حدث ذلك يوم الإثنين الماضي 13 أبريل: إعلان خبر رحيل جونتر جراس، وبعد ساعات قليلة إعلان خبر رحيل إدواردو جاليانو. تحرك ملك الموت ليحصد ذاكرة ألمانيا ثم اتجه سريعًا صوب الأوروجواي ليحصد ذاكرة أمريكا اللاتينية. هل كان وداعهما للعالم في يوم واحد وفي ساعات متعاقبة محض صدفة؟ ربما الموت ما جعلنا نفكر في تشابهات بينهما، والعثور علي ما يجمعهما. كلاهما كاتب ورسام، جراس درس الرسم والنحت ونشر ديوانه الأول بقصائد ترافقها رسومات، وجاليانو كان يرسم وعمل بالرسم لسنوات قبل أن يتجه للكتابة كقرار ومستقر. كلاهما كان علي يسار السلطة وتعرض للنفي، اشتهر جراس بلسانه الزالف ضد حكومات بلده وهاجر في شبابه إلي باريس، وجاليانو يساري عتيد عارض الاستبداد باستمرار وتعرض للسجن والنفي عقب صدور كتابه "شرايين أمريكا اللاتينية المفتوحة"، حتي الحكومات اليسارية التي يفترض أنها تعبّر عنه لم تسلم من سخريته ونقده. كلاهما عاش شبابه في فترة اضطرابات سياسية أليمة، جراس شاهد نازية هتلر والحرب العالمية الثانية، وجاليانو عاني من الديكتاتورية العسكرية بالأوروجواي. كلاهما كان كاتبًا سياسيًا وأديبًا ملتزمًا بقضايا وطنه مهما كلفه الأمر. وبالإضافة لذلك، كلاهما كان ذاكرة بلده، جراس تناول تاريخ ألمانيا وكان مرآة عاكسة لأزماتها، وجاليانو نبش في تاريخ القارة اللاتينية باعتقاد أنه لا يمكن الوصول للمستقبل قبل إعادة قراءة التاريخ وتفنيده وتنفيض الأكاذيب عنه، الأكاذيب التي صكتها أوروبا والولايات المتحدة. وفي لحظات الصمت، كان جراس وجاليانو صوتين عاليين، الأول، رغم موقف ألمانيا المحرج من إسرائيل، كتب قصيدة انتقد فيها التوسعات الإسرائيلية وقتل الفلسطينيين، والثاني كان يتبني علي الدوام قضايا الشرق الأوسط، سواء القضية الفلسطينية أو الحرب علي العراق. وكلاهما، جراس وجاليانو، ترك إرثًا بقراءته يمكن فهم جزء من التاريخ الذي يبدو بعيدًا.
