استطاع إدواردو جاليانو، ككاتب ومفكر، تجسيد تاريخ وثقافة شعب في كتبه. كان كاتب الأوروجواي ماهرًا في نسج الحقائق والحكايات معًا، وتناولت مقالاته العديد من الأفكار السياسية والاجتماعية المختلفة. يشعر المرء بعدم جدوي التحلي بالأمل في أن شيئًا سيتحسن، ولكن هناك الكثير من الحركات الفردية التي تعتبر صراع الآخرين معركتها الخاصة، وهؤلاء موجودون بكثرة الآن. التعجل صفة بشرية وهذا شئ متوقع. يتوقع الناس أن تتغير الأمور في ظرف أيام، ولكن أن تضع نفسك أمام الأمر الواقع وتحاول تغييره، عليك أن تفهمه كما هو. هذا هو الواقع، ما من شيئ يحدث في 15 دقيقة. لكن هناك نوع جديد مشجع من الطاقة، وهو فيتامين التوقعات والحماسة، رغم أنه قد يبدو مستحيلاً بعد كل خيبات الأمل والأوهام وخاصة فيما يتعلق بجيل الشباب. "تنظيم الناقمين" ينقل تلك الحماسة، وأعتقد أن اسمهم جميل حقًا، ويجب الدفاع عنه لأن معناه الحقيقي هو "وجود الرب بداخلنا". هناك أوقات تشعر فيها المجتمعات وأفرادها بأن الآلهة توجد داخلهم، هذه هي اللحظات السحرية، ليست اللحظات العادية في حياتنا اليومية. حينها تصبح تفاصيل الحياة اليومية منبوذة. عندما يقولون "ليس هناك بديل" يبدو كأن المشكلة الحقيقية هي التاريخ، بنفس الطريقة التي نتحدث بها عن أي شئ. مجددًا، تكمن المشكلة في الاستعجال ورغبة البشر في تغيير كل شئ خلال أيام، ولكن هذا لا يمت للواقع بصلة. التاريخ ما هو إلا سيدة بطيئة المشي لا تسير في خط مستقيم، وتتعثر، وتنهض لتسقط مرة أخري. إنها امرأة تسير في خط متعرج، تعترضها تناقضات كثيرة، لتعود وتبدأ من البداية. ذلك عدو التعجل. نخطيء عندما نحاول تعريف التاريخ بالأحداث المصيرية فيه سقوط قصر الشتاء، أو الحروب العالمية عظمة البشر تكمن في الأشياء الصغيرة، الأشياء التي تفعلها يومًا تلو الآخر، تلك الأشياء التي يفعلها المجهولون دون أن تكون لديهم فكرة عما يقومون بفعله. أحيانًا يسألني الناس عن بطلي المفضل، وآخر مرة، عوضًا عن الإجابة بأبطال من البرونز والرخام، أخبرتهم بأنه سائق التاكسي الذي أخذني لمنزلي الليلة الفائتة. عند لقائي ببعض أعضاء "تنظيم الناقمين"، أخبروني بأن الناس يطالبون بقائد، ولكنهم لا يملكون واحدًا. وأخبرتهم بأنني أتمني ألا يمتلكون قائدًا أبدًا. التعلم هو أن تعرف كيف تعصي الأوامر، أخبرتهم كذلك ألا يستمعوا لمن يطالبونهم بالنتائج، وأن يستمروا في طريقهم كما هم. قصصك تتحدث عن الواقع أكثر من عنصر الخطر الذي يركز عليه أغلبية الصحفيين. هذا ما أفضل كتابته: أروي قصصًا قصيرة جدًا ولكنها تحوي قصصًا أخري بداخلها وتروي أكثر مما يبدو، لذلك يجب قراءتها أكثر من مرة. الشئ الجيد في الطبيعة البشرية أنها تتحدث باستخدام الرموز. عليك دومًا قراءة ما بين السطور. يشعر المرء بعدم الرضا أحيانًا عندما يري "اليوتوبيا" صعبة المنال ويشعر بأن المقاومة لن تقود لأي شئ. حضرت بعض اللقاءات في معسكرات الناقمين في مدريد وبرشلونة. خلال أحدها، أخبرني الناس بمشاكلهم، كيف أنهم يبحثون عن زعيم، وكيف أنهم لا يعلمون إلي أين سيمضي بهم الطريق وماذا سيفعلون غدًا وما هدفهم أصلاً. أخبرتهم ألا يلقوا بالاً لأي من تلك الأشياء وأن يستمروا في طريقهم للأمام، أن يردوا علي من يطالبونهم بالنتائج بمقطع جميل يقول أن الحب أبدي طالما استمر، فرحلتنا هذه ستظل أبدية بينما ننام. أخبرني صديق أنه في مقابل سيلان أنهار الدم، لا بد أن تسيل أنهار الحبر. يموت الفقراء في الحروب، ليس هؤلاء من يلقون الخطابات تمجيدًا في مزايا الحرب. فلتنظر لجزر المالفينز؛ فضباطها لا يجرحون أنفسهم أثناء الحلاقة حتي. من السهل جدًا أن ترسل الآخرين للموت. ما الذي أوحي لك بكتابة "مرايا: ما يشبه تاريخًا للعالم"؟ كان الكتاب ينمو بداخلي لسنوات، شيئًا فشيء، وتقبلت تحدي أن أروي تاريخ العالم في 600 قصة قصيرة. ساعدتني احدي أغاني بيدرو انفانتي القديمة، تلك التي يقول فيها إن العالم ليس كبيرًا لتلك الدرجة ما دام يمكن حصره في خمسة أحرف. لا تحفزني الرغبات التربوية، كل ما أردته ببساطة هو أن أحتفل بوهج الدنيا، والذي يبدو مبهجًا أكثر من وهج السماء العليا. كيف كنت تقوم باختيار قصصك لهذا الكتاب؟ القصص هي من اختارتني، لم أختر أي منها. كتبت في الأصل 900 قصة؛ و600 قصة نجت. آلمني التضحية بالأخري، ولكنها بدت غير متناغمة مع السيمفونية التي كنت أحاول تأليفها تكريمًا للتنوع البشري. أما القصص المتبقية فتواءمت في الكتاب وبدأت بالغناء بصوت واحد. هل كل المجتمعات حُكم عليها بالنسيان، أم أن هناك مجتمعات تمكنت من الاحتفاظ بذاكرتها الثقافية الجمعية؟ هذا العالم، الذي يعد ملكية خاصة لعدد قليل، يعاني من فقدان الذاكرة. وهي ليست بريئة، فالمالك يُفضل ألا يتذكر أن الأرض وُجدت لتكون موطنًا للجميع.