عشت الحياة.. بحلوها ومرها لحد ما رمتني المطية ف خلقتك. ورغم فتوة ما باقي لي.. وقصرها مضطر أحيا لحد ما أشوف أخرتك. هذه السطور الأربعة من مربعات الأبنودي، لخص فيها بعبقريته ما كان يشعر به الغالبية من الشعب المصري في فترة حكم الأخوان، الأبنودي كان شجاعا، فالبرغم من مرضه لم يؤثر السلامة، كان كل يوم من سنة الأخوان لا يكف عن فضح زيف منطقهم: الفلاحين مازالوا منتظرين ناس. يفهموا في الأرض والإنسان ناس. يعشقوا عرق البني آدمين مش كلمتين في ميكرفون وصوان! كلمات الأبنودي كانت تبشرنا بأن هذا الحكم لن يطول، فالأبنودي بخبراته البشرية وبعمق ثقافته وإنتمائه الحقيقي لهذه الأرض، كان من أشد الكاشفين للزيف الأخواني: إزاي بياكلوا طعامها وبيشربوا ماءها وينافقوا ناسها الأصيلة وكل ساعة بلون وهم في الأصل أعدا أعدا أعداءها وبيكروهوا مصر أكثر من بني صهيون؟! عندما أعيد قراءة مربعات الأبنودي في هذه اللحظة أتعجب من المفارقة اللافتة للنظر، فقبل أن يغادر الأبنودي بساعات، صدر الحكم الأول علي الرئيس المعزول محمد مرسي بحبسه عشرين عاما في القضية المعروفة إعلاميا باحداث الإتحادية، وبعد الحكم غادر الأبنودي الدنيا، كأنه أنهي مهمته في كشف زيفهم، فالمتأمل للمربعات، يجدها تكاد تكون هي المعبرة عن منطوق الحكم الذي يدين فترة الأخوان، ولكن الشاعر العالم بتراب وطنه وبطبيعة أهلها كان الأسبق دائما، هكذا الأبنودي في كل مواقفه يسبق بخطوات .. يستشرف المستقبل، يقول كلمته أو قصيدته ولا يخاف، فهو العالم ببواطن البشر، عبر عن آلامهم وطموحاتهم، فهو كما جاء في مقدمة الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل لمربعات الأبنودي: " لا يحتاج عبد الرحمن الأبنودي إلي من يحلل الإنسان فيه، فالخلاصة في شأن الأبنودي أنه شراع علي النيل جاء من صعيد مصر مرتحلا إلي الشمال حاملا معه خصب النهر العظيم ينثره حيث يصل، ويحول الطمي بالفن إلي زهر وورود وإلي شوك أحيانا". بالفعل ما ذكره هيكل هو جوهر الأبنودي، فقد تعاملت معه منذ سنوات طوال، يقول كلمته ولا يخشي عواقبها، صريح إلي حد أطلق عليه الصراحة المؤلمة، فذات مرة سألته عن من هم أصدقاء الأبنودي فأجاب: ليس لي شلة أو عملاء، أنا في القاهرة منذ عام 1962 أي من حوالي نصف قرن، خلال هذه الرحلة لدي فقط، خمسة أصدقاء، أنا مطمئن أنهم معي، فلدي القدرة علي الفرز، وكذلك أمتلك من المقدرة علي مقاطعة من أراه غير جدير بصداقتي. هذا هو الأبنودي ليس لديه أنصاف الحلول واضح وصريح، لكنه إنسان إلي أبعد الدرجات، لا يكف عن مساعدة من يحتاج إليه، ليس فقط في تدعيم المواهب الي يؤمن بها، بل في محاولته أن يوصل صوت " الغلابة" لللمسئولين، فذات يوم كتب في باب ليلة القدر في الأخبار، موضوعا بعنوان " الطريق المسدود" يتحدث فيه عن أسرة تشتكي حالها، فقد أصيب أفرادها بمرض نادر، ويختتم عرض هذا الموضوع بقوله: " يا أهل الرحمة.. أي خير ترونه أفضل من اقالة هذه الأسرة الصغيرة من عثرتها، وفتح طريق للأمل في ظلمة هذه الظروف القاسية التي حولت حياتهم إلي فخ لا مخرج منه؟!!. رحم الله الخال، الذي أصيبت رئته لأننا جميعا كنا نتنفس من خلالها، ولا زلنا.