يفتح محمد محمد مستجاب الابن، كتابه (شبابيك)، الصادر مؤخرًا عن الهيئة العامة للكتاب، علي اتساعه، بغية أن يحتفي بشخصيات أدبية، فنية، وإبداعية مؤثرة إلي حد كبير في خريطة الواقع الأدبي والإبداعي، منهم مَن رحل عن دنيانا، ومنهم مَن ما يزال علي قيد الحياة، ويأتي علي رأس هؤلاء الأديب الراحل محمد مستجاب الأب. يضم الكتاب عددًا من البورتريهات، التي كتبها مستجاب الابن، متكئًا علي تيمة السرد الذي يبدو أن مستجاب قد تمكن منه وبات سهلًا بالنسبة له أن يطوّعه كيفما يشاء، جاعلًا منه حكاية جميلة، أو قصة يُشتاق إلي سماعها. يكتب مستجاب الابن هذه البورتريهات وكأنه يكتب قصة قصيرة، تشد قارئها، من بدايتها وحتي نقطتها الأخيرة.يكتب مستجاب الابن عن هذه الشخصيات، ساردًا تفاصيل حياتهم، محتفيًا بهم، جاعلًا منهم قِبْلة لكل المبدعين، ومحرابًا يلجأ إليه كل مريد وقتما يريد.يكتب عنهم هنا بحب، مستعيرًا مقولة والده: كثيرون الذين كتبوا، قليلون الذين استمروا، نادرون الذين اخترقت أعمالهم طبقات الجماجم، وعمق السنين. سبعة سيدخلون الجنة يعلن مستجاب الابن أن سبعة من شخصياته سيدخلون الجنة: أولهم يوسف إدريس، سابعهم بهاء طاهر، في المنتصف يقف مستجاب الأب، ثم الخامس والسادس خيري شلبي وإبراهيم أصلان، ويسبق هؤلاء علاء الديب.ويبدو أن مستجاب الابن نسيَ أن يذكر لنا سابع شخصياته الذي سيدخل الجنة.يكتب مستجاب إضافة إلي هؤلاء، عن أمين ريان، ثروت عكاشة، رفيق الصبان، سعيد شيمي، أحمد فؤاد نجم، محمد عبد الفتاح، رمسيس، وغيرهم.يكتب مستجاب الابن عن مستجاب الأب فيقول: يا معشر القراء، سيكون المقام المحمود ليس له مثيل في هذه الدنيا، في صحراء المهمشين والمكافحين والمناضلين، مقام لم يتحقق لواحد شجاع باسل بليغ، سوي مولانا مستجاب.كذلك يؤكد مستجاب الابن أن مستجاب الأب سيظل واحدًا من أهم وأخطر وأرقي وأقوي الصروح والأهرام، والأعمدة التي تحمل سقف الثقافة العربية الماضية، المعاصرة، والقادمة.وكمسيح أو نبي يحمل كل هذه الهموم يصف مستجاب الابن، إبراهيم أصلان الذي خاض الحياة ببراءة الأطفال، وطموح الملائكة ودهاء الشياطين، وتقلبات الساسة وحكمة العجائز.وفي بورتريهه عن أمين ريان يقول: كل الذين أثروا في وجداننا منذ الصغر تغيروا، معلمو الفصول، نظّارالمدارس، الأصدقاء والجيران، حتي الآباء تركونا ورحلوا، عدا أمين ريان (قبل أن يرحل هو كذلك).ثم يستنكر مستجاب الابن ما تعرض له أمين ريان من تهميش طاله هو وفنه وإبداعه، رغم أنه كان يستحق الكثير من البريق الإعلامي، الشهرة والمادة. الهاديء والعمدة وفي بورتريه آخر يصف مستجاب الابن بهاء طاهر، بالمبتسم الهاديء الصبور في كل المحن والمصائب التي وقعت علي رأسه.كذلك يحارب بهاء طاهر من خلال كتاباته من أجل الحرية وانتصار العدالة.وحين يكتب عن العمدة خيري شلبي، يُسميه الزعيم والكبير، الغارق في السيرة الهلالية، أشعار فؤاد حداد، بيرم التونسي، وصديق ابن عروس وشهريار وطه حسين.أما عن نجيب محفوظ فيقول: لا يوجد شخص اسمه نجيب محفوظ، إنما هو المغامر، الفارس، المغوار، المقدام، ممهد الحارات، فاتح الطرق وثاقب الجبال ومنظم جداول الماء في الرواية العربية كي تسقي أرض الرواية العالمية.وحين يكتب مستجاب الابن عن يحيي الطاهر عبد الله يقول: حبًّا لعبد الفتاح بن يحيي بن الطاهر الذي أشجانا بقصصه الحزينة البهية، حبًّا لمن كان يروي قصصه ويحفظها ويُلقيها دون أوراق، معلنًا فنًّا وأسلوبًا عبقريًّا.حبًّا لمن لم يفارق العقل والقلب وشواشي النخل وتراب المقابر الأبدية، حبًّا لك شاعرًا وقاصًا وإنسانًا علي أرض لا تطرح إلا الأحزان الأبدية.كذلك يكتب مستجاب عن يوسف إدريس الذي يصفه بأنه مهاجم وفارس ومحارب وثائر، يصفه بأنه صوت من لا صوت لهم، بعد أن ظهر علي وجه الحياة ليقود هؤلاء ويخرجهم من حالة الإهمال والتهميش التي تغمرهم إلي حالة الظهور والالتفات إليهم.لقد اكتشف يوسف إدريس عَرَق هؤلاء وكفاحهم وتعبهم وأخرجه من تابوت عمره سبعة آلاف سنة.هذا ما اكتشفه يوسف إدريس في الحياة، وفي القصة التي يريد أن يكتبها علي الورقة البيضاء التي يريد أن يقيم عليها حضارته وخصوصيته وأفكاره وتاريخه ومواقعه. جيفارا الحارة هذا ويسمي مستجاب الابن الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم ب جيفارا الحارة المصرية، ويصفه بأنه جدع، شهم، دكر، فتوة، ثائر، مناضل، ثورجي، مقهور، محرِّض، مشاغب، فلاح، مكافح، شرقاوي أصيل، جائع، غلبان، شقيان، علي لقمة العيش، مثير للجدل وللدهشة وللغيظ أيضًا.لقد عشق نجم مصر فحفرها في عقولنا وقلوبنا.هو بسيط كشمس ديسمبر التي رحل في وداعتها، ورطب كعطفة مزنوقة في حارة مخنوقة تطل علي ميدان متسع بالثوار والحماس والغضب، غني لأنه يمتلك القلب والعقل واللسان.كذلك يصف مستجاب الابن كلمات نجم بأنها لسعة نار ويصف أنينه بأنه دواء وشفاء، وهتافه بصرخة ألم، وأشعاره بروشتة علاج، ومشرط جراح يخرج الصديد من شقوق الجِرَاح، يستأصل بكلماته أوجاعنا.وعن قُربه من الأديبة الراحلة نعمات البحيري التي يجعلها في مقام أم ثانية له يقول مستجاب الابن: لو قلت إن حالة التعري والطهر والبراءة التي عشتها مع نعمات البحيري في آخر أيام أو سنوات عمرها، هي ما جعلتني أكتب وأكتشف ذاتي وأفكاري، لن يصدق أحد أن الصورة التي تعلو تلك الكلمات كانت لإنسانة مرت علي حياتي، نقشت أيام وذكريات وأوجاع وتأوهات علي روح ذاتي وتعاريج عقلي، وفي بئر قلبي، اسمها نعمات محمد مرسي البحيري، الشهيرة بنعمات البحيري. نهي الملكة فيما يكتب عن ملكته نهي محمود التي تشاركه حياته الخاصة كزوجة وحياته الإبداعية ككاتبة تكتب في نفس مجاله فيقول إنه يقينًا سيأتي اليوم الذي سيغتالها فيه ويمزق جسدها علي كل ربوع وأرض هذا الوطن، غير أنه سَيَلُم جسدها مرة اخري.لكن لمَ سيفعل هذا؟..لأنها تكتب ما يريد كتابته وتفعل ما يريد أن يفعله.كذلك يراها ملكة ورأس حربة لجيله الآن وهو حولها فرسان ووزراء يحتفون بها ويفرحون معها وينتظرون المزيد. وبعد هذه الرحلة الممتعة، غاية الامتاع، مع شخصيات مستجاب الابن، التي أحبها درجة التوحد معها، وكتب عنها بكل صدق ومحبة، لا مفر من إعادة قراءة هذه البورتريهات مرات شتي، استمتاعًا بها من ناحية، ولمعرفة معني أن نحب الآخرين مِن جهة أخري.