توريد 67 ألف طن قمح إلى شون وصوامع الوادي الجديد منذ بداية الموسم    اندلاع اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل أبيب    عمرو أديب: فرق الدوري الإنجليزي مبترحمش.. الصناعة بتجيب فلوس مش عزبة زي عندنا    حبس موظف بمحكمة أسيوط لحيازته كنزا أثريا في شقته    المخرج حسام جمال: "إلى ريما" مأخوذ عن رواية في قلبي انثي عبرية"    محافظ كفر الشيخ: تقديم خدمات طبية ل645 مواطنا بالقافلة العلاجية المجانية بمطوبس    مصر تواصل الجسر الجوى لإسقاط المساعدات على شمال غزة    تعليق ناري من أحمد موسى على مشاهد اعتقالات الطلاب في أمريكا    شرايين الحياة إلى سيناء    لميس الحديدي: رئيسة جامعة كولومبيا المصرية تواجه مصيرا صعبا    "مستحملش كلام أبوه".. تفاصيل سقوط شاب من أعلى منزل بالطالبية    جريمة طفل شبرا تكشف المسكوت عنه في الدارك ويب الجزء المظلم من الإنترنت    قطارات السكة الحديد تغطي سيناء من القنطرة إلى بئر العبد.. خريطة المحطات    رامي جمال يحتفل بتصدر أغنية «بيكلموني» التريند في 3 دول عربية    عزيز الشافعي عن «أنا غلطان»: قصتها مبنية على تجربتي الشخصية (فيديو)    حزب أبناء مصر يدشن الجمعية العمومية.. ويجدد الثقة للمهندس مدحت بركات    "اشتغلت مديرة أعمالي لمدة 24 ساعة".. تامر حسني يتحدث عن تجربة ابنته تاليا    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    افتتاح المدينة الطبية بجامعة عين شمس 2025    غدا.. إعادة إجراءات محاكمة متهم في قضية "رشوة آثار إمبابة"    80 شاحنة من المساعدات الإنسانية تعبر من رفح إلى فلسطين (فيديو)    ما هي مواعيد غلق المحال والكافيهات بعد تطبيق التوقيت الصيفي؟    صور.. إعلان نتائج مهرجان سيناء أولا لجامعات القناة    سمير فرج: مصر خاضت 4 معارك لتحرير سيناء.. آخرها من عامين    حبست زوجها وقدّمت تنازلات للفن وتصدرت التريند.. ما لا تعرفة عن ميار الببلاوي    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    «الحياة اليوم» يرصد حفل «حياة كريمة» لدعم الأسر الأولى بالرعاية في الغربية    أمل السيد.. حكاية مؤسِّسة أول مبادرة نسائية لتمكين المرأة البدوية في مطروح    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    وكيل صحة الشرقية يتابع عمل اللجان بمستشفى صدر الزقازيق لاعتمادها بالتأمين الصحي    حكم الاحتفال بعيد شم النسيم.. الدكتور أحمد كريمة يوضح (فيديو)    طاقة نارية.. خبيرة أبراج تحذر أصحاب برج الأسد من هذا القرار    أنس جابر تواصل تألقها وتتأهل لثمن نهائي بطولة مدريد للتنس    بالصور.. مجموعة لأبرز السيارات النادرة بمئوية نادى السيارات والرحلات المصري    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    عاجل.. وزير الخارجية الأميركي يتوجه إلى السعودية والأردن وإسرائيل مطلع الأسبوع    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة| الأنابيب الكيني يفوز على مايو كاني الكاميروني    ليفربول يُعوّض فينورد الهولندي 11 مليون يورو بعد اتفاقه مع المدرب الجديد    النيابة تطلب تحريات إصابة سيدة إثر احتراق مسكنها في الإسكندرية    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    بلينكن في الصين.. ملفات شائكة تعكر صفو العلاقات بين واشنطن وبكين    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    مصر تواصل أعمال الجسر الجوي لإسقاط المساعدات بشمال غزة    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    ضبط عاطل يُنقب عن الآثار في الزيتون    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    خالد بيبو: لست ناظر مدرسة «غرفة ملابس الأهلي محكومة لوحدها»    عمرو صبحي يكتب: نصائح لتفادي خوف المطبات الجوية اثناء السفر    أستاذ «اقتصاديات الصحة»: مصر خالية من شلل الأطفال بفضل حملات التطعيمات المستمرة    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



»ظل الواحة« يظهر جمالها
نشر في أخبار الأدب يوم 28 - 03 - 2015

رغم مساوئ الغزو والاحتلال التي لا تحصي، ولكن التاريخ يسجل للحملة الفرنسية علي مصر، وفضلا لزمرة علمائها الذين اصطحبتهم معها ومثلوا نقطة تحول في التأريخ عندما استبدلوا الكلمات بالصور، فقد تزيف الكلمة لتنسب مجدا لملك أو سلطان، ولكن الصورة لا تكذب بما تحمله من عبارات وأسماء وأدلة يمكن أن تشير إلي الحقيقة، خاصة وأن الأماكن ومعالمها تتغير سواء بعوامل طبيعية أو بعبث بشري، ومع التطور والاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة تبلورت أهمية الصورة وباتت أفضل وسيلة للتعبير عن تاريخ وجغرافيا وجمال الأشياء، وبهم يمكن رؤية واحدة من لآلئ مصر الخمس في صحرائها القاحلة وهي "واحة سيوة".
شريف عبد المجيد، هو قاص، صدر له عدد من الكتب وثق فيهم لفن الجرافيتي بالصور، الأول سجل فيه أحداث القاهرة والإسكندرية، وآخر لجرافيتي المحافظات، وثالث تضمن جرافيتي الأولتراس، وغيرها سجل فيها عاما كاملا من جرافيتي الاعتراض علي حكم الإخوان، ويعتقد أن هناك روابط فنية بين فن القصة القصيرة واللقطة الفوتوغرافية، يحلم بعمل مشروع تحت
اسم "وصف مصر بالفوتوغرافيا"، بدأ العمل فيه مع كتاب "سيوة.. ظل الواحة" حيث حضارة الأمازيغ، والرابط الطبيعي لمصر ببلاد شمال أفريقيا، فسيوة بها عرب وأمازيغ ويبلغ سكانها حوالي 30 ألف نسمة، ويوضح في الكتاب طرق البناء والعمارة هناك، والكتاب معه فيلم تسجيلي عن سيوة مدته 20 دقيقة، عمل بشكل شخصي ولم يكن يعلم من سينشر هذا الجزء، بعدما انتهي منه تحدث إلي الدكتور أحمد مجاهد فتحمس له وساند مشروعه.
يقول عبد المجيد: "فكرت أن ابدأ بأربع مناطق مهمشة، هي سيوة، والنوبة، وحلايب وشلاتين، وسيناء، فوجدت أن سيوة هي الوحيدة من بينها التي لم يُكتَب عنها نهائيا، سوي بعض الكتب الأجنبية، وأتمني أن استكمل بقية الأماكن، أريد أن أصور مصر كلها لو استطعت، كتاب سيوة يعد بمثابة نموذج للفكرة".
ولكن مشروعا كهذا لن يتمكن شريف عبد المجيد من استكماله وحده بالطبع، فهو في النهاية مشروع ثقافي هام، يهدف لتوثيق حضارة مصر، فكتاب "وصف مصر" مر عليه مائتا عام، وكل ما فيه لوحات مرسومة، مصر الآن تغيرت كثيرا بالطبع، فلم لا يعاد وصفها علي يد مصورين مصريين، وأن يكون هناك أكثر من مصور وأكثر من كاتب يعملون علي ذلك، وإن كانت الهيئة قامت بنشر هذا الجزء، لن تستطيع فعل ذلك كل عام لأن ميزانيتها محدودة، فقد حان الوقت ليظهر جليا دور صندوق التنمية الثقافية أو مركز التوثيق الحضاري التابع لمكتبة الإسكندرية.
ولكن بخلاف ذلك يوضح عبد المجيد مشكلة أخري لا ننتبه لها: "أعمدة الكتب التي تتناول حضارتنا ليست ملكنا، فأهم كتاب يتناول رسوم الحج مثلا، جمعته باحثة إنجليزية بمنحة من جامعة لندن، وبناء عليه فإن أصول تلك الصور جميعها موجود في لندن، قامت بطبعه وتوزيعه في العالم كله، وبعد 10 سنوات من صدوره تم ترجمته بالمركز القومي للترجمة، والآن قد بيعت تلك الصور في متحف الفن الحديث بنيويورك، وبالتالي ذهب هذا التراث لأنه علي أرض الواقع هذه الأماكن اختلفت معالمها، كما أن أهم كتاب أيضا عن الموالد الشعبية في مصر كتبه رؤوف مسعد بالاشتراك مع مصورين من هولندا".
ولذلك قابل عبد المجيد صعوبة بالغة عند ذهابه إلي سيوة، فدائما من يصورون هناك من ألمانيا وإيطاليا، فإيطاليا تعتبر سيوة جزءا من تراثها التاريخي، كان لابد له أولا أن يتواصل مع الأهالي هناك ويتعرف عليهم اجتماعيا حتي يستطيع الذهاب والتصوير، ليشعروا أنه يفعل شيئا لهم وليس ضدهم، كما أنه لم يكن يعرف أن تصوير المرأة لديهم خطأ جسيم، علم كل هذا بالتدريج خلال السنوات الثلاث التي عمل بها علي الكتاب.
انتهي من سيوة، ويعمل حاليا علي النوبة، ويطمح إلي تعريف المصريين بحضارتهم وجغرافيتهم وثقافاتهم المختلفة: "اخترت سيوة لأنها تمثل الثقافة البدوية المصرية وعلاقتها بفلسطين والصعيد، والنوبة لأنها تمثل الثقافة الفرعونية، وحلايب وشلاتين لأنها جزء مهم جدا في تنوع البيئة المصرية تاريخيا وجغرافيا".
سيوة علي مر العصور
تقع واحة سيوة شمال الصحراء الغربية وجنوب مرسي مطروح بنحو 306 كيلومترات وتبعد 65 كيلومترا عن الحدود المصرية الليبية، وتبعد نحو 820 كيلومترا عن جنوب غرب القاهرة، فهي بوابة مصر من حدودها الغربية، سميت بأسماء عديدة منها بنتا، الذي وُجد بأحد النصوص المدونة في معبد إدفو، وسميت بعد ذلك بواحة آمون حتي عهد البطالمة الذين سموها واحة جوبيتر آمون، وعرفها العرب باسم الواحة الأقصي، وكثرت الأسماء إلي أن أشار إليها الإدريسي باسم سنترية، وقال إنه يسكنها قوم خليط بين البربر والبدو، ولهذا نجد أن لغة أهلها هي إحدي اللغات الأمازيغية التي لا يتكلم بها سوي أهل الواحة.
أثبت العلماء أن الحياة في سيوة كانت موجودة في عصور ما قبل التاريخ، فقد كان هناك قوم معروفون باسم التحنو وحلّ محلّهم قوم آخرون اسمهم التمحو، كلهم حاولوا التمركز أو الاقتراب من الوادي حيث الاستقرار والزرع والحصاد، ولأن ذلك لم يكن ممكنا بسبب قوة الدولة المصرية، فقد سكنوا في الواحات والصحاري، وبالتحديد في غرب النيل، ومن بين هذه الأماكن سكنوا في واحة سيوة، ولكن الصراعات مزقت مصر وحدث الصراع بين أمرائها، فاستعان الفراعنة بالجنود الليبيين لفرض السيطرة والنفوذ علي مناطق حكمهم، وكُسرت شوكة ملوك تانيس في الشمال وملوك طيبة في الجنوب، وتزايد سلطان طوائف جنود الليبيين، ولم يمضِ وقت طويل حتي اعتلي أحد قادتهم عرش الكنانة، ولبس التاج الأبيض والتاج الأحمر إيذانا بأول ملك من الليبيين لمصر الموحَّدة، ليستمر حكم تلك الأسرة أكثر من 200 عام.
تولي الملك شيشنق الأول عرش مصر، وجمع بين السلطة العسكرية والإدارية والسياسية والدينية، فدانت له مصر وقام بنشر الأمن والسلام في ربوعها قبل أن يعيد لها فتوحاتها في العديد من البلاد المجاورة، وأقام ما يدل علي انتصاراته في معبد الكرنك، وفي الأسرة السادسة والعشرين تم بناء معبد الوحي أو آمون سيوة، الذي اشتهر في شمال إفريقيا وبلاد الإغريق وأصبحت رغم مساوئ الغزو والاحتلال التي لا تحصي، ولكن التاريخ يسجل للحملة الفرنسية علي مصر، وفضلا لزمرة علمائها الذين اصطحبتهم معها ومثلوا نقطة تحول في التأريخ عندما استبدلوا الكلمات بالصور، فقد تزيف الكلمة لتنسب مجدا لملك أو سلطان، ولكن الصورة لا تكذب بما تحمله من عبارات وأسماء وأدلة يمكن أن تشير إلي الحقيقة، خاصة وأن الأماكن ومعالمها تتغير سواء بعوامل طبيعية أو بعبث بشري، ومع التطور والاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة تبلورت أهمية الصورة وباتت أفضل وسيلة للتعبير عن تاريخ وجغرافيا وجمال الأشياء، وبهم يمكن رؤية واحدة من لآلئ مصر الخمس في صحرائها القاحلة وهي "واحة سيوة".
شريف عبد المجيد، هو قاص، صدر له عدد من الكتب وثق فيهم لفن الجرافيتي بالصور، الأول سجل فيه أحداث القاهرة والإسكندرية، وآخر لجرافيتي المحافظات، وثالث تضمن جرافيتي الأولتراس، وغيرها سجل فيها عاما كاملا من جرافيتي الاعتراض علي حكم الإخوان، ويعتقد أن هناك روابط فنية بين فن القصة القصيرة واللقطة الفوتوغرافية، يحلم بعمل مشروع تحت اسم "وصف مصر بالفوتوغرافيا"، بدأ العمل فيه مع كتاب "سيوة.. ظل الواحة" حيث حضارة الأمازيغ، والرابط الطبيعي لمصر ببلاد شمال أفريقيا، فسيوة بها عرب وأمازيغ ويبلغ سكانها حوالي 30 ألف نسمة، ويوضح في الكتاب طرق البناء والعمارة هناك، والكتاب معه فيلم تسجيلي عن سيوة مدته 20 دقيقة، عمل بشكل شخصي ولم يكن يعلم من سينشر هذا الجزء، بعدما انتهي منه تحدث إلي الدكتور أحمد مجاهد فتحمس له وساند مشروعه.
يقول عبد المجيد: "فكرت أن ابدأ بأربع مناطق مهمشة، هي سيوة، والنوبة، وحلايب وشلاتين، وسيناء، فوجدت أن سيوة هي الوحيدة من بينها التي لم يُكتَب عنها نهائيا، سوي بعض الكتب الأجنبية، وأتمني أن استكمل بقية الأماكن، أريد أن أصور مصر كلها لو استطعت، كتاب سيوة يعد بمثابة نموذج للفكرة".
ولكن مشروعا كهذا لن يتمكن شريف عبد المجيد من استكماله وحده بالطبع، فهو في النهاية مشروع ثقافي هام، يهدف لتوثيق حضارة مصر، فكتاب "وصف مصر" مر عليه مائتا عام، وكل ما فيه لوحات مرسومة، مصر الآن تغيرت كثيرا بالطبع، فلم لا يعاد وصفها علي يد مصورين مصريين، وأن يكون هناك أكثر من مصور وأكثر من كاتب يعملون علي ذلك، وإن كانت الهيئة قامت بنشر هذا الجزء، لن تستطيع فعل ذلك كل عام لأن ميزانيتها محدودة، فقد حان الوقت ليظهر جليا دور صندوق التنمية الثقافية أو مركز التوثيق الحضاري التابع لمكتبة الإسكندرية.
ولكن بخلاف ذلك يوضح عبد المجيد مشكلة أخري لا ننتبه لها: "أعمدة الكتب التي تتناول حضارتنا ليست ملكنا، فأهم كتاب يتناول رسوم الحج مثلا، جمعته باحثة إنجليزية بمنحة من جامعة لندن، وبناء عليه فإن أصول تلك الصور جميعها موجود في لندن، قامت بطبعه وتوزيعه في العالم كله، وبعد 10 سنوات من صدوره تم ترجمته بالمركز القومي للترجمة، والآن قد بيعت تلك الصور في متحف الفن الحديث بنيويورك، وبالتالي ذهب هذا التراث لأنه علي أرض الواقع هذه الأماكن اختلفت معالمها، كما أن أهم كتاب أيضا عن الموالد الشعبية في مصر كتبه رؤوف مسعد بالاشتراك مع مصورين من هولندا".
ولذلك قابل عبد المجيد صعوبة بالغة عند ذهابه إلي سيوة، فدائما من يصورون هناك من ألمانيا وإيطاليا، فإيطاليا تعتبر سيوة جزءا من تراثها التاريخي، كان لابد له أولا أن يتواصل مع الأهالي هناك ويتعرف عليهم اجتماعيا حتي يستطيع الذهاب والتصوير، ليشعروا أنه يفعل شيئا لهم وليس ضدهم، كما أنه لم يكن يعرف أن تصوير المرأة لديهم خطأ جسيم، علم كل هذا بالتدريج خلال السنوات الثلاث التي عمل بها علي الكتاب.
انتهي من سيوة، ويعمل حاليا علي النوبة، ويطمح إلي تعريف المصريين بحضارتهم وجغرافيتهم وثقافاتهم المختلفة: "اخترت سيوة لأنها تمثل الثقافة البدوية المصرية وعلاقتها بفلسطين والصعيد، والنوبة لأنها تمثل الثقافة الفرعونية، وحلايب وشلاتين لأنها جزء مهم جدا في تنوع البيئة المصرية تاريخيا وجغرافيا".
سيوة علي مر العصور
تقع واحة سيوة شمال الصحراء الغربية وجنوب مرسي مطروح بنحو 306 كيلومترات وتبعد 65 كيلومترا عن الحدود المصرية الليبية، وتبعد نحو 820 كيلومترا عن جنوب غرب القاهرة، فهي بوابة مصر من حدودها الغربية، سميت بأسماء عديدة منها بنتا، الذي وُجد بأحد النصوص المدونة في معبد إدفو، وسميت بعد ذلك بواحة آمون حتي عهد البطالمة الذين سموها واحة جوبيتر آمون، وعرفها العرب باسم الواحة الأقصي، وكثرت الأسماء إلي أن أشار إليها الإدريسي باسم سنترية، وقال إنه يسكنها قوم خليط بين البربر والبدو، ولهذا نجد أن لغة أهلها هي إحدي اللغات الأمازيغية التي لا يتكلم بها سوي أهل الواحة.
أثبت العلماء أن الحياة في سيوة كانت موجودة في عصور ما قبل التاريخ، فقد كان هناك قوم معروفون باسم التحنو وحلّ محلّهم قوم آخرون اسمهم التمحو، كلهم حاولوا التمركز أو الاقتراب من الوادي حيث الاستقرار والزرع والحصاد، ولأن ذلك لم يكن ممكنا بسبب قوة الدولة المصرية، فقد سكنوا في الواحات والصحاري، وبالتحديد في غرب النيل، ومن بين هذه الأماكن سكنوا في واحة سيوة، ولكن الصراعات مزقت مصر وحدث الصراع بين أمرائها، فاستعان الفراعنة بالجنود الليبيين لفرض السيطرة والنفوذ علي مناطق حكمهم، وكُسرت شوكة ملوك تانيس في الشمال وملوك طيبة في الجنوب، وتزايد سلطان طوائف جنود الليبيين، ولم يمضِ وقت طويل حتي اعتلي أحد قادتهم عرش الكنانة، ولبس التاج الأبيض والتاج الأحمر إيذانا بأول ملك من الليبيين لمصر الموحَّدة، ليستمر حكم تلك الأسرة أكثر من 200 عام.
تولي الملك شيشنق الأول عرش مصر، وجمع بين السلطة العسكرية والإدارية والسياسية والدينية، فدانت له مصر وقام بنشر الأمن والسلام في ربوعها قبل أن يعيد لها فتوحاتها في العديد من البلاد المجاورة، وأقام ما يدل علي انتصاراته في معبد الكرنك، وفي الأسرة السادسة والعشرين تم بناء معبد الوحي أو آمون سيوة، الذي اشتهر في شمال إفريقيا وبلاد الإغريق وأصبحت سيوة محطة للتجارة بين أواسط إفريقيا ووادي النيل وبقية الواحات وبرقة ودرب، وقد عُرف المعبد بالوحي والتنبؤات، مما جعل قمبيز يحاول غزوه، لأن كاهن معبد آمون تنبأ بزوال حكمة والإسكندر الأكبر ذهب إلي المعبد ليعرف هل سيحكم العالم أم لا؟.
أنهي الفرس حكم الأسرة السادسة والعشرين في مصر واحتلوها لأول مرة في عام 525ق، ولكن قمبيز قائدهم لم يكتفِ بهذا، فحاول إرسال ثلاثة جيوش: واحدا إلي قرطاجة وآخر إلي إثيوبيا، والثالث لاحتلال سيوة، التي يتنبأ له كهنة الإله آمون فيها بنهاية هالكة، فجهز جيشا قوامه خمسون ألف جندي لهدم المعبد واحتلال سيوة، إلا أن هذا الجيش هلك في الصحراء وضل طريقه ولم يصل إلي سيوة مطلقا.
استعان فراعنة الأسرة السادسة والعشرين بالإغريق كجنود محاربين أقوياء، كما كانت الحياة في أثينا، ومع زيادة عدد السكان، كانوا يعيشون في مصر إما جنودا محاربين أو مزارعين، حيث كانوا يهاجرون إلي إيطاليا ومصر وقبرص وآسيا الصغري، وبعد عدة معارك مع الملك الفارسي في تركيا في موقعة "داريوس" عام 333ق.م، فتح الإسكندر الأكبر مصر، وقد فرح المصريون بقدوم الإسكندر ليخلصهم من حكم الفرس، فتوِّج كفرعون في معبد الإله بتاح، وكان محبا لمصر، نظرا إلي مرور الكثير من فلاسفة اليونان واستقرار بعضهم بها، فالإسكندر قد تربي علي يد أرسطو منذ كان في الثالثة عشرة من عمره، لأن والده فيليب كان يريده ملمًّا بالأفكار والقيادة والحكمة، وبعد أن انشأ الإسكندر مدينة الإسكندرية أحب أن يري معبد آمون بسيوة، وكان يحلم بأن يصبح إلها مصريا، ولذا كان يعتقد أنه سيكون ابنا لآمون.
لم تقع أحداث مهمة في سيوة في عهد البطالمة أو الرومان أو البيزنطيين وأصبحت الواحة في طي النسيان ولم تعد تابعة لمصر أو لبرقة، يمكن القول إنها كانت مستقلة في حضارتها وأسلوب حياتها حتي بعد الفتح الإسلامي لمصر، حيث حاول القائد موسي ابن نصير فتح سيوة، ولكنه وجد صعوبة في ذلك، فتحها محمد علي باشا في عام 1820 وحاربه أهلها الذين قاوموا قدر استطاعتهم، قتل 23 فردا من سيوة ووافقوا علي دفع الجزية للباشا وقدرها 12000 ريال، إضافة إلي حمولة ألف جمل من البلح، وقد حاول أهل سيوة التمرد مرة أخري لكن لم تفلح محاولتهم.
دار صراع فيما بعد بين الأتراك والمصريين علي أم الرشراش في سيناء، وقرر الأتراك أن يشغلوا المصريين بحرب أخري، لذلك أغروا السنوسي بأن يحتلّ سيوة، بل واحتلال كل الواحات المصرية، ولأن الثقافة مشتركة بين السنوسي وأهل الواحات، لم يقاوموه واحتلها، إلي أن قررت مصر تحريرها بواسطة سلاح الهجانة المصري، ولكن تقرر أن يكون هناك زعامة دينية للسنوسي علي واحة جغبوب المصرية، ولهذا قرر الاحتلال الإيطالي بالتواطؤ مع الاحتلال الإنجليزي أخذ واحة جغبوب، وطلبوا من مصر التنازل عنها، رفض المصريون ذلك أكثر من مرة إلي أن قررت وزارة أحمد زيور باشا توقيع الاتفاق الذي تنازلت فيه مصر عن واحة جغبوب.
حاول الرئيس محمد نجيب استرداد واحة جغبوب، وأرسل برقية بذلك للبرلمان الليبي لكن الليبيين رفضوا ذلك، ولم يزر الواحة كما لم يزرها الرئيس عبد الناصر، لكنه رصف الطريق من مرسي مطروح إلي سيوة، وفي عصر السادات حدثت مشادة بينه وبين عبد السلام جلود عضو مجلس قيادة الثورة الليبية؛ الذي طالب بتعديل حدود ليبيا لتصل إلي رأس علم وضم واحة سيوة، وعندها حرك السادات القوات المصرية لطبرق ولواحة جغبوب لولا تدخل الرؤساء الملوك والرؤساء العرب عام 1977.
دخل البث التليفزيوني لسيوة عام 1986، وقد زارها مبارك عام 1996 وشكا له أهل سيوة من عدم وجود الصرف الصحي ومن مشكلة الصرف الزراعي، ولكن لم تحل أي من هذه المشكلات حتي الآن.
حضارة وتاريخ لا ينضب
تحوي سيوة رصيدا هاما للحكي الشعبي في مصر، من أشهرها حكاية العصفور الأخضر، التي توضح اهتمام أهل سيوة بحكايات الجن وقدراتهم الخارقة، كما أنهم يؤمنون بعجائب كثيرة، كأن تذهب الفتيات الراغبات في الزواج إلي بئر أحمد ليلا لنثر الماء علي أنفسهم، والأخريات يذهبن ليلة العرس إلي عين طاموسة، إلي جانب أن نساء سيوة عرف عنهن براعتهن في عمل الأحجبة والتمائم خاصة أحجبة الحب، وتلقب المرأة التي يموت زوجها بالغولة، حيث يعتقد أهل الواحة أنها تكون ذات عين قوية تجلب الحسد، ولا تتزوج قبل مرور عام علي وفاة زوجها.
يحتفل أهل سيوة بعيدين يخصونهما، الأول هو عيد الزجالة أو موسم حصاد البلح والزيتون، فالزجالة هم الطبقة الأجيرة والأتباع الذين يعملون عند الأغنياء، أما الثاني فهو عيد المصالحة أو السلام أو السياجة، الذي يقام علي جبل الدكرور كل عام حتي الآن، حيث أنه العيد القومي للواحة، تتلخص قصته في أن الشيخ الصوفي أحمد ظافر المدني قام بعقد مصالحة بين أهل شرق سيوة وأهل غربها من خلال عمل حضرة صوفية، أكلت خلالها كل قبيلة من طعام الأخري، بما يعني أنه لا يجوز اعتداء إحداهما علي الأخري بعد ذلك اليوم، ولأهل سيوة أيضا حكايات كثيرة مع الأولياء، منها أنها مدفون بها نحو 35 وليا وصالحا، اشتهر منهم سيدي سليمان والشيخ الظافري.
البطل الحقيقي للموسيقي السيوية هو الناي المعدني الموجود في وادي النيل، فالغناء السيوي نابع من غناء المعابد، وهو غناء طقوسي يرتبط بمواسم ومناسبات مثل الزواج والميلاد وموسم الحصاد.
تعد سيوة أحد منخفضات الصحراء الغربية، يتوسطها أربع بحيرات مالحة هي المعاصر شمال شرق الواحة، الزيتون شرق الواحة، وبحيرة سيوة غرب مدينة شالي وبحيرة المراقي غربا، وتوجد العديد من الواحات المهجورة والمنخفضات التابعة لسيوة، منها واحة شياطة علي بعد 55 كيلو غرب سيوة، والملفي 75 كيلو شمال غرب سيوة، وواحات اللعرج والنوامسة والبحرين، ثم منخفض قارة أم الصغير (الجارة).
يسود سيوة المناخ القاري الصحراوي، فهي شديدة الحرارة صيفا وشتاؤها دافئ نهارا شديد البرودة ليلا، أخطر ما تتعرض له الواحة هو السيول رغم ندرتها، حيث تحدث أضرار كبيرة، خاصة أن بيوت سيوة مصنوعة من الكروشيف الذي لا يتحمل ماء الأمطار، رغم أن اقتصاد أهلها معتمد علي الماء أكثر من الأرض، فلولا الآبار لما كانت هناك حياة، ولكن مشكلة الواحات الأساسية هي الصرف، حيث تزداد ملوحة الأرض وتفسد لأنه لا يوجد صرف كما في الوادي، ويعد النخيل هو محور اقتصاد الواحة كما كان القطن محور اقتصاد الوادي.
استثمار سيوة
تبلغ المساحة المزروعة في سيوة نحو 10 آلاف فدان، وهي أقل بكثير مما يمكن استثماره بها، فهذا أقل من ربع مساحتها، حيث يمكن زراعة نحو 192 فدانا هناك، فالعيون الطبيعية تبلغ 220 عينا، بالإضافة إلي 1200 بئر سطحية، وآبار أخري عميقة، كما أن الأراضي في سيوة تختلف أنواعها، فليست كلها رملية تحتاج إلي تثقيل قوامها وإضافة المحسنات الطبيعية لها، أو جيرية، فهناك أخري طميية وطينية.
وعلي الصعيد السياحي، فعدد السائحين الذين يزورون سيوة يقترب من 35 ألف سائح سنويا حتي عام 2010، ورغم أن أهلها مسالمون ويعرفون فائدة السياحة لبلدهم إلا أن انتشار التيارات السلفية أدي إلي الاهتمام بموالد الأولياء وبخاصة سيدي سليمان القاضي النبيل العادل، الذي له كرامات، وكذلك عدم الترحيب السيوي بأهل السياحة، فمشكلة سيوة كما في أماكن سياحية كمقبرة في مصر هي أن الذي يستفيد من السياحة هم كبار رجال الأعمال وأصحاب الفنادق، بينما أهل البلد لا يستفيدون أي شيء، فرغم أن معظم الأجانب يأتون إلي سيوة من أجل سياحة السفاري حيث الطبيعة الساحرة والرمال بتدرجاتها الخلابة وعيون الماء المتفجرة في باطن الأرض، إلا أنه يمكن لها أن تقيم مسابقات عالمية للسيارات الجيب في الصحراء، كما يمكن عمل مسابقات للتزلج علي الرمال مثل الجليد، فهذا يمكن أن يساعد في الترويج السياحي لسيوة، وإلي جانب ذلك، تعد سيوة من أقل المناطق تلوثا في العالم، وتتميز بعيون كبريتية تساهم في علاج الأمراض الروماتيزمية، وتستخدم رمالها في العلاج.
يعمل معظم أهل الواحة في الزراعة وفي تجفيف البلح وصناعة زيت الزيتون والصابون والمياه المعدنية، إلا أن أهم ما يميز سيوة هي الصناعات اليدوية لأهلها، وهو ما يظهر الإبداع الكامن لدي المرأة السيوية، سواء في تطريز الملابس وإبداعها بأشكال متعددة وجمالية، أو صناعة الحلي وبخاصة الفضة، وهو عنصر متوارث في سيوة، يمكن استثماره جيدا من خلال الاتفاق مع كليات الفنون الجميلة والتطبيقية لعمل أشكال ابتكارية من وحي التراث السيوي في تشكيل الفضة، ومن أشهرها "عقد الصالحات" و"سوار الأغرو".
كما أن احتياطي الملح في سيوة يبلغ ما يقدر ب8 مليارات طن، وهو من أنقي وأجود أنواع الملح في العالم، لكنه يباع في مصر خاما، رغم أن تصنيعه يمكن أن يجلب ما يقدر بنحو 7 مليارات دولار، والغريب أن مصر تستورد سنويا ما يقرب من مليون و700 ألف طن ملح، رغم أنه يمكنها أن تصبح الدولة العاشرة عالميا في إنتاج الملح، بالإضافة إلي أن الملح السيوي لا يحتاج إلي أي متطلبات، لكن ما يحدث علي أرض الواقع هو التجريف الجائر للملح وتصديره خاما دون أي اهتمام بمصلحة الوطن، حيث استولي عدد من رجال الأعمال النافذين علي الملاحات.
ويوجد بسيوة أيضا خمس شركات للمياه المعدنية، إلي جانب مصانع وقري يمكن استعمال الطاقة الشمسية فيها، وهناك قريتان تمت إنارتهما بالفعل بتلك الطاقة المتجددة هما "زهرة" و"أم الصغير".
تعيش سيوة صراعا بين الأصفر والأخضر، الرمال والأرض المزروعة، وصراع آخر بين التصحر والحياة، فسيوة قدرها كمنخفض في الصحراء الغربية يجعل من الصرف مشكلة حقيقية، حيث أن الحفر العشوائي للآبار يزيد من ملوحة الأرض، كما أن المياه الناتجة عن ري الأرض بالغمر تؤدي إلي تجمع المياه في بحيرات عملاقة تزيد من ملوحتها، وقد زادت مساحة الأرض المهدرة بسبب الصرف من 6 آلاف إلي 45 ألف فدان، وتحولت مساحات من الأراضي المزروعة بالنخيل والزيتون ذات الجودة والإنتاجية العالية إلي أراض مهددة بالبوار بسبب مشكلات الصرف الزراعي التي تعانيها المنطقة حاليا.
معالم سيوة
شالي
بنيت علي هضبة مرتفعة فوق جبل شالي، تتميز بوجودة قمتين وبها مداخل ضيقة جدا للشوارع، وأبواب المنازل أيضا ضيقة ومنخفضة مبنية بالكورشيف "الحجر المحلي المتكلس"، ورغم أن هذه الخامة مناسبة للبيئة إلا أنها لا تصمد أمام هطول الأمطار لفترات طويلة، ومن حسن الحظ أنها مياه لا تنزل إلا علي فترات بعيدة جدا، ولا تنزل بكثافة، كما أنها تساعد علي امتصاص الحرارة، وهو ما يثبت ان الإنسان السيوي استطاع بذكائه أن يتغلب علي مشكلات بيئته وأن يصنع عمارة مميزة ومتوافقة معها وغير مكلفة.
جبل الدكرور
يطلق عليه أحيانا "جبل التكرور"، وهو يتوسط واحة سيوة وله خمس قمم، يقام به الاحتفال السنوي بعيد المصالحة في شهر أكتوبر من كل عام، وتم استخدامه كممر لبناء معبدي الوحي وأم عبيدة ومقابر جبل الموتي.
معبد أم عبيدة
ويطلق عليه "معبد آمون"، بني في عهد الأسرة الثلاثين، في وقت ملئ بالاضطرابات والصراعات مع الفرس الذين طردوا من قبل وكانوا يحاولون العودة لغزو مصر.
معبد الوحي
ويسمي أيضا "معبد الإسكندر"، يقع فوق هضبة أغورمي التي ترتفع ثلاثين مترا فوق سطح الأرض، وسمي بهذا الاسم لقدرة كهنة آمون علي التنبؤ بالأحداث، يعيش سكانه في قري وفي المنتصف الأوكروبول التي تعني المدينة العالية، حيث يحاط بثلاثة أسوار.
شالي إغورمي
و"شالي" تعني مدينة أو بلدة، تقع إغورمي علي هضبة مرتفعة، وقد بنيت بعد بناء معبد الوحي الذي أصبح مكان للعبادة، وكانت محاطة بسور علي طرف سفح الجبل بحيث يكون مرتفعا ليصعب تسلقه ويمنع هجمات العربان والأعداء علي أهل البلدة.
عين فنطاس
هي الأشهر في سيوة بعد عين كليوباترا أو الحمام، هائلة الحجم وتتميز بمشاهد الغروب الساحرة الخلابة، وفي بحيرتها يوجد هدوء يساعد علي التأمل والتخلص من الهموم.
جبل الموتي
يقع علي بعد كيلومتر من مركز واحة سيوة، به أربع مقابر هي سي آمون، ميسو إيزيس، باتحوت، والتمساح.
بحيرة شياطة
هي جزء من طريق القوافل القديم الذي كان يمر بين واحة جغبوب وواحة سيوة، وهي واحدة من الواحات المهجورة حول سيوة.
عين أبو شروف
هي العين التي يتعلم فيها أهل الواحة السباحة، وتتميز بجمالها الأخاذ، وتبعد عن مركز واحة سيوة بنحو 35 كيلومترا، وهي مميزة بمائها المتدفق الدافئ.
القرية الرومانية
تقع بالقرب من عين أبو شروف، وبالقرب منها توجد معاصر زيتون قديمة، فهي موقع أثري يحتاج إلي الاهتمام.
بهي الدين
هي المنطقة البدوية في سيوة، تتميز بالزراعة والرعي بالماشية وسط الزراعات حول المنطقة، كما أن بها واحدا من أشهر فنادق سيوة التي تراعي البعد البيئي والتنمية المستدامة، وهو يحاكي أساليب الحياة والبناء السيوية التقليدية.
قرشت
من أقدم العيون بسيوة، تبعد عنها نحو 30 كم، مياهها غير مستغلة وتذهب دون أي استفادة للبركة التي تكونت من فائض مياه الصرف، يستخرج منها الملح الصخري النقي.
عين بير واحد
عين مياه عذبة متدفقة في الصحراء، تشكلت من تسربها في الرمال، وهي صالحة لحياة الأسماك ويمكن الاستفادة منها بعمل مزرعة سمكية مميزة ولكنها متروكة بلا أي استخدام.
وهي أقل بكثير مما يمكن استثماره بها، فهذا أقل من ربع مساحتها، حيث يمكن زراعة نحو 192 فدانا هناك، فالعيون الطبيعية تبلغ 220 عينا، بالإضافة إلي 1200 بئر سطحية، وآبار أخري عميقة، كما أن الأراضي في سيوة تختلف أنواعها، فليست كلها رملية تحتاج إلي تثقيل قوامها وإضافة المحسنات الطبيعية لها، أو جيرية، فهناك أخري طميية وطينية.
وعلي الصعيد السياحي، فعدد السائحين الذين يزورون سيوة يقترب من 35 ألف سائح سنويا حتي عام 2010، ورغم أن أهلها مسالمون ويعرفون فائدة السياحة لبلدهم إلا أن انتشار التيارات السلفية أدي إلي الاهتمام بموالد الأولياء وبخاصة سيدي سليمان القاضي النبيل العادل، الذي له كرامات، وكذلك عدم الترحيب السيوي بأهل السياحة، فمشكلة سيوة كما في أماكن سياحية كمقبرة في مصر هي أن الذي يستفيد من السياحة هم كبار رجال الأعمال وأصحاب الفنادق، بينما أهل البلد لا يستفيدون أي شيء، فرغم أن معظم الأجانب يأتون إلي سيوة من أجل سياحة السفاري حيث الطبيعة الساحرة والرمال بتدرجاتها الخلابة وعيون الماء المتفجرة في باطن الأرض، إلا أنه يمكن لها أن تقيم مسابقات عالمية للسيارات الجيب في الصحراء، كما يمكن عمل مسابقات للتزلج علي الرمال مثل الجليد، فهذا يمكن أن يساعد في الترويج السياحي لسيوة، وإلي جانب ذلك، تعد سيوة من أقل المناطق تلوثا في العالم، وتتميز بعيون كبريتية تساهم في علاج الأمراض الروماتيزمية، وتستخدم رمالها في العلاج.
يعمل معظم أهل الواحة في الزراعة وفي تجفيف البلح وصناعة زيت الزيتون والصابون والمياه المعدنية، إلا أن أهم ما يميز سيوة هي الصناعات اليدوية لأهلها، وهو ما يظهر الإبداع الكامن لدي المرأة السيوية، سواء في تطريز الملابس وإبداعها بأشكال متعددة وجمالية، أو صناعة الحلي وبخاصة الفضة، وهو عنصر متوارث في سيوة، يمكن استثماره جيدا من خلال الاتفاق مع كليات الفنون الجميلة والتطبيقية لعمل أشكال ابتكارية من وحي التراث السيوي في تشكيل الفضة، ومن أشهرها "عقد الصالحات" و"سوار الأغرو".
كما أن احتياطي الملح في سيوة يبلغ ما يقدر ب8 مليارات طن، وهو من أنقي وأجود أنواع الملح في العالم، لكنه يباع في مصر خاما، رغم أن تصنيعه يمكن أن يجلب ما يقدر بنحو 7 مليارات دولار، والغريب أن مصر تستورد سنويا ما يقرب من مليون و700 ألف طن ملح، رغم أنه يمكنها أن تصبح الدولة العاشرة عالميا في إنتاج الملح، بالإضافة إلي أن الملح السيوي لا يحتاج إلي أي متطلبات، لكن ما يحدث علي أرض الواقع هو التجريف الجائر للملح وتصديره خاما دون أي اهتمام بمصلحة الوطن، حيث استولي عدد من رجال الأعمال النافذين علي الملاحات.
ويوجد بسيوة أيضا خمس شركات للمياه المعدنية، إلي جانب مصانع وقري يمكن استعمال الطاقة الشمسية فيها، وهناك قريتان تمت إنارتهما بالفعل بتلك الطاقة المتجددة هما "زهرة" و"أم الصغير".
تعيش سيوة صراعا بين الأصفر والأخضر، الرمال والأرض المزروعة، وصراع آخر بين التصحر والحياة، فسيوة قدرها كمنخفض في الصحراء الغربية يجعل من الصرف مشكلة حقيقية، حيث أن الحفر العشوائي للآبار يزيد من ملوحة الأرض، كما أن المياه الناتجة عن ري الأرض بالغمر تؤدي إلي تجمع المياه في بحيرات عملاقة رغم مساوئ الغزو والاحتلال التي لا تحصي، ولكن التاريخ يسجل للحملة الفرنسية علي مصر، وفضلا لزمرة علمائها الذين اصطحبتهم معها ومثلوا نقطة تحول في التأريخ عندما استبدلوا الكلمات بالصور، فقد تزيف الكلمة لتنسب مجدا لملك أو سلطان، ولكن الصورة لا تكذب بما تحمله من عبارات وأسماء وأدلة يمكن أن تشير إلي الحقيقة، خاصة وأن الأماكن ومعالمها تتغير سواء بعوامل طبيعية أو بعبث بشري، ومع التطور والاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة تبلورت أهمية الصورة وباتت أفضل وسيلة للتعبير عن تاريخ وجغرافيا وجمال الأشياء، وبهم يمكن رؤية واحدة من لآلئ مصر الخمس في صحرائها القاحلة وهي "واحة سيوة".
شريف عبد المجيد، هو قاص، صدر له عدد من الكتب وثق فيهم لفن الجرافيتي بالصور، الأول سجل فيه أحداث القاهرة والإسكندرية، وآخر لجرافيتي المحافظات، وثالث تضمن جرافيتي الأولتراس، وغيرها سجل فيها عاما كاملا من جرافيتي الاعتراض علي حكم الإخوان، ويعتقد أن هناك روابط فنية بين فن القصة القصيرة واللقطة الفوتوغرافية، يحلم بعمل مشروع تحت اسم "وصف مصر بالفوتوغرافيا"، بدأ العمل فيه مع كتاب "سيوة.. ظل الواحة" حيث حضارة الأمازيغ، والرابط الطبيعي لمصر ببلاد شمال أفريقيا، فسيوة بها عرب وأمازيغ ويبلغ سكانها حوالي 30 ألف نسمة، ويوضح في الكتاب طرق البناء والعمارة هناك، والكتاب معه فيلم تسجيلي عن سيوة مدته 20 دقيقة، عمل بشكل شخصي ولم يكن يعلم من سينشر هذا الجزء، بعدما انتهي منه تحدث إلي الدكتور أحمد مجاهد فتحمس له وساند مشروعه.
يقول عبد المجيد: "فكرت أن ابدأ بأربع مناطق مهمشة، هي سيوة، والنوبة، وحلايب وشلاتين، وسيناء، فوجدت أن سيوة هي الوحيدة من بينها التي لم يُكتَب عنها نهائيا، سوي بعض الكتب الأجنبية، وأتمني أن استكمل بقية الأماكن، أريد أن أصور مصر كلها لو استطعت، كتاب سيوة يعد بمثابة نموذج للفكرة".
ولكن مشروعا كهذا لن يتمكن شريف عبد المجيد من استكماله وحده بالطبع، فهو في النهاية مشروع ثقافي هام، يهدف لتوثيق حضارة مصر، فكتاب "وصف مصر" مر عليه مائتا عام، وكل ما فيه لوحات مرسومة، مصر الآن تغيرت كثيرا بالطبع، فلم لا يعاد وصفها علي يد مصورين مصريين، وأن يكون هناك أكثر من مصور وأكثر من كاتب يعملون علي ذلك، وإن كانت الهيئة قامت بنشر هذا الجزء، لن تستطيع فعل ذلك كل عام لأن ميزانيتها محدودة، فقد حان الوقت ليظهر جليا دور صندوق التنمية الثقافية أو مركز التوثيق الحضاري التابع لمكتبة الإسكندرية.
ولكن بخلاف ذلك يوضح عبد المجيد مشكلة أخري لا ننتبه لها: "أعمدة الكتب التي تتناول حضارتنا ليست ملكنا، فأهم كتاب يتناول رسوم الحج مثلا، جمعته باحثة إنجليزية بمنحة من جامعة لندن، وبناء عليه فإن أصول تلك الصور جميعها موجود في لندن، قامت بطبعه وتوزيعه في العالم كله، وبعد 10 سنوات من صدوره تم ترجمته بالمركز القومي للترجمة، والآن قد بيعت تلك الصور في متحف الفن الحديث بنيويورك، وبالتالي ذهب هذا التراث لأنه علي أرض الواقع هذه الأماكن اختلفت معالمها، كما أن أهم كتاب أيضا عن الموالد الشعبية في مصر كتبه رؤوف مسعد بالاشتراك مع مصورين من هولندا".
ولذلك قابل عبد المجيد صعوبة بالغة عند ذهابه إلي سيوة، فدائما من يصورون هناك من ألمانيا وإيطاليا، فإيطاليا تعتبر سيوة جزءا من تراثها التاريخي، كان لابد له أولا أن يتواصل مع الأهالي هناك ويتعرف عليهم اجتماعيا حتي يستطيع الذهاب والتصوير، ليشعروا أنه يفعل شيئا لهم وليس ضدهم، كما أنه لم يكن يعرف أن تصوير المرأة لديهم خطأ جسيم، علم كل هذا بالتدريج خلال السنوات الثلاث التي عمل بها علي الكتاب.
انتهي من سيوة، ويعمل حاليا علي النوبة، ويطمح إلي تعريف المصريين بحضارتهم وجغرافيتهم وثقافاتهم المختلفة: "اخترت سيوة لأنها تمثل الثقافة البدوية المصرية وعلاقتها بفلسطين والصعيد، والنوبة لأنها تمثل الثقافة الفرعونية، وحلايب وشلاتين لأنها جزء مهم جدا في تنوع البيئة المصرية تاريخيا وجغرافيا".
سيوة علي مر العصور
تقع واحة سيوة شمال الصحراء الغربية وجنوب مرسي مطروح بنحو 306 كيلومترات وتبعد 65 كيلومترا عن الحدود المصرية الليبية، وتبعد نحو 820 كيلومترا عن جنوب غرب القاهرة، فهي بوابة مصر من حدودها الغربية، سميت بأسماء عديدة منها بنتا، الذي وُجد بأحد النصوص المدونة في معبد إدفو، وسميت بعد ذلك بواحة آمون حتي عهد البطالمة الذين سموها واحة جوبيتر آمون، وعرفها العرب باسم الواحة الأقصي، وكثرت الأسماء إلي أن أشار إليها الإدريسي باسم سنترية، وقال إنه يسكنها قوم خليط بين البربر والبدو، ولهذا نجد أن لغة أهلها هي إحدي اللغات الأمازيغية التي لا يتكلم بها سوي أهل الواحة.
أثبت العلماء أن الحياة في سيوة كانت موجودة في عصور ما قبل التاريخ، فقد كان هناك قوم معروفون باسم التحنو وحلّ محلّهم قوم آخرون اسمهم التمحو، كلهم حاولوا التمركز أو الاقتراب من الوادي حيث الاستقرار والزرع والحصاد، ولأن ذلك لم يكن ممكنا بسبب قوة الدولة المصرية، فقد سكنوا في الواحات والصحاري، وبالتحديد في غرب النيل، ومن بين هذه الأماكن سكنوا في واحة سيوة، ولكن الصراعات مزقت مصر وحدث الصراع بين أمرائها، فاستعان الفراعنة بالجنود الليبيين لفرض السيطرة والنفوذ علي مناطق حكمهم، وكُسرت شوكة ملوك تانيس في الشمال وملوك طيبة في الجنوب، وتزايد سلطان طوائف جنود الليبيين، ولم يمضِ وقت طويل حتي اعتلي أحد قادتهم عرش الكنانة، ولبس التاج الأبيض والتاج الأحمر إيذانا بأول ملك من الليبيين لمصر الموحَّدة، ليستمر حكم تلك الأسرة أكثر من 200 عام.
تولي الملك شيشنق الأول عرش مصر، وجمع بين السلطة العسكرية والإدارية والسياسية والدينية، فدانت له مصر وقام بنشر الأمن والسلام في ربوعها قبل أن يعيد لها فتوحاتها في العديد من البلاد المجاورة، وأقام ما يدل علي انتصاراته في معبد الكرنك، وفي الأسرة السادسة والعشرين تم بناء معبد الوحي أو آمون سيوة، الذي اشتهر في شمال إفريقيا وبلاد الإغريق وأصبحت سيوة محطة للتجارة بين أواسط إفريقيا ووادي النيل وبقية الواحات وبرقة ودرب، وقد عُرف المعبد بالوحي والتنبؤات، مما جعل قمبيز يحاول غزوه، لأن كاهن معبد آمون تنبأ بزوال حكمة والإسكندر الأكبر ذهب إلي المعبد ليعرف هل سيحكم العالم أم لا؟.
أنهي الفرس حكم الأسرة السادسة والعشرين في مصر واحتلوها لأول مرة في عام 525ق، ولكن قمبيز قائدهم لم يكتفِ بهذا، فحاول إرسال ثلاثة جيوش: واحدا إلي قرطاجة وآخر إلي إثيوبيا، والثالث لاحتلال سيوة، التي يتنبأ له كهنة الإله آمون فيها بنهاية هالكة، فجهز جيشا قوامه خمسون ألف جندي لهدم المعبد واحتلال سيوة، إلا أن هذا الجيش هلك في الصحراء وضل طريقه ولم يصل إلي سيوة مطلقا.
استعان فراعنة الأسرة السادسة والعشرين بالإغريق كجنود محاربين أقوياء، كما كانت الحياة في أثينا، ومع زيادة عدد السكان، كانوا يعيشون في مصر إما جنودا محاربين أو مزارعين، حيث كانوا يهاجرون إلي إيطاليا ومصر وقبرص وآسيا الصغري، وبعد عدة معارك مع الملك الفارسي في تركيا في موقعة "داريوس" عام 333ق.م، فتح الإسكندر الأكبر مصر، وقد فرح المصريون بقدوم الإسكندر ليخلصهم من حكم الفرس، فتوِّج كفرعون في معبد الإله بتاح، وكان محبا لمصر، نظرا إلي مرور الكثير من فلاسفة اليونان واستقرار بعضهم بها، فالإسكندر قد تربي علي يد أرسطو منذ كان في الثالثة عشرة من عمره، لأن والده فيليب كان يريده ملمًّا بالأفكار والقيادة والحكمة، وبعد أن انشأ الإسكندر مدينة الإسكندرية أحب أن يري معبد آمون بسيوة، وكان يحلم بأن يصبح إلها مصريا، ولذا كان يعتقد أنه سيكون ابنا لآمون.
لم تقع أحداث مهمة في سيوة في عهد البطالمة أو الرومان أو البيزنطيين وأصبحت الواحة في طي النسيان ولم تعد تابعة لمصر أو لبرقة، يمكن القول إنها كانت مستقلة في حضارتها وأسلوب حياتها حتي بعد الفتح الإسلامي لمصر، حيث حاول القائد موسي ابن نصير فتح سيوة، ولكنه وجد صعوبة في ذلك، فتحها محمد علي باشا في عام 1820 وحاربه أهلها الذين قاوموا قدر استطاعتهم، قتل 23 فردا من سيوة ووافقوا علي دفع الجزية للباشا وقدرها 12000 ريال، إضافة إلي حمولة ألف جمل من البلح، وقد حاول أهل سيوة التمرد مرة أخري لكن لم تفلح محاولتهم.
دار صراع فيما بعد بين الأتراك والمصريين علي أم الرشراش في سيناء، وقرر الأتراك أن يشغلوا المصريين بحرب أخري، لذلك أغروا السنوسي بأن يحتلّ سيوة، بل واحتلال كل الواحات المصرية، ولأن الثقافة مشتركة بين السنوسي وأهل الواحات، لم يقاوموه واحتلها، إلي أن قررت مصر تحريرها بواسطة سلاح الهجانة المصري، ولكن تقرر أن يكون هناك زعامة دينية للسنوسي علي واحة جغبوب المصرية، ولهذا قرر الاحتلال الإيطالي بالتواطؤ مع الاحتلال الإنجليزي أخذ واحة جغبوب، وطلبوا من مصر التنازل عنها، رفض المصريون ذلك أكثر من مرة إلي أن قررت وزارة أحمد زيور باشا توقيع الاتفاق الذي تنازلت فيه مصر عن واحة جغبوب.
حاول الرئيس محمد نجيب استرداد واحة جغبوب، وأرسل برقية بذلك للبرلمان الليبي لكن الليبيين رفضوا ذلك، ولم يزر الواحة كما لم يزرها الرئيس عبد الناصر، لكنه رصف الطريق من مرسي مطروح إلي سيوة، وفي عصر السادات حدثت مشادة بينه وبين عبد السلام جلود عضو مجلس قيادة الثورة الليبية؛ الذي طالب بتعديل حدود ليبيا لتصل إلي رأس علم وضم واحة سيوة، وعندها حرك السادات القوات المصرية لطبرق ولواحة جغبوب لولا تدخل الرؤساء الملوك والرؤساء العرب عام 1977.
دخل البث التليفزيوني لسيوة عام 1986، وقد زارها مبارك عام 1996 وشكا له أهل سيوة من عدم وجود الصرف الصحي ومن مشكلة الصرف الزراعي، ولكن لم تحل أي من هذه المشكلات حتي الآن.
حضارة وتاريخ لا ينضب
تحوي سيوة رصيدا هاما للحكي الشعبي في مصر، من أشهرها حكاية العصفور الأخضر، التي توضح اهتمام أهل سيوة بحكايات الجن وقدراتهم الخارقة، كما أنهم يؤمنون بعجائب كثيرة، كأن تذهب الفتيات الراغبات في الزواج إلي بئر أحمد ليلا لنثر الماء علي أنفسهم، والأخريات يذهبن ليلة العرس إلي عين طاموسة، إلي جانب أن نساء سيوة عرف عنهن براعتهن في عمل الأحجبة والتمائم خاصة أحجبة الحب، وتلقب المرأة التي يموت زوجها بالغولة، حيث يعتقد أهل الواحة أنها تكون ذات عين قوية تجلب الحسد، ولا تتزوج قبل مرور عام علي وفاة زوجها.
يحتفل أهل سيوة بعيدين يخصونهما، الأول هو عيد الزجالة أو موسم حصاد البلح والزيتون، فالزجالة هم الطبقة الأجيرة والأتباع الذين يعملون عند الأغنياء، أما الثاني فهو عيد المصالحة أو السلام أو السياجة، الذي يقام علي جبل الدكرور كل عام حتي الآن، حيث أنه العيد القومي للواحة، تتلخص قصته في أن الشيخ الصوفي أحمد ظافر المدني قام بعقد مصالحة بين أهل شرق سيوة وأهل غربها من خلال عمل حضرة صوفية، أكلت خلالها كل قبيلة من طعام الأخري، بما يعني أنه لا يجوز اعتداء إحداهما علي الأخري بعد ذلك اليوم، ولأهل سيوة أيضا حكايات كثيرة مع الأولياء، منها أنها مدفون بها نحو 35 وليا وصالحا، اشتهر منهم سيدي سليمان والشيخ الظافري.
البطل الحقيقي للموسيقي السيوية هو الناي المعدني الموجود في وادي النيل، فالغناء السيوي نابع من غناء المعابد، وهو غناء طقوسي يرتبط بمواسم ومناسبات مثل الزواج والميلاد وموسم الحصاد.
تعد سيوة أحد منخفضات الصحراء الغربية، يتوسطها أربع بحيرات مالحة هي المعاصر شمال شرق الواحة، الزيتون شرق الواحة، وبحيرة سيوة غرب مدينة شالي وبحيرة المراقي غربا، وتوجد العديد من الواحات المهجورة والمنخفضات التابعة لسيوة، منها واحة شياطة علي بعد 55 كيلو غرب سيوة، والملفي 75 كيلو شمال غرب سيوة، وواحات اللعرج والنوامسة والبحرين، ثم منخفض قارة أم الصغير (الجارة).
يسود سيوة المناخ القاري الصحراوي، فهي شديدة الحرارة صيفا وشتاؤها دافئ نهارا شديد البرودة ليلا، أخطر ما تتعرض له الواحة هو السيول رغم ندرتها، حيث تحدث أضرار كبيرة، خاصة أن بيوت سيوة مصنوعة من الكروشيف الذي لا يتحمل ماء الأمطار، رغم أن اقتصاد أهلها معتمد علي الماء أكثر من الأرض، فلولا الآبار لما كانت هناك حياة، ولكن مشكلة الواحات الأساسية هي الصرف، حيث تزداد ملوحة الأرض وتفسد لأنه لا يوجد صرف كما في الوادي، ويعد النخيل هو محور اقتصاد الواحة كما كان القطن محور اقتصاد الوادي.
استثمار سيوة
تبلغ المساحة المزروعة في سيوة نحو 10 آلاف فدان، وهي أقل بكثير مما يمكن استثماره بها، فهذا أقل من ربع مساحتها، حيث يمكن زراعة نحو 192 فدانا هناك، فالعيون الطبيعية تبلغ 220 عينا، بالإضافة إلي 1200 بئر سطحية، وآبار أخري عميقة، كما أن الأراضي في سيوة تختلف أنواعها، فليست كلها رملية تحتاج إلي تثقيل قوامها وإضافة المحسنات الطبيعية لها، أو جيرية، فهناك أخري طميية وطينية.
وعلي الصعيد السياحي، فعدد السائحين الذين يزورون سيوة يقترب من 35 ألف سائح سنويا حتي عام 2010، ورغم أن أهلها مسالمون ويعرفون فائدة السياحة لبلدهم إلا أن انتشار التيارات السلفية أدي إلي الاهتمام بموالد الأولياء وبخاصة سيدي سليمان القاضي النبيل العادل، الذي له كرامات، وكذلك عدم الترحيب السيوي بأهل السياحة، فمشكلة سيوة كما في أماكن سياحية كمقبرة في مصر هي أن الذي يستفيد من السياحة هم كبار رجال الأعمال وأصحاب الفنادق، بينما أهل البلد لا يستفيدون أي شيء، فرغم أن معظم الأجانب يأتون إلي سيوة من أجل سياحة السفاري حيث الطبيعة الساحرة والرمال بتدرجاتها الخلابة وعيون الماء المتفجرة في باطن الأرض، إلا أنه يمكن لها أن تقيم مسابقات عالمية للسيارات الجيب في الصحراء، كما يمكن عمل مسابقات للتزلج علي الرمال مثل الجليد، فهذا يمكن أن يساعد في الترويج السياحي لسيوة، وإلي جانب ذلك، تعد سيوة من أقل المناطق تلوثا في العالم، وتتميز بعيون كبريتية تساهم في علاج الأمراض الروماتيزمية، وتستخدم رمالها في العلاج.
يعمل معظم أهل الواحة في الزراعة وفي تجفيف البلح وصناعة زيت الزيتون والصابون والمياه المعدنية، إلا أن أهم ما يميز سيوة هي الصناعات اليدوية لأهلها، وهو ما يظهر الإبداع الكامن لدي المرأة السيوية، سواء في تطريز الملابس وإبداعها بأشكال متعددة وجمالية، أو صناعة الحلي وبخاصة الفضة، وهو عنصر متوارث في سيوة، يمكن استثماره جيدا من خلال الاتفاق مع كليات الفنون الجميلة والتطبيقية لعمل أشكال ابتكارية من وحي التراث السيوي في تشكيل الفضة، ومن أشهرها "عقد الصالحات" و"سوار الأغرو".
كما أن احتياطي الملح في سيوة يبلغ ما يقدر ب8 مليارات طن، وهو من أنقي وأجود أنواع الملح في العالم، لكنه يباع في مصر خاما، رغم أن تصنيعه يمكن أن يجلب ما يقدر بنحو 7 مليارات دولار، والغريب أن مصر تستورد سنويا ما يقرب من مليون و700 ألف طن ملح، رغم أنه يمكنها أن تصبح الدولة العاشرة عالميا في إنتاج الملح، بالإضافة إلي أن الملح السيوي لا يحتاج إلي أي متطلبات، لكن ما يحدث علي أرض الواقع هو التجريف الجائر للملح وتصديره خاما دون أي اهتمام بمصلحة الوطن، حيث استولي عدد من رجال الأعمال النافذين علي الملاحات.
ويوجد بسيوة أيضا خمس شركات للمياه المعدنية، إلي جانب مصانع وقري يمكن استعمال الطاقة الشمسية فيها، وهناك قريتان تمت إنارتهما بالفعل بتلك الطاقة المتجددة هما "زهرة" و"أم الصغير".
تعيش سيوة صراعا بين الأصفر والأخضر، الرمال والأرض المزروعة، وصراع آخر بين التصحر والحياة، فسيوة قدرها كمنخفض في الصحراء الغربية يجعل من الصرف مشكلة حقيقية، حيث أن الحفر العشوائي للآبار يزيد من ملوحة الأرض، كما أن المياه الناتجة عن ري الأرض بالغمر تؤدي إلي تجمع المياه في بحيرات عملاقة تزيد من ملوحتها، وقد زادت مساحة الأرض المهدرة بسبب الصرف من 6 آلاف إلي 45 ألف فدان، وتحولت مساحات من الأراضي المزروعة بالنخيل والزيتون ذات الجودة والإنتاجية العالية إلي أراض مهددة بالبوار بسبب مشكلات الصرف الزراعي التي تعانيها المنطقة حاليا.
معالم سيوة
شالي
بنيت علي هضبة مرتفعة فوق جبل شالي، تتميز بوجودة قمتين وبها مداخل ضيقة جدا للشوارع، وأبواب المنازل أيضا ضيقة ومنخفضة مبنية بالكورشيف "الحجر المحلي المتكلس"، ورغم أن هذه الخامة مناسبة للبيئة إلا أنها لا تصمد أمام هطول الأمطار لفترات طويلة، ومن حسن الحظ أنها مياه لا تنزل إلا علي فترات بعيدة جدا، ولا تنزل بكثافة، كما أنها تساعد علي امتصاص الحرارة، وهو ما يثبت ان الإنسان السيوي استطاع بذكائه أن يتغلب علي مشكلات بيئته وأن يصنع عمارة مميزة ومتوافقة معها وغير مكلفة.
جبل الدكرور
يطلق عليه أحيانا "جبل التكرور"، وهو يتوسط واحة سيوة وله خمس قمم، يقام به الاحتفال السنوي بعيد المصالحة في شهر أكتوبر من كل عام، وتم استخدامه كممر لبناء معبدي الوحي وأم عبيدة ومقابر جبل الموتي.
معبد أم عبيدة
ويطلق عليه "معبد آمون"، بني في عهد الأسرة الثلاثين، في وقت ملئ بالاضطرابات والصراعات مع الفرس الذين طردوا من قبل وكانوا يحاولون العودة لغزو مصر.
معبد الوحي
ويسمي أيضا "معبد الإسكندر"، يقع فوق هضبة أغورمي التي ترتفع ثلاثين مترا فوق سطح الأرض، وسمي بهذا الاسم لقدرة كهنة آمون علي التنبؤ بالأحداث، يعيش سكانه في قري وفي المنتصف الأوكروبول التي تعني المدينة العالية، حيث يحاط بثلاثة أسوار.
شالي إغورمي
و"شالي" تعني مدينة أو بلدة، تقع إغورمي علي هضبة مرتفعة، وقد بنيت بعد بناء معبد الوحي الذي أصبح مكان للعبادة، وكانت محاطة بسور علي طرف سفح الجبل بحيث يكون مرتفعا ليصعب تسلقه ويمنع هجمات العربان والأعداء علي أهل البلدة.
عين فنطاس
هي الأشهر في سيوة بعد عين كليوباترا أو الحمام، هائلة الحجم وتتميز بمشاهد الغروب الساحرة الخلابة، وفي بحيرتها يوجد هدوء يساعد علي التأمل والتخلص من الهموم.
جبل الموتي
يقع علي بعد كيلومتر من مركز واحة سيوة، به أربع مقابر هي سي آمون، ميسو إيزيس، باتحوت، والتمساح.
بحيرة شياطة
هي جزء من طريق القوافل القديم الذي كان يمر بين واحة جغبوب وواحة سيوة، وهي واحدة من الواحات المهجورة حول سيوة.
عين أبو شروف
هي العين التي يتعلم فيها أهل الواحة السباحة، وتتميز بجمالها الأخاذ، وتبعد عن مركز واحة سيوة بنحو 35 كيلومترا، وهي مميزة بمائها المتدفق الدافئ.
القرية الرومانية
تقع بالقرب من عين أبو شروف، وبالقرب منها توجد معاصر زيتون قديمة، فهي موقع أثري يحتاج إلي الاهتمام.
بهي الدين
هي المنطقة البدوية في سيوة، تتميز بالزراعة والرعي بالماشية وسط الزراعات حول المنطقة، كما أن بها واحدا من أشهر فنادق سيوة التي تراعي البعد البيئي والتنمية المستدامة، وهو يحاكي أساليب الحياة والبناء السيوية التقليدية.
قرشت
من أقدم العيون بسيوة، تبعد عنها نحو 30 كم، مياهها غير مستغلة وتذهب دون أي استفادة للبركة التي تكونت من فائض مياه الصرف، يستخرج منها الملح الصخري النقي.
عين بير واحد
عين مياه عذبة متدفقة في الصحراء، تشكلت من تسربها في الرمال، وهي صالحة لحياة الأسماك ويمكن الاستفادة منها بعمل مزرعة سمكية مميزة ولكنها متروكة بلا أي استخدام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.