قيادي بالشعب الجمهوري: ذكرى تحرير سيناء درس قوي في مفهوم الوطنية والانتماء    رئيس هيئة الاستعلامات: الكرة الآن في ملعب واشنطن لإيقاف اجتياح رفح    تعرف علي أسعار العيش السياحي الجديدة 2024    لليوم الثالث.. تراجع سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الأربعاء 24 أبريل 2024    قبل إجازة البنوك .. سعر الدولار الأمريكي اليوم مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية الأربعاء 24 أبريل 2024    تراجع سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 24 أبريل 2024    تراجع جديد لأسعار الذهب العالمي    تعرف علي موعد تطبيق زيادة الأجور في القطاع الخاص 2024    عودة المياه تدريجيا بمنطقة كومبرة بكرداسة    تراجع أسعار الذهب في ختام تعاملات الثلاثاء 22 أبريل    واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأمريكية بعد هجومين جديدين    «مقصلة العدالة».. لماذا لا تثور دول الأمم المتحدة لإلغاء الفيتو؟    بعد تأهل العين.. موعد نهائي دوري أبطال آسيا 2024    أرسنال يحقق رقمًا مميزًا بعد خماسية تشيلسي في الدوري الإنجليزي    حلمي طولان: الأهلي والزمالك لديهما مواقف معلنة تجاه فلسطين    رئيس نادي النادي: الدولة مهتمة بتطوير المنشآت الرياضية    يوفنتوس يضرب موعدًا مع نهائي كأس إيطاليا رغم هزيمته أمام لاتسيو    الخطيب يفتح ملف صفقات الأهلي الصيفية    موعد مباريات اليوم الأربعاء 24 أبريل 2024| إنفوجراف    أمير هشام: إمام عاشور لم يتلقى عروض للرحيل ولا عروض ل "كهربا" و"الشناوي"    الأشد حرارة خلال ربيع 2024.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الأربعاء 24 أبريل 2024    تحذير شديد بشأن الطقس اليوم الأربعاء .. ذروة الموجة الخماسينية الساخنة (بيان مهم)    وفاة 3 اشخاص وإصابة 15 شخصا في حادث تصادم على الطريق الإقليمي بالشرقية    محافظ الغربية: ضبط طن رنجة غير صالحة للاستخدام الآدمي وتحرير 43 محضر صحي    شم النسيم 2024.. الإفتاء توضح موعده الأصلي    حظك اليوم برج الدلو الأربعاء 24-4-2024 مهنيا وعاطفيا.. الماضي يطاردك    أول تعليق من نيللي كريم بعد طرح بوستر فيلم «السرب» (تفاصيل)    السياحة توضح حقيقة إلغاء حفل طليق كيم كارداشيان في الأهرامات (فيديو)    بالصور.. حفل «شهرزاد بالعربى» يرفع لافتة كامل العدد في الأوبرا    مشرفة الديكور المسرحي ل«دراما 1882»: فريق العمل كان مليء بالطاقات المبهرة    شربنا قهوة مع بعض.. أحمد عبدالعزيز يستقبل صاحب واقعة عزاء شيرين سيف النصر في منزله    الموت له احترام وهيبة..تامر أمين ينفعل بسبب أزمة جنازات الفنانين    مع ارتفاع درجات الحرارة.. دعاء الحر للاستعاذة من جهنم (ردده الآن)    الاعتماد والرقابة الصحية توقع بروتوكول تعاون مع جامعة المنوفية لمنح شهادة جهار- ايجيكاب    فحص 953 مواطنا بقافلة بقرية زاوية مبارك بكوم حمادة في البحيرة    طريقة عمل الجبنة الكريمي من اللبن «القاطع»    عاجل- هؤلاء ممنوعون من النزول..نصائح هامة لمواجهة موجة الحر الشديدة    تعرف على طرق وكيفية التسجيل في كنترول الثانوية العامة 2024 بالكويت    ما أهمية بيت حانون وما دلالة استمرار عمليات جيش الاحتلال فيها؟.. فيديو    اتصالات النواب: تشكيل لجان مع المحليات لتحسين كفاءة الخدمات    أمين الفتوى: "اللى يزوغ من الشغل" لا بركة فى ماله    عادات خاطئة في الموجة الحارة.. احذرها لتجنب مخاطرها    الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضيه    «قضايا الدولة» تشارك في مؤتمر الذكاء الاصطناعي بالعاصمة الإدارية    مقتل وإصابة 8 مواطنين في غارة إسرائيلية على منزل ببلدة حانين جنوب لبنان    أبو عبيدة: الرد الإيراني على إسرائيل وضع قواعد جديدة ورسخ معادلات مهمة    «التعليم العالي» تغلق كيانًا وهميًا بمنطقة المهندسين في الجيزة    اللعبة الاخيرة.. مصرع طفلة سقطت من الطابق الرابع في أكتوبر    11 معلومة مهمة من التعليم للطلاب بشأن اختبار "TOFAS".. اعرف التفاصيل    عضو ب«التحالف الوطني»: 167 قاطرة محملة بأكثر 2985 طن مساعدات لدعم الفلسطينيين    وزير الأوقاف من الرياض: نرفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته    محافظ قنا يستقبل 14 مواطنا من ذوي الهمم لتسليمهم أطراف صناعية    عربية النواب: اكتشاف مقابر جماعية بغزة وصمة عار على جبين المجتمع الدولى    رسميا .. 4 أيام إجازة للموظفين| تعرف عليها    افتتاح الملتقى العلمي الثاني حول العلوم التطبيقية الحديثة ودورها في التنمية    الإفتاء: لا يحق للزوج أو الزوجة التفتيش فى الموبايل الخاص    اتحاد عمال مصر ونظيره التركي يوقعان اتفاقية لدعم العمل النقابي المشترك    دعاء في جوف الليل: اللهم اجمع على الهدى أمرنا وألّف بين قلوبنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكثر من 10 آلاف عنوان صدر العام الماضي:
ازدهار حقيقي أم عبء علي المكتبات والقراء؟

يقول العلماء أن درجات الشعوب ومستوياتها تتوقف علي مدي ثقافة أفرادها والتي تنعكس علي قدرتهم علي الاستيعاب والوعي بما يدور حولهم في الداخل والخارج، وتتعلق هذه الثقافة بشكل كبير بإطلاعهم وقراءتهم للكتاب كواحد من أهم مصادر المعرفة؛ القديم منها والحديث، وتقول الإحصائيات أن عدد الكتب المطبوعة والمنشورة من خلال المؤسسات العامة والخاصة والتي يتم ضخها في سوق الكتاب المصري في ازدياد مستمر والتي بلغت خلال العام الماضي 2014 إجمالي 10643 كتاباً، والأدبية منها 2803 كتاباً، فهل قابل ذلك نموا في شرائية الكتب واقتنائها؟ وإن كان الجواب بالإيجاب، فهل انعكس ذلك علي الحياة الثقافية وازدهارها؟
وللإجابة علي هذه التساؤلات، إتجهنا إلي عدد من القائمين علي صناعة النشر في مصر، سواء المسئولين عن إصدارها أو المعنيين بإيصالها للجمهور.
في البداية تقول نيفين التهامي؛ المدير التنفيذي لدار كيان: »هذه الظاهرة سلاح ذو حدين، ففي الفترة الماضية ظهر عدد من الكتاب الشباب، لولا تلك الطفرة التي حدثت ما كانوا ظهروا، فالفرص للشباب كانت محدودة بعض الشيء، ولكن مع وجود دور نشر شبابية تشجعهم علي النشر لأول مرة أبرز لنا ذلك أسماء كثيرة وكتاب يكتبون جيدا وأعطاهم فرصة، وفي الوقت نفسه؛ انتشار التكليف علي الكاتب بطريقة كبيرة أدي إلي إحداث زخم، ولكن فيما بعد يحدث نوع من التنقية لدي القارئ، وفي النهاية هذه أذواق، وهناك إقبال الآن علي كتب الشباب عموما، بشكل عام أنا أري طفرة في الوضع الثقافي، خاصة مع زيادة عدد منافذ البيع والقراء والكتاب الشباب«.
وتستطرد التهامي: »الأساس أن تكون تكلفة النشر علي الدار ولا يكلف الكاتب نفسه، ولكننا كدور نشر شبابية، يكون لدينا مبلغ معين يمكننا تكليفه، تكفي لعشرة أعمال مثلا في العام، ويمكن أن يقدم 20 عملا جيدا، وقتها نخير الكاتب أن تكون التكلفة مناصفة، فخلال الشهور الأربعة الأخيرة منذ بداية هذا العام عرض علينا أكثر من 120 عملا، لا يمكن أن نقبلهم كلهم، لدينا لجنة للنشر تضم كتاباً وقراءً ونقاداً، يحددون ما يصلح، وبعدها نطلع علي اختيارات تلك اللجنة في الدار، ونختار من بينهم، فالتنقية تحدث لدينا أكثر من مرة لضمان المستوي«.
في حين يقول إسلام عبد المعطي، مدير دار روافد: »الكم ليس دلالة ازدهار دائما، لكنه يمكن أن يكون له دلالات أخري، مثل رغبة الناس في الكتابة والتعبير عن نفسها، وأنها اصبحت أكثر جرأة في الدفع بما تكتبه للنشر، وأعتقد أن هناك إقبالاً، وإلا لم يكونوا يجرأوا علي نشر هذا الكم، فالنسبة أظنها الآن أكثر من الثلاثين عاماً الماضية، ولكن يظل إقبال القراء مرتبطاً بنوعيات معينة من الكتابة والقراءة، فالقدرة الشرائية يملكها الآن الشباب، وهم يقبلون أكثر علي كتابات الموضة مثل أدب الرعب أو ما شابه، وعلي تأليف نوعية تتصدر الموضة في الوقت الحالي في الكتابة«.
ويستكمل عبد المعطي، متحدثا عن كيفية اختيار الأعمال بالدار: »نحن لا نتعامل مع كاتب بقدر ما نتعامل مع كتابة، والكتابة لدينا ضرورة أن يتوفر فيها أمران، إن كانت فكرية يجب أن نستشعر أن صاحبها بذل مجهوداً ويمتلك منهجاً علمياً في كتابتها، وإن كانت إبداعية، يجب أن تكون ممتعة في البداية وتتنبأ بميلاد مبدع حقيقي أو شخص مهموم بفعل الكتابة، لا نعني كثيرا بالمبيعات وأن نكون ضمن الأكثر مبيعا، نهتم بالكتابة التي تلعب علي صناعة ذائقة جمالية مغايرة، والاختيار لدينا ليس مرتبطا بلجنة ثابتة، نلجأ لأصدقاء نثق في رؤيتهم، ففكرة اللجنة مسألة أحيانا لها مساوئها، والموضوع يتحول لنوع معين من الذائقة الجمالية خاص بتلك اللجنة، مثل الجوائز أيضا ولجان التحكيم، فهذا ليس في صالح العمل«.
ويوافقه الرأي رحاب الهواري؛ صاحب دار رهف، فيقول: »للأسف هذا ليس ازدهارا، هو ازدياد في عدد دور النشر، وتكلفة ظهور الكتاب الأول شجع أصحاب المدونات والمواهب البسيطة علي الكتابة، ليمتلكوا كتاباً واثنين ولينضموا لاتحاد الكتاب، فسنجد فئة الكتاب من 20 إلي 25 عاماً هم الأكثر إصدارا للكتب الآن، وكثير من دور النشر حاليا تعتمد علي ذلك، ففرحة الكتاب الأول وفكرة امتلاك كتاب وحلم الإبداع هو ما صنع تلك الحالة من الزخم في دور النشر، قديما كان طبيعياً جداً أن تطبع الدار في العام 12 كتاباً، عندما يصل الآن إلي 50 في السنة الأولي، هذا معدل غير طبيعي، والفكرة ليست إبداع وإنما إنتاج فقط«.
ويستطرد الهواري: »ولكن بمنطق المقارنة مع الماضي سنجد أن هناك مبيعات، فقديما مثلا نجيب محفوظ نفسه قبل جائزة نوبل لم يكن يبيع سوي 300 نسخة، بينما الآن مواقع التواصل الاجتماعي ساعدت علي الانتشار والشباب يعملون علي تسويق أنفسهم جيدا، وسنجد أكثرهم يكتبون إما القصة القصيرة أو الشعر، وليس الرواية، فالإبداع ذو النفس القصير هو المسيطر علي الشباب، وهذا سبب حالة الانتعاش الكاذبة التي نعيشها، والجملة المريضة التي تقولها جميع دور النشر أننا نشجع علي الإبداع، ولكن الغرض الأساسي في النهاية يكون الربح«.
ومن جهته يري الناشر شريف جوزيف رزق، مدير دار التنوير: »أعتقد أن هناك تطوراً بعض الشيء في صناعة النشر ولكن ليست هناك طفرة أدبية أو في التأليف بشكل عام، مازال النشر العربي محدود، النصوص المتاحة المؤلفة باللغة العربية ليست كثيرة، خاصة لو تحدثنا عن النوعية، فهي كثيرة ولكن ليست علي المستوي المطلوب، الازدهار في صناعة النشر نسبته محدودة وليست قوية، هو فقط نمو في العرض وعدد المكتبات، إنما ليس ازدهاراً ثقافياً عاماً، فكثير من الكتب إما مترجمة أو هابطة، والمفترض أن تكون الصناعة لها أصول ومعايير، وأن يكون هناك أكثر من بعد لتقييم الأعمال؛ البعد العلمي، والأدبي، والتجاري بالتأكيد«.
وتأكيدا علي ما سبق، يضيف مصطفي الشيخ، مدير دار ومكتبة آفاق: »ما حدث أنه بعد ثورة يناير ظهر عدد من دور النشر الجديدة وهذا ما أحدث تلك الزيادة في الإنتاج، ولكنه لا يعبر عن الازدهار، ومن بين الأسباب المؤدية لذلك بالطبع نشر بعض الدور للكتب مقابل المال بغض النظر عن المستوي، فقد كان هناك كتاب يعرضون أعمالاً سيئة علي بعض الدور وكانت ترفض، بينما في السنوات الأخيرة ظهرت دور جديدة تقبل هذه الأعمال«.
وبنظرة أكثر إيجابية، يتحدث وائل الملا صاحب دار مصر العربية، قائلا: »العدد زاد حقا، ولكن القيم دائما من الأدب الذي يراعي المعايير الحقيقية تكون نسبته محدودة حوالي 10٪، بينما كصناعة نشر، هو شيء مفيد؛ لأن في النهاية سيحدث تنقية، فهناك ناشرون يغامرون وآخرون يجربون، وفي النهاية الجيد هو ما يبقي، فتلك ظاهرة صحية وليست رديئة جدا، خاصة وأن هناك جيلا كاملا الآن بدأ يعتاد علي حمل الكتاب والشعور بقيمته، الأجيال السابقة لم تكن لها علاقة ودية مع الكتب، بل مع التليفزيون والدش أكثر، أي ثقافتهم كانت مرئية أكثر منها مقروءة، الجيل الجديد بعد الثورة ما بين 15 إلي 22 عاما، صنع طفرة محترمة جدا في عادة القراءة بشكل عام، بغض النظر عما يقرأ إن كان جيد أو لا، ما دام أن العادة تأصلت سيطور قراءاته ويحسنها فيما بعد«.
ويستطرد الملا: »فكرة النشر بمقابل من المؤلف موجودة في كل العالم وليست في مصر فقط، فهي ليست سبة في حق الناشر، بل أن هناك بعض المؤلفين يصرون علي المشاركة والدفع، ولكن تلك الأزمة نجدها أكثر في الدور الجديدة، فالخطأ ليس أن ينشروا علي حساب المؤلف وإنما أن يكون مستوي العمل سيئاً ولا يرتقي للمعايير المتعارف عليها، وفي العموم سوق الكتاب والأدب والثقافة أحد سماته الفرز، ونجيب محفوظ في وقته لم يكن الأكثر مبيعا، كانت هناك نماذج أخري تبيع أكثر منه بمراحل، ولكن الآن لا نتذكر أو نعرف سوي محفوظ، وإذا حسبنا المبيعات التراكمية سنجده الأعلي حاليا، فالكتابات المحترمة هي التي تبيع في النهاية«.
وإن انتقلنا لمنافذ البيع، نجد أن مسئوليها لا يختلفون كثيرا مع الناشرين، فيقول إبراهيم سعد صاحب مكتبة ليلي: »للأسف هذا ليس ازدهارا حقيقيا، ولكن نتيجة الانترنت والناس الكثيرة التي تشترك في مجموعات وصفحات، بدأوا يحلمون بامتلاك كتب تحمل أسماءهم في السوق دون التمكن من الموهبة أو أن تكون كتاباتهم قوية، هو فقط نوع من حب الظهور، والسمة الحقيقية أن لا أحد يقرأ، سواء القديم أو الجديد، ولكن يمكن ملاحظة ظاهرة غريبة، أن الخارج هو من يقرأ، فمن يسمع أن لدينا أدباء كبار كنجيب محفوظ مثلا يبدأ يطلبه من الخارج وليس من الداخل، في الداخل هناك نوع من عدم الاهتمام بالثقافة عموما، الناس مشغولة بالحالة الاقتصادية والجميع يترقب ما يحدث«.
ويستكمل سعد: »الآن، قليل جدا من دور النشر تهتم بقراءة الكتب المقدمة إليها وتحديد إن كان جيداً يصلح للنشر من عدمه، كما أن عدداً كبيراً من دور النشر التي ظهرت شبابية، يلهثون وراء الربح الكبير والناس التي تطمح للظهور، فيقومون باستغلال ذلك بطباعة عدد قليل من النسخ والاستيلاء علي أموالهم، ذلك لا يمنع أن هناك أعمال جيدة تصدر عن دور النشر الكبيرة سواء سياسيا أو أدبيا، ولكنه لا يمثل العموم، فهناك إسفاف في اللغة وانحدار، وافتقاد لبلاغة التعبير وسموه والرقي في التعبيرات، فما يقدم انحطاط واستهلاكية«.
وما بين السلب والإيجاب، يقف عمر أحمد صاحب مكتبة عمر، فيقول: »الازدهار الموجود غير حقيقي، وفي الوقت ذاته ليس مزيفا، فهو تماما مثل من يملك أطفال عندهم مواهب فيذهب لعمل اشتراك لهم في أحد الأندية ويدفع أموالا، فمن لديه الموهبة ستنمو، ومن ليس لديه ستنتهي، الموجود حاليا في النشر دعاية علي الفيسبوك والمدونات، وكثير من الأعمال والإصدارات لشباب لم يتعدوا ال30 عاما، وهذه كارثة!، فهم لم يقرأوا شيئا، ولكن من لديه الموهبة بالفعل سيكمل، ويصدر عمل ثاني وثالث ورابع... وهكذا، فأنا لا اعتبر ذلك يعبر حقا عن ازدهار للكتابة أو الأدباء، ولكن لا يمنع أنه يمكن أن يخرج منهم أدباء جيدين لهم مستقبل، مع الوقت سيحدث نوع من الانتقاء«.
ويستطرد أحمد: »للأسف الناشرون الذين يدفعون للمؤلف أو يكلفون النشر لا يتعدون 25٪، بينما البقية يعتمدون علي أخذ مال من المؤلفين، ومن هنا أتت تلك «التخمة» من الإصدارات، وليس لدينا عدد قراء يقابلها، ولكن الميزة في هذا الكم أنه أدخل شريحة جديدة في القراءة لم يكونوا يقرأون، فتلك الكتابات جيدة بالنسبة لهم، ولكنها لن تعجب قارئ نهم، والدليل عدم استمراريتهم، ليس كنجيب محفوظ الذي توفي منذ سنوات، وكثيرون مازالوا يطلبون أعماله«.
وبشيء من التحليل والتفصيل، يقول عماد العادلي، المستشار الثقافي بمكتبة ألف: »هذا الكم لا يعبر عن ازدهار أدبي، ولكن ذلك لا يعني أنه مجرد عدد، وإنما يعبر عن شيء آخر، وهو قدرة عدد كبير من الناس في التعبير عن أنفسهم وإيجاد منفذ يساعدهم علي ذلك، وكان أمر منطقي جدا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أن يجترأ الناس علي قول آرائهم وما بداخلهم، وكان منطقيا أيضا أن يحدث تطور لذلك عن طريق تجربة النشر، كما أن المكتبات الكثيرة التي فتحت ودور النشر الخاصة التي انتشرت أتاحت لهم تلك الفرصة، فأنا إن قيمت تلك الأعمال إبداعيا، أري أن معظمها لا يرقي لأن يكون أدبا، ولكني لا أعتبر ذلك شيئا سيئا، الوقت والأيام سيثبتان لهم أن فكرتهم كانت قاصرة عن الكتابة وسيبدأون في تطوير مهاراتهم، سيسقط البعض في الطريق وسيبقي آخرون، وسيلمع غيرهم ويصبحون نجوماً لأنهم يكتبون أدباً حقيقياً، لذلك لا أراها ظاهرة سيئة بمنطق المثقفين، بل علي العكس لها جانب إيجابي لابد أن ننظر له«.
ويقف العادلي علي أصل المشكلة: »هناك كثير من دور النشر تنشر أعمالاً دون المستوي من أجل المال، وبعضهم يصدر أعمالاً لتضاف إلي رصيد أعمالهم لأسباب أخري خاصة بجوائز النشر واتحاد الناشرين وغيره، فهذا حقيقي وموجود، لكن دور النشر في النهاية مجال تجاري يهمها أن تحقق ربحاً، وإنما من المهم جدا أن تهتم بالجانب القيمي مع الجانب التجاري، ولا بد من وجود ضوابط تحكم ذلك، فإن كانت موجودة تكون إجرائية أو صورية، لا تستطيع أن تحكم عملية النشر، وهذا يجعل للدور مطلق الحرية في أن تنشر ما تريد دون أن يحاسبها أحد، لكن الأيام كفيلة بأن تميز الخبيث من الطيب، الجيد سيبقي وغيره سيسقط، أنا لست مع وجود رقابة رغم أن ذلك في بعض الأحيان مهم، ولكن مع وجود اعتبارات ومبادئ يتم الاتفاق عليها، كأن لا نهدر اللغة مثلا، ففي النهاية هناك أشياء لا تصلح للعرض علي الناس«.
أما المكتبات، فيقول عنها: »هناك مكتبات تعني بالربح والقيمة معا، وأخري لا تعني إلا بالقيمة وغالبا ما تكون صغيرة وغير معروفة، ومكتبات غيرها تعني بالجانب التجاري علي حساب القيمة، ويكون ذلك واضحا جدا في عرضها وما تقبله وترفضه من إصدارات، فهي في النهاية مؤسسة ربحية، وهناك إقبال من الناس، ولكن يظل عدد الإصدارات أكبر، إلا أنني لا أظن أن تستمر هذه الظاهرة، فما نعيشه حالة أعتقد أنه سيتم تجاوزها، لأن كثيراً من الأعمال التي تنشر ليست ذات قيمة، وعندما لا يكون لها مردود علي صاحبها أو الناشر لن تتكرر«.
ويضيف العادلي مستنكرا: »«وكما يقول عمر طاهر الكاتب الساخر (أحيانا القارئ هو من يجب الاحتفاء به وليس الكاتب، لأن الكتاب أصبحوا أكثر من القراء)، هي مبالغات ساخرة ولكن لها جانب واقعي، فبالفعل المعروض الآن أكثر من إقبال وحاجة الناس، ولكن يبقي الإقبال الدائم اليومي علي الكتابات الحقيقية، لأن معظم كتاب هذه الأيام يكون جمهورهم كله افتراضياً من مواقع التواصل الاجتماعي، عندما تنشر لهم طبعة يذهبون لشرائها، لأن الكاتب صديقهم ويقرأون له، تلك الكتابات تنتهي طبعتها الأولي بمجرد نزولها، فتنشر الثانية ويباع ربعها أو نصفها فقط، لا يستطيع الإكمال لأنه استنفد كل جمهوره، في حين أنه يوميا تباع كتب نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس ويوسف السباعي، وكتابات علاء الأسواني ويوسف زيدان عليها إقبال وطلب، أما الظواهر الأخري بعد شهر أو اثنين لا نجدها ولا نجد صاحبها، فالمجد للأدب المحترم بلا شك«.
بينما يقول مصطفي الفرماوي، مدير تزويد مكتبات الشروق، الذي ابتعد في الفترة الأخيرة -وتحديدا بعد المعرض- عن المناسبات الثقافية بشكل كبير: »لقد وجدت طوفاناً من الكتب يقدم لي في الشهور الثلاثة الأخيرة، أكثر من 700 عنوان!، وكان من المفترض أن أدخلها للمكتبات، فإن أخذت من كل كتاب 5 نسخ سيصبح لدي أكثر 3000 نسخة في المكتبة الواحدة، لذلك بدأت في التنقية، فغضب الكثيرون، رغم أنني الفترة الماضية كنت أدعم الجميع، ولكن الأمر زاد وعدد الكتاب تضاعف وكذلك دور النشر، فالمشكلة أصبحت في الاختيار، لابد للناشرين من أن يقيموا الأعمال وتحديد إن كانت تصلح، الأمر تداخلت فيه المادة والربح دون الالتفات إلي الجودة، وهذا غير صحيح، لابد للكتاب أن يشتغلوا علي أنفسهم أكثر من ذلك، فالفكرة ليست بالكم، المبدع الحقيقي عندما يصدر كتاباً كل عام أو عامين يكون هذا معدلاً جيداً، وإنما كتابان وثلاثة في العام الواحد! كيف؟«.
ويستطرد الفرماوي: »ليست لدي مشكلة أن تحصل دار النشر علي مال من المؤلف إن كانت صغيرة وليست لديها الإمكانية علي تحمل النشر وحدها، ولكن يجب تقييم الأعمال، فالأمر أصبح «سبوبة»، جمع الأموال من أي شخص ونشر أي شيء، أنا كنت سعيداً جدا في البداية أن الناس بدأت تقرأ والشباب خصوصا بدأوا يحملون الكتاب، وكنت أقول أنه طالما بدأ الشاب في القراءة سيحبها ويبدأ في البحث بنفسه بعد ذلك عن أعمال أخري، ويختار جيدا، مثل الطفل الذي يتعلم المشي حديثا، وهؤلاء أنفسهم بدأوا الآن يبحثون عن نجيب محفوظ وخيري شلبي ويوسف إدريس، فقد قرأوا للشباب من حولهم وبدأوا يبحثون عن العمالقة القدامي، لذلك بدأت الكتب القديمة تزداد معدلات بيعها«.
وفي النهاية، يبعث الفرماوي برسالة خاصة إلي الكتاب، فيقول: »ما أرجوه الفترة القادمة أن يعمل الكتاب الشباب علي أنفسهم أكثر ويطورون من مهاراتهم، فلابد أن يكونوا مسلحين أكثر من ذلك وألا يكونوا خاويين، لأننا إن استمرينا بهذا الشكل والنشر بدون معايير، الناس لن تقرأ وسيحجمون عن الكتب«.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.