نقيب الأطباء يطالب بتشديد عقوبات الاعتداء على الأطقم الطبية    انطلاق ماراثون امتحانات الفصل الدراسي الثاني بجامعة عين شمس 12 مايو    عقب تدشينه كنيسة العذراء.. البابا تواضروس: مصر في قلب الله    التنمية المحلية: تنفيذ 5 دورات تدريبية بمركز سقارة لرفع كفاءة 159 من العاملين بالمحليات    انطلاق فعاليات الملتقى التوظيفي الأول بجامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر غدًا    وزيرة التضامن تشهد عرض المدرسة العربية للسينما والتليفزيون فيلم «نور عيني»    «الصناعات الهندسية»: توافر 35٪؜ من مستلزمات صناعات الكراكات بمصر    غدًا | وزيرة التعاون الدولي تُشارك في فعاليات «يوم مؤسسة التمويل الدولية في مصر»    «الصناعات الغذائية» تبحث تحديات شركات الأسماك المؤهلة للتصدير إلى الاتحاد الأوروبي    التشغيل التجريبي الأربعاء.. وزير النقل يتفقد المرحلة الأولى من السيارات الكهربائية بالعاصمة الإدارية    على مدار 3 سنوات.. الدولة تسترد 2.3 مليون متر مربع أراضي زراعية    منها المهددة بالانقراض.. تفاصيل اليوم العالمي للطيور المهاجرة للبيئة    الاتحاد الأوروبي يبدي استعداده لدراسة الاستفادة من مياه الصرف الصناعي المعالجة في مصر    جيهان مديح ل«إكسترا نيوز»: لا يوجد دولة قدمت ما قدمته مصر لدعم غزة    مرحلة أولى.. مطار العريش يستقبل أول طائرة مساعدات مصرية لأهالي غزة - صور    حارس نهصة بركان: سنواجه فريقا متمرسا في إفريقيا.. والنهائيات تعتمد على تفاصيل صغيرة    تشكيل مانشستر سيتي – تغيير وحيد في مواجهة فولام    نتائج منافسات الرجال في اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالم للإسكواش 2024 المقامة بنادي بالم هيلز الرياضي    محافظ الشرقية يهنئ فريق هوكي الرجال بالفوز بالدوري الممتاز للمرة ال33    الداخلية تستعرض جهود تحقيق الأمن ومواجهة أشكال الخروج عن القانون    «الأرصاد» تكشف تفاصيل طقس اليوم: أجواء ربيعية حارة في النهار    محامي شقيقين بقضية مقتل 3 مصريين بقطر يطلب 10 مليون تعويض    وزيرة التضامن: 171 مشرفًا لحج الجمعيات.. «استخدام التكنولوجيا والرقمنة»    بسبب أحمد السقا.. هشام ماجد ثالثًا في شباك تذاكر أفلام السينما ما القصة؟    المفتي يحسم الجدل بشأن حكم إيداع الأموال في البنوك    «صفاقة لا حدود لها».. يوسف زيدان عن أنباء غلق مؤسسة تكوين: لا تنوي الدخول في مهاترات    مركز السموم الإكلينيكية يحذر من تناول أدوية دون إشراف طبي    حسام موافي يعود للنصائح الغذائية بعد أزمة صورة تقبيل يد محمد أبو العينين    معسكر مغلق لمنتخب الشاطئية استعدادًا لكأس الأمم الأفريقية    تداول أسئلة امتحان الكيمياء للصف الأول الثانوي الخاصة ب3 إدارات في محافظة الدقهلية    جدول ترتيب الدوري الإنجليزي قبل مباريات اليوم.. فرصة مانشستر سيتي الذهبية للصدارة    اللجنة العليا لمهرجان المسرح المصري تجتمع لمناقشة تفاصيل الدورة ال 17 (صور)    بعد وصفه ل«الموظفين» ب«لعنة مصر».. كيف رد مستخدمي «السوشيال ميديا» على عمرو أديب؟    ما حقيقة فيديو باسم سمرة مع إنجي علي في برنامج «أسرار النجوم»؟    ضرب الشحات «قلمين».. اعلامية تكشف شروط الشيبي للتنازل عن قضيته (فيديو)    السفير المصري يلتقي وزير الخارجية بجنوب السودان    فيديو.. متحدث الأونروا يروي تفاصيل اعتداء مستوطنين متطرفين على مقر الوكالة بالقدس    وزيرة الهجرة توضح آخر مستجدات مبادرة السيارات    رئيس هيئة الرعاية الصحية يتفقد المستشفيات والوحدات الصحية بالأقصر    جهاز المنصورة الجديدة: بيع 7 محال تجارية بجلسة مزاد علني    توريد 164 ألفا و870 طن قمح بكفر الشيخ حتى الآن    شروط وأحكام حج الغير وفقًا لدار الإفتاء المصرية    مصرع مهندس في حادث تصادم مروع على كورنيش النيل ببني سويف    توقعات موعد عيد الأضحى 2024 في الجزائر: شغف وترقب    لهذا السبب.. بسمة بوسيل تتصدر تريند "جوجل"    صحة أسيوط: إحالة 7 أطباء ورئيسة تمريض للتحقيقات العاجلة    "لا يتمتع بأي صفة شرعية".. الإمارات تهاجم نتنياهو بسبب تصريحاته الأخيرة    «الصحة»: نتعاون مع معهد جوستاف روسي الفرنسي لإحداث ثورة في علاج السرطان    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    الشيبي يهدد لجنة الانضباط: هضرب الشحات قلمين الماتش الجاي    كرم جبر: أمريكا دولة متخبطة ولم تذرف دمعة واحدة للمذابح التي يقوم بها نتنياهو    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    عمرو دياب يحيى حفلا غنائيا فى بيروت 15 يونيو    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    حظك اليوم وتوقعات الأبراج السبت 11 مايو على الصعيد المهنى والعاطفى والصحى    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يارا أجمل قصائده
رفعت سلام: الثورة الآن معتقلة!
نشر في أخبار الأدب يوم 11 - 10 - 2014

هنأته بصدور الجزء الثاني من ديوانه، وطلبت موعدا لحوار. رحب فورا لكنه أرجأ تحديد الموعد لما بعد الجلسة قال:"سوف تعذرني إن قلت لك أن كل شيء يتوقف عندي مؤقتا علي ما سيحدث في جلسة يارا".
صدر الجزء الثاني من "ديوان رفعت سلام" في وقت صعب، فحياة الشاعر الكبير أصبحت مرهونة بجلسات محاكمة ابنته، يارا..المحتجزة علي خلفية خرق قانون التظاهر والمتهمة باستعراض القوة! غضب وقلق كبير يتنازعان قلب الشاعر الذي يناجي ابنته المحتجزة في سجن القناطر يوميا علي صفحته ب"فيس بوك" مقدما نموذجا جديدا للقصائد السياسية. لكنه ورغم هذا بدا متماسكا وعندما سألته عنها قال إنها أكثر تماسكا بحكم خبرتها كمحامية، وأنه قلق علي المحتجزين معها أكثر منها "تري ما الذي يمكن أن يفعله احتجاز أطفال في سجن كهذا لأكثر من 100 يوم؟".
يضم الجزء الجديد الأعمال الشعرية: "إلي النهار الماضي" (1998)، "كأنها نهاية الأرض" (1999)، "حجر يطفو علي الماء" (2008)، "هكذا تكلم الكركدن" (2012)، فضلاً عن قصائد البدايات التي لم يسبق نشرها من قبل، وتسبق زمنيًّا الديوان الأول "وردة الفوضي الجميلة"، أي النصف الأول من السبعينيات. وكان الجزء الأول من "ديوان رفعت سلام" قد صدر منذ نحو عام، ويضم "وردة الفوضي الجميلة" (1987)، "إشراقات رفعت سلام" (1992)، "إنها تومئ لي" (1993)، "هكذا قلت للهاوية" (1993).
هنا نحاور رفعت سلام احتفالا واحتفاء بشاعر له تجربة شعرية فريدة، ومترجم قدير قدم أعمالا لم يجرؤ غيره علي الاقتراب منها، بالإضافة لسلسلة المائة كتاب التي بدأت مع مطلع العام الماضي برائعة ثربانتس "دون كيخوته" وقدمت حتي الآن نحو 15 عنوانا لايمكن أن تقول عن أي منها إنه قليل الأهمية، أو يمكن الاستغناء عنه..يتحدث عن الشعر والثورة والترجمة وعما فعلته تجربة الاحتجاز في الشاعر والأب.
بعد صدور الجزء الثاني من أعمالك الكاملة كيف تنظر لهذه التجربة الطويلة؟
- ليست "أعمالاً كاملة"، بل هي "الأعمال الشعرية" المنشورة حتي الآن، فحسب. وهي تجربة تمتد نحو أربعين عامًا، منذ منتصف السبعينيات.. حتي ديواني الذي صدر منذ عامين تقريبًا. ولابد أن هناك أعمالاً جديدة قادمة، ما تزال تنتظر في مكانٍ ما، في وقتٍ ما.
لقد أحسستُ بإجهاد روحي، معنوي، وأنا أعد الجزءين للنشر، حيث كان عليَّ أن أراجع حصاد أربعين عامًا شعريًّا في شهر أو شهرين، أن أستعيد كثافة الأربعين عامًا في فترة لا تتجاوز الشهرين.
وفي الإبداع، ليس "الكَم" معيارًا، لكنها الرحلة بتضاريسها الفانتازية، التي لا يمكن التنبؤ بها مسبقًا، والسيطرة عليها، إلا في حدود ضيقة بالغة العمومية؛ كأن تنتبه مبكرًا- مثلاً- إلي أن كل عمل شعري جديد لابد أن يكون "جديدًا" فعلاً في تجربته الشعرية، لا تكرارًا أو إعادة إنتاج لما سبقه؛ فالإبداع لا يعرف التكرار وإعادة الإنتاج أو النسخ. وستكون هذه الملاحظة- التي تبدو في سطحها "بديهية" وعادية- عبئًا علي لحظة الكتابة، يقسمك لحظتها إلي شاعر و"مراقب" لهذا الشاعر، في آن.
هي ملاحظات ذاتية في أغلبها، وعامة؛ وخاصةً أنني لا أحب العودة إلي ما كتبت، لا قراءةً ولا مراجعة؛ بل يتشكل لديَّ دافع غريزي لنسيانه، ليمكنني الدخول إلي العمل الجديد متحررًا من نفسي.
"صوت شعري فريد لا يشبه سوي ذاته"، هكذا يقدمك الديوان، وأنت مجدد ومجرب بلا شك. فهل أفادك التجريب، وأرضتك الفرادة علي المستوي النقدي، وعلي مستوي الانتشار؟
- أعتبر التجريب تحررًا من كل قيد مسبق، من وطأة التقاليد والأنماط المتاحة سلفًا، وبحثًا فيما- أو عما- لم يُكتشف، ولم يُستهلك؛ بحثًا عن صيغة أخري، أفق آخر، نصًّا آخر لم يخطر- ربما- علي قلب شاعر. وثمة فارق كبير بين أن تمتلك تلك التقاليد والأنماط- بلا سلطان لها عليك- وأن تمتلكك، وتحتلك. فمن أسسوا لها كانوا شعراء، ونحن شعراء. ولابد أن يكون الشاعر حُرًّا بالفعل إزاء هذه التقاليد والأنماط، بل إزاء ما قدمه هو من قبل، ليمكنه أن يضيف "إبداعًا" لا "نسخة" إضافية. وبدون هذه الحرية الداخلية، فلن يتمكن الشاعر- أو المبدع عمومًا- من تقديم "الخصوصي"، "الإبداعي"، "المتفرد".
أما المستوي النقدي، فهو طيب، إذا ما وضعنا في الاعتبار أن التجربة واجهت- في بدايتها- مناخًا نقديًّا أقرب إلي التقليدي، بل مناخًا معاديًا، في السبعينيات والثمانينيات. ورغم ذلك، فقد صدر كتابان لأستاذين في النقد الأدبي عن تجربتي الشعرية، بصورة مبكرة: للدكتور محمد عبد المطلب، والدكتور علي البطل؛ فضلاً عن عشرات الدراسات النقدية، وفصول من رسائل الدكتوراه والماجستير، إلخ. والآن، يبدو الموقف النقدي أفضل بكثير، مع دخول جيل جديد من النقاد والأكاديميين إلي الساحة.
أما الانتشار، فيكفي أن جميع الدواوين قد أعيد طبعها أكثر من مرة، وبعضها- وخاصةً الدواوين الأخيرة- نفدت في وقتٍ قياسي، وآخرها "هكذا تكلم الكركدن".
هل يتبع أحد من الشعراء الجدد الخط الذي انتهجته؟ وإن وجد بماذا تنصحه؟
-لا أدري. ولا أتمنَّي. فالإبداع لا يعرف الاتباع، لا يعرف الطرق المطروقة، المستهلكة، والسهلة. ولكل شاعر أو مبدع أن يكتشف طريقه الخاص، ونبرته المتمايزة عن الجميع، سواء السابقين أو المتزامنين معه. وإذا ما وُجد مثل هذا الشاعر، فلا نصيحة عندي سوي دعوته إلي الاستفادة من تجربتي الشعرية، في البحث عن تجربته الخاصة، وصوته الشعري الخصوصي.
لماذا يكثر استشهادك بآيات من القران في ثنايا قصائدك؟
- القرآن هو أحد المكونات الثقافية في المجتمع، ولي. وقد تربيت في أسرة عادية تشربتُ خلالها وجوهًا من الثقافة التقليدية، ومن بينها الثقافة الدينية المعتدلة. بل إنني ذهبت إلي الكُتَّاب بالقرية قبل دخولي المدرسة الابتدائية، وعماده القرآن. لكني لم أحتمله طويلاً فهجرته، إلي أن حانت المدرسة.
لكنه- من ناحية أخري- يمثل أحد أبعاد التراث الثقافي، ومخزونًا لغويًّا لمن يحب تأمل اللغة، المعجم، بنية الجملة، بعض الصور، البنية العامة، إلخ. ولكل ذلك، فهو- والشعر العربي القديم- حاضران بقوة في نصي الشعري، لا بالقبول الأعمي، بل بالتأمل وإعادة النظر ومساءلة الرؤية، باعتبار التراث أساسًا متينًا في التجربة الشعرية، دون أن يعني ذلك الخضوع ومحو الذات الشعرية، المعتدة باستقلاليتها فوق أي اعتبار.
كيف توازن بين الشاعر والمترجم بحيث لا يجور أحدهما علي الآخر؟ وهل تتأثر بمن تترجم لهم؟
لم أكن أتصور- حتي الثمانينيات- أنني سأنشغل بالترجمة إلي هذا الحد. كما أنني- حتي الآن، ورغم ما قدمت في مجال الترجمة- فلا أعتبر نفسي مترجمًا محترفًا. بل أترجم ما أختاره، لا ما يختاره لي سواي، وأقضي معه الوقت الملائم لي، قبل أن أسلمه إلي النشر. ولهذا، فلم تكن هناك أية ضغوط خارجية عليَّ في ذلك. فأنا أتعامل مع الترجمة من باب الاستمتاع والهواية، لا أكثر. وبالتالي، وبشكل أقرب إلي الغريزي، لم أكن أقرب الترجمة إلا في الفترات الزمنية الفاصلة بين عملين شعريين. فهي- علي العكس من الشعر- يمكن إنجازها في أي وقت، بلا شروط صعبة كشروط الشعر. وهو ما جعلها دائمًا مرهونةً بالشعر، بحالة الفراغ الشعري.. لا أكثر. أما إذا حَل الشعر، فلابد أن يُزاح كل شيءٍ إلي الوراء.
وقد فتحت لي الترجمة آفاقًا أبعد وأرحب من فكرة "التأثر"؛ فكرة "التعددية الشعرية". فكل شاعر قدمته كان متمايزًا بقوة عن سواه، بلا نمطية. ذلك كان يعني لي أن "الشعرية" ليست طريقًا أو أفقًا واحدًا علي الجميع أن يسلكوه أو يخترقوه؛ فعليَّ إذن اكتشاف أفقي الخاص. والتمايزات الشاسعة الكبري بين بوشكين وريتسوس وماياكوفسكي وكفافيس- مثلاً- كانت تؤكد لي فكرة "الفرادة" التي لابد للشاعر أن يحققها؛ ألا يكون مقلدًا أو ناسخًا لأحد (مهما كانت قيمة هذا الأحد)؛ وفكرة أن تراثي الشعري أرحب من أن يكون "العربي" فحسب؛ وأن الشعر أوسع وأعمق بكثير من الشاعر.
نعم، أفادتني الترجمة في تأكيدها علي ما كان يجول ببالي في السنوات الأولي من السبعينيات، من ضرورة المغامرة الشعرية والتجريب، مهما كانت النتيجة صادمة ل"الذوق العام".
ولحسن الحظ، أن اهتمامي بالترجمة كان غائبًا عن سنوات التكوين الشعري الأساسية (السبعينيات). وحين بدأت الاهتمام بهذا الشاعر أو ذاك (البداية كانت ببوشكين)، كانت قد تشكلت لديَّ رؤًي وتصورات خاصة كان من الصعب أن يتلاعب بها هذا الشاعر أو ذاك، حتي لو كان بقامة بوشكين أو ماياكوفسكي.
ما أصعب الكتب التي ترجمتها؟ وكيف تري الإقبال علي ما تترجم؟
- ترجمة الشعر عمومًا هي الأصعب. فأنت تترجم نصًّا متعدد الوجوه والأبعاد والتأويلات، وعليك أن تحاول الإمساك بها جميعًا وإعادة تقديمها في لغتك، بصورة أقرب ما تكون إلي الدقة والشعرية في آن. معادلة بالغة الصعوبة والتحقيق. فالترجمات العربية السائدة تفتقر إلي تحقيق هذه المعادلة الصعبة. فغالبيتها تفتقر إلي العنصرين معًا. وبعضها قد يحقق الدقة، بلا شعرية (فما الجدوي؟)..
وربما كانت "الأعمال الشعرية الكاملة لرامبو" هي أصعب ما مررتُ به في الترجمة.. ففي كثير من الحالات، كانت الصعوبة تكمن في الإمساك- ذهنيًّا وخياليًّا- بالصورة الشعرية الفانتازية، وفي استيعابها في شكل لغوي "عربي" جدير بها، بلا تشويه أو اختراع، علي نحو ما جري في ترجمات سابقة.
لكن ما يسعفني دائمًا في ذلك هو الصبر و"طول النَّفس"، وإعادة النظر مرارًا وتكرارًا بلا عجلة (تلك مزية عدم الارتباط بالنشر إلا بعد الانتهاء من جميع المراجعات، والاطمئنان إلي الترجمة). وثمة حلول لا تجيء إلا في المراجعة الثالثة أو الرابعة، كلحظة تنوير مفاجئة.
وقد طُبعت أعمال الترجمة الأولي (بوشكين، ماياكوفسكي، ليرمونتوف) لأكثر من طبعة، وهي نافدة منذ سنوات. أما الأعمال الكاملة لكفافيس مثلاً، فنفدت الطبعة الأولي- عن هيئة قصور الثقافة- في أقل من شهر، رغم صدور ترجمات سابقة ومتزامنة كثيرة لكفافيس لمترجمين مختلفين (بعضهم عن اليونانية مباشرة كالدكتور نعيم عطية، والدكتور حمدي إبراهيم)، ورغم صدور الترجمة في ظروف بالغة الصعوبة والارتباك (منتصف عام 2011). وليس هناك ما هو متاح الآن من ترجماتي سوي أعمال رامبو الشعرية، لأنها الأحدث (صدرت منذ عامين، بهيئة الكتاب).
وهو- بشكل عام- أمرٌ جيد، بما يعني أنه ليس هناك كتاب واحد "بائر" من بين 13 كتابًا مترجمًا.
أما الإقبال علي الترجمات، فهو الآن في ذروته، وخاصةً إذا ما وثق القارئ بمستوي الترجمة، مثلما يحدث حاليًّا مع سلسلة "آفاق عالمية"، التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة. لكن هذا الإقبال لا يجد ما يشبعه من ترجمات مصرية، في ظل تخبط وعشوائية المركز القومي للترجمة، ومحدودية إمكانيات "آفاق عالمية" و"سلسلة الجوائز" التي تصدر عن هيئة الكتاب.. فيتوجه- رغمًا عنه- إلي ما يرد إلينا من بيروت وغيرها.
لماذا تهاجم تعدد جهات الترجمة في مصر؟
- بل لعلي مع تعدد جهات الترجمة، وتزايدها أكثر فأكثر، لأننا- في النهاية- لا نترجم إلا أقل القليل مما يتوجب ترجمته، فتزداد الفجوة المعرفية بيننا وبين ثقافات العالم اتساعًا وعمقًا. وبالمقارنة بما تترجمه إسرائيل، ستبدو المقارنة مخزية لنا، رغم التفاوت الهائل في عدد السكان.
وتعددية جهات الترجمة تعني- في تقديري- الزيادة الكمية للترجمات، وتنوعها، ودخول أجيال من المترجمين الجدد إلي المجال، وزيادة الزخم الثقافي بما تطرحه هذه الأعمال من أفكار، إلخ. لكن إحدي المشاكل في ذلك تكمن في أن دور النشر الخاصة- وما أكثرها- غير معنية بالترجمة، فلا يتبقي سوي دور المؤسسات والهيئات الحكومية التي تحمل المهمة علي عاتقها. ولابد من دعم هذه المؤسسات والهيئات، لزيادة سلاسل الترجمة، وزيادة الإصدارات لتلبية الطلب المتزايد علي الكتب المترجمة، بشرط دقة الاختيار، ودقة الترجمة، وعدم المبالغة في سعر الكتاب بما يتوافق مع الوضع الاقتصادي المزري حاليًّا للمواطن المصري.
لكن لابد من تصويب بوصلة المركز القومي للترجمة، وإعادة تخصيص المهام، بدلاً من التخبط الحالي الذي يهدر إمكانيات هائلة في العبث. فإذا كانت السلاسل تتعامل مع الأعمال الأدبية المفردة (ديوان شعر، رواية، مجموعة قصصية، كتاب نقدي)، فلابد أن يتوجه المركز إلي تأسيس بنية استراتيجية في مجال الترجمة: تلك الأعمال الكبري المؤسسة للفكر والوعي الإنساني، التي لا تستطيع سلسلة، ولا دار نشر، أن تقوم بها. وثمة الكثير من القوائم التي تصدرها جامعات العالم الرصينة التي تحدد- بعناوين الكتب- ماهية تلك الأعمال، منذ الحضارة الإغريقية حتي الآن، دون اختراع ما اختُرع.
ولكن هناك مَن يتحدث عن تكرار نشر نفس الأعمال هنا وهناك؟
- نعم، ربما من باب إثارة زوبعة في فنجان، وليس من باب موضوعي. فموضوعيًّا وواقعيًّا، يصل إنتاج الكتب في الهيئات الحكومية الثقافية إلي نحو ألف كتاب، تتحمل هيئة الكتاب النصيب الأوفي فيه، تليها هيئة قصور الثقافة، فالمركز القومي للترجمة، فضلاً عن المجلس الأعلي للثقافة، إلخ. وإذا ما كان البعض يتحدث عن تكرار عملين، فذلك يعني أن النسبة لن تزيد عن 2 في الألف! فهل هي نسبة مزعجة إلي هذا الحد؟ هل تمثل ظاهرة؟ ليت نسبة الخطأ- في بقية قطاعات الوزارة (المسرح، الفنون التشكيلية، الموسيقي، إلخ)- تصل إلي هذه النسبة!
ومن ناحية أخري، فتكرار النشر سيصل بالكمية المطبوعة إلي نحو 3 آلاف نسخة من العمل (المركز القومي للترجمة يطبع ألف نسخة فقط من الكتاب)، في مجتمع يصل إلي التسعين مليونًا ! كما أن اختلاف المترجمين سيؤدي إلي فتح النقاش حول قضايا الترجمة، والتمايزات بين الأساليب المختلفة للمترجمين.. وتكرار النشر- في ذاته- ليس وصمة؛ ! فغالبية دور النشر الفرنسية الكبري- علي سبيل المثال- تنشر معًا أعمال بودلير ورامبو، في طبعات شعبية وغير شعبية، دون أن يتحول الأمر إلي زوبعة.
أنت راضٍ عن كل ما صدر في سلسلة ال100 كتاب؟ وما الذي تأمله لهذه السلسلة؟
- بل فخورٌ بما تم إنجازه حتي الآن، وممتن لكل من ساعد علي هذا الإنجاز. فقد أنجزنا نحو 20 في المائة من قائمة المائة كتاب، في الظروف المرتبكة المعروفة خلال العامين الماضيين، وهناك نحو 15 عملاً جديدًا تحت الترجمة حاليًّا من مختلف اللغات، حتي الصينية. والمترجمون متحمسون،
رغم الأجر الذي لا يزيد عن نصف الأجر المتاح لهم بالمركز القومي للترجمة، والنسخ تنفد في فترات قياسية، تصل إلي بضعة أيام أحيانًا.. لأن السلسلة تسد احتياجًا ماسًّا لدي جمهور القراء للتعرف علي أهم مائة عمل إبداعي في التاريخ الإنساني، ولأنها انتقلت بالترجمة من الترجمة "العامة" التي تمحو السمات الأسلوبية للمؤلف إلي التدقيق والرهافة في تحقيق تلك السمات- المتفاوتة من مؤلف إلي آخر- في كل ترجمة جديدة،
ولم تسمح بتسرب أمراض الترجمة العربية والمصرية إليها، من قبيل الحذف، والتشوية، والإفراط في التأويل المزاجي، والاستعراض اللغوي لدي المترجم علي حساب العمل، وغيرها.
وقد قدمت السلسلة- بإمكانياتها المحدودة- ترجمات لأول مرة في اللغة العربية، من قبيل رواية كالفينو "لو أن مسافرًا..."، وديوان "أغنيات البراءة والتجربة " لوليام بليك، ولأول مرة في الترجمة المصرية، كرواية "بيدرو بارامو" لخوان رولفو، و"الأب جوريو" لبلزاك، و"جاك القدري" لديدرو، وغيرها. لكنها- في جميع الحالات- وفرت هذه الروائع للقارئ الراهن، في ترجمات أدق وأرقي بكثير من أية ترجمات سابقة، وخاصةً ترجمة رواية "الصخب والعنف" لفوكنر، التي لم يجترئ مترجم أو جهة سوانا علي إعادة ترجمتها بعد جبرا إبراهيم جبرا، خوفًا من الدخول في مقارنة مع ترجمة جبرا.
وتخطو السلسلة خطوات واثقة وفقًا للرؤية المعدة سلفًا، المنشورة في صدر الكتاب الثاني منها (رواية "بيدرو بارامو")، ولا نأمل سوي الاستجابة للطلبات الملحة بمضاعفة الكميات المطبوعة، لتلبية الطلب المتزايد في الأقاليم والمدن الصغيرة، وإصدار طبعة ثانية من الأعداد العشرة الأولي- علي الأقل- التي نفدت في وقت قياسي لدي صدورها، بلا مرتجع. ومن حق مترجمي السلسلة أن يقل التفاوت بين أجرهم وأجر نظرائهم- أو أجرهم هم أنفسهم- لدي الترجمة بالمركز القومي للترجمة، إن لم يمكن تحقيق المساواة- وهي مشروعة ومنطقية- في الأجور.
دعنا نعود إلي الشعر..كيف تقيم الشعر الذي قيل في الثورة؟
- هو أقرب إلي المنشورات السياسية، الحماسية، منه إلي الشعر. فلم يُكتب حتي الآن شعرٌ يليق بالثورة، أو يرقي إبداعيًّا إلي مستواها وقيمتها كفعل "إبداعي" إنساني فريد. هو أقرب إلي "إثبات الحضور" و"أداء الواجب" واستغلال "المناسبة". نعم، هو شعر "مناسبات" عابر، شعر "مديح" للثورة، من الخارج، يصلح للمناسبات الخطابية، الحماسية.. لا أكثر.
سيأتي الشعر اللائق بالثورة، إبداعيًّا، إن آجلاً أو عاجلاً.. أما ما يُنشر حتي الآن، فهو شعر بائس.
تنظر لواقع الشعر الآن بشكل عام في مواجهة الفنون الأخري؟
- ثمة حيوية ملحوظة في الواقع الشعري حاليًّا، بدخول أصوات شعرية جديدة، وجادة، إلي الساحة الشعرية، واهتمام من مجتمع المثقفين بها. فلم تعد الساحة احتكارًا لمجموعة معينة، أو توجه معين، بل انفتحت علي مصاريعها. وهو بالتأكيد ما يثري الوضع الشعري العام.
والمؤكد أن وضع الشعر حاليًّا أفضل بكثير، في علاقته بجمهوره، وفي ترسيخ أصواته الجديدة، من وضع السينما- مثلاً- والفنون التشكيلية والمسرح والموسيقي الجادة، إلخ..
هل اختلف الأداء الثقافي الرسمي بعد يناير عن قبلها؟
- لم يختلف بمقدار شَعرة. فقبل عام، كنت أقول إن الثورة لم تدخل وزارة الثقافة بعد، بل لم تقترب منها. أما الآن، فإن الثورة المضادة تحتل وزارة الثقافة. وهو ما سمح- علي سبيل المثال- لأن يحصل وزير سابق، منذ عام تقريبًا، علي إحدي جوائز المجلس الأعلي للثقافة الذي يرأسه، وأن يغضب وزير تالٍ علي أمين عام المجلس لأن لجنة الجوائز لم تصوت لصالحه.
فلا جديد. لقد عادت وزارة الثقافة إلي عهد حسني مبارك، في سنواته الأخيرة. و"الحظيرة" إياها تستعيد عافيتها، بعد أن خلخلت أعمدتها ثورة يناير.
كيف تقيم مشاركة المثقفين في الثورتين، وأين تفضل أن يكون موقع المثقف: مشاركا في الحدث، أم مقيمًا له، ومحفزًا عليه؟
- إذا كنا ممن وقفوا ضد تدجين المثقفين خلال عهد حسني مبارك، وتأسيس ما أسماه الوزير الأسبق فاروق حسني ب"الحظيرة"، ورصدنا مَن دخلوها وعملوا بها، فلابد أن نرصد- في المقابل- أن فريقًا آخر من المثقفين رفض الوضع برمته، وتمسك بوضعه المستقل، المناوئ، لسنوات سابقة علي ثورة يناير.
فدور المثقف المصري لا يبدأ مع الثورة، خلالها، بل يسبقها. ربما كان أهل "الحظيرة" أعلي صوتًا، آنذاك، لكن مجموعات المستقلين لا يمكن التغاضي عنها ودورها الاستباقي. وهو ما يتواصل حاليًّا في مواجهة الثورة المضادة، التي تحاول إعادة ترميم النظام السابق، وخاصةً في وزارة الثقافة، علي أيدي الرموز القديمة نفسها، أهل "الحظيرة". فدور المثقف يسبق الثورة، ويواكبها، وينقدها في نفس الوقت.
كيف تقيم فترة حكم الإخوان المسلمين؟
كان عامًا من ظلام، علي مستوي الواقع، وعلي مستوي الأفق المنتظَر. كائنات عاوية خرجت من الكهوف والسراديب المظلمة كأهل الكهف، تصرخ وتعوي في وجوهنا، وتوصد الأفق بأسراب خفافيش وكوابيس لم تخطر علي قلب بشر مصري. كابوسٌ يحلمون فيه بممالك الرمل ورايات ظلامية مرفرفة علي أرض أسست للحضارة الإنسانية كلها منذ الأزل.
من وجهة نظرك هل حققت الثورة أهدافها، وما الأخطاء التي وقعت فيها؟
- للأسف الشديد، لم يتحقق أي هدف من أهداف الثورة التي سالت دماء المصريين من أجلها في الميادين ("عيش، حرية، كرامة إنسانية"؛ "الشعب يريد تغيير النظام"). بل إن الثورة في حالة انتكاس، وهيمنة حالية لقوي الثورة (هل هناك أي وجه- من حكامنا الحاليين- ينتمي للثورة؟ أم أنهم جميعًا أبناء الصفوف الخلفية لنظام مبارك؟ هل هناك أي توجه مغاير لتوجهات نظام مبارك، في الاقتصاد والحريات، مثلاً؟).
ولا تقع الثورات في أخطاء، لأن الأوضاع "الخاصة" تفرض قوانينها، رغم كل الكتب والنظريات، خارجةً علي كل النماذج السابقة. فلدينا، كانت القوي الحزبية المنظَّمة مهترئة إلي حد أن أصبحت أداة طيعة في يد أمن الدولة (نتذكر هرولتهم إلي اجتماع عمر سليمان، إبان الثورة)، والقوي الجديدة (الشبان) يفتقرون- في نفس الوقت- إلي التنظيم والهيكلة، وتحديد الهدف مسبقًا، كنتيجة للتجريف السياسي الذي اعتمده نظام مبارك وجهازه الأمني طوال ثلاثين عامًا.
هي ثورة بلا نموذج سابق لها، عمادها الأساسي "العفوية"، وقوتها الأساسية "الشبان"، وهدفها تغير علي الأرض يومًا بيوم، من فضح التعذيب البوليسي إلي "الشعب يريد إسقاط النظام".
ماذا فعلت تجربة اعتقال يارا بالشاعر، والأب؟ هل أثرت تلك التجربة القاسية علي موقفك من الثورتين؟
- أعي أنني وسط التجربة الآن. فهي ما تزال معتقلة لما يزيد علي مائة يوم، مع زميلات وزملاء. ولا أستطيع أن أرصد ذاتي من الخارج، فبصري وبصيرتي موجهان إلي يارا، دون أن يتشوش البصر أو البصيرة.
فاعتقال يارا وزميلاتها وزملائها هو نتاج للفشل في تحقيق أهداف الثورة، ولانقضاض قوي الثورة المضادة علي أجهزة الدولة. فتلك الأجهزة- التي لم تتغير، واستعادت بسرعة سيرتها القديمة- هي التي اعتقلتهم، وتحاول أن تضرب بهم المثل للآخرين، من باب "الإرهاب" و"التخويف" و"قرص الأذن". وليست الثورة هي التي اعتقلتهم، بل إن الثورة نفسها معتقلة الآن.
إلي أين وصلت مبادرة إلغاء قانون التظاهر؟
- وصلت إلي توقيع نحو ألف مثقف ومبدع مصري وعربي (متضامن) عليها. عدد لم يخطر ببالنا حين أطلقنا وثيقة رفض قانون التظاهر. فلم يصل عدد الموقعين علي بيانات المثقفين من قبل إلي هذا العدد، وإلي ثقل الأسماء الموقعة، وتاريخهم الناصع.
هل فكرت في الكتابة للرئيس ، وهل تتوقع أن يقرأ إذا كتبت؟
لم تخطر الفكرة ببالي مطلقًا. فعندما تزور سجن القناطر، وتري الوجوه الجميلة والبريئة لزميلات يارا الطالبات بالجامعة، المحبوسات لنحو مائة يوم حتي الآن، دون أن يسرقن أو يقتلن أو يدمرن أو يخربن.. فلابد أن تخطر ببالك عشرات الأسئلة الشائكة والحرجة. أمِن أجل هذا خرجت الفتيات- وأخوتهم وآباؤهم وعائلاتهم- في يناير، ثم في يونيو؟ أمن أجل هذا خرج الشعب المصري، عن بكرة أبيه؟
والغريب أنهن- رغم مواقفهن المعارضة من قبل- فلم يُسجَن في عهد الإخوان!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.