أعتقد أن ما تشهده المنطقة من تغيرات جغرافية وسياسية سيؤثر بشكل مباشر علي أدب الأطفال، سواء من ناحية الكتابة أو الرسم، ففي ظل الظروف العادية كان أدب الأطفال مهمشا، ولنا أن نتخيل الوضع في ظل متغيرات تؤثر علي صناعة النشر، وفي ظل تراجع توزيع الجرائد الورقية، وعدم رغبة رجال المال في دخول مجال نشر مجلات الأطفال، وتقاعس مؤسسات الدولة عن دعمها، أو عدم رغبتها في ذلك لأن هناك أمورا أهم، فمؤسسة ضخمة مثل الشرق الأوسط مثلا، أغلقت إصدارها "باسم" عند أول أزمة مالية واجهتها، كما أن هناك صعوبات تواجه مجلات أخري عريقة، أما نشر كتب الأطفال فهو أقل من المستوي المطلوب، إذا علمنا أن أكثر من ثلث الوطن العربي هم من شريحة الأطفال، ولولا بعض المسابقات التي تتبناها دول خليجية لتخلت تلك الدور عن نشر كتب الأطفال الي الأبد. هناك صعوبات أخري تسبب فيها عدم الاستقرار السياسي، فكيف يتم توزيع مجلة أو كتاب في دول مثل ليبيا أو اليمن أو العراق أو سوريا؟، أو يتواصل كتابها ورساميها مع مجلات ودور النشر، أعتقد أن هذه الدول خرجت من المعادلة بأطفالها ومبدعيها، لا يتبقي أمامنا سوي دول معدودة تقاوم الانهيار أو تتخوف من وصول لعبة دومينو السقوط إليها. والسؤال الذي يطرح نفسه كيف لكاتب أطفال يعيش في المنفي أو يخاف الخروج من ضاحيته بسبب القتل علي الهوية، أن يكتب للطفل عن الأمل والحياة والحب والزهور والفراشات، وعالم يتحقق فيه العدل في النهاية، هل يكتب إذن عن الدم والقتل والقنابل؟ إنها معضلة حقيقية لأن الأمور غير واضحة بشكل دقيق، ففي الستينيات عندما كتب غسان كنفاني للطفل كانت هناك قضية عادلة يدافع عنها، كانت هناك الأرض ومفاتيح البيوت وشجر الزيتون، كان يحافظ علي الذاكرة من الاندثار، ولتظل القضية الفلسطينية حية داخل قلوب الأطفال، لكن كاتب الأطفال اليوم عن ماذا يكتب؟ كتابة الطفل في الدول التي تشهد إعادة تشكيل لخريطتها السياسية والجغرافية سوف تتضاءل الي أدني حدودها، وربما تختفي تماما، لأن قارئها لن يكون مهتما بشراء مجلة أكثر من اهتمامه بشراء بندقية، وستنتصر بالتأكيد غريزة البقاء علي غريزة المتعة والثقافة، البديل الوحيد الذي يمكن أن يظهر هو الكتابة الموجهة أو المسيسة، والتي تدافع عن توجهات دينية أو عرقية أو مذهبية معينة "تخيلي قصصا تعلم الطفل أن ملته هي الصحيحة والمؤهلة لدخول الجنة وأن باقي الملل زائفة"، وأعتقد أن هذه الكتابة فاشلة وقصيرة العمر، ولن تصنع أدبا حقيقيا، صدام حسين أنشأ مجلة من هذه النوعية اسمها "المزمار"، كانت كل قصصها موجهة لتمجيد القائد الركن المهيب والهجوم علي الفرس، لكنها لم تترك أثرا أو تخلق تيارا في الكتابة، لأنها كانت أشبه بالمنشورات السياسية التي تعيش لحظتها فقط.في عالمنا العربي، كتابة الأطفال هي الضحية الأولي لأي توترات سياسية أو أزمات مادية، ودائما ما يتم التضحية بها دون أدني شعور بتأنيب الضمير، ببساطة لأن هذه الدول لا تضع ضمن اهتماماتها تلبية احتياجات النشء، فمعظم مجلات الأطفال مهددة بالتوقف وتحولها الي مجلات الكترونية، وهو ما سيؤدي الي تضييق أكثر أمام الكتُاب، أشبه بعملية "خنق" بطيئة لهذا النوع من الأدب.