اتخذ الفيلم المأخوذ عن السيرة الذاتية للعالم البريطاني ستيفن هوكنج اسم "نظرية كل شيء". نظرية كل شيء هي حلم العلماء منذ أينشتين علي الأقل، فالأخير بخاصة أمضي نصف سنوات عمره في محاولة لوضع معادلة قادرة علي تفسير كل الظواهر الفيزيائية. معادلة واحدة بالنسبة لهوكنج يمكنها أن تطلعنا علي بداية هذا الكون. في حوار معه (اقتبس مؤلف الفيلم بعض مقاطعه) قال "بعد خمسين عاما إما أن ينظر البشر إلي نظريتي بالطريقة نفسها التي ننظر بها إلي نظرية جاليليو الآن، وإما أن ينظر البشر إليها بالطريقة التي ننظر بها إلي صورة الكرة الأرضية المحمولة بين قرني ثور عملاق". لم يعد للنظرية العلمية حصانة اليقين التي كانت له قبل قرنين من الآن. العلم نفسه ضحي بثقته في نفسه حماية لوجوده إن شئنا الدقة. يقول هوكنج في كتابه تاريخ مختصر للزمان: أي نظرية فيزيائية هي دائما "مؤقتة". بمعني أنها "فرض" وحسب. فأنت لا تستطيع قط البرهنة عليها. ومهما بلغت كثرة مرات اتفاق نتائج التجارب مع نظرية ما، فإنك لا تستطيع قط أن تتيقن من أنه في المرة التالية لن تتناقض النتيجة مع النظرية. لهذا فإن النظرة التي ترتسم علي وجه هوكنج في كل مرة يُسأل فيها عن الله وفي كل مرة يضطر للإجابة عن سؤال كهذا تبدو متململة. ليس بوسع أحد من العلماء، وبخاصة من العلماء، أن يجيب عن سؤال كهذا. وجود الله أو عدم وجوده لا يحتاج لنظرية فيزيائية، أما الوجود نفسه للعالم فيحتاج لنظريات تفسره ونظريات يمكن الاستفادة منها لتغيير الطريقة التي نعيش بها. قبل أربعة قرون من الآن تمكن جاليليو من أن يكون واحدا من العلماء البارزين في عصره. بعض أسباب النجاح الذي حققه جاليليو قبل أن تنقلب عليه الكنيسة تتعلق بإثبات أن القذيفة لا تنطلق في خط مستقيم ولكن تنطلق في مسار مائل. بالنسبة للعسكريين (الذين لا ينشغلون كثيرا بالنصوص الدينية التي تنشغل بها الكنيسة) كان هذا الإثبات مقدّرا جدا فما كان يعنيهم أكثر من البرهنة عن أننا مركز الكون هو أن تصيب القذيفة هدفها في كل مرة يطلقونها فيها. هل يمكن البناء علي هذا التصور للتمهيد لثقافة علمية علمانية؟ عبر تدريس النظريات العلمية مصحوبة بالتطبيق أو بالأحري عبر تدريس النظريات العلمية انطلاقا من التطبيق وليس العكس؟ بالإلحاح علي أهمية أن تصيب القذيفة هدفها. هل يمكن إقناع تلاميذ المدارس بقدر الأهمية التي تستحقها النسبية وميكانيكا الكم ونظرية التطور والثقوب السوداء.. إلخ بالإلحاح علي التطبيقات العملية لهذه النظريات؟ هل يمكن ل "تدريس العلوم عبر تدريس التقنية" أن يكون مفيدا لزعزعة الوعي التقليدي واستبداله بوعي علماني حتي إذا ما أنكر أحدهم تلك النظريات استنادا لنصوص دينية ما شعر التلاميذ بمدي كارثية التنكر للعلم؟ هل يمكن أن يفيد تدريس العلوم الحديثة باستدعاء النظريات القديمة ما قبل عصر العلم، أي بوضع نظرية الثقوب السوداء جنبا إلي جنب نظرية الثور الذي يحمل الكرة الأرضية بين قرنيه مثلا للتأكد من أن نظرية الثور لم تعد تصلح إلا لكتابة ساخرة.