"في الصباح التالي لما حدث، أدركت العصافير أن أضرارها أقل بكثير من أضرار جيرانها البشر الذين يسكنون المنطقة المحيطة بأشجارهم.. أو ما تبقي من أشجارهم." بهذا المفتتح الخاطف يبدأ الكاتب وجدي الكومي روايته "إيقاع"، الصادرة مؤخراً عن دار الشروق، مهيئاً القارئ لتوقع تحول قادم: أشجار تُقطع وسرايات تُشيّد وبقعة من الأرض تتغير معالمها ويُكتب تاريخها من جديد. المنطقة التي تتناولها الرواية هي عزبة الوقف المعروفة ب"بين السرايات"، ومن خلالها يشرِّح الكاتب المشكلات والتحولات الاجتماعية في مصر بمختلف طبقاتها وشرائحها. نلمح في "إيقاع" آثار أحداث عايشناها في السنوات الأخيرة وشخصيات تذكرنا بأخري واقعية خطت نحو مركز الضوء لفترة قبل أن تبتعد عنه مثل شخصية حمزة أبو نور الإسلامي المتشدد، كما تتوقف بجرأة أمام التمييز الطائفي متعدد الأوجه حد الوصول إلي خطف الفتيات المسيحيات. يكتب الكومي: "ثم إنها بدأت تأتي كل يوم تقريبا وتلتقي بناس. أراقبها بحذر، كانت تدخل المنطقة في الصباح، تتجول وحدها مثل التائهة، المشعوذة، كنت أجلس يوميا في القهوة علي ناصية المرور، أنتظرها بينما تأتي ماشية من ناحية الدقي، تبدو كما لو كانت في مهمة ما، تبحث عن شيء ضاع منها، تنبش حكاية ماتت، تدخل منطقة بين السرايات من مختلف مداخلها وشوارعها الضيقة، مرة من شارع المرور، وتظل تمشي فيه بطوله بلا هدف، تقطعه ذهابا وإيابا، حتي شعرت أنني سأسقط من التعب من ذهابها وإيابها المتواصل، كانت تتحاشي النظر إلي، فيما أقتحمها أنا بنظراتي كأنني أحاول أن أحاصرها."