قبل غلق الباب.. رابط التقديم في المدارس المصرية اليابانية للعام الدراسي 2024/2025    رئيس جامعة كفرالشيخ: انتظام العملية التعليمية وبدء التجهيز لامتحانات الفصل الدراسي الثاني    «التصديري للصناعات»: جار إنشاء منصة رقمية للتجارة الإلكترونية للأغذية المصنعة    لجنة حياة كريمة بأسوان تتفقد 32 من المشروعات الجارية في قرية المنشية الجديدة بكوم أمبو    هل يجوز العلاج في درجة تأمينية أعلى؟.. ضوابط علاج المؤمن عليه في التأمينات الاجتماعية    النائب سيد شمس الدين يحذر: استمرار حرب غزة يؤجج الصراعات بالمنطقة    جوارديولا: علينا تحسين لعبنا أمام ريال مدريد.. وموقف ووكر    «الأهلي مش بتاعك».. مدحت شلبي يوجه رسالة نارية ل كولر    غدا.. انطلاق بطولة الجمهورية للاسكواش في نادي مدينتي    مصرع طالبة سقطت من الطابق العاشر بمنطقة الطالبية    أمير المصري يلعب دور نسيم حامد ب«the giant» مع بيرس بروسنان    الأوبرا تحيي ذكرى الأبنودي وجاهين في الأسكندرية    فى ذكرى ميلاده.. تعرف على 6 أعمال غنى فيها عمار الشريعي بصوته    4 تمارين لإنقاص الوزن.. أبرزها «المشي السريع»    "بعد السوبر هاتريك".. بالمر: أشكر تشيلسي على منحي فرصة التألق    روتانا تعتذر عن إلغاء حفل محمد عبده بسبب أزمته الصحية    بعد جدل راتب الإمام، وزير الأوقاف يكشف بالأرقام رواتب الأئمة في عهد الرئيس السيسي    توفير 319.1 ألف فرصة عمل.. مدبولي يتابع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر    جامعة الإسكندرية الأفضل عالميًا في 18 تخصصًا بتصنيف QS لعام 2024    تفاصيل المرحلة الثانية من قافلة المساعدات السادسة ل "التحالف الوطني" المصري إلى قطاع غزة    مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادثتين بالشرقية    ضبط 7 آلاف قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة شروط تعاقد خلال 24 ساعة    الكورنيش اختفى.. الشبورة المائية تغطي سماء الإسكندرية (صور)    الطب البيطرى بالجيزة يشن حملات تفتيشية على أسواق الأسماك    وزير الخارجية يزور أنقرة ويلتقي نظيره التركي.. نهاية الأسبوع    سلوفاكيا تعارض انضمام أوكرانيا لحلف الناتو    ناقد رياضي يوضح أسباب هزيمة النادي الأهلى أمام الزمالك في مباراة القمة    مؤتمر كين: ندرك مدى خطورة أرسنال.. وتعلمنا دروس لقاء الذهاب    مستشار المفتي من سنغافورة: القيادة السياسية واجهت التحديات بحكمة وعقلانية.. ونصدر 1.5 مليون فتوى سنويا ب 12 لغة    قبل حفله بالقاهرة.. ماهر زين: متحمس للغناء في مصر بعد غياب    وزارة الأوقاف تنشر بيانا بتحسين أحوال الأئمة المعينين منذ عام 2014    طلبها «سائق أوبر» المتهم في قضية حبيبة الشماع.. ما هي البشعة وما حكمها الشرعي؟    ماكرون يطلب المساعدة من ريال مدريد بسبب مبابي    ضبط 23 مليون جنيه في قضايا اتجار بالعملة خلال 24 ساعة    "الصحة": ميزانية التأمين الشامل تتحقق تغطية ل 70% من المواطنين (فيديو)    بمعدل نمو 48%.. بنك فيصل يربح 6 مليارات جنيه في 3 شهور    رئيس جهاز العبور يتفقد مشروع التغذية الكهربائية لعددٍ من الموزعات بالشيخ زايد    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار والعواصف وصواعق البرق فى باكستان ل 41 قتيلا    امتى هنغير الساعة؟| موعد عودة التوقيت الصيفي وانتهاء الشتوي    توقعات برج الميزان في النصف الثاني من أبريل 2024: «قرارات استثمارية وتركيز على المشروعات التعاونية»    ربنا مش كل الناس اتفقت عليه.. تعليق ريهام حجاج على منتقدي «صدفة»    تجديد حبس 3 أشخاص بتهمة تزوير محررات رسمية بعابدين    بضربة شوية.. مقتل منجد في مشاجرة الجيران بسوهاج    "التعليم" تخاطب المديريات بشأن المراجعات المجانية للطلاب.. و4 إجراءات للتنظيم (تفاصيل)    وكيل تعليم الأقصر يتفقد ورشة مقيمي وخبراء سوق العمل استعدادًا لامتحانات الدبلومات الفنية    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    بالتزامن مع تغيير الفصول.. طرق الحفاظ على صحة العيون    بعد تصديق الرئيس، 5 حقوق وإعفاءات للمسنين فى القانون الجديد    الصين تؤكد ضرورة حل القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين    جوتيريش: بعد عام من الحرب يجب ألا ينسى العالم شعب السودان    الرئيس الصيني يدعو إلى تعزيز التعاون مع ألمانيا    ننشر قواعد التقديم للطلاب الجدد في المدارس المصرية اليابانية 2025    «الصحة» تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    خريطة فصل التيار الكهربائي عن عدة مناطق بكفر الشيخ للصيانة الدورية اليوم    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن شهرزاد وأحفادها
نشر في أخبار الأدب يوم 18 - 04 - 2015

من يقرأ الصفحات الاولي من كتاب الف ليلة وليلة سيعرف أن شهريار هو أحد ملوك ساسان بجزر الهند والصين (هذا ما ذكر بالكتاب) ومن يعرف شيئا عن الأدب الهندي القديم سيتعرف علي بعض ملامح منه بين طيات حكايات الليالي، كما انه من السهل أن تلحظ أن اسماء أبطال الحكاية (الإطار) ليست اسماء عربية. ومن قرأ شيئا عن الليالي سيعرف أن هناك باحثين ينسبون أصولها إلي بلاد فارس، وهناك آخرون ينسبونها إلي بلاد الهند ( ومن بين هؤلاء الكاتب الكبير بورخيس) وهذا كما أري يتعلق تحديدا بالحكاية الإطار ( التي ضمنها شخصية شهرزاد) وهي الحكاية التي صبت داخلها شعوب الشرق حكاياتها المتنوعة، وهي التي ينتمي معظمها إلي الشعوب العربية وتقع أغلب أحداثها في مدن عربية ذكرت بالاسم ومنها: القاهرة والاسكندرية وبغداد ودمشق وغيرها، وحملت لهجات متنوعة لعدة بلاد عربية، وكان من بين أبطالها شخصيات تاريخية بارزة عند العرب ومنها هارون الرشيد والخليفة المأمون.
ومن يقرأ الصفحات الأولي من الكتاب سيعرف أن الفتاة شهرزاد ابنة وزير ساسان، كانت قد قرأت الكثير من سير الملوك وأخبار الأمم حتي قيل إنها قرأت الف كتاب. أي أنها حسب الحكاية الأصلية، كانت راوية لما قرأته في الكتب ولم تكن مؤلفة أو مرتجلة للحكايات التي روتها، فهذا خيال لم يخطر إطلاقا علي بال أصحاب الحكاية القديمة.
أسوق هاتين الملحوظتين إلي هواة ترديد الاستعارة المغوية ( أحفاد شهرزاد ) التي يطلقونها علي المؤلفين والمؤلفات المعاصرين، لأنني يزعجني أن تؤدي كثرة ترديدها إلي اعتقاد الأجيال الجديدة أنه ثمة شهرزاد وأنها هي مؤلفة الليالي ( ولا تندهش من انزعاجي، فكثير من المعلومات المغلوطة قد تبدلت مع الزمن وشاع الفهم الخاطيء لها من وراء أسباب كهذه).
والأكثر إزعاجا في الأمر أنها، أولا: تطمس المعلومات الأساسية عن الحكاية الأم لليالي، وثانيا: أنها تحور القيمة الحقيقية لهذا الكتاب لتخدم قيمة مناقضة تماما لها. فما يوحي به التركيز علي وراثة المبدعين المعاصرين للقدرات الفذة لشخصية شهرزاد، يصب في فكرة الإبداع الفردي ويجعل الحكاية التراثية تتواءم مع أفكارنا عن البطولة المطلقة للمؤلف الأوحد، فيحمّلها بكل ما تعلمناه وأدمنّاه في مجتمعاتنا الحديثة عن التميز الفردي والأمجاد الفردية، في حين أن ما يميز الأدب الشعبي هو مجهولية مؤلفيه وطبيعته الخاصة كأدب جمعي.
ومأثرة الف ليلة وليلة العظيمة التي تجعل منه كتابا متفردا في تاريخ آداب الشعوب قاطبة، هي أنه اكبر سفر للإبداع الجمعي الذي يغطي جغرافيا شاسعة، فمؤلفوه بلا عدد، عاشوا علي مدي مئات السنين، في عشرات من المدن، وكان له آلاف من الرواة، وهو يدلل علي اتساع التداول الشفاهي الهائل للحكايات في بلاد الشرق، وكيف جري نقلها من لغة للغة ومن أرض لأرض.
وتتميز الليالي بأنك تجد بصمات شعوب عديدة عليها، من الهند والصين إلي بلاد فارس والعراق إلي الشام ومصر إلي بلاد المغرب. وتجد فيها ما يجعلك تستنتج أنها تحتوي علي طبقات من التأليف الشعبي. فلابد أن الحكايات قد تمازجت في تنقلها وتكثفت وتطعّمت بطعوم المناطق التي مرت عليها، وذلك كله قبل جمعها وتسجيلها ثم طباعتها ومن ثم تثبيتها في الصورة النهائية التي عرفناها بها.
بالحسابات الإنسانية الرحيبة تجعلك مثل هذه المعلومات تبتهج لفكرة شيوع الإبداع ومشاعيّته قديما، (اعرف أن الكثيرين بيننا يعجزون عن الابتهاج بهذا الأمر، مفضلين عليه بهجة الوصول إلي ما يثبت انفراد وطنهم بالتحديد بملكية هذا الإبداع أو ذاك) وبالحسابات الإنسانية الرحيبة أيضا يمكنك أن تبتهج بفكرة مجهولية المؤلف وانت تتّبع ولع هؤلاء المجهولين القدامي بإبداع أدب يعبر عنهم، فيصفون مدنهم وأسواقهم وحرفهم وبيوتهم وأنماط الحياة والعلاقات فيها، ويعبرون عن أفكار ومفاهيم الناس في زمانهم، مضمّنين ما ابدعوه من حكايات، مئات المأثورات والأمثولات الشعبية، وآلاف الأبيات الشعرية والأزجال التي هي أيضا لشعراء مجهولين. ويفتنك أن تلحظ بين الحكايات ما يحمل نَفَس المؤلف الذي انشأها، فرسم مساراتها الدرامية الملتفة والمركبة، وابتكر الحبكات المشوقة والمفاجآت الغرائبية المدهشة، وتوصل إلي الحيل التي يفكك بها الأزمات ليفضي بها إلي النهايات السعيدة ويلمس قبسا من الحكمة. يفتنك أن تشعر بوجود هذا المؤلف البارع الذي تعرف أنه خُلق مجهولا وسيظل مجهولا للأبد، بينما انت تطل عليه من بعيد، من الزمن الذي يعيش فيه أناس يعدون أتفه قصة تعبر برءوسهم الفقيرة الخيال، كنزا يروجون له ويتاجرون به.
لا شك أنه من بين المنافع الإنسانية الفريدة لهذا الكتاب أنه يقدم صورة لما كان عليه انتفاء الملكية في الإبداع، وكيف كان الجميع يستمتعون، ويتداولون مادته دونما انشغال بتسمية من تؤول إليه هذه المادة أو تلك. واستنادا إلي جميع هذه الدواعي الإنسانية، اري أن هذه الاستعارة تطمس وتمسخ كل هذه الحقائق والمعاني المهمة المرتبطة بهذا الكتاب.
وفي نفس هذا السياق ثمة مفارقة اندهش لها، إذ يشيع زهو مبالغ فيه لكون الليالي قد جعلت المرأة هي راوية الحكايات، حيث يشيع استنتاج أن ذلك يمثل تبجيلا للمرأة ووصفها بأنها بطبيعتها راوية عظيمة ومن هنا تتولد الاستعارات المفخّمة، بينما لم يكن وراء ذلك إلا محض حيلة فنية اقتضتها الطبيعة الخاصة بالحكاية الإطار الجامعة للحكايات، إذ بها ينفتح الإطار علي الترقب ومناوشات التشويق للحظة قتل شهريار لعروسه، وبها ينشأ المبرر لتوالي سرد مئات الحكايات المتكئة علي فكرة إلهاء شهريار ودفعه لتأجيل قتل عروسه، أما تبجيل المرأة كراوية فأغلب الظن أنه لم يخطر ببال مبدعي الحكاية ( خاصة إذا نظرنا إلي ما جاء في نفس الحكاية من أن شهوة قتل النساء لدي شهريار جاءت بسبب مشاهدته لسلسلة من الخيانات الفاحشة من قبل النساء لرجالهن: خيانة زوجته، ثم خيانة زوجة أخيه، ثم الخيانات الجريئة والطريفة لمعشوقة العفريت بكل قوته وجبروته، فضلا عن سيادة تيمة خيانات النساء التي لا تُحصي ولا تُعد علي طول الكتاب وعرضه.)
وبشكل عام إذا تأملنا في طبيعة الحكايات بموضوعاتها الأكثر تواردا التي تدور حول الصراع من أجل الرزق أو حول الخيانات النسائية، فضلا عن إشارات أخري كثيرة فإنه يقودنا إلي استنتاج أن أغلب مؤلفي الف ليلة وليلة كانوا من الرجال.
لقد استمعت مؤخرا إلي شهادة روائية عربية عن إبداعها، ووجدت كيف استحوذت عليها تماما استعارة: حفيدة شهرزاد، فأسرفت في استعمالها في تلميع نفسها. وهنا يحضرني قول كونديرا عن خطورة اللعب بالاستعارات، في روايته خفة الكائن: " لا احد يلهو بالاستعارات" إذ ما أسهل أن تتورط في تصديقها.
وفي النهاية اعتذر إذا كان ما سقته يفسد علي الشهرزادات المعاصرات الطرب بهذه الاستعارة، فلم أقصد سوي الانتصار لحقائق التراث الإنساني كما هي، بخيرها وشرها، وأجد أن الأصلح هو أن نتأمل فيها ونتعلم من دلالاتها ومعانيها بما هي عليه، بدلا من تحويرها واستغلالها فيما يشبع غرورنا المعاصر ببعض البهرجة الزائفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.