في كتابه الأخير، مذكِّراته: لوزيف أنطون، المنشورِ في 2012، الكاتبُ الحائزُ علي جائزةِ البوكر سَلمان رُشدي يحكي واقعةً حدثتْ له عندما ذهب إلي أمَريكا لأجل نشر أكثر رواياته شهرة: أطفالُ منتَصَف الليل. بينما كانا يجلسان يحتسيانِ البيرة ذاتَ ظهيرة، الكاتبُ »كُرت فانيغات« سألهُ إذا ما كان جادّاً بشأن العمل بالكتابة. حينما أجابَ رُشدي أنْ نعم ، أخبره فانغات إذاً؛ عليكَ أن تُدرك أنه ثمَّةَ يومٌ سيأتي عليكَ حين لن يكونَ لديكَ كتابٌ لتكتبَه، و أنتَ مازلتَ مُضطَّرٌ لأن تكتبَ كِتابًا. إحدي عشرةَ روايةٍ، مذكّرات، ثلاثةُ كُتبٍ غيرِ روائيّة ، ماذا يمكن أن يتوقّع المرءُ من روايةِ رُشدي؟ كما أعلن في إحتفاليّة شيلتنهام الأدبية في أُكتوبر الماضي، و ما أكّدته راندُم هاوس للنشر، أنَّ أوّلُ رواياته للبالغين، علي وشك الظهور للنور قريبا، و التي لن تقعَ في مِئاتِ الصّفحاتِ كما أخبر- روايته أطفال منتصف الليل تتعدّي 600 صفحة- لكنه سيكون كتابًا خفيفًا من 250 و صفحاتٍ فردية. الآن خصوصًا؛ حيثُ العالمُ مُشَرْذمٌ كما لم يكُن مِنْ قبل، و حيثُ الهندُ- التي يحبُ أن يُعاوِدَ زيارتها في كتابه مراراً و تكراراً- لديها حقٌّ مستحدثٌ في إدارة النظام الدّيني أملاً في "هند" ذاتِ طموح. هو إحالةٌ علي ألفِ ليلة و ليلة، قَصص شهرزاد، حكاياتُ الشّرق العجيبة، والدُه كان يرويها له وقت النّوم عندما كان رُشدي فتيً صغيرًا. في الواقع، تم وصفها من قِبَلِ راندم هاوس" ك حكايةٍ عجيبة بشأنِ الطريقة الذي نحيا بها" . الرّواية: تمزجُ التّاريخَ بالميثولوجيا، و بقصَّةِ حُبٍ خالدة و التي تم إقحامها في زمن اللامنطقيّة. كاتبُ رواياتٍ مّصوَّرة يستيقظُ في حُجرته علي رؤية كيانٍ غامض. منبوذًا في مكتب المحافظ؛ طفلٌ يتبيّن الخطأ في تواجده المجرّد، موسوماً بالذّنب بعيبٍ خَلْقيّ و دمامل. مصارعاتٍ لقويً فوق الخيال. المجهولون، ينحدرون من كائنات وحشيةٍ غريبة الأطوار تُدعي الجان و التي تحيا في عالمٍ منفصلٍ عن عالمنا بواسطةِ حجاب. قبل قرون، الأميرةُ "دُنيا" وقعت في حب رجلٍ أخلاقي. يُنتجانِ معاً عدداً من الأطفال مثيرًا للدهشة، جاهلينِ بقواهم العظيمة، التي تنتقل عبر جيلٍ لآخر في عالَمِ البشر. ذاتَ مرّة، يُخرَقُ الفاصلُ بين العوالِم علي مستويً عالٍ، متجاوزاً ألف ليلة وليلة، أو ألفي عام، ثمانية شهور، و ثمانٍ و عشرين ليلة. إنه وقتُ الإنقلاب العظيم، حيثُ المعتقداتُ مُعرَّضةٌ للخطر، الكلمات تكون بمثابةِ السُّم، الصمت مرض، و الصخب قد يحوي لعنة خفيّة. مستلهِمًا الحكاياتِ التراثية الشرقية العجيبة؛ رواية سلمان رُشدي هي تحفةٌ فنّية عن صراعاتِ العصور الغابرة، التي مازلت موجودةً في عالمِ اليوم.سعامانِ و ثمانية أشهر و ثمانٍ وعشرون ليلة روايةٌ ساخرةٌ فاجرة مليئةٌ بالدهاء والغباء، المنافسات والخيانات، القَدَر والكارما، النشوةُ والخلاص. حكايةٌ عجيبة.. في زمنٍ من اللامنطقيّة. ذلك قد يعني الكثير من الإحتمالات، حتي بالنّسبة لكتابٍ صغير. هل سيكونُ مِن الإنصافِ أن نفترضَ وقوعها في أرضِ خياليّةٍ أُسطوريّة؟ هل سيعودُ لفوضي شبه القارّةِ مُجدَّداً؟ هل ستعكِسُ اللغة حقيقةً تنزِعُ لأن تتكأ علي عالَمٍ فانتازيٍ أحياناً، ولا عقلانيٍّ أحيانًا أُخري، مِن أمَريكا إلي أستراليا، من أوروبّا إلي الهند؟ أيَّ تاريخٍ، أُسطورةٍ، ماضٍ، حاضرٍ ستقصُّهُ حكايتُه العجيبة؟ و بعد الآياتِ الشّيطانّية، كم هو ما سيُريدُ أن يحكيَه، و الأكثر أهميّة، ما سَيُسْمَح لهُ كي يحكيَه؟ التّاريخ، الميثولوجيا، الماضي، الحاضر، رواياتُ رُشْدي ملغومةٌ بتلكَ الثّيماتِ منذُ أن قرر أن يكتبَ قصّةً عن ال" توأمين" في أطفالِ منتصف الليل، القصة عن سليم سناي، المولود في منتصف أغسطس بين يومي 14- 15، في 1947؛ نفس التّوقيتِ الذي نالت فيه الهند إستقلالها من بريطانيا، كان تعقيباً لاذعًا علي ماضي الهند و حاضرها، و الذي قيل في لغةٍ ألهمتْ العديد من شباب كتّاب الهند الآخرين كي يهبوا لأفكارهم أصواتًا. نجاحُ أطفال منتصف الليل كان سريعاً. قد وجدَ رُشدي اللغة كي يُطابِق الأرض القاسية المزدحمة الفاحشة الصّاخِبة، و التي كانت هي الهند. نال البوكر في عام 1981، و بوكر البوكر في 1993 في رواية الواقعيّة السّحرية. فيها، كان رشدي يتفحّص بالطّبع عالَم جذوره، فتي بومبايبريد كاشمير، الذي أُرسل إلي المملكة المتحدة كي يدرس و يعيش. عامَيْن بعد أطفالِ منتصفِ الليل (والتي كانت حقيقةً روايته الثّانية، نُشرَت بعد ستِّ سنواتٍ من روايته الأولي: جريمَس) "عار"؛ و التي كانت الجزء الثاني من فحصِه لجذوره، تلك تتعرّض في أغلبِ أجزائها إلي بّاكستان؛ حيثُ البلد الذي إختاره والديه كي يعيشا. في 26 من سبتمبرالعام 1988، نُشِرَ أكثرُ كُتُبه إثارةً للجدل: الآيات الشّيطانيّة. كتب في مذكّراته أنه قد تمَّ تخيُّلُه ككتابٍ لمغامراتٍ بقصدٍ أن يربطَ العوالم التي قد أتي منها بعوالِمَ مختلفةٍ للغاية حيثُ كان يعيش. الهند كانت أوّل من حظر الكتاب، لكن، آية الله الخميني في الرّابع عشر من فبراير عام 1989 أصدر فتوي بشان رشدي، أجبرته أن يحيا متخفّياً لأكثر من عِقدٍ من الزّمن. بعد سنواتٍ من الفتوي، أصدر ستنهيدةُ البربريّ الأخيرة (مجدّدًا يعود إلي بومباي) و كتابٍ ممتعٍ للأطفال، كُتِبَ من أجل ابنه ظافر الذي كان بالتّاسعة فقط، حين تم إصدارُ الفتوي سهارون و بحرُ الحكايات. حين غادر رُشدي لأمريكا كي يستقر بشكلٍ نهائيس الأرضُ من تحتَ قدميها و الغضب حاولَتْ أن تختبر مآواه الجديد: نيويورك، لكن ، الجهود كانتْ كارثيّة، لربمّا دفعته لأن يعود إلي شِبه القارّة؛ حيثُ مازال ليسَ مُرحَّبَاً به إلي حدٍ مّا ب" المُهرِّج شاليمار"،تلكَ كانت ترتكزُ أساسها علي كشمير. روايته الأخيرة تدمِجُ أيضًا التّاريخ العام مع المخيّلة الشخصية، هذه المرّة في عصر الإمبراطور ميغل الأكبر. كما يقول رشدي في مذكّراته، حينما كان يخبره والدُه حكاياتٍ " يرويها و يعيد روايتها و يعيدَ خلْقها، و يعيد إختراعها بأسلوبه." تمامًا كما قد فعل رُشدي في العُقودِ القلائلَ الأخيرة. ونحنُ ننتظرُ أنْ نقرأ ما بجُعبةِ عامَان و ثمانيةَ أشهُرٍ و ثمانٍ وعشرون ليلة لنتبيّن أيَّ قِصَّةٍ يرويها، يعيد روايتها، يعيد صُنعها و خلقها.