الهدف الرئيس من هذا الموضوع هو رصد تاريخ دور السينما في الدقهلية .. وما آلت إليه تلك المنارات أو(السينمات) الهامة التي كانت أحد أهم مصادر الثقافة الفنية والحياتية والترفيهية في عشرينيات القرن الماضي وحتي نهاياته تقريبا .. بالنسبة لي كانت أول مشاهداتي للسينما ومعرفتي بها في طفولتي المبكرة جدا في سينما راديو بالإسكندرية .. اصطحبني أبي إليها في زياراته السنوية لهذه المدينة الجميلة .. ولم أكن في هذه السن قد وعيت مايدور أمامي .. لكن أول وعي حقيقي لي بالسينما كان سينما (المنزلة) ونحن صغارا في المرحلة الابتدائية والتي تم افتتاحها عام 1949 وتم تشييدها بمستوي رفيع من العمارة الفنية علي يدي أحد المهندسين من أبناء المنزلة الذين درسوا الهندسة في جامعة السوربون واسمه وديد فرج.. وتم افتتاحها بفيلم فاطمة .. هذه السينما تم إغلاقها عام 1985 وأصبحت دارا لحفلات الزفاف كما ورد في كتاب ( المنزلة حضارة وتاريخ ) لعبد الحميد شلبي .. لكن سبقتها محاولات للسينما الصامتة .. سينما (أبو عسل) .. بعد ذلك سينما (فاروق) في شارع الجلاء .. اللافت للنظر أن جميع عواصم مراكز محافظة الدقهلية كانت بها دور للسينما .. فكانت بميت غمر أربع دور أهمها سينما (مصر) و(الحرية) وقد تم إغلاقها أيضا .. ودكرنس كان بها دار .. وشربين كانت بها سينما (الشرق) وسينما(عصر) الصيفي وطلخا وأجا أيضا .. وسينما( كمال) والتي عرفت بسينما (بلقاس) .. وسينما (الشرق) بلقاس والتي تم تشييدها علي يد مهندس من عائلة سراج الدين باشا في الأربعينيات .. أيضا مدينة المطرية علي شاطئ بحيرة المنزلة كانت بها سينما (حمود) وكانت تديرها أسرة بشري عصفور المحامية وسينما (النصر) وكانت تديرها عائلة الريس .. وانتهي دورهما في منتصف الثمانينيات .. أما المنصورة العاصمة فكانت تضم أكبر عدد من دور السينما الهامة وهي علي التوالي : ( الكوكب .. عدن .. أوبرا .. ركس .. التحريرالصيفي .. النصر .. أم كلثوم ..) سينما (عدن) بعد أن تخلت عنها مؤسسة السينما استأجرها مع سينما (النصر) أحد مشاهير أطباء المنصورة وهو الدكتور الراحل محمد عبده الجيار.. وكانت عيادته مجاورة للدارين .. لكنها في النهاية آلت بالإيجار من الدكتور الجيار إلي إبراهيم توحيد آخر من كانت معه هذه الدار الكبيرة .. ثم تم هدمها ولم يتم البناء مكانها .. وقد أشيع أنه عند البناء سيتم الإلتزام بنص قانون دور السينما رقم67/79 والذي يحظر هدم دور السينما إلا بقرار بناء دار أخري في نفس المكان .. وتبين أن سبب توقف البناء هومشكلة قانونية حيث قام أصحاب الأرض بهدم مبني السينما دون الحصول علي قرار بالهدم وبالتالي تعثر الحصول علي قرار البناء .. سينما ركس وكانت لاتعرض إلا الأفلام الأجنبية وما تزال مغلقة حتي الآن بل وأكد سعد محمد سعد أحد الشهود الذين عملوا في دور السينما إبان ازدهارها أنه تم بيعها لأحد رجال الأعمال الذين يعملون في تجارة (المعسل) والذي حولها إلي مخزن للعسل الأسود .. وتحيط بها المحلات التجارية من كل جانب وبالتالي هناك مشكلات قانونية أيضا .. سينما (أوبرا) وهي آخر الدور التي تم هدمها حديثا ويقيمون علي أرضها الآن برجا وكانت مع الأخوين علي وإبراهيم متولي .. سينما (النصر) أقيم مكانها أحد الأبراج منذ عدة سنوات .. سينما (التحرير الصيفي) توقفت منذ سنوات طويلة واستأجرتها إحدي شركات المياه الغازية في شارع جمال الدين الأفغاني .. وكنا نقف في الشوارع الجانبية في الخمسينيات والستينيات لنري عروضها من علي الأرصفة المحيطة بها أو الأسوار المجاورة .. نشاهد فقط رؤوس الممثلين وهي تتحرك وتلتقط آذاننا بعض جمل الحوارات لعدم امتلاكنا ثمن التذكرة.. سينما الكوكب لم تعمر كثيرا حيث نافستها عدن وأوبرا وغيرها فتوقفت في أواخر الخمسينيات .. سينما ( أم كلثوم ) لم تعمل كثيرا إلا في المواسم والأعياد رغم أنها مجهزة تجهيزا ممتازا لتكون من سينمات الدرجة الأولي .. ولا أحد يعرف حتي الآن الأسباب الحقيقية لهذا الإعراض عن تشغيلها كدار للسينما .. لكن أهم هذه الأسباب في رأيي ورأي الكثيرين مايلي : انتشار التليفزيون وخاصة بعد انتشار الفضائيات من خلال الأقمار الصناعية .. أجهزة الكمبيوتر والتطور الذي حدث لها مثل أجهزة اللاب والآي فون .. إرتفاع ثمن التذكرة .. فمع الظروف الاقتصادية لايستطيع رب أسرة مكونة من خمسة أفراد أن يأخذ أولاده إلي السينما لينفق 200جنيه علي هذه السهرة من مرتبه الذي لايجاوز ألفاً أو ألفي جنيه .. لكن من المدهش وبعد غلق دور السينما في مدينة المنصورة أن تم افتتاح بعض الدور الجديدة .. مما يعني الاهتمام والحاجة إلي مثل هذا النشاط .. لكنها نشأت في مواقع غير مناسبة أو جاذبة للجمهور (داخل مولات ).. وكانت أولي هذه القاعات الجديدة بنادي الشرطة الجديد في حي الجامعة .. لكنها لم تستمرحيث تم غلقها حيث أن قانون الشرطة يمنع مزاولة مثل هذه الأنشطة داخل التجمعات الشرطية حفاظا علي الأمن العام .. وعملت من2001 حتي عام 2006.. ثم ظهرت سينما (الجزيرة بلازا أو جود نيوز) وسينما ( نانسي ) وتضم الداران خمس قاعات عرض سينمائي جديدة وقد أصدر اللواء سمير سلام محافظ الدقهلية في سبتمبر قرارا بإغلاق دور السينما في 19 سبتمبر لعدم توفر عوامل الأمان 2009.. وخاصة : سينما نانسي بجوار مجمع المحاكمة وبها ثلاث قاعات تضم 500 مقعد موزعة علي القاعات الثلاث .. وسعر التذكرة 25 جنيها وسينما الجزيرة وتضم قاعتين وسعر التذكرة 30.. ولايتم تشغيل الفيلم إلا إذا كان محجوزا له خمسة تذاكر علي الأقل .. ومعني هذا أن الإقبال أصبح محدودا جدا إلا في الأعياد .. هذه جولة سريعة حول تاريخ دور السينما وأوضاعها في الدقهلية .. وعلي وجه الخصوص دور السينما في مدينة المنصورة .. والسؤال الذي يطرحه عشاق هذا الفن : لماذا لايتم تشغيل (سينما أم كلثوم) التابعة لقصر ثقافة المنصورة .. وهي دار كبيرة وجاهزة تماما لمزاولة هذا النشاط ومكانها جاذب لجمهور السينما وموفر لعائد يتم توظيفه (حال تشغيلها ) في أنشطة ثقافية أخري في حاجة إلي الدعم المالي مثل أنشطة الأدب علي سبيل المثال .. كما تعتبر من أهم دور السينما والمسرح في مصر من حيث الموقع والمساحة وعدد المقاعد وفرص النجاح ..