أثناء إحدي جولاتي المعتادة في مكتبات وسط البلد،عثرتٌ علي هذا الكتاب بالمصادفة في مكتبة دار الثقافة الجديدة،وكان غريبا بالنسبة لي أن أعثر علي كتاب نثري لعبد المنعم رمضان واسمه "متاهة الاسكافي ".لم أقرأ من قبل خبرا عنه أو مقالا أو متابعة هنا أو هناك خصوصا وأنه صادر عام 2014 ،لذلك سألت عنه عبد المنعم (عبد المنعم لايتحدث أصلا إلا قليلا جدا ،ولايتحدث عن نفسه مطلقا،لذلك من النادر جدا أن ينخع تصريحات وآراء في الصحف السيارة،ولاأذكر أنني رأيت صورة له وأصبعه موضوع علي مزاجه مثل أغلب الكُتّاب)وكانت إجابته أن الكتاب صدرت له طبعة في بيروت قبل عدة سنوات ، ثم أضاف له ونشره في طبعة جديدة في القاهرة. ينتمي "متاهة الإسكافي"بكثير من التجاوز لما يمكن أن يطلق عليه الواحد "السيرة الذاتية" ،لأن كل مايكتبه عبد المنعم يخصه وحده، فكيف يمكن أن تطلق علي ماكتبه في الحياة أو روز اليوسف أو أخبار الأدب أو غيرها من الصحف والمجلات "مقالات "مثلا .هي نصوص مفتوحة،وعليك أن تلاحظ أنها تخلو تماما من علامات الترقيم أوبدايات الفقرات ،هي نصوص تخص الكاتب ولاتنتمي للسائد،هي بحث عن شئ لايصل إليه الكاتب إلا عبر الكتابة ذاتها. وإذا قَبِلنا معا-القارئ وأنا-أن أقرب تصنيف لمتاهة الإسكافي هو "السيرة الذاتية"،فهي سيرة يكتشفها الكاتب عبر مايكتبه بالفعل،وليس عبر التأمل مثلا،قل ماشئت عن الجسارة والشجاعة وذلك الحس الوحشي (بالمعني الإيجابي للكلمة)والقتال مع الذاكرة والطفولة والمراهقة والحيرة والخوف والرهبة ،ذلك الصدام الأول بالجنس والألوان والملمس ،الأنثي والقراءة والرسم ،النسب الضائع والبحث عنه ،القَتَلَة الذين يأتون كلهم من جهة واحدة،وهم مسرورون هادئون لأن القائمة لاتضم سوي الراوي،التذكارات التي يحتفظ بها فوق رف من رفوف المكتبة مثل نظارات الأم وآخر روشتاتها الطبية، وعكاز الأب المركون في زاوية الغرفة.هذه السيرة عصية عن الكتابة عنها ،قلتُ لنفسي،ولاحلّ لها إلا بالكتابة عنها. علي أي حال لي أن أزهو بأحد مجايلي ليس فقط لأنه شاعر كبير وصاحب واحدة من أهم تجارب قصائد النثر العربية وأكثرها امتدادا وتواصلا،بل أيضا لأنه اختار الشعر اختيارا،ربما كان عبد المنعم هو الوحيد الذي لايفعل شيئا إلا كتابة الشعر،حتي لو كتب سيرة ذاتية لم تكتمل بعد، أو كتب نصوصا نثرية ،لايعمل في أي وظيفة ولم يرتبط بأي مؤسسة ورفض كل عطايا المؤسسات بهدوء ودون ضجيج . عبد المنعم هو الوحيد الذي لم أسمعه يتكلم عن نفسه. اغتني فعلا بالشعر،عاش متعة الاختيار وكبرياءه،لاحسابات لديه ،ليس في المواقف السياسية فقط بل في سائر الأمور الثقافية والسياسية ،لذلك فإن مواقفه حادة ومستقيمة، ولم يحصل علي جوائز أو حجوزات .نعم أنا أمدحه الآن،وأزهو بانتسابي لجيل يضمنا معا.عبدالمنعم أيضا كان حريصا علي ألا يحتاج الي أحد ،لذلك فهومستغن ولايسعي إلا للشعر،ولأن الشعر بخيل جدا ولايرضي إلا بك كاملا ،فعليك أن تستسلم لكل مايفرضه عليك ،وهومافعله عبد المنعم باستسلام كامل.