أجراسِ الساكنين. اسمُها بين الأسماء. أضغطُ علي الجرس. تنفتح بوّابةُ المبني. أدخلُ . أقطعُ مدخلاً غيرَ طويلٍ. أجدُني عند الباب الخلفيّ لمطعمٍ تايلانديّ. أحدُ العمّالِ كان يتناول وجبةَ الظهرِ هناك. الوجبة ( المجانية افتراضاً ) متواضعةٌ جداً. أنا الآنَ عند بوّابةٍ ثانيةٍ من الحديد الثقيل تنفتحُ علي سلالم . شقّة ديزي في الطابق الأعلي.الصعودُ مرهِقٌ ، ربّما لأني ارتقَيتُ الدّرْجاتِ متلهِّفاً. كان بابُ الشقّةِ مفتوحاً و ديزي واقفةٌ بالباب ، تبتسمُ ابتسامةً شبه ماكرةٍ: استدللْتَ ، إذاً ؟ لن يضيعَ مَن يقصدكِ ! - كانت الشقّة تطلّ علي ساحة ألكسندر بلاسّه ، لكنهم بنَوا هذا الفندقَ البشع فحجبَ الساحةَ. الشقة بدتْ لي أصغرَ شقّةٍ رأيتُ في حياتي. غُرَيفةٌ واحدةٌ فيها زاويةٌ للطبخ ، وثلاجةٌ صغيرة. نافذةٌ واحدة. عند البابِ مرافقُ صحيّة ، ومَرَشّ استحمام. لديّ عقدةُ الضيقِ بالمكان الضيِّق ( كلوستروفوبيا ). قلتُ : لنخرجْ ! قالت: إلي أين؟ أجبتُ : إلي المدينةِ . إلي أي مكانٍ . دعينا نتناولُ الغداءَ معاً. خرجنا من المبني. ورحنا نتجوّلُ ، بلا مقصدٍ . أنا مع ديزي للمرة الأولي في برلين . كنتُ رأيتُها في لندن مرّتَين ، مصادفةً . لم تكن بيننا علاقةٌ. علي أي حالٍ . دخلنا مطعماً في حيّ شعبيّ ببرلينالشرقية التي أطمئِنُّ إليها . طلبنا "شْنِتْسِلْ" ، وشربنا زجاجةً كاملة من نبيذٍ أحمرَ ثقيل. عُدنا إلي الشقّةِ ، لنرقدَ متعانقَينِ حتي انتصفَ الليلُ ! مصطبة البحيرة المرأةُ ذاتُ الأعوامِ الخمسةِ والتسعين تشاركني مصطبةً عند الشاطئ . كانت سفنُ النزهةِ تنتظرُ الركّابَ ، إلي لحظةِ إقلاعِ المَرْكبِ " موبي دِكْ" . والمرأةُ ذاتُ الأعوامِ الخمسةِ والتسعين تُتَمْتِمُ أغنيةً عن أُذُنٍ لا تسمعُ . عن أطرافٍ لا تنفعُ. عن أرصفةٍ تتذكّرها الآنَ. تقولُ المرأةُ : لم يكن المشهَدُ قبل سنينَ كما تشهدُه الآنَ .لقد قطعوا الأشجارَ ، وكانت تحجِبُ مرأي الماءِِ.و ها أنت تري أن الدنيا تتغيّرُ. هل تعرفُ ماذا كانت هذي الضاحيةُ النهريّةُ من برلينَ الأصليّةِ ؟ لم تكُ شيئاً. وأقولُ لك : الآنَ ... الضاحيةُ النهريةُ لا تعني لي شيئاً أعوامي الخمسةُ والتسعون تُسَمِّرُني ، جنبَكَ ، عندَ المصطبةِ.اللعنةُ! أطرافي لا تنفعُ . أذني لا تسمعُ .هل تسمعُني ؟ ...................... ...................... كانت شمسُ أصيلٍ صيفيٍّ ، تلعبُ في وجه المرأةِ ذاتِ الأعوامِ الخمسةِ والتسعينَ . وكنتُ عميقاً أُنصِتٌ ... كنتُ بعيداً أسري في أعوامِ المرأةِ ذاتِ الأعوامِ الخمسةِ والتسعين. أنظرُ في الوجهِ المتورِّدِ تحتَ الشمسِ الصيفيّةِ أنظرُ في الشاطئ ... ...................... ...................... ...................... كان المَرْكبُ " موبي دِكْ " يُقْلِعُ. برلين 27 / 6 / 2010 الساحةُ في الصباح Hanne Solbek Platz يفتحُ هذا المقهي _ المطعمُ ، في العاشرةِ ، البابَ المقهي- المطعمُ ، صينيٌّ ( حيث جلستُ إلي طاولةٍ فارغةٍ ) والساحةُ ( حيثُ مَداخلُ أرصفةٍ لقطاراتِ المدنِ الألمانيّةِ ) ما زالت موحشةً وتظلّ الساحةُ موحشةً حتي العاشرةِ ... الفتياتُ سيأتينَ ، يسابِقْنَ حقائبَهُنَّ إلي الأرصفةِ السودِ ؛ سيأتي الأتراكُ بما زرعوا وسيأتي أكرادُ الأتراكِ بما صنَعَ الأتراكُ ، وتأتي الدرّاجاتُ لِتُربَطَ كالخيلِ ( عليّ الآنَ مغادرةُ الطاولةِ ) ................. ................. ................. الساحةُ تستيقظُ لكنْ ، متأخرةً ... مثلَ امرأةٍ في الخمسينَ مُدَوَّخةٍ من ليلةِ حُبّ ! برلين /30 6 / 2010 الصّيفُ ناعماً تدورُ طويلاً في المخازنِ كلّما أتتْ مخزناً دارتْ قليلاً وفكّرتْ قليلاً ولم تلمُسْ ولم تشترِ ... ....................... ....................... ....................... الضحي ربيعٌ ، كأنّ الصيفَ راجَعَ نفسَهُ فهَبَّ خفيفاً. ليتَها ، الصبحَ ، قد نضَتْ غلائلَها واختارت البحرَ ! ليتَها ! ولكنَّ مَن تهوي بعيدٌ... تلَبّثَتْ ومدّتْ يداً : أوّاه ، لو كان ههنا ، يداعبُني تحتَ القميصِ . سأشتري القميصَ ... وأرضي بالذي أتحسس " منتقيً من كتابٍ يصدر قريباً عن ( دار التكوين ) بدمشق تحت عنوان : أنا برلينيّ ؟ بانوراما "