يقول حكماء العصر "السلطان من لا يعرف السلطان" وهي حكمة أثبتت صحتها علي مدي العصور.. فما بالنا إذا لم يكن سلطانا واحداً ولكنه ثلاثة سلاطين عرفهم مؤلف الكتاب وكانت له مواقف معهم وسار في الطريق وكأنه يمسك بسلك من الكهرباء.. فحياته علي المحك بكل ما فيها "عمله.. أسرته.. حياته نفسها.. في كتابه "أنا وعبدالناصر والسادات" سطور من السيرة الذاتية للكاتب الصحفي الكبير "عبده مباشر" أو "أبو عطية" كما كان يناديه صديق عمره الكاتب الراحل "اسماعيل النقيب" الذي أهدي كتابه له قائلاً: لصديق العمر ورفيق الدرب ونجم الليالي بالعواصم العربية، لا القاهرة فقط، بخفة الظل وبقدرته كمثقف علي استدعاء المعلومات بذاكرة حادة وذكاء مفرط ،لإسماعيل النقيب الذي اختاره الله إلي جواره، بعد أن غيبه المرض طويلاً عن ممارسة عشق السهر والسمر وربما لا يعرف الكثيرون أنه من المتحدثين المبدعين، بل يعد آخر عنقود سلالة الظرفاء الكبار: عبدالعزيز البشري ، كامل الشناوي ومحمود السعدني. ويا صديقي وأنا أدعو لك بالرحمة، فإن المقطوع به أننا إلي لقاء، ويا صديقي لم تعد الحياة بعد رحيلك مثلما كانت ولن تكون". يقول عبده مباشر في مقدمة قصيرة: أتاحت ظروف عملي كمحرر سياسي ومراسل حربي في بلاط صاحبة الجلالة لأكثر من نصف قرن فرصا للاقتراب من رؤساء مصر الثلاثة جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك وخطوة إثر خطوة وجدت نفسي في الشارع الخلفي للأحداث شاهدا في كثير من الأحيان علي بعضها ومشاركاً في أحيان أخري في بعض آخر، ومثل هذا الوجود كان له ثمنه وكانت له بصماته وآثاره علي حياتي وهأنذا أحاول أن ألقي الضوء علي جوانب من بعض ما عشته أو شاركت فيه من أحداث وأوضح أن الأمر ليس أكثر من رؤية ذاتية وليس تاريخاً أو حتي محاولة لتصحيحه وعلي الله قصد السبيل". إنها محاولة من المؤلف للإجابة علي سؤال: لماذا اخترت هذا التوقيت لإصدار هذا الكتاب؟ وعندما سألته قال: إنها شهادة للتاريخ وللحق. في الفصل الأول من الكتاب "أنا وعبدالناصر" يتحدث عن كيفية لقائه بالرئيس عبدالناصر هذا اللقاء الذي لم يسع إليه لا في المرة الأولي ولا فيما بعد، ولكنها الظروف التي جعلت مجلس تحرير الأخبار يأخذ قراراً بالإجماع بسفره إلي إلي السعودية لمتابعة الموقف السعودي من تنفيذ اتفاقية جدة.. وقد كان ونجح في اجراء حوار مع الملك فيصل رد فيه الملك بكل الدبلوماسية والكياسة والذكاء علي جميع أسئلته، فما كان منه إلا أن عجل بالرجوع إلي القاهرة لقطف ثمار هذا النجاح، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن كما يقولون فقد قرر مصطفي أمين رئيس تحرير الأخبار إرسال الحوار قبل نشره إلي الرئيس عبدالناصر ليقرر ما يراه من نشره أو عدم نشره وطلب من "مباشر" ألا يغادر مكتبه دون أن يخبره.. وبعد مرور الوقت طلب مصطفي أمين من عبده مباشر التوجه إلي مكتب الرئيس بمنشية البكري وكان اللقاء الأول الذي استمع فيه إليه بالتفصيل ثم أخبره برأيه من عدم نشر الحوار!! وتمر الأيام والأحداث بعد ضرب 1967 وما حدث فيه ليصبح "عبده مباشر" أول مدني يشارك في عمليات حرب الاستنزاف بوحدة الكوماندز التي حملت فيما بعد اسم المجموعة (39) وهذا الاستثناء كان الأول في التاريخ المعاصر للقوات المسلحة.. وتتوالي الأحداث التي لا يتسع المجال لذكرها حتي وفاة عبدالناصر وتوالي المخاطر ويتولي أنور السادات الحكم. "أنا والسادات" تفاصيل كثيرة يحكيها المؤلف عن بداية علاقته بالسادات من خلال مقابلته في مكتب المشير عامر الذي كان صديقا له أو أثناء لقائه به في ضيافة المشير وزوجته برلنتي عبدالحميد وكيف أن السادات نجح في أن يجمع القوة في يده بعد أن انتصر علي مراكز القوي وكيف أنه أخذ يمهد لاسترجاع الأرض ونجح في طرد السوفييت بعد أن تغلغلوا داخل مصر وأصبحوا ذوي نفوذ وبعد نجاح المجموعة (قتال 39) يقرر السادات تكريمها تقديراً لدورها الكبير وانجازاتها التاريخية ويحمل التكريم رسالة ايجابية للفريق أول صادق وزير الحربية الذي شمل هذه المجموعة بالرعاية والاشراف الكامل منذ ما قبل ميلادها وحتي لحظة اقالته في أكتوبر عام 1972 وتحدد يوم 12 أغسطس 1971 لهذا التكريم ويصمم عبده مباشر علي ارتداء الزي المدني برغم رفض الجميع إلا أن الأمر يصل للسادات ويوافق وكان ثاني استثناء في تاريخ القوات المسلحة!! ولم يكن يدري المؤلف ما تخبئه له الأيام عندما أصدر السادات قرارا بفصله!! الكتاب مليء بالأحداث والأسرار التي صمت عنها المؤلف كثيراً وربما يعد قريبا لإصدار كتب أخري يواصل فيها التأريخ لمرحلة من أخطر وأهم المراحل في تاريخ مصر الحديث ويحمد لدار المعارف العريقة والمشرف علي سلسلة النشر في الدار الشاعر أحمد سويلم اخراج الكتاب بشكل أنيق في قطع متوسط يضم 199 صفحة.