1 ما كان أجمل هذه الصورة التي كانت تلمع أمام عينيها، بكل هذا البريق الرقيق... بريق يجعلها تحلق بخيالها أجواء السماء...!! وما كان أعذب هذه السيرة التي كانت تبلغ أذنيها، حين كانوا يتحدثون عنه... فتملأ قلبها النقي الأبيض راحة وأمانا زائدين علي حالة أمنها ورضاها.!! فالحديث عنه في ناديها أو محيط أسرتها، أو عملها كان شبه يومي،... لأن لقاءاته، وبرامجه المزركشة بجمال أسلوبه والمنمقة بحضوره الأخاذ، كانت تبث علي شاشة التلفاز بكثافة ربما لا تكون هي أحد أطراف الحديث، ولكنها كانت تتحسس وتبحث عن أخباره في الصحف اليومية، وتروح تلتقط الأحاديث المروية عنه من بعيد أو قريب كما أنها تلتقط حبات عقد ثمين انفرط منها... وبقدر ما كانت هذه السيرة تروي مخيلتها، وتزكي حواسها وتجعلها تنهض أملا وعملا، وتفتح لها دروبا وآفاقا ما كان لغيره من البشر أن يحدث فيها ذلك الأثر.!! بقدر ما كانت تؤجج سريرتها أياما وأعواما، فهي حتي الآن وبعد مرور الأعوام... فلم يزل شعورها وحيدا من جانبها،.. وما برح هذا الشعور أن ينمو ويتغذي ليصل علي قمته بشكل يفوق عن جبال صبرها وعن طاقات احتمالها.. فتراها تنهمر دموعا... تتساقط كالأمطار.!! ولكم جاهدت صاحبة القلب النقي في أن توقف تلك الدموع الغزار المنهالة من عينيها الضعيفتين،... جهاد يتطلب منها ألا تبكي حرصا علي سلامة الأعين المريضة، خاصة وأن البكاء بهذه الحرقة يسبب لها مشكلات صحية هي في غني عنها، فلقد أمرها طبيبها المعالج الذي أجري لها واحدة من أدق العمليات بالقرنية... أمرها بتجنب البكاء نهائيا.!!
كانت الأيام بمرور ليلها... وكرّ نهارها... تفعل فعلتها في هذا القلب المسكين،... وكلما دارت كشفت بأنيابها عن سكك جديدة موصلة إلي طيفه أو صورته... ثم تضخها في شريان أفكارها وربما كانت تلك السكك الجديدة الموصلة إلي صورته ضئيلة وضيقة، ولكن سرعان ما تكبر شيئا فشيئا بتنوعها وتعدد نواحيها...، فتبدو واضحة أمام ناظريها، وحينا تشعر بالهدوء وبقرب اللقاء علي أرض الواقع، وحينا كانت تشعر بالجذع والهلع، وتبيت بين أضلعها نفس حائرة أو ثائرة... :وتسمعها في صمت تحاور نفسها وهي ناظرة إلي السماء من نافذة غرفتها الضيقة » يا رب... هل سأعيش حتي تقدر لي أن ألقاه ؟!! أم أن الموت القاسي سيحرمني أن أملي بصري برؤيته وبسماع صوته « ثم في أحايين أخري تخاطب نفسها بواعز من القوة : »هل لي أن أبدل قلبي.!! أو أقلبه ؟ وأضع مكان قلبي الضعيف... قلبا قويا صلبا كالصخور، سأرضي بتقلباته كما أرضي بتعاقب الأيام والفصول..« 2 ذات صباح حُشد بالنبضات وبالموجات وأمام شاشة التلفاز نفسها... كانت صاحبة القلب النقي تنتظر موعد ظهوره، لتحيا مع كلماته برشرشات من السعادة ولتشرق شمس أيامها.. تأملت مرة ومرتين... أعادت تأملها فيما تراه.!! فجأة.!! بدا المشهد أمامها علي غير العادة لم تكن صورته وحده وإنما المئات والآلاف من البشر رجال ونساء أطفال وشيوخ... ظلت تحدق مرات عديدة إلي أن أشعل بداخلها غليانا جديدا، وهي إذ تسمع وتري هذا الجمع العتيد العنيد...!! الحاملون والحاملات علي أكتافهم آلامهم وآمالهم... والمتجمعون والمتجمعات من مختلف الشوارع والأزقة... ينحدرون كالسيل الذي يتدفق، ويرسي علي شاطئ الميدان... كانوا جموعا وفرادي يتحركون كأسراب الحمائم العائدين بعد طول التحليق والطيران... يتدافعون في تسابق نحو بقعة واحدة، ودائرة أرضية مشتركة تضم القريب والبعيد... القاصي والداني... المسافر والمقيم.... العامل والفلاح... العالم والأمي...!! ذابت سيرته في مشهدهم الرائع، كذوبان الملح في الماء، وهرب طيفه الذي كان يلازمها في حضورهم الأخاذ جدا... وجف مطره في صحوهم!! استبدلت مطالبها بمطالبهم... وهيام روحها العلوية بهتاف أجسادهم الأرضية... انطفأت نار ثورتها الأحادية، بنور السيول البشرية المتزلزلة والمتدفقة كالأنهار الجارية في شرايينها... 3 ما كان أعذب من سيرتهم جميعهم متجمعين في ميدان قلبها الذي سكنه الآلاف والمئات.... بل والملايين من الوفود البشرية. وما كان أجمل هذه الصورة التي تعلوها الأعلام المصرية بكل هذا التآلف والتناغم... والدفء والتلاحم...، تآلفا جعل حواسها تعزف سيمفونية أبدية للكرامة والحرية.