لا يمكن اختصار تجربة الفنان صلاح المليجي في معرضه الأخير الذي استضافته قاعة النيل تحت عنوان «علي الحافة « في كونه معرضا يتمحور حول المرأة.. فمعرض «علي الحافة» الذي جاء بعد ست سنوات من آخر معارض الفنان الفردية، خرج ليعكس تلك الأفكار والحالات الشعورية المختلفة التي يتأرجح بينها المليجي طوال الوقت والتي تتنوع بين الشجن والرومانسية .. بين الوجدان والعقل.. بين الوجود والعدم .. حيث نستمع إليه يقول : علي حافة أن أحيا أو أن أموت، علي حافة ذكريات، علي حافة ماضٍ، علي حافة ما هو آتٍ، علي حافة الصمت، علي حافة الصوت .. علي حافة الحياة» إنه معرض يسبح من خلاله الفنان برشاقة في عالم الروح والأحلام ، وربما كانت المرأة هي الوسيط الذي تخرج من خلاله كثير من أفكار ومشاعر تلك المرحلة التي يقول عنها الفنان : أتعامل مع الوجدان والعاطفة ومع انفعالي، عشت فترة وأنا حريص أن أؤكد أن هناك عالما آخر أجمل من عالمنا الواقعي .. عالما نحتاج إليه بشدة في حياتنا المادية بكل ما فيها من زحام وفقد وألم، وبينما نصطدم بالواقع بشكل رهيب أصبحت المتعة أن نلوذ بذلك العالم البديل. ويستطرد الفنان : إنها حالة بصرية تُحاكي الوجدان ولا تحاكي الواقع، تستلهم المرأة كعنصر إلهام الفنانين عبر الزمن ، لا تُقدم كجسد ولكن كروح ووجدان علي حافة الرمز، وعلي حافة الانسلاخ من حياة إلي حياة تصاحبها طيور وعصافير وورود قد تبدو من زمن الأساطير، وقد تمنحها الرموز بُعدًا فلسفيًا آخر، ولأول مرة أكتب اسمًا للمعرض وأختار عناوين للأعمال. وإذا كانت المرأة تشكل عنصرا أساسيا في هذا المعرض فإن أحد الرموز الهامة المتكررة التي لا تقل أهمية عن المرأة هي الطائر الذي يشكل بديلا موضوعيا للروح في الفكر الأسطوري فعندما يتحول الإنسان لطائر فهو نوع من أنواع السمو.. وفي دراسته المطولة عن المعرض يتحدث د. ياسر منجي بإسهاب عن الطيور التي تمارس حضورا فاعلا داخل سياق تجربة المليجي الحالية، حيث يقول : إذا نراها تلعب دور الشهود الذي تبارك ائتلاف شخصيتي الحبيبين الشاخصين في لوحة «الملاك الحائر» ، حيث تحتشد في الثلث الأيسر من مسطح اللوحة، في مساحة منفصلة خطيا ولونيا عن فضاء مناجاة البطلين أحدهما للآخر، غير أن انفصالها يعادله اتصال معنوي، ينبع من تقمص تلك الطيور دور الكورس المسرحي، المردد لنبض الحكاية المحورية الكامنة في قلب اللوحة، فضلا عن المشابهة المستترة التي تربط تلك الطيور بالكيان الأنثوي المجسد لشخصية الملاك، عن طريق تماثلهما معه في التركيبة المجنحة للجسد .. ثم نراه يضيف في موقع أخر : غير أن دور العصافير المحوري تكرر في لوحات أخري، علي غرار «محبون» التي تولت فيها قيادة النبض الإيقاعي لدفقة الحركة الموجية الواصلة بين شقي العمل، بل وبلغ من أهميتها أن نشهد حضورها الطاغي في لوحة كاملة ، خصصها المليجي لها مطلقا اسمها عليها «عصافير» ليعود مستحضرا إياها في أفراد قلائل ، تقوم بقيادة الفعل، أو المشاركة فيه، أو مراقبته كما في لوحاته «حكاية قديمة» ، و«أيقونة» ، و«بلا ملامح» ، و«امرأة وطيور»و«عصفورتان وفتاة» لتتحول العصافير من ثم إلي رمز ملازم للشخصية الأنثوية المتناولة في صميم التجربة ، مغازلة لدي المتلقي تراكمات الاقتران الحضاري بين الطيور والأنثي في تجلياتها العاشقة والجامحة والمأسوية. ثم إذا بالهدهد هو رمز الحكمة الذي يظهر في كثير من اللوحات وأهمها لوحة «وجه وطيور الهدهد»، والتي يتمني فيها الرجل الذي تشغل رأسه تفاصيل الحياة المادية بما فيها من ألم وحزن أن تطارده الحكمة. إن المليجي في معرضه الأخير ينتقل من فكرة لأخري متأملا في أعماق ذاته ومستلهما ألوانه من منطقة شفافة داخله ، تؤرخ للحلم والأسطورة التي يراها ويستقي منها أعماله ، وهو كذلك يعلن تمرده علي إبداعاته الجرافيكية التي اشتهر بها ليؤكد تمكنه من أدواته في عالم التصوير الذي قدم من خلاله ثلاثة معارض عبر مشواره الابداعي الممتد، كان أولها بعنوان « زبد البحر» ، حيث البحر جزء لا يتجزأ من وجدان المليجي الفني حيث نشأته في السويس ، كما نراه أيضا يتلاعب بطبقات الألوان ليصل في بعض اللوحات إلي ملمس الخزف ويستكشف أبعادا آخري ومساحات جديدة علي ذاته وعلي جمهوره، تلك التي تؤكد تدفق إبداعه الفني في أشكال مختلفة حيث كان لدكتور صلاح المليجي أيضا تجربة متميزة في المزج بين الكتابة الشعرية والجرافيك في كتاب «في الليل» الذي أصدر منه خمس نسخ فحسب. ود.صلاح المليجي يشغل منصب أستاذ بقسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، كما تولي مهام رئاسة قطاع الفنون التشكيلية لمدة 3 سنوات (من منتصف 2011 وحتي منتصف 2014) ، وها هو يعود لفنه وجمهوره بعد أن تفرغ حاليًا لتجربته الجديدة.