يونهاب: إصابات في صفوف الجيش الكوري الشمالي بعد انفجار لغم قرب الحدود    «القاهرة الإخبارية»: سقوط ضحايا في جيش كوريا الشمالية جراء انفجار ألغام أرضية    أزمة قلبية أم الورم الأصفر، طبيب يكشف سبب وفاة الطيار المصري على متن الرحلة    هل يجوز للزوجة المشاركة في ثمن الأضحية؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    علامات تدل على ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم.. تعرف عليها    تعرف على العقوبة الكبيرة التي تنتظر جوميز بعد دفع الحكم الرابع في مباراة المصري (مستند)    بورصة الدواجن اليوم بعد الارتفاع الكبير.. أسعار الفراخ البيضاء والبيض الثلاثاء 18 يونيو 2024    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    ارتفاع أسعار النفط بعد توقعات بوقف منتجي أوبك+ خططهم لزيادة الإمدادات    نائب أمير مكة يسلم كسوة الكعبة لسدنة بيت الله الحرام    اندلاع حريق داخل حضانة أطفال في المنيا    تامر حسني يبهر جمهوره بالطيران في الهواء بحفل ثاني أيام العيد (صور)    تركي آل الشيخ يُعلن مُفاجأَة خاصة ل نانسي عجرم وعمرو دياب.. تعرف عليها    مسؤول إسرائيلي يعلق على مصير عشرات الرهائن في غزة    «لازم تعاد».. سمير عثمان يكشف مفاجأة بشأن ضربة جزاء الزمالك أمام المصري البورسعيدي    طاقم حكام مباراة زد أف سي وفاركو في الدوري    ملف مصراوي.. أزمة ركلة جزاء زيزو.. قرار فيفا لصالح الزمالك.. وحكام الأهلي والاتحاد    جوتيريش يدعو دول العالم إلى سرعة تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    هيئة البث الإسرائيلية: الجيش والمخابرات كانا على علم بخطة حماس قبل 3 أسابيع من هجوم 7 أكتوبر    شديد الحرارة نهارًا.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الثلاثاء 18 يونيو 2024    ضحايا الحر.. غرق شخصين في مياه النيل بمنشأة القناطر    ولي العهد السعودي يؤكد ضرورة الوقف الفوري للاعتداء بغزة    مقتل 11 مهاجرًا وفقدان آخرين إثر غرق قاربين قبالة سواحل إيطاليا    واشنطن: تشكيل حكومة الحرب الإسرائيلية قرار لا يخصنا    إسعاد يونس: عادل إمام أسطورة خاطب المواطن الكادح.. وأفلامه مميزة    إيهاب فهمي: بحب أفطر رقاق وفتة بعد صلاة العيد وذبح الأضحية    مفتي الجمهورية: نثمن جهود السعودية لتيسير مناسك الحج    عارفة عبد الرسول تكشف سرقة سيدة لحوما ب2600.. وتعليق صادم من سلوى محمد علي    عبدالحليم قنديل: طرحت فكرة البرلمان البديل وكتبت بيان الدعوة ل25 يناير    منتخب فرنسا يبدأ مشواره فى يورو 2024 بالفوز على النمسا بهدف ذاتى    افتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ بمستشفيات جامعة عين شمس.. 25 يونيو    مقتل عنصر إجرامي في تبادل إطلاق النار مع الشرطة بأسيوط    «قضايا الدولة» تهنئ الرئيس السيسي بمناسبة عودته بعد أداء فريضة الحج    محافظ المنيا: حملات مستمرة على مجازر خلال أيام عيد الأضحى    تعرف على حدود التحويلات عبر تطبيق انستاباي خلال إجازة العيد    هيئة الدواء المصرية تسحب عقارا شهيرا من الصيدليات.. ما هو؟    8 أعراض تظهر على الحجاج بعد أداء المناسك لا تقلق منها    الزمالك يهدد بمنتهى القوة.. ماهو أول رد فعل بعد بيان حسين لبيب؟    «الأزهر» يوضح آخر موعد لذبح الأضحية.. الفرصة الأخيرة    محمود فوزي السيد: عادل إمام يقدر قيمة الموسيقى التصويرية في أفلامه (فيديو)    تراجع سعر سبيكة الذهب اليوم واستقرار عيار 21 الآن ثالث أيام العيد الثلاثاء 18 يونيو 2024    ثبات سعر طن الحديد وارتفاع الأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 18 يونيو 2024    تهنئة إيبارشية ملوي بعيد الأضحى المبارك    االأنبا عمانوئيل يقدم التهنئة بعيد الأضحى المبارك لشيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب    بيان عاجل من وزارة السياحة بشأن شكاوى الحجاج خلال أداء المناسك    السيطرة على حريق بمحل بطنطا دون خسائر في الأرواح.. صور    بعد الفوز على الزمالك| لاعبو المصري راحة    معركة حسمها إيفان.. حكم الفيديو أنقذنا.. تعليقات الصحف السلوفاكية بعد الفوز على بلجيكا    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    «حضر اغتيال السادات».. إسماعيل فرغلي يكشف تفاصيل جديدة عن حياته الخاصة    وكيل «صحة الشرقية» يقرر نقل 8 من العاملين بمستشفى ههيا لتغيبهم عن العمل    الإفتاء توضح حكم طواف الوداع على مختلف المذاهب    مشروع الضبعة.. تفاصيل لقاء وزير التعليم العالي بنائب مدير مؤسسة "الروس آتوم" في التكنولوجيا النووية    شروط القبول في برنامج البكالوريوس نظام الساعات المعتمدة بإدارة الأعمال جامعة الإسكندرية    دعاء يوم القر.. «اللهم اغفر لي ذنبي كله»    وزيرة التضامن تتابع موقف تسليم وحدات سكنية    تعرف أفضل وقت لذبح الأضحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمدي الجزار مدافعا عن حريمه:
لا تقلل من شأن المرأة!
نشر في أخبار الأدب يوم 15 - 11 - 2014

يري البعض وأنا منهم في الحقيقة أن عنوان الرواية لم يكن موفقا، ويمكن أن أضيف الغلاف أيضا فالصورة الذهنية التي تنقلها الكلمة -والصورة علي الغلاف- ليست معبرة عن مضمون العمل، فأنت تكتب عن نساء من حارة شعبية وعن طالبات وحملة ماجستير ودارسات للفلسفة، وليس عن جواري في مملكة السلطان..هل يمكن أن توضح مبررات اختيار هذا العنوان؟
لعلك تلاحظ معي أني أبرزت تشكيل عنوان الرواية »الحَرِيمُ « علي الغلاف وفي الصفحة الأولي، أي أن عنوان الرواية هو الكلمة العربية الفصيحة »الحَرِيمُ«، وإذا اكتفيت بنطق الكلمة وفهمها علي أنها عامية مصرية فستأتي إلي ذهنك هذه الدلالة التي ذكرتها أنت للتو، وليست المعاني والدلالات التي تشير إليها الكلمة الفصيحة، هذه نقطة أساسية جدًا، عنوان الرواية هو الكلمة العربية الفصيحة »الحَرِيمُ«، فدعنا نلقي نظرة سريعة علي معاني هذه الكلمة، رفيعة الشأن، في معاجم اللغة.
في لسان العرب تحت حَرَمَ نجد الآتي:
- الحَرِيمُ ما حُرِّمَ فلم يُمَسَّ. الحَريمُ الذي حَرُمَ مسه فلا يُدْني منه.
والحَرِيمُ مفرد، جمعها حُرُم.
- وحَرَمُ الرجل وحَريمُه: ما يقاتِلُ عنه ويَحْميه.
- والحَريمُ قَصَبَةُ الدارِ، والحَريمُ فِناءُ المسجد.
- والحَريمُ الصديق؛ يقال: فلان حَريمٌ صَريح أَي صَديق خالص.
وفي »القاموس المحيط«: والحَريمُ: الشَّريكُ.
وفي»مقاييس اللغة«: والحريم حريم البئرِ، وهو ما حَولَها، يحرَّم علي غير صاحبها أن يحفِر فيه.
وفي هذه المعاجم سنلاحظ أيضًا أن كلمة »الحَرِيم« ليست مرادفًا لكلمة النساء أو النسوة أو النسوان، وهي كلمات فصيحة كلها، وأنها تصاحب كلمة »حَرَم« غالبًا. وما إطلاق كلمة »الحَرِيم« علي النساء إلا علي سبيل التعدي أو الكناية أو الاستعارة!
ولعلك تري معي، بعد هذا الإيضاح، أن كلمة »الحَرِيم« لها معانٍ ودلالات متنوعة ورفيعة، والإشارة بهذه المفردة للمرأة فيه تكريم وتشريف، ولا تقليل فيه من شأن النساء علي الإطلاق، وإنما استخدامها في العصر العثماني ألقي عليها ظلالاً سلبية. وفي المناطق الشعبية والصعيد تستخدم الكلمة بلا دلالات سلبية، والصفة »حريمي« ليس فيها ما يشين الملابس في المتاجر مثلاً، وكما تري »الحَرِيم« تعني الشريك والصديق أيضًا، كما إنها تشير إلي المكان ذي الحرمة كالحرم المكي، والحرم الجامعي، والمكان الذي يجب الدفاع عنه ضد منتهكيه، فهي مفردة ثرية في رأيّ. وأنا أستعملها كعنوان لروايتي بكل هذه المعاني مجتمعة!
ومن ناحية فنية أخري ليس باستطاعتي أن أسمي النسوة، صاحبات أسماء: روحية، وبطة، وأُنس وأرزاق بكلمة »النساء« أو»النسوة« مثلا، إن الفن يأبي ذلك من وجهة نظري، هناك أيضًا تميز وتعدد معاني كلمة »الحَرِيم« مما يتيح القابلية للتأويل، وهذا ما يميز الخيار الفني عن الاستخدام العادي للغة، كلمة الحريم هنا لأسباب فنية محضة، وأراها ثرية بما يكفي لتكون عنوانًا لهذا العمل وإلا لما اخترتها.
كتبت الرواية علي فترات زمنية متباعدة كما فهمت، مرت خلالها أحداث سياسية كثيرة. هل تعتقد أن موضوعات الكتابة الإبداعية يجب أن تتغير حسب التطورات السياسية؟ أو علي الأقل تتأثر بها؟
موضوعات الكتابة الإبداعية هي، في رأيّ، موضوعات شبه ثابتة عبر العصور، هي الموضوعات الوجودية الأساسية في حياة كل إنسان، الموضوعات التي تخص الإنسان وحده في كل مكان وزمان منذ وُجِدَ علي هذه الأرض، أعني: لغز الوجود الإنساني، الكون وعلاقة الإنسان به، الحرية، العدل، الحب، الصداقة، السعادة، الألم، الموت،.... وغيرها من أسئلة الوجود الأساسية. هذه الموضوعات القديمة جدًا، والتي كتب عنها الكثير في الماضي وسيكتب عنها في المستقبل، هي موضوعات تتجاوز المكان والزمان وتتعامل مع الإنسان في وجوده الأنطولوجي، أي من حيث هو إنسان، وهي قضايا الإنسان في كل زمان ومكان.
وهذه الموضوعات قابعة تحت سطح كل كتابة إبداعية أصيلة، وإن أغرقت في وصف الظاهر والعابر واليومي في ظاهرها. عندما تقرأ رواية مثلا فتتبع أبطالها وتلهث خلف أحداثها وتلاحق أماكن مدينتك فيها، وتستمتع بها كقطعة فنية، بعد هذا كله إن تأملت قليلا ستري أن الرواية كلها قائمة علي كلمة واحدة أو أكثر من الكلمات القديمة، الأزلية، وما تراه ليس سوي تجسيد لهذه الكلمة عبر الأدوات الفنية للرواية، عبر الشخصيات والأحداث والأماكن، الرواية بشكل أو بآخر تعبر عن »الخالد« عبر »العابر«، تقدم »المطلق« عبر »النسبي«.
هل تتغير هذه الموضوعات حسب التطورات السياسية وتتأثر بها؟
نعم، لأن الكاتب ابن لعصره ومعبر عنه، وموجود في زمان ومكان ومجتمع محدد، وهو الذي يختار موضوع كتابته كيفما شاء ووقتما يشاء، ووفقًا لرؤيته يحدد موقفه الإبداعي، مثلاً..هل يكتب عن »ثورة 25يناير«، عن الحدث السائل في الشوارع منذ ذلك اليوم أم ينتظر ويراقب ويتأمل ثم يكتب؟ ستتعدد الإجابات بتعدد المؤلفين.
تقصد أن السؤال الجوهري هو هل ما قدمه هذا الكاتب عن هذا الموضوع فن أم لا؟
الفن عمومًا، والرواية بوجه خاص، يحيا علي البئر
العميقة في نفس الإنسان وروحه وجسده، فطعامه هو »الجوهر« الإنساني وليس »العرضي«. والرواية بوجه خاص، بظروفها الفنية والجمالية وأدواتها ليس أمامها من طريق سوي طريق التجسيد، لكنها مهما استغرقت في النسبي والعابر والآني ستظل تبحث عن »الجمالي«، »الفني« »الأدبي«، وعن خلودها في ذاكرة الفن، وذاكرة الإنسانية. وهذا هو جوهر وجود الفن ذاته.
أنت دارس للفلسفة وفي نفس المرحلة السنية للبطل تقريبا، هل يمكن أن نقول أن بالرواية لمحات من السيرة الذاتية؟
تخرجت من قسم الفلسفة جامعة القاهرة سنة 1992، وكنت في الثلاثين في بداية الألفية الثانية تمامًا كسيد رجب. بالرواية لمحات من السيرة الذاتية نعم، لكنها بالقدر نفسه الذي تجد فيه أن »رانيا «أو »حفصة« تشبه امرأة تعرفها في حياتك اليومية! مصادري ككاتب متعددة، المكان يلهمني، الناس من حولي، وجه رأيته، ولم أتحدث معه، شخص عاصرته طويلا، اللغة أيضًا تلهمني، وحياتي وتجربتي بالقدر نفسه مصدر من مصادر إلهامي لكني أكتب الرواية، وليس السيرة الذاتية، الرواية فن متخيل حتي ولو ذكرت سيرتك الذاتية كلها، الرواية لا تخضع سوي لقوامها الفني وشروطها الجمالية، إنها، بشكل أو بآخر، الواقع مركزًا ودالاً وفنًا بينما السيرة ستبقي مجرد سرد لما مر بك، وقيمتها الأساسية في صدق »الوقائع«، بينما العمل الفني، الرواية، قيمته جمالية وأدبية وفنية. الفارق بيت الرواية والسيرة الذاتية شاسع للغاية لاختلاف الغاية، والوسيلة، والمعني.
إلي أي حد تأثرت بنجيب محفوظ خاصة وأنت تتحرك في منطقته التي كتب فيها غالبية منجزه الابداعي؟
لا أعرف إلي أي حد تأثرت بأي كاتب، هذا ليس عملي ولا بحثي ولا شغلي، ربما هو عمل النقاد والقراء الذين يبحثون في هذا الأمر. أما أنا فحين أكتب أكون وحيدًا، وحدة مطلقة، وليس لدي من مُعِين سوي تصفية الذات الكاتبة، والحفر فيها عن جوهر إبداعيتها، أكون فردًا متوحدًا، شخصًا يحاول أن ينسجم مع منبع الإبداع ومصدره، وليس مع مبدعين آخرين.
وإذا كنت تقصد بمنطقة إبداع نجيب محفوظ رواياته التي تدور في خان الخليلي وزقاق المدق والحسين فأنا لم أكتب بعد روايات تدور في هذه الأماكن، الحريم تدور في »طولون «، كما ظهرت في الرواية، وهي ليست طولون الواقعية التي يعرفها سكانها، إنها طولون الأدبية! هي طولون كمكان فني تدور فيه أحداث رواية، المكان هو مخلوق كاتب بعينه كما أن الشخصيات هي من صنعه، والمقارنة السطحية، وحتي العميقة منها، بين كاتبيْن ليست أداة جيدة، في رأي، لتلقي وتذوق العمل الفني.
أحب كثيرًا أعمال نجيب محفوظ، وأري أنه كاتب واحد وكتاب كثر في نفس الوقت كما هو حال كل كاتب مبدع أصيل، غزير الإنتاج. أنا أحب أعماله، ولدي صوتي وفني الخاص كما أرجو.
لماذا اخترت هذا العالم بالتحديد ليكون مسرحا للأحداث؟
هي مسألة فنية بحتة، بدأت من الشكل إن صح التعبير، أردت أن أكتب رواية كل فصل فيها عنوانه اسم صبية، امرأة، كل فصل تستولي عليه امرأة، تأخذه لحسابها كأنه حبيبها الوحيد، لكنها تظهر في فصول أخري، ومن هذه الفصول، هؤلاء النسوة تتشكل الرواية الكبري، فكان أن صحبني سيد فرج إلي طولون وأخذ يتكلم عن روحية وزبيدة وكريمة وبطة إلي أن انتهي نائمًا إلي جوار »سلوي« وهو يتم عامه الثلاثين!
الرواية حسب التصنيف النقدي »صوت واحد«..كيف خططت للبنية الفنية لهذا العمل؟
تقصد أنها تروي علي لسان شخص واحد، هو سيد فرج منذ كان طفلا في السادسة من عمره، وحتي نهاية الرواية حين بلغ الثلاثين، هذا صحيح، لكن الرواية كلها ليست صوتًا واحدًا، لأن هناك استخدام موسع لتقنية الحوار، وهناك الوصف الذي يرسم الحضور الجسدي الدال لكثير من الشخصيات، ووصف المكان في تغيره، وهذه التقنيات تبرز وجود أصوات الشخصيات الأخري، فنسمعها مباشرة وهي تتحدث بلسانها في »الحوار«، ونراها مرات أخري عبر الوصف. الوصف الخارجي، أو الداخلي، والذي ينطق بالكثير عن الشخصية.
عادة لا أكتب ملفات منفصلة للشخصيات، لا أعرف الشخصيات جيدًا قبل كتابتها، يكون لدي شكل فني وهو هنا في »الحَرِيم«، بتبسيط شديد، رواية من فصول معنونة، كل فصل يحمل اسم امرأة. أثناء الكتابة تغير وتطور الشكل الأول إذ حدث أن الأم احتلت ثلاثة فصول وخرقت الشكل الأولي وصار شكلا آخر. البنية الفنية تتشكل خلال الكتابة نفسها عندي، ليست سابقة ولا معدة سلفًا، فقط الشكل العام الذي بذهني لحظة الكتابة، ربما أحافظ عليه أو أغيره، هذا ما أعرفه خلال الكتابة نفسها التي قد تمتد لسنوات، الكتابة بالنسبة لي شيء يحدث أثناء الكتابة نفسها. تنزل البحر وأنت مستعد للسباحة لكنك لا تعرف الأمواج والرياح والأمطار والأخطار التي قد تواجهها، وستحاول السباحة للوصول إلي نقطة النهاية، آخر كلمة بالعمل. وفي هذه الرحلة تحدث أشياء كثيرة لا دال عليها سوي العمل نفسه الذي انتهيت منه وصار كائنًا محسوسًا، قابلا للقراءة والتأمل.
قصة زواج سيد يمكن أن نقول أنها غير مقنعة فنيا لشاب له كل هذه التجارب..ماتعليقك؟
إذا دققت جيدًا في طبيعة المجتمع المُقَدم في الرواية، ستجده مجتمعًا لا يعترف بحاجة البشر للحب، للعشق، ويعمل في الاتجاه المضاد تمامًا، وإذا اقتنعت إن ذلك الزمن الممتد من السبعينات حتي بداية الألفية في مصر كان زمنًا معاديًا للطموح الفردي، وللإبداع وللحرية وللجمال ستقتنع بقبول سيد بهذه النهاية، أما إذا رأيت أن سيد لديه روح فنان رافض فلن تقتنع بالنهاية، سيد اختار ما أراد بحرية رغم ما يبدو علي السطح من إنه رضخ لأمه!
سيد رضخ لنفسه فقط، ربما لو كان شخصًا آخر كان سيفعل شيئًا مختلفًا.
بالرواية ايحاءات بعلاقات جنسية ولمحات ايروتيكيه لكن بتحفظ، هل كان ذلك بتأثير الرقابة الذاتية، أم لضرورات فنيه؟
من قرأ »سحر أسود« و»سلذات سرية سيري شكلا آخر من التعامل مع »الإيروتيكا« ومختلفًا عما هو موجود في »الحَرِيم«. قد يري القارئ تحررًا أكبر في »الذات سرية«، واكتفاء بالإشارة والإيحاء في »الحَرِيم«، والسبب بسيط جدًا هو إنني أكتب العمل وفقًا لروحه ومزاجه وجسده هو، وليس وفقًا لموقف مسبق لدي ككاتب، وستختلف هذه الروح وسيتغير هذا المزاج باختلاف العمل نفسه، وعالمه، وشخصياته، وأحداثه.
وليس لدي ، ككاتب، سوي رقيب شخصي أحتفظ به في صدري اسمه »الفني«، »الجمالي«، وهو، في رأيّ، أعظم ضمير إنساني لأنه منبع الجمال وكل الفنون والآداب، ففيه كل القيم الإنسانية الرفيعة، فيه الخير والحق والسلام، لكنه لا يعبر عن نفسه إلا في صورة الفن، صورة الجمال. وهذا الضمير هو الذي يحدد ما تكون عليه الكتابة، وما يكون عليه الفن. ثمة نقطة أخري وهي أن الفن والحرية جوهر واحد، فلا وجود للفن بلا حرية، والكاتب هو بالأساس »الحرية ذاتها«، هو الإنسان عندما يتحرر من عبودية الزمان والمكان والمجتمع والعادة والتقليد، هو الغناء الحر، العفوية والتدفق في أقصي تنورها وجمالها، لهذا تجده لا يعبأ سوي بالجمال فيما يبدعه، وهذه غايته ووسيلته ورسالته بل وجوده.
وأنا كاتب بريء براءة كاملة، أتحدث في أعمالي عن الحب كما أهوي، صريحًا مرة، ومتحفظًا أخري، وبالطريقة الفنية التي تروقني لأن هذا طريقي الخاص لمعاينة الجمال الإنساني، وإشراك الآخرين معي فيه.
وفق هذه الرؤية كيف تنظر لفكرة الرقابة بشكل عام؟
الرقابة فكرة حمقاء تمامًا، ومدمرة للإبداع وللمجتمع وللناس وللمستقبل ولم تعد الإنسانية تقبلها، والرقابة علي الإبداع هي ببساطة أن شخصًا أو سلطة أو جماعة تريد أن تقول للناس ماذا عليهم أن يروا، وماذا عليهم أن يشاهدوا، وماذا عليهم أن يقرؤوا، وتقول للمبدع إنك بحاجة إلينا كي نصلح من شأنك ونقومك لتصير مقبولا!
إنها تعني سلطة امتلاك الحقيقي والجميل والنافع، اللائق والمقبول والمرفوض والممنوع، الرقابة تتعامل مع الفرد، ومع الجماعة من بعده، بوصفه جاهلاً وقاصرًا وعاجزًا عن الاختيار لنفسه، إنها استعباد في أحط أنواعه!
في أي قالب فني تضع »كتاب السطور الأربعة« وكيف تري التعاطي النقدي مع أعمالك بشكل عام؟
»كتاب السطور الأربعة« هو عملي الأدبي الفريد في تجربتي ككاتب حتي اليوم، لا أريد أن أضع عليه لافتة أو أمنحه تصنيفًا أدبيًا من عندي، لهذا أصدرته في جزئيه بدون تقرير تصنيفه، وفي الوقت ذاته ليس لدي رفض لأن يصفه النقاد أو القراء بأنه شعر، رواية، رباعيات، تصوف، فلسفة.. هو كل ذلك، فيه من هذا كله، وهو عملي فريد الشكل، الذي قوامه »سطور أربعة« فقط، وعبرها تم بناء العمل الضخم كله في جزئيه. وهو تجربتي الروحية والإبداعية التي غمرتني بإشراقاتها كإنسان قبل أن تغمرني ككاتب.
معظم أعمالي لاقت اهتمامًا واسعًا من قِبل كبار النقاد وشبابهم في التسع سنوات الماضية، أنا شاكر كثيرًا وممتن للجهد النقدي الواسع الذي غمرني به كل هؤلاء في مصر والعالم العربي، وفي الإنجليزية، والفرنسية.
أخيرا كيف تري واقع الكتابة في مصر الآن؟
أري أن الكتابة الأدبية في مصر اليوم في حال توسع وانتشار من حيث الكم والكيف، هناك أعمال جديدة جيدة، هناك كتاب جدد مجيدون، وهناك سوق ناشئ للكتاب، وهناك أيضًا كل الموبقات المصاحبة لنظام السوق والتسليع، من امتهان للقيمة الجمالية للعمل الأدبي لحساب التسليع والبزنس، وصناعة كتاب متواضعين، وتلميع للصفيح علي حساب الذهب، لكن كل ذلك يقول إن واقعنا الأدبي حيوي ومبشر.
أقراء ص 33


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.