هل إسقاط طائرة الرئيس الإيراني بفعل فاعل؟.. خبير يجيب    مانشستر سيتي بطلاً للدوري الإنجليزي للمرة العاشرة في تاريخه    إصابة شاب بطعنة نافذة في الصدر بالجيزة    السائق أوقع بهما.. حبس خادمتين بتهمة سرقة ذهب غادة عبد الرازق    افتتاح المؤتمر العلمي السنوي لكلية الآداب جامعة الفيوم    حزب الريادة: مصر كان لها اليد العليا فى دعم أهالي غزة وإدخال المساعدات لهم    «نيويورك تايمز»: هجوم روسيا في منطقة خاركوف وضع أوكرانيا في موقف صعب    سعر كيلو السكر اليوم.. قائمة أسعار السلع المدعمة في شهر يونيو 2024    بعد حل المجلس، صبحي يوجه رسالة لمسئولي مركز التنمية الشبابية بإستاد المنصورة    وزير التنمية المحلية: 25 مليار جنيه لتطوير منظومة المخلفات    برلماني يكشف موعد بدء حوار مجتمعي حول قانون الإيجار القديم    أحمد زاهر يهنئ ريم سامي بعد زفافها: «مبروك لأحلى عروسة وعريس»    بتنظيم من مركز السينما العربية.. كيت بلانشيت تشارك في حلقة نقاشية في مهرجان «كان»    في اليوم العالمي للمتاحف.. المتحف المصري بالتحرير يستقبل 15 ألف زائر    رسائل المسرح للجمهور في عرض "حواديتنا" لفرقة قصر ثقافة العريش    بالصور.. ختام ملتقى الأقصر الدولي للتصوير في دورته السابعة    بعد التشابه بينها وبين جورجينا.. ياسمين صبري تظهر برفقة كريستيانو    أبرزهم «اللبن الرائب».. 4 مشروبات لتبريد الجسم في ظل ارتفاع درجات الحرارة    وزير الصحة: الإرادة السياسية القوية حققت حلم المصريين في منظومة التغطية الصحية الشاملة    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    بايرن ميونيخ يعلن رحيل الثنائي الإفريقي    القطاع الخاص «2»    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    لمواليد 19 مايو .. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    دار الإفتاء توضح ما يقال من الذكر والدعاء في الحرّ الشديد.. تعرف عليه    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    ليلة الحسم.. مانشستر سيتي يتفوق على وست هام 2-1 فى الشوط الأول بالدوري الإنجليزي.. فيديو    افتتاح أولى دورات الحاسب الآلي للأطفال بمكتبة مصر العامة بدمنهور.. صور    رجل يعيش تحت الماء 93 يوما ويخرج أصغر سنا، ما القصة؟    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    فياريال ضد الريال.. خوسيلو يقود هجوم الميرنجى فى ختام الدورى الإسبانى    قصف مدفعي.. مراسل القاهرة الإخبارية: الاحتلال يوسع عملياته العسكرية شمال غزة    جامعة العريش تشارك في اللقاء السنوي لوحدة مناهضة العنف ضد المرأة ببورسعيد    الكشف على 927 مواطنا خلال قافلة جامعة المنصورة المتكاملة بحلايب وشلاتين    القومي لحقوق الإنسان يبحث مع السفير الفرنسي بالقاهرة سبل التعاون المشترك    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    «الإفتاء» توضح حكم حج وعمرة من يساعد غيره في أداء المناسك بالكرسي المتحرك    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    إنجاز قياسي| مصر تحصد 26 ميدالية في بطولة البحر المتوسط للكيك بوكسينج    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    إصابة 4 أشخاص في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    مساعدون لبايدن يقللون من تأثير احتجاجات الجامعات على الانتخابات    3 وزراء يشاركون فى مراجعة منتصف المدة لمشروع إدارة تلوث الهواء وتغير المناخ    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    ياسر إبراهيم: جاهز للمباريات وأتمنى المشاركة أمام الترجي في مباراة الحسم    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    حجازي يشارك في فعاليات المُنتدى العالمي للتعليم 2024 بلندن    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    استاد القاهرة : هناك تجهيزات خاصة لنهائي الكونفدرالية    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي ضفة » يمام «
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 05 - 2015

كما يعرف الذي يقترب بالمرض والجراحات والعمر من الموت هيمنة حال التفكير فيه بما يشوش أو حتي يلغي الحاضر ، منضغطا بتأمل الفائت والمستقبل " المحتمل " ، وكما يرفض حتي أكثرنا وجودية أو تدين المنعطف الدال علي النقلة التي لا يكف لا وعينا جميعا علي التفكير فيها، النقلة من الحياة إلي العدم بأمل عنيف التمسك والرغبة في يقين بقاء أثر ما منا ولو في أشكال هولوجرامية في الفضاء بعد أزمنة من زوالنا ، يسعي السارد والسارد المتكلم في أغلب قصص المجموعة القصصية الجديدة للروائي جمال الغيطاني " يمام " الصادرة عن دار نهضة مصر ( 2015 ) إلي نثر تساؤلاته القصية علينا ، فيض تساؤلاتنا التي نُعتّم عليها ، نتناساها عمدا ونتلهي عنها بما يمكن من علامات وأسباب للحياة مهما تعاظم شقاؤنا فيها وحاولنا الخروج منها أو أقنعنا أنفسنا بجدية رغبتنا في ذلك.
لا يتخلي السارد المُحتمي بصوت كمونولوج من التداعي السير ذاتي تقريبا حتي في القصص البادية بعيدة ثيماتيا عن تلك التساؤلات ، عن حمولة الأسئلة التي حملها عمرا وكان مثلنا يحاول إزاحتها إلي الهامش أثناء الرحلة . يتمسك بيقين ( كما يصفه ) بقاء أثر منه بعد الرحيل في الكون ولكنه قلق كذلك من عدم بقاء حتي الظل ولو لم يكن مادة أثيرية محتملة في فضاء الوجود بل شبهة الذكري. يقول في قصة تلخص مخاوف وجودية راسخة :" غرف الدفن في المقابر المصرية القديمة مثل الأرحام ، بيضاوية من رحم عابر ، إلي رحم مقيم ليس فيه ظل لأن الوجود ينتفي فلا تبقي إلا ذكري في بعض الأفئدة إلي حين ، والذكري ليس لها ظل ".
لولا متابعة لحظة ذات ميقات معلوم للخسوف ، لإحدي ظواهر الطبيعة لعجز السارد عن لحظة تخترق فلسفته ببعض التفاؤل بما يمكنه أن يقول في نفس القصة " إنني ماثل هناك ، إنني جزء من هذا الظل ..".
أغلب قصص " يمام " المسرودة بنبر ربما أمكن وصفه بالتسليمي الصوفي المندغم مع روح وجودية تتهيب من الموت وتشغف به ، تطل علينا من منطقة المراوحة تلك بأناها الغائرة في ارتدادات نفسية و زمانية لا تجود بيقين نهاية وجود شبحي هائم في الفضاء غائر السواد ، مع وجود إشارة مرة واحدة إلي " القرآن الكريم" الذي يحمله السارد معه في إحدي سفراته .
مُدرِكة هذه الأنا لألم الحتم ، لكون أي حتم لا يمكن إلا أن يكون عذابا ومعاناة إن لم يكن لتلك الأنا فعلي الأقل لبقية المنتظرين من الأعزاء علي ضفة ال " هنا " ( و " ضفة " عنوان إحدي القصص ) و ضفة ال " هِوّ " ( كما يستخدمها الكاتب ) أو الفراغ الكبير .
يتواصل الانشغال لتلك الأنا بالكيفية التي سيجئ عليها شبحها أو ملمح ذكراها للحفيد الصغير لكن حتي هذا الانشغال الأسيان مقابل ظاهرية التسليم بالحتم وسط شروح وأوصاف لأعراض العزلة وتفاصيل العلاقة المنسحبة مع العالم جعلت حتي القصص التي تحكي مواقف مثل " محطة " و " في الطريق " و سمراء " و" في الصباح " وغيرها ، القصص التي لا تبدو عن العَجَز والكهولة والتأهب للمحتوم تمرق كخيط واحد منسجم في نفس الوشيجة السردية لباقي المجموعة لأن السارد حين يختار تجسيد رمزية الحياة وفتوتها بالجمال الأنثوي المتقد الوثّاب يصف بقايا إحساسه وانفعاله بذلك بنبر استغرابي من الذات كأنما تأتي تلك الانفعالات كاستذكار يخص منطقة هائلة القد ، كأنما هي حالة نقيضة لحالته الآنية. هكذا يذكرنا ويذكر نفسه بشيخوخته . لا يتركه الزمن الذي يفكر هو في جريمته الأكيدة ، في انتظار غدر انتزاعه له من بين أحبته ، متي سيتخلي عنه ؟ هل يصاحب الأمر عنف أو ألم ؟ ولهذا نتعامل مع السلام المعروض لنا من السارد حيال المحتوم الوشيك بالمنظار الذي ينظر منه السارد إلي حياة يستدير ليراها من الوراء ونفكر : كل هذا الانشغال بالموت يتنافي مع الهدوء النابع من تأمله ، من اللغة المستخدمة لوصف شعور السارد تجاه توقعه بمعني أن التفكير المستمر فيه هو تسجيل لاكتراث عميق ، لخوف أصيل يغلب كل تصوف من السارد حياله.
اللغة بسيطة وغريبة قليلا ، المفردات مختارة بعمق محكم لتؤدي وظيفة محددة . ومثلا في " يمام " التي حملت المجموعة اسمها تري التساؤلات شفيفة عميقة لإبراز العلاقة التي نشأت بين السارد ( نحدس أنه يتكلم عن نفسه ) وبين ظل حمامتين وما يبدو كأنما ينبث عميقا باستسلام قدري يأتينا من عالم بعيد لا تسعي أفكاره ولا لغته أو أسلوبه إلي أي لعب أو صدم . في هذا العالم التفاصيل هي كل شيء وهو قد يلوح مغلقا محدودا بادئ الأمر لكن نكتشف أن هذا العالم المعاد اكتشافه في الشيخوخة مع الأسرة وعبرها بعد تراجع الصحاب والأصوات هو ما يرحب به السارد ، هذا هو امتلاء الوجود ومعناه بالنسبة للذات الساردة ... العيش الحقيقي بعد الخلاص من صخب مزدحم قديم والفروغ من كل الصراعات والإنجازات والأسفار والالتزامات والتجارب وربما أيضا الإحساس بقرب ترك الكتابة في الخلفية مع كومة حصاد العمر .
في قصة " يمام " من الرهافة ما يُهدهد القارئ . يمامتان تزوران فجأة إفريز نافذة السارد . اللقطة تهب اللغة جواهرها الشعرية كأن يقول : " عَرْض غامض وانتهي ، ضوء له مذاق الحليب و رهافة مطلع لحن من مقام صبا ، أسيان لماذا لم يصبر ؟" و في موضع آخر بنفس القصة : " صوت قادم من داخله إلي داخله ، ينبئه بوثيق الصلة بين ما يمر به ويكنُّه الحمام ، كيف ؟".
العالم الذي كان بعيدا يزداد بعدا بما خلق كوة لشرنقة . يصلح اليمام الزائر صحبة لوجود متشرنق ، لعلائق خفيفة مع العالم ومع الكائنات الخفيفة غير الناطقة فيه ونجد حتي الصلة المختبئة خلف زجاج النافذة باليمام ، الصلة المهددَة بأمور من نوع استحالة وضع بعض القمح لليمامتين بسبب ألوميتال النافذة هي إيحاء أو نصف توهم لائتناس ربما من طرف واحد ، علاقة تفتح سيكولوجية و روح الذات الساردة علي مزيد من جنس الأسئلة الوجودية التي تشغل المجموعة كلها والتي تطل مبكرا منذ القصة الأولي " مرآة " ( وحيث المرآة قناع في الأدب عادة، للحقيقة ، للنفس ، للاكتشاف والرؤية والمواجهة .. و القصة عن موت الأخ ) وليس انتهاء بالقصة الأخيرة التي اختار عنوانها " استفهام .." فكأنما البداية في الحياة توازي ما جعله السارد بداية للمجموعة " مرآة " ونهاية الرحلة أو الحياة كذلك توحي بموازاة ما يحدث فيها و تنفتح عليه بل تقود إليه مع انتهاء المجموعة : " استفهام " . وبينهما تلك الحالة المتدفقة المحمومة التي تمثل الحياة وتعيد السارد إلي حدائق الأسئلة القاسية المؤجلة إجاباتها لكونها مرتهنة بولوج حالة أخري لم يبلغها بعد .
هذه العلاقة مع الزمن في منعطف أو نقطة توقع نهايته للذات الساردة تقلب كل منظارآخر سبقها وتجعل اللغة تلتف علي المحور النفسي لمعاناة الذات الساردة .
آنستُ للسارد الذي ذكرني بلغته وعمق رؤاه في " يمام " ب " متون الأهرام " أحد أجمل ما كتب الغيطاني في تقديري وكتب أخري مثل " التجليات " و " خلسات الكري " حين نتأملها بجوار اتجاهات سردية وثيماتية مغايرة نوعا لديه مثل " حكايات المؤسسة " و" دنا فتدلي " مثلا . وما يميز المجموعة القصصية بين أيدينا هو هيمنة تفصيلة واحدة ربما علي كل قصة تسحب السارد للغوص خلفها ونحن علي يقين بأن تلك التفصيلة تحمل جوهرا يري هو كونيته لهذا وجد أن بإمكانه هنا كذلك حذف أية أسماء أو كلها ، طالما الاسم رداء نرتديه فقط عند خروجنا للدنيا ، رداء يتم إسباغه علينا ونتركه فيها مع بقية الناس والممتلكات والإنجازات التي نتركها للورثة أو للوهم أو لمن يهمه الأمر !
" يمام " زاخرة بلغة فياضة وبحالة متأهبة أو تتظاهر بهذا وتذكر نفسها به ذ عبر كل الذاتية و الوصف الراسخ في القصص - فمثلا نجد الذات في صوت السارد تقول : " دائما يحيل كل ما يعرض له ، يراه إلي مواقف ولحيظات متخيلة في المستقبل الذي لم يحُل بعد ، أو إلي الماضي ، الذي لم يعد موجودا " ، أشم رائحة كيركجاردية هنا ، بينما في قصة عنوانها " يوماً " نجد السارد الذاتي يقول : " يستعيد نصيحة صاحب حميم أن يعيش اللحظة ، أن يستمتع بما يمر به ، غير أنه جاء محاورِا لها ، مستعيدا لما كان ، متخيلاً لما سيكون فكأنه لم يكن ". هذه الذات الساردة تعي سبب انهزام فرحتها و تسرب لنا حالة قَدرَية لا تخلو من التركيز علي ما سيحدث في علاقتها بمن تحب بعد اكتمال الزوال الفيسولوجي .
إذن نحن أمام متواليات سردية يسيطر عليها هوس هادئ بفكرة الرحيل ، لحظته ، كيفيته ، ما يتم الشعور به أثناء حدوثه و ما بعده . في " يمام " لا يمكن للسارد أن يكون أكثر وضوحا حين يقول : " يؤثر ألا يُحكِم إغلاق الباب تسهيلا علي من يطرق ولن يتلقي إجابة ، تشغله لحظة التمام ، هل سيشعر بالدنو ؟ كيف ستبدو الثواني العشر الأخيرة ؟ هل سيعي النقلة ؟ هل سيرصد العبور ؟ هل سيشبه الأمر الدخول في السبات العميق قرب اكتمال الجراحة الكبري؟ ". وأيضا :" بدأ يستسلم إلي هذا القادم من داخله ، الوقت محدود ، إنها المراحل الأخيرة شاء أم لم يشأ ....... لديه يقين أنه سيمضي ليلا ، بالتحديد فجرا ، هكذا سبقه ذوو القربي ، أمه ، أبوه ، أخوه ". أما " صرخة " فشديدة البساطة بلا إدعاء . هنا انبثاقة لفكرة الماوراء لكن في بداية اتصالها بالحياة التي يمثلها الحفيد الرضيع بصرخة رعبه المباغتة . " ما الذي رأي ؟" وأطلق ذلك الرعب ..أية خبرة منسربة ( فزع كوني أصيل ربما ) انتقلت إلي الكائن الصغير ليصرخ بكل هذا الرعب ؟! .. ونجد تأملات السارد الحزينة تتواصل حتي في لحظات البهجة والتئام الشمل فهو ممسوس بالتفكير فيما سيحدث :" ها نحن معا، ماذا عن العام القادم ؟" فيما يلخص السطر الأخير من القصة الثانية بالمجموعة حالة التيه وتعمقه ، عمق الانفصال عن أسمائنا وعمن يجاورنا من أصوات نعرف أصحابها ، قصة واقفة علي أعتاب برزخ ما تعاينه الذات المتكلمة هنا ( مكتوبة بضمائر " أنا " و " أنني " ) حيث تطلق تلك الذات صرختها الأبدية وسط رؤي تَدْلَهِمّ تستمد قوتها من بعض غرائبية فريدة هنا مقارنة بأغلب القصص التي تميل علي مزيج من واقعية الوصف و نحته من منطقة باطنية :" شخص يرتدي جلبابا أبيض ...... ينحني ليكتب حروفا ضخمة ، لغة لا أعرفها ، ليست الصينية التي أتقن شكل حروفها ، رغم وقوفي بعيدا فإنني قادر علي رؤيتها إلا أنني لا أفقه معناها ، سرعان ما تختفي ، صحف بيضاء والرجل الأصلع حينا ، المكسو بالشعر رأسه حينا آخر مستمر في حركة يده ، تري ... ماذا سأري في اللحظة التالية ، أو الماضية ! ما من ملامح واضحة بين الآتي والمنقضي ، أقف حائرًا ، متلفتًا إلي كل لا جهة ، أعي في هذه اللحظة أنني بعيد عن شانغهاي ، عن الحديقة نفسها ، عن حضوري كله الذي يدركه تفرق أعيه إذ بدأت أري بعضًا من بعض قاصدًا كل صوب .. ".
حين ننتهي من قراءة " يمام " يمكن أن نواصل تلهينا عن محورها الفلسفي ، عن همها وهمنا الأوحد إلي أن يأتي وقت نستطيع أن نمنحه بدورنا ذ بلا شروط ذ للانكفاء والتركيز علي الشاغل الرئيسي لكل هذه المجموعة القصصية خافتة الصوت عميقة اللغة والوصف رهيفة القلق والخوف .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.