ما الانطباعات التي تركها جونتر جراس في المقربين منه والذين تربطهم به علاقة عمل، ما الذكريات التي تبقت لهم. هنا حوار مع المسؤولة في دار نشر "سوي" التي ترجمت كل أعمال جراس للفرنسية، هل تتذكرين لقاءك الأول مع جونتر جراس؟ أتذكره كما لو كان بالأمس. كان ذلك أثناء مشاركتي الأولي في معرض فرانكفورت للكتاب في عام 1972 كنت ميتة من الخجل، كنت مبتدئة، وكان عندي دليلً علي كل شيئ. في مواجهتي كان جونترجراس مؤلفًا مشهورًا. كانت ثلاثية دانتسيج قد نشرت في فرنسا، و "الطبل الصفيح" قد توجت بجائزة أفضل كتاب أجنبي. كان جراس يسجل برنامجا للتليفزيون في مقهي"شلاجباوم"، وتوقف ليحدثني، كان صبورا ومثيرا للفضول. بالنسبة لي كان في غاية الغرابة. وسط الحشد، انتهز فرصة للتعارف. بعد ذلك بعامين في باريس سوف يتذكر مقابلتنا، ليبدأ بذلك تاريخ تعاوننا الفعلي. تعاون طويل المدي... نعم كان حاضرا طوال مسيرتي. ثمة تلازم مشترك بيننا. لقد نشرت دار سوي تقريبا مجمل أعماله والتي نمثل العمود الفقري لي كناشرة. لدي حالة من الانتماء الخالد اتجاهه. أيا كان ما قد يحدث، يبقي مستشارا وصديقا. لقد صالحني مع اللغة الألمانية والألمان. كيف سارت عملية الترجمة؟ كان جان أمسلر مترجمه بداية من "الطبل الصفيح" وحتي "القط والفأر". نحن مدينون له بنجاح جونتر جراس في فرنسا. لقد عثر علي نغمة وموسيقي لا تنكر، حتي لو كان الحكم علي ترجمته أنها "بتصرف". بعد ذلك، وبسبب السن، قررت أن أوكل الترجمة إلي دوو كلود بارسيل وبيرنار لورتولاري، ثم تكفل كلود بمفرده بالخلافة. هل قبل جونتر جراس بهذ الاختيارت؟ نعم، اطمأن، وقبل الأمر برقة بالغة. كان يُخرج أفضل ما فينا، وأتمني لأصدقاء المهنة أن يكون لديهم مؤلفين بمثل هذا التسامح والتحفيز. وجه القليل من الانتقادات، نعم، وتمني عدة مرات أن تراجع ترجمة رواية "الطبل الصفيح". وافقت وطلبت منه الانتظار، فالأمر لم يكن يمثل جرحا شنيعا بالنسب ل جان أمسلر. وافق وانتظرنا مراجعة كلود بورسيل. هل كان جونتر جراس يعتبر مترجمي أعماله "كأسرته الكبيرة"؟ نعم، كان يجتمع بشكل دوري بمترجميه الأجانب ليعينهم علي الصعوبات التي تتضمنها نصوصه. بدأ في " سيمينارت الترجمة "هذه منذ ما يزيد علي عشر سنوات. كان المناخ جادا ولطيفا في آن، وكانت عملية التوضيح تتم بسرور لأن جونتر جراس كان مبهجًا. هو ليس بالكاتب السهل في القراءة، لماذا كل هذا التقدير له في فرنسا؟ حل جونترجراس علي المشهد الأدبي الفرنسي مع رواية "الطبل الصفيح" وقوبل بحفاوة نقدية ونجاح مدوي في المكتبات في نفس الوقت. لقد نال تقدير هائل كحكاء للقصص ك " حكواتي". كان لديه هذا الجانب الماجن والمشاكس الذي يعمل في حركة دائرية وهذا يقدره الفرنسيون علي نحو خاص. أتساءل-وهذا رأي شخصي- إذا ما كان نظر له باعتباره ألمانيا. فبولندا ومنطقة الكاشوبيان وأوروبا الوسطي ليست ببعيدة. هل أيقظ فكرة الاهتمام بالأدب الألماني في فرنسا؟ بالأحري يمكنني أن أقول إنه أيقظ فكرة اهتمام الفرنسيين بالصفحات المظلمة في التاريخ الألماني، ولكن بحكيها علي نحو هجائي، مشاكس وله علاقة بالمتشردين. في الآونة الأخيرة طرح موضوعات هامة وغير معروفة جيدا للفرنسيين، فعملية توحيد ألمانيا، والتصالح الجرماني البولندي بمثابة تجسيد لمعاناة الألمان في نهاية الحرب. هل نشرت دار "سوي" مذكراته "أثناء تقشير البصل"؟ نعم، حيث كنت أود نشره بمناسبة بلوغ جراس الثمانين، وتم التنفيذ. ثم حدث جدل كثير في ألمانيا حول تصريحه المتأخر. قليلون أولئك الذين قرأوا الكتاب هنا. قبل الأحكام المتسرعة أشجع بحماس القراء الفرنسيين علي قراءة هذا الكتاب الثري جدا فيما يزيد علي 400 صفحة وعلي تكوين رأيهم الخاص. لقد عُرفت أفكاره في فرنسا، كيف كان رد فعل الجمهور والنقاد؟ اكتفت الموجة الأولي من النقد باستعادة الخطوط الكبري من المعلومات المنشورة عبر الصحافة الألمانية. ثم تبع ذلك مجموعة الاعتراضات شديدة التباين لتُذكرنا أن جونتر جراس كان قد ولد في عام 1927 أي أنه كان في السادسة من عمره عندما استولي هتلر علي السلطة. وهو من بيئة متواضعة جدا، قليلة الاستنارة، وللأسف نزع إلي الأيدلوجية النازية التي كانت تُغري بشكل خاص الشباب. ثم دانتسيج كانت مدينة قومية للغاية. مع نشر هذه المعلومات، اتخذت وسائل الإعلام الفرنسية خطوة للوراء. لقد فهموا أنه أيضا تصفية المشروع الجرماني الألماني، وأن جونتر جراس كان صارما اتجاه الآخرين، وإنهم كانوا سيجعلونه يدفع ثمن ذلك. ألا يوضح ذلك الصمت الهائل جدا الذي تمتع به جراس؟ دون شك، لقد أهدر فرصا عديدة للإفصاح عن ذلك. لكن ثمة محاولة جرت في الستينييات لم يلحظها أحد. في إحدي المقابلات مع " راديو بريمن" سئل من المذيع، وكذلك من بعض الاشخاص المدعوين: "ماذا فعلت عندما كنت في السابعة عشر؟ أجاب جراس بأنه ألتحق بكتبية مشاه كانت ترتدي زي الss). ) لكنه في النهاية ناضل لصالح الحزب الاشتراكي الديمقراطي. ألم يصدمك ذلك أنت شخصيا؟ صدمت، لا. انزعجت، نعم. لكن ما أثر في أن هذا الرجل الذي ندد طوال حياته بشرور الطاعون البني( النازية)، هذا الرجل الذي كتب الكثير من الصفحات، أدلي بالكثير من التصريحات، لم ينجح لعقود في أن يجد الكلمات التي ينزع بها عن جسده هذا السر المؤلم. بطريقة ما اعترافه لن يسقطه من منصبه الأخلاقي وجعله أكثر انسانية وأكثر قربا. وسيبقي كاتبا عظيما وتصريحه المتأخر لن يستطيع أن ينخر في حجم عظمة أعماله. ما كتابك المفضل من كتب جراس؟ لقد قرأت رواية" الطبل الصفيح" قبل أن تصدر عن دار سوي بعشر سنوات. تظل هي رائعة أعماله بالنسبة لي. عشقت " مقابلة في فاستفالي" بها مزيج لذيذ، روحي وجسمي في آن وهي من ترجمه أمسلر.