"يجب أن تأخذ المذاهب بداياتها من المسائل التي تعالجها" فيكو- vico - العلم الجديد ما البداية؟ ماذا يجب أن يفعله المرء لكي يبدأ؟ ما خصوصية البداية بوصفها نشاطا أو لحظة أو موضعا؟ أيستطيع المرء أن يبدأ حينما يفضل؟ أي نوع من المواقف أو المزاج يكون ضروريا للبدء؟ ومن الناحية التاريخية أيوجد نوع من اللحظات هو الأكثر ملاءمة للبدء، وهل يوجد نوع من الأفراد تكون البداية لديه أكثر الأنشطة أهمية؟ أتستحق هذه الأسئلة عن البداية أن تثار. وبالنسبة للعمل الأدبي ما مدي أهمية البداية؟ وإذا كان الأمر كذلك أيمكن لهذه الأسئلة أن تعالج أو تلقي إجابة علي نحو عياني، مفهوم وحافل بالمعلومات؟ وبالنسبة إلي هذا الكتاب تلك هي أسئلة البداية، ولكن ما أن تجري متابعتها حتي تقع عملية لتحديد النطاق - علي نحو رحيم وإلا ظهر بطريقة مغايرة أنها أسئلة معقدة تستعصي علي المناقشة، لقد ركزت علي البدايات سواء كشيء يفعله المرء أو كشئ يفكر فيه. وأحيانا يمضي الاثنان معا، ولكنهما مترابطان دائما بالضرورة معا حينما تستخدم اللغة. وهكذا يوجد معجم خاص يستخدم، ألفاظا مثل بداية، واستهلال وأصول، وأصالة، وابتداء وافتتاح، وثورة، وسلطة وإنشاء، ونقطة انطلاق، راديكالية وما إلي ذلك، حينما توصف بداية أو يشار إليها. وبالمثل حينما يبدأ المرء بالفعل في الكتابة تتحقق مجموعة مركبة من الملابسات تميز المشروع البادئ. لذلك ترتبط في اللغة الكتابة أو التفكير حول البداية بكتابة بداية أو ممارستها فكريا. وتبعا لذلك تكون البداية اللفظية نشاطا إبداعيا ونقديا في نفس الوقت، تماما مثل اللحظة التي يبدأ فيها المرء في استعمال اللغة بطريقة منضبطة حيث يبدأ التميز القويم التقليدي بين الفكر النقدي والإبداعي في الانهيار. إن البداية ليست فقط نوعا من الفعل، فهي أيضا إطار ذهني، نوع من العمل، موقف، ووعي. إنها عملية تداولية مثلما نقرأ نصا صعبا، ونتساءل من أين نبدأ لكي نفهمه، أو أين بدأ المؤلف العمل ولماذا. وهي ذات طابع نظري حينما نسأل إن كان هناك أي سمة معرفية أو أي أداء يتميزان بالخصوصية وتنفرد بهما البدايات عموما. فلكي يبدأ أي كاتب معناه أن يباشر شيئا ما متصلا بنقطة انطلاق متعينة. وحتي حينما تكبح تكون تكون البداية دائما خطوة أولي يترتب عليها ( فيما عدا حالات نادرة) شئ ما. أي أن البدايات تلعب دورا حتي إن لم يكن مفهوما بوضوح شديد. ومن المؤكد أنها مفيدة من حيث الشكل، فالأوساط والنهايات والاستمرار والتطور تتضمن جميعا بدايات قبلها. إن شكلا مركبا علي أي حال يمتلك منطقا خاصا به، فهل تمتلك البداية ذلك؟ فإذا افترضنا حضور بدايات هنا وهناك بالنسبة إلي المولعين بالتأمل في أعمالهم من فنانين ونقاد وفلاسفة وسياسيين ومؤرخين وباحثين في التحليل النفسي، سنجد أن دراسة للبدايات يمكن بسهولة تامة أن تصبح فهرسا لحالات لا متناهية. ومهمتي في هذا الكتاب هي علي وجه الدقة تجنب جمع مثل هذا الفهرس (حتي مع الوعي بإمكانه) وبدلا من ذلك متابعة مسألة البدايات بطريقة شيقة تفصيلية علي نحو ملائم، عملية ونظرية. وأنا لا أقتصر علي محاولة إيضاح أي نوع من اللغة يستخدم وأي نوع من الفكر يحدث حينما يبدأ المرء أو حينما يفكر ويكتب عن البداية، بل أنا أرغب في إيضاح كيف أن أشكالا مثل الرواية ومفاهيم مثل النص هي أشكال من البداية والوجود في العالم. وفضلا عن ذلك فإن تلك التغيرات التي تطرأ من فترة ثقافية إلي التالية تمكن دراستها باعتبارها تحولات في تصور ماذا تكون البداية أو ما ينبغي أن تكون. وعلي سبيل المثال حينما يمارس المرء النقد اليوم، فإن وعيا علي درجة عالية من الظرفية والتفصيل- ببداية كتابة نقد يكون قائما بعمله، ونحن الآن أقل ميلا عن ذي قبل للظن، أن حياة الكاتب لها امتياز سابق مطلق حينما يتعلق الأمر بفهم عمله، ولماذا يكون الأمر كذلك، وبماذا ينبغي أن نبدأ عندما ندرس عملا للكاتب؟ وما هي المصطلحات الممتازة والجوانب الرئيسية للوعي النقدي اليوم؟ وأي عمل يتظاهر بالتعامل مع مثل هذه الأسئلة يخاطر بأن تحرجه لا بدايتها فحسب، بل استمراريتها، واختيارها للمواضيع، ومفرداتها. وأنا لم أقلل من قدر إمكان هذا الحرج مع هذا الكتاب المحدد. إن مصطلحاتي النقدية الخاصة (متعد ولازم، بدايات، سلطة، قصد، منهج، بداية في تميزها عن أصل نص- بنية) مبنية علي تداعيات أفكار، تتجمع كما سيصير واضحا بدرجة كافية في مدي واسع نسبيا من الاهتمامات. وكل من فصول الكتاب (أو حلقاته) الستة له تماسكه الداخلي الذي يعتمد علي جانب من البداية، وكل منها يغطي طرازا تاريخيا (تطور الرواية علي سبيل المثال) لا يشرد بعيدا جدا عن موضوع البدايات المركزي، علي الرغم من التناقض الظاهري في أنني وجدت من الممكن في أحد الفصول ( الفصل الثالث) أن أناقش كلا من الطورين المبكر والمتأخر للرواية الأوروبية. وعلي الجملة تشكل هذه الحلقات الست بنية لدراسة بدايات وإن لم تكن علي نحو خطي. وربما برهن قراري بالاستشهاد بفيكو في عبارة التصدير أن أجعل عمله موضوعا للخاتمة أفضل برهنة دائرية علي فكرتي أي علي أن البدايات هي الأولي والمهمة ولكنها ليست دائما بنية جلية، وعلي أن البداية هي من حيث الأساس نشاط يتضمن في النهاية عودة وتكرارا أكثر من إنجاز خطي بسيط، وعلي أن البداية والبداية من جديد تاريخيتان علي حين أن الأصول إلهية، وعلي أن البداية لا تخلق فحسب بل هي منهج ذاتها لأن لها قصدا وبإيجاز إن البداية هي صنع أو إنتاج الاختلاف، ولكنها وهنا توجد الفتنة العظيمة للموضوع - الاختلاف الذي هو نتيجة الجمع بين ما هو مألوف من قبل والجدة الخصبة للعمل الإنساني في اللغة. ويبني كل فصل من فصولي فوق هذا التفاعل بين الجديد والمعتاد الذي بدونه ( من العدم لا يأتي إلي العدم) لا تستطيع أي بداية أن تتحقق بالفعل. والاهتمام في أساس مقال مثل هذا الكتاب هو موضوعه الحق: تشارك اللغة والتاريخ من البداية رغم أي بداية مفردة. وقول ذلك عند البداية يفتح الأمل بعد ذلك في تجنب الأمان ذي النزعة المحافظة للغة بلا تاريخ والعكس بالعكس وهكذا تؤكد البداية بدلا من أن تثبط صرامة جذرية، وتتحقق من شواهد بعض التجديد علي أقل تقدير..شواهد الشروع في البدء. البداية ليست فقط نوعا من الفعل، فهي أيضا إطار ذهني، نوع من العمل، موقف، ووعي. إنها عملية تداولية مثلما نقرأ نصا صعبا، ونتساءل من أين نبدأ لكي نفهمه