عبر الموقع الإلكتروني للكاتبة نجوي بركات عرفت أسماء الشيخ عن بدء الدورة الثانية لجائزة محترف نجوي بركات، وقامت بإرسال فكرة غير مكتملة لرواية، وانتظرت سنتين حتي تمكن المحترف من إيجاد سبيله للقاء كتاب من بلدان عربية مختلفة في ورشة عمل للكتابة، ثم كان التجمع في المنامة تحت رعاية وزارة الثقافة البحرينية، خاض المشاركون خلالها رحلة طويلة لتطوير أفكارهم من أوهام وأشباح شخصيات إلي عالم مكتوب واضح المعالم. فازت أسماء بجائزة المحترف وصدرت روايتها مؤخرا عن دار "الآداب". والحقيقة أنها نجحت تماما في مسعاها، فمن الصعب تصديق أن "مقهي سيليني" هي روايتها الأولي فخلف الحكاية التي تبدو للوهلة الأولي "اكليشيهية" عن الإسكندرية رقعة الشطرنج الكبيرة، مدينة الشوارع المتوازية والمصائر المتقاطعة، حيوات أخري ترسم علي مهل، ومدينة تتشكل ملامحها المبهرة، الجميع فيها يطارد أشباحه الخاصة وأحلامه البعيدة ويجد في المدينة الساحلية الساحرة متنفسا وبراحا. وما بين عالمي بيتا الفتاة الايطالية التي تطارد شبح أمها في رسائلها القديمة، ورقية التي تطارد أشباح نجومها المفضلين في صالات سينما الأربعينيات، تدور أحداث الرواية، عبر سرد وبناء روائي يدل علي كاتبة محترفة لغتها رائقة خالية من الزوائد. الرواية تستدعي التأويل والبحث خلف المعاني البسيطة عن المدينة المفقودة والزمن المفتقد..هنا تروي أسماء - الطبيبة والكاتبة -الحكاية من بدايتها أو الجريمة الكاملة كما اختارت ان تسميها.. تقول: أحب الكتابة كفعل، حرفيا أحب الإمساك بالقلم والتدوين علي الورق، ولابد هنا من التمييز بين التأليف والكتابة، فهوس الكتابة بدأ بإعادة نسخ قصائدي المفضلة والفقرات الآسرة من الروايات، حتي تطور الأمر إلي رغبة حقيقية في التقليد، وفي خلق فقرات تخصني. مازال تدويني الأول للأفكار تدوينا ورقيا قبل أن أنقله إلي الكمبيوتر. الطب دراسة وعمل، لكن القراءة والكتابة هي أكثر الأشياء التي أود القيام بها. اعتمدت في روايتك علي الكثير من التفاصيل والمعلومات التي تكشف عن دراية واسعة بزمن الكتابة (إسكندرية الأربعينيات) كيف تحققت لك هذه المعرفة بكل تلك التفاصيل؟ - بدأت القراءة عن الإسكندرية منذ وقت طويل، قرأت كتبا عن تاريخها وجغرافيا المكان، ومذكرات لأفراد عاشوا بها من مصريين وأجانب، وأبحاث عن تاريخ شوارعها ومسارحها وسينماتها. لم تكن القراءة بالشكل المنظم لتحقيق هدف الكتابة عنها يوما ما، بقدر ما كانت تتبع للتعلق غير المفهوم بالمكان، لم أعش طوال عمري بها، قضيت طفولتي ومراهقتي خارجها، وانتقلت إليها مع بداية الدراسة في الجامعة، وحدث أن وقعت أسيرة لشوارعها ولطقسها وبالطبع لبحرها، وبحثت وراء تعلقي وعرفت عنها كمحاولة لمعرفتها وبقليل من الجموح لمعرفة ذاتي، ثم عندما بدأ المحترف كان بديهيا أن أكتب عما أحب فوجدتني أحب الإسكندرية وأعرف عنها. هل تصنفين الرواية باعتبارها رواية تاريخية مثلا؟ أم أنك غير معنية بالتصنيف؟ - في الحقيقة أنا مهتمة بالتصنيفات وأجدها مفيدة للغاية، ووفقا لها فروايتي ليست تاريخية أبدا، أنها قصة غير حقيقية، اعتمدت علي وقائع وتجاهلت بعضها وتلاعبت بالبعض الآخر، لكنها لم تكن أبدا لأغراض توثيقية. هناك تعدد في الشخصيات بعضها لم يكن أكثر من ظل. لماذا لم تتطور شخصيات جابي، وبيلوتشي مثلا؟ - هناك الكثير من الشخصيات في الرواية، بعضها عبر سريعا في موقف وبعضها تم استحضاره لتأدية دور محدد ثم الاختفاء مجددا خلف الستار، هل من الممكن الآن أن أتحدث بشكل واع عن عملية غير واعية بشكل كامل؟ كنت أشعر أحيانا أنني اكتب من داخل عالم مواز وهو عالم الشخصيات، أردت أن أحكي قصة رقية وبيتا وهرولت وراءهما، حتي صارتا مركز الصورة وأصبحت الشخصيات الأخري مصبات تحكي قصتهما، ربما بحبكة أخري تتوزع فيها الأدوار بإنصاف أكثر تتطور حيوات أكثر ليس فقط جابي وبيلوتشي لكن سيد الشاعر وبهجة وسليم الكمسري ...ربما لكنني لن أعرف. الخيط الذي يجمع الشخصيات ببعضها كان واهنا..مثلا اعتمد علي الصدفة مع عالية وبيتا ثم تطورت كل منهما وحدها.. - أختلف معك في وصف الخيط الذي يجمع الشخصيات بالواهن، كان الرابط بينهم خفيفا بخفة الجوار الذي فرضته الإسكندرية علي سكانها. حيث جمعت الأربعينيات أنماط بشر متنوعة، وفرضت عليهم التعايش في مدينة بشوارع متوازية. اختارت الجاليات المختلفة العزلة داخل ثقافتها، ولم تفرض عليهم أنماط الحياة كسر لتلك العزلة إلا في حالات قليلة. اهتمت الرواية بمن اختار التنقل بين تلك العوالم أثناء تنقله بين الشوارع، بمن كسر العزلة بكامل قواه العقلية، منصتا لجغرافية المكان، وخفتها في إحداث مس طفيف دون الدفع علي التصادم. الرواية تقدم الشكل التقليدي للإسكندرية كما عرفناها من مسلسلات أسامة أنور عكاشة مثلا، "اكليشيه الإسكندرية" إن صح التعبير..لماذا لم تفكري في رؤية جديدة أو تصور مختلف؟ - أنا لا أدعي أي تجديد في الوهم المتأصل عن الإسكندرية المتنوعة، في الحقيقة لقد كتبت الجريمة كاملة محافظة علي كل الأوهام والحنين الذي يأتي تلقائيا عند ذكر المدينة الساحلية، حتي أنني كتبت فقرات كاملة عنها أثناء المطر بينما البطلة تختبئ من دموع السماء، إنه النمط كما يجب أن يكون، وكما ملّه البعض...لكنه علي أي حال جريمة كتبت بحب. الحقيقة أن هذه الفكرة منسحبة علي الرواية ككل فالرواية محكمة تماما..ليس بها أي مساحة للتجريب والتجديد واللعب، الرواية فعلا كما عنوان المحترف "كيف تكتب رواية" هل الموضوع هو الذي فرض هذا الشكل، أم أنه تصورك الخاص عن كتابة الرواية؟ - قبل خوضي لتجربة المحترف قضيت مع أصدقاء لي أوقاتا طويلة نلعب بالكلمات والجمل في ورش عمل صغيرة نجلس فيها بمقاهي الإسكندرية، نتحدث ونحكي ونكتب، حينها كنت مهتمة جدا بالتجريب، بكسر الأنماط، وبالسخرية من كل ما هو مكرر، كنت أجد نفسي أكتب قصصا قصيرة بأزمان مرتبكة، وأماكن هي نسخ حلميه من أماكني الحقيقية، أركّب الشخصيات، وأجعلها تتحدث بصوتين وتخلط الحاضر بالماضي، وتحدثك وتحدث نفسها في ذات اللحظة، تحت تأثير دفقات شعورية عابرة لكنها صادقة، أقول ذلك لأنني من مر بها...كنت مهووسة بالجديد. التجربة في المحترف كانت عدم التجريب، كانت رغبتي في بناء شكل واضح المعالم لرواية، واختبار لقدرة عقلي وروحي علي تصور منظم لمكان ولزمن ولشخصيات وتتبع لرغباتهم وآلامهم وتقاطعها...التجربة كانت إسكات ولعي بالتجريب. لا أفهم السبب وراء السمعة السيئة لأسئلة مثل "كيف تكتب رواية\ قصة قصيرة؟" في الحقيقة أجدها أسئلة منطقية جدا، ومن لم يسألها علنا لابد وأنه سألها لنفسه علي الأقل أثناء قراءته لكلمات ابهرته للغاية. الفيصل دوما هو كيف يخوض كل منا رحلته في إجابة سؤال مثل ذلك، في المحترف وجدت مساحة واسعة من اكتشاف قدرتي علي الكتابة، وبنهايته اكتملت سبع روايات لا يجمعها سوي أنها كتبت في نفس التوقيت، بينما لكل منها روح وتساؤلات مؤلفها، لم يكن هناك كتيب إرشادات لإجابة السؤال، ولو وجد لكانت النتيجة سبع روايات مستنسخة من روايات نجوي بركات، لكن ما حدث أن لكل رواية عالمها، صوت مؤلفها ولغته وثقافته.