بعد ديوانيْن بالعامية المصرية "قِبْلي النجع" و "بابتسامة ندل بيموت" يخرجُ علينا الشاعر السيد العديسي بديوانه الأخير مِن شعر الفصحي "يقف احتراما لامرأةٍ تَمُر" والصادر حديثا عن دار الأدهم للنشر والتوزيع. ولا يكادُ قارئٌ مثلي يتجاوزُ بحُسن نيةٍ عنوانَ الديوان حتي يعيده الإهداءُ إلي نِيَّتِه الأصلية الأولي، إذ إن الكاتبَ لم يَجد أحدا يَستحِق أن يَهدي إليه ديوانَه إلا "مين" إله الخصوبةِ عند الفراعنة.. وفَرْقٌ كبيرٌ بالطبع بين الخِصب والخصوبةِ في الإحالة والدلالات! فربما يبعثُ الخِصبُ إذا كان الأمرُ جهرا وعلانيةً علي الفرح والسرور والبهجة، بينما تبعثُ الخصوبةُ علي الفرحِ والسرور والبهجةِ سرا، لكنها جهرا وعلانيةً قد تبعثُ علي الحياء والخجل، وهو الخجلُ الذي ليس مقصورا علي الإناث في مجتمعاتنا، لكنه يمتد عند الشاعر السيد العديسي إلي الأعضاءِ فيقول في قصيدته الأولي : "الأعضاءُ خَجولةٌ بطبعِها تُحِبُّ الانطواءَ غيْرَ أنها عادةً تَقِفُ للنساءِ احتراما" ص 7 وهي القصيدةُ نفسُها التي حَملتْ اسمَ الديوانِ وتكوَّنت مِن 6 مقاطعَ، جاء مقطعُهَا الأخير يقول : " مَن مِنَا لم يحلُمِ يوما أن يكونَ بَطلا لأحدِ أفلام البورنو؟ " ص 12 وهو المقطعُ رقم 6 الذي يحيلك نُطقُه إلي ذلك الاسم الشعبي الذي راج وانتشر لأفلام البورنو تلك المشار إليها في المقطع نفسِه بغض النظر هنا عن تبديل حرف I بحرف e في التفرقة بين الكلمتين!! ورغم ما عَرَفته الثقافةُ العربية من كتاباتٍ كثيرة ومتنوعة حول الجنس والأعضاء وأوضاعِ الجِمَاع يمكننا أن نجد في هذا الديوان اختلافا وتباينا عن غيره من الكتابات الأخري؛ حيث تحمل قصائدُ الديوانِ تعاطفا كبيرا مع الأعضاء المهمَّشة، أو تلك المحرومةِ من الدفء أو حتي الرغبة، بل يتجاوز الشاعرُ التقاطاتِه إلي التعاطفِ مع بعض الأشياء التي تبدو للوهلة الأولي بعيدةً عن المسألة الجنسية، فهناك احتفاءٌ خاص مثلا بالسراويل التي يَرجع أصلها في رؤية الشاعر إلي ورقةِ التوت الأولي التي تطورت إلي " السراويل " ويَظهر تعاطفُه جليا وواضحا معها فهي : " نَفحةُ الربِّ للبائسين تَئِنُّ تحتَ وطأةِ الملابسِ وانفلاتِ الأجساد وتُغذِّي العدلَ في أعينِ الفقراء" ص 84 كما أنها هي ذاتُها الصابرةُ التي لا تشكو عزلتها، " ولا تلعَنُ الحبالَ التي تشنقها أمامَ النوافذِ كلَّ يوم" ص 86 ولا يتوقف تَعاطفُ الشاعرِ عند هذا الحد، بل يمتد إلي " الواقي الذكري" الذي يري أن له أحزانَه الخاصة التي يمتثل جزءٌ منها في أن عمرَه دائما قصير، وما حياته كلها إلا نزوةٌ تَمُر، وهو يعرف حجمَه وقيمتَه جيدا: " خُلِقتُ لتجميلِ الذنوب ولتدارُكِ الأخطاء أَكتُمُ الأسرارَ لذا دائما يَصحَبُني العُشّاقُ في رحلاتِهم" ص 92 وتتمثلُ صرختُه الكبري في رغبتِه في الانفلاتِ من مصيرِه ومآلِه هذا: " تعبتُ كثيرا من الانتظارِ في الأدراجِ المغلَقة جسمي تَشَقَّقَ من الرَّكنةِ في الحقائبِ الصغيرةِ فلْتَفكُّوا أَسْري وسأحتَمِلُ السوائلَ اللزجةَ والطعناتِ وسأقنَعُ بانتهاءِ حياتي " ص 93 ولم يَفُتِ الشاعرَ أن يرهِفَ السمعَ لأوجاع "الأَسِرَّة" أيضا التي ربما كما يقول لا نستطيعُ أن نفهمَ حزنَها الأبدي، كما يفوتنا أن نلقي بالا لشكواها المستمرة ... ورغم ذلك فهو يؤكد أن : " الأرملةَ وحدَها تفهمُ حزنَ الأَسِرَّة تَسهرُ الليلَ تعانِقُهَا تستبدلُ أعضاءَها بالوسائد فيؤْنِسُ كل منهما الآخر " ص 80 يمكن اعتبار ديوان " يقف احتراما لامرأةٍ تمر " للشاعر السيد العديسي حالةً من حالاتِ الكتابة الإيروتيكية، لكنها ليست تلك الكتاباتِ المحرِّضةَ علي الحب أو الجنس بقدْر ما يمكن اعتبارُها كتابةُ تعاطفية مع " الأعضاء " التي يَصرخ بعضُها من الكبت طلبا للحرية، أو تلك التي تتحدث عن أحزانِها وأشواقها الخاصة التي لا يلتفت إليها أحد .. وقد غَلَبَ علي الديوان التعاطفُ مع الأعضاء الذكورية تحديدا بدءا من العنوان الدال والموحي مرورا بقصيدة الذي تسبب في أرق المساجين، وقصيدة الذي كان يعامله كابنه، وليس انتهاءً بقصيدة أحزان الواقي الذكري الذي هو خاص بالذَّكَر أيضاً.. ورغم ذلك فقد جاءت قصيدة "تتمدد بالحرارة وتنطفئ بالبرودة" معبِّرةً عن حالة شعرية مختلفة ورائقة عن أنثي: " في الشتاءِ مع بدايةِ كلِّ ليلةٍ تُكمِلُ زينتَها وتَجلِس قُبَالةَ الكانون تُخرِجُ شهواتِها وتَرَصُّهَا أمامَها ثم تَنتظِر، وكلَّمَا خَبَتِ النارُ تلقِمُها واحدةً حتي تأتي علي آخِرِ شهوةٍ لديها حينئذٍ تَستطيعُ النومَ بلا أرق لتصحوَ في الصباحِ مُحَمَّلةً بجمْرٍ جديد " ص 65 ويمكن الجزمُ أن الإثارةَ بمفهومها الإيروتيكي قد غابت تماما عن الديوان، وحَلَّ محلَّهَا رصدٌ إنساني بالغُ الرقةِ والتعاطف مع حالات الضعفِ والوهن التي أسقطها الشاعرُ علي الأعضاءِ والأشياء التي لها علاقةٌ قريبة أو بعيدة بمفهوم الإثارة ... وامتلأت قصائد " يعيش علي أمل " و"تسبب في أرق المساجين" و" بضاعتها المباعة لا ترد ولا تستبدل" بشحناتٍ عاطفيةٍ متدفقة تؤكد الحالة الإنسانية التي سيطرت علي أجواء الديوان كله وهو يتعامل مع ما يكاد أن يكون تابو محرَّما في ثقافتنا الراهنة. وأخيرا: لم يخلُ الديوان من بعض الهنات النحوية أو اللغوية البسيطة التي لا يستطيع مثلي أن يغض الطرفَ عنها كقوله : " فقط أبيه كان يستخدم " ص 25 والصواب (أبوه) " رسم ابتسامة فوق وجهه العبوث " ص 42 والصواب (العبوس) " ولا نلق لشكواهم المستمرة بالا " ص 77 والصواب (نلقي) " تستبدلُ أعضاءَها بالوسائد " ص 80 والصواب (تستبدل الوسائد بأعضائها) .