تناول صديقنا الصحفي طارق الطاهر في الأسبوع الماضي دور محافظ أسيوط في تحجيم الثقافة والحركة الثقافية في أسيوط , والواقع أن أسيوط بعد أن كانت في مقدمة المحافظات من حيث الأنشطة الثقافية , فإنها اليوم وبفضل محافظها أصبحت في المؤخرة , ولا أقول هذا بقصد التجني علي الرجل , فالرجل له إنجازات هائلة في مجالات أخري بعيدا عن الثقافة , فهو جعل مدينة أسيوط مدينة جميلة ومزخرفة , وحوائطها تحوي رسومات بديعة , وجعل شوارعها الرئيسية كشوارع باريس , وكأنه محافظ لمدينةأسيوط فقط , تاركا القبح والعشوائية تسيطران علي باقي مدن المحافظة الأخري وهي كثيرة , غير أن مشاكل أخري نعاني منها , قد نغض الطرف عنها , ولا نخوض فيها , ومنها مشاكل في الحصول علي الخبز ,والصرف الصحي , وارتفاع أسعار اللحوم , والمعاناة في المواصلات بين أقاليم المحافظة , وسوء الطرق , وقذارة المدن الأخري وازدحامها ربما كانت الثقافة بعيدة عن اهتماماته . فهو لا يعرف أن في أسيوط كتابا وشعراء كباراً , ومعروفين علي مستوي الجمهورية , وأن محافظته بها أكبر عدد من الكتاب الكبار والشعراء المتميزين , وأن بالمحافظة سبعة أندية للأدب , وقد حصل اثنان من أدباء محافظته علي جائزة الدولة التشجيعية في سنوات ماضية , هما الكاتب زكريا عبد الغني العام الماضي عن الرواية , والشاعر درويش الأسيوطي في الشعر العام قبل الماضي , وأن الدكتور نصار عبد الله رئيس قسم الفلسفة في جامعة سوهاج , وهو من أبناء أسيوط قد حصل هذا العام علي جائزة الدولة التقديرية في الآداب . وربما كان سيادته المحافظ الوحيد الذي لا يعرف أدباء محافظته , ولاأسماءهم , ولا موقعهم في الخريطة الأدبية لمصر . وربما لا نعفي أنفسنا من مسئولية عدم محاولة الاقتراب من الرجل , فقد حاولت ومعي عدد من الكتاب أثناء رئاستي لنادي الأدب المركزي بأسيوط أن نقابله , وبالفعل اتصلنا بالعلاقات العامة , وأملينا أسماءنا علي الموظف المختص , وسألنا الموظف عن حاجتنا وسبب المقابلة . وقلنا له إنه مقابلة تعارف وعرض بعض الأفكار عليه , وتركنا تليفوناتنا. كان ذلك في شتاء 2007 وحتي الآن ونحن ننتظر , وعندما كنت عضوا في الأمانة العامة لمؤتمر أدباء مصر شعرت بالإحراج عندما قيل أن محافظ اسيوط محافظة لم يعقد فيها مؤتمر أدباء مصر أبدا . فعرضت علي الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة أن أقابل السيد المحافظ لعرض فكرة عقد المؤتمر عليه . وتذكرت أن الرجل له موقف غير مبرر من الثقافة ورجالها . وأنني قد حاولت مقابلته ولم أفلح , وأنني لا أزال أنتظر , واعتذرت لزملائي بأنني قد أفشل في مقابلته , وكان شعوري أكثر خزيا وأنا أستمع الي عدد من زملائي أعضاء الأمانة بأنهم جلسوا مع محافظي أقاليمهم وتحدثوا معهم بشأن عقد مؤتمر أدباء في عواصم محافظاتهم , وأخبروني أن المحافظين يحضرون ندواتهم , ويقابلونهم بكل ترحاب . وأن بعضهم، أي المحافظين، يساهم من ميزانية محافظته في عملية طبع أعداد من كتب الأدباء . تذكرت كل هذا , وأنا أستمع الي زميلي الذي قابل محافظ الإسكندرية اللواء عادل لبيب _ رغم مسئولياته الجسام _ وبحث معه إمكانية عقد مؤتمر أدباء الأقاليم في الإسكندرية , وقد كان , وكان من أهم المؤتمرات التي حضرتها . ربما لا يعرف السيد المحافظ أن عقد مؤتمر أدباء في أي محافظة من محافظات مصر هو بمثابة تظاهرة ثقافية رفيعة المستوي , الميزانية التي تحدث عنها صديقنا طارق الطاهر التي حجبها السيد المحافظ هي التي كانت تساهم في عملية الإثراء الثقافي في المحافظة عن طريق الالتحام بالأدباء والمفكرين الكبار في العاصمة , ليلتقي بهم شباب وجمهور المحافظة. كان قصر ثقافة أسيوط فيما مضي بمثابة خلية نحل , وفيه قابلنا للمرة الأولي رموز الأدب والشعر في مصر , وكان به مسرح لا يغلق أبوابه , وسينما , وفرق فنون شعبية , ونوادي أدب ومسرح وغيرها من الأنشطة الثقافية , والتي بفضل السيد المحافظ تحولت إلي قبور . وإذا قلت أن أدباء أسيوط انتابهم نوع من الإحباط . وشعروا بعدم تواصلهم مع زملائهم الأدباء من باقي الجمهورية فقد لا أكون مخطئا . ومهما يكن من أمر فإنه من غير اللائق ألا يعقد مؤتمر أدباء مصر في أسيوط المركز الحضاري لمصر . ولا يعقد بها أي مؤتمر إقليمي , ولا أي مؤتمر ثقافي , وفي احتفالات العيد القومي لأسيوط تغيب الثقافة , ويغيب المثقفون والأدباء والشعراء عن تلك الاحتفالات , وكأن أدباءها وشعراء وكتابها ومثقفيها لا ينتمون إلي محافظاتهم , ولا يدعون إلي احتفالاتها القومية , ولا مناسباتها الرسمية , ولم تقم أمسية ثقافية واحدة في أسيوط منذ أن غادرها اللواء أحمد همام عطية.