القصة بدأت بظهور كتابٍ إليكترونيّ في العام 2006 لمؤلّف مجهول يكتب تحت اسمٍ مستعار . اإدارة التوحّشب الكتاب الذي لقي رواجًا كبيرًا وقتها ولفَتَ أنظار أحد المتابعين والمشاركين في التنظير السياسي ويليام ماكّانتس والذي يعمل الآن مديرًا لمشروعِ العلاقات بين أمريكا والعالم الإسلامي في Brookings Institution قام بترجمة الكتاب ونشره في عام 2006.الكتاب يعرض بصورة موسّعة و تفصيليّة لخطّة كيف لجماعة من المسلمين الجهاديين أن يعيدوا الخلافة . بعد الاطلاع علي الكتاب وفصول بحثه ،والذي ينتهج نوعًا مّا أسلوب الدعاية الرّماديّة ؛ من المرجّح أن كاتبه المجهول كان يعمل بالسّلك السّياسي ذالمخابراتي في الغالب ؛ حيث الإسهاب في التفاصيل النفسية وتقنيّات السيطرة بشكلٍ تنظيريّ والأهم : تطبيقيّ باستشهاداتٍ مُقنعةٍ من صلب الدّين بالّلعبِ علي عقليّات العامّة . لسنا بصدد الدخول لمناقشاتٍ وتنظيراتٍ لعقيدة هؤلاء ، لكن ، ليس من المستبعد أن يكون ذلك الكتاب هو النواة التي انطلق منها ما يشغل وسائل الإعلام منذ شهور بل منذ أعوام و هو ما يطلق عليه تنظيم الدّولة الإسلامية : داعش . الوضع في الشرق شغل الرّأي العام بحكم اللغة والجغرافيا و لكن قبل كل شيء بحكم التواجدِ في قلب الحدث .الكُتبُ التي تتحدّث عن داعش بدأت في التزايد خصوصًا في الفترات الأخيرة . أغلبها تنظيريّ أو سرد لتطوّر ظهور هذه الحركة .لم تظهر كتبٌ كثيرة تتحدّث عن سيكولوجيّة هؤلاء لأن الأمر يبدو فيه لبسٌ كبير و قد لا يتعدي البحث الفرويديّ عن الكبت لكن، بصورةٍ أكثرُ حداثّةً .في فبراير من هذا العام ، صدر كتابٌ يتحدّث عن تفاصيل تاريخ حركة داعش . ISIS: Inside the Army of Terror والذي كتبه صحُفيّان يتطرّقُ للحديث عن فشل أمريكا في السيطرة علي العراق وكيف أستغلّت داعش ذلك من أجل أن تجني الكثير، فيه تم إجراءُ مُقابلاتٍ مع أعضاءٍ من داعش كنوعٍ من التوثيق. يحتلُّ الكتاب المركزَ التاسعَ من قائمة الأفضل مبيعاً للكتب السياسية من شهر مارس هذا العام في نيويورك تايمز، و يفوق مركزه كتاب اأنا مالالاب للحائزة علي نوبل للسلام للعام الماضي ، مما يظهر جانباً من توجّهات جماهير القرّاء . انطلاقًا من استخدام كل الأسلحة للترويج ، تواجدت داعش كمادةٍ يُستَقَي منها محورٌ ومادّةٌ للأدب .في يناير من هذا العام 2015 ، صدرت رواية من فئة أدبِ الإثارةِ والرّعب هي the third target ، تتحدّث عن الخطر الذي يتهدد أمريكا من داعش كهدفٍ ثالثٍ لهم بعد إسرائيل وسوريّا. الكاتب جول روسينبريج الذي تصدّر كتابه قوائم المبيعات في واشنطون بوست نظرًا لخلفيّته اليهوديّة فقد درس في جامعة تلّ أبيب-ليس العمل الأول له الذي يتناول فيه أحداثَ المشرق؛ فقد كَتَبَ رواياتٍ تجري أحداثُها بالشّرق الأوسط ، منها خماسية االجهاديّ الأخيرب الروايّة التي ظلّتْ هي الأخري علي قائمة ال Best Seller في نيويورك تايمز لأحد عشرَ أُسبوعاً . من أجل موضوعيّة البحث ، قمتُ بمراسلةِ صديقٍ أمريكيّ يعملُ سابقًا في تحرير الإندبندنت ، و يشغلُ حاليًا منصب مديرٍ ب Human Rights Party في كندا ، وسألته عن ظاهرة تكاثر الكُتب عن داعش كان تعليقه : داعش هي صناعةُ النظام الدوليّ . الكتب عنها تتزايد لأنهم في حاجة لأن يجعلوا هذا الاختراع يبدو حقيقيّاً . الكتب هي أحدُ الطُّرُقِ لجعل داعش تبدو حقيقيّة.فيما يُظهرُ السّبب أنَّ مثل هذه الكتب تتزايدُ كانتشار الفِطْر بعد المطر.الناشرون يقومون بعمل أنظمةٍ للمزايدة وينشرون تلك الخردة بمعدّلاتٍ لا مثيل لها من الواضح أن الكتبَ التي تختص بالشّأن السياسيّ ، خاصة الرواية السياسية ، تلعب و تُسهِمُ في رسم صورة المواطن الأمريكيّ لنفسه .قارئةٌ تتحدّثُ عن The Third Target تقول : نحنُ كمواطنين أمريكييّن نفهم الحركات السياسية المؤسَّسَةِ علي أساسٍ دينيّ ، والتي تُرشِدُ عن فِعلِ هؤلاء في الشّرق الأوسط ، كي نتمكّن من فَهْمِ كيف أنَّ قراراتِنا كأفراد وكدولة ، تؤثِّرُ ليس فقط علي دولتنا ، ولكن علي العالَم الكاتبة الأمريكيّة ميشيلا نيوباي التي تعمل كمحرر في موقع Texas Book Lovers والتي حضرت إلي معرض الكتاب الدولي بالقاهرة العام الماضي ، قمتُ بإجراء نقاشٍ معها كنوعٍ من معرفة كيف ينظرُ المثقّفون الغربيّون للكتب التي تصدر من هذا النوع ، قالت : أبرأيي ؛ السبب الأول في أنهم ينشرون تلك الكتب هو أن يجنوا المال بالطّبع.هناكَ حاجةٌ لكُتُبٍ عن داعش هنا ؛ لأنه ذواحدةٌ من أحزابنا السياسية علي الأقل- يروقها أن تروّعنا حتي الموت .مِن الأسهلِ أن تتحكّم بالبشر إن جعلتَهُم مُروَّعين. بشكلٍ شخصيّ ؛ أُفضِّلُ للكتُبِ أن تكونَ كأشكالٍ أُخري للتواصل ؛ لأنك تحصل علي معلوماتٍ أكثر ، وعلي خلفيّاتِ تلكَ المعلومات ، مُدَّعينَ بوقاحةٍ أنَّ الكاتبَ أو الكاتبة ، تعلمُ عن موضوعها جيدًا ! أيضًا في رأيي وسائطُ المعلومات الإخباريّة هنا مريعةً بشكلٍ فظيع . تحصل علي تقارير سيّئة .وفوكس نيوز ليست إلا ترويجًا للحزب الجمهوري . لا يُمكِنُ الوثوقُ بهم علي الإطلاق. حينَ سُئِلَ السّيميائيُّ الإيطاليُّ والرّوائيُّ أومبرتو إيكو عن سبب ولوجِهِ عالَم الرّواية متأخّرًا لتخصّصّه الأكاديميّ، رُغم أنّه سابقاً لم يكن يعترفُ بتأثيرها قال : اوجدتُ الرّواية هي الملعب الذي أُطبِّقُ فيها نظريّاتيب.سُلطَةُ الكتب . مِنْ المفروغِ منه أنَّ الكتبُ من مُوجّهاتِ الرّأي العام ، من خلال ما تثيره من جدلٍ و نقاشٍ أو إثارةٍ للثّوراتِ فامتلاكُكَ لكتاب المعارض غولدشتاين كافٍ لأن يكفلَ لك الحكمَ بالإعدامِ وفقًا لدستوبيا جورج أورويل :1984.محلُّ الجدل عن أعداد الكتب المتزايدة عن داعش بات رهن نقاش ما بين الربحيّة و المصداقيّة . ذلك يُحيلُ ويفتحُ بابًا للنقاش والتقصّي عمَنْ يتحكّم بتلك العمليّات : سواءً نشر الكتب- ومن الممكن التطرّف ونقول : من يُحرِّض علي كتابةِ كتبٍ في مواضيعَ بعينها ؛ ممّا صار يُربكُ القاريء لكثرة الكتب والتنظيرات التي لا نتيجة لها سوي إلهائه ؛ حتي بات أمْرُ حصول القاريء العادي علي الحقيقة والمعرفة مرهونًا بمخاطرةٍ- إن لم يصبه الجنون من كثرة الكتب التي تستعرض الرأي وكتب الرّأي المضاد- تُماثل خطر الحصول علي الكتاب الذي سمّمّه الأب يورغ في دير إدزو دي مالك كي لا يناله أحد .