دار الكتب العامة بالزقازيق أنشئت دار الكتب العامة بالزقازيق بدعوة من أفندية الزقازيق والمثقفين والمتعلمين بمساعدة الوجهاء والأعيان وأمراء الأسرة المالكة الذين أهدوا الدار عددًا لا بأس به من الكتب والمخطوطات من أشهرهم طلعت باشا حرب ، والحاج خليل عفيفي والأمير عمر طوسون ، وأسرة إسماعيل باشا أباظة و سليمان باشا أباظة، وعبد العزيز باشا رضوان والعديد من مثقفي وأبناء الشرقية الذين حرصوا علي تدوين إهداءاتهم الشخصية علي الكتب المهداة منهم للدار والتي ويعود أكثرها إلي الأمير عمر طوسون وبعض أبناء الشرقية كعزيز أباظة وفكري أباظة ..وغيرهم من أبناء الشرقية ووجهاء وأعيان ومشايخ الزقازيق .. ولأن منطق المقاولات والجشع الذي يحكم أسلوب التعامل عندنا الآن في كل شيء أصبح يمثل ظاهرة مخيفة تقف وراء كل الظواهر السلبية التي نعانيها .«فقد أطاح هذا المنطق منذ سنوات بالمبني التاريخي ذا الطراز الإنجليزي لدار الكتب بالزقازيق بجوار كنيسة الشهيد البطل مار جرجس علي كورنيش المدينة لينتقل مقر الدار لمبني اسمنتي باهت الملامح بميدان أبو خليل بكفر النحال أعلي أحد الأفران الآلية لعدة سنوات قبل أن يستقر في مبني متهالك أمام مديرية الزراعة خلف مبني المحافظة بالزقازيق والذي تعرض في الآونة الأخير لعدد من المخاطر جراء اعتصامات واحتجاجات أمام مبني المحافظة وتعرض المجلس الشعبي المحلي المجاور أيضًا - للدار لحريق سابق كاد يلتهم الدار بما فيها مما يذكرنا بفاجعة إحراق المجمع العلمي المصري بثروته القومية من الكتب والمخطوطات التي لاتُقدر بثمن حين أُحرقت واحترقت معها قلوبنا ونحن نشاهد النيران وهي تلتهم تراثنا وتاريخنا ، ومن قبله كارثة إحراق دار الكتب العامة بالمنصورة والتي احترقت يومي 28 ، 29 يناير 2011م . واستسلمت الدار لقرارات إدارية عمياء لا يعنيها التاريخ والأصالة والقيم بقدر ما يعنيها قدر ما ستجنيها من أرباح .. لتقف الدار اليوم شاهدة علي جزء من وطن القهر الذي كتم حسرته وتحجرت مآقيه الدموع .. نهبوا إمكاناته .. فاستحضر تراثه لملء فراغ الجوع ... رهنوا مقدراته فاستقوي بتاريخه علي حاضر ومستقبل فرض عليه الخنوع واستمر كيد الزمارين فما بين آلام أبناء عاقين وضغوط لصوص معتدين اختصروا تراث المدينة في تكية فالمتعاون قهرا والمتعاون عمداَ وثالث رآها وسيةَ لا تستقيم إلا ب(المحافظة) علي حمل ما خف وزنه وثقل ثمنه!! ... وتصمد دار الكتب بالزقازيق أمام واقعها الواهن وحواسها تصبوا إلي آياد تتلاقي تدفع العجز وتزيل التجاعيد تبحث عن ذاتها وحالها البائس كباقي دور الكتب التي تحول فيها أمين العهدة، من خازن مخطوطات، إلي حانوتي مخطوطات. هذا ما يحدث مع مخطوطات جامعة الإسكندرية ، ومخطوطات مكتبة رفاعة الطهطاوي بسوهاج، ومخطوطات بلدية دمنهور ودار الكتب بالزقازيق وفي أماكن أخري كثيرة تحتاج لقرار سيادي أو إصدار قانون يتم بموجبه جمع كل المخطوطات وإيداعها في مكان أمين يرعي حرمتها ويعرف قيمتها ليتحول الكتاب والمخطوط المصري لقوة فاعلة مضافة لقوة مصر الناعمة . ما أخشاه اليوم أن تواجه مخطوطات دار الكتب بالزقازيق نفس مصير مقابر الجالية اليونانية والتي سبق ووجهت بشأنها استغاثة عام 2008م . عبر صفحات أخبار الأدب ثم جريدة القاهرة (لسان حال وزارة الثقافة) لإنقاذها من عبث العابثين ولكن لا حياة لمن تنادي . وتم بالفعل (تدمير مقابر الجالية اليونانية بشارع المعهد الديني بالزقازيق) التي أنشئت في القرن التاسع عشر الميلادي بطراز معماري متميز قلما نجد مثيله إلا في كبريات المدن العريقة كالإسكندرية وأثينا بأناقتها وقيمتها التاريخية والأثرية التي لا تقدر بثمن ووقتها ولم أدرِ لماذا لم نسجل تلك المقابر في سجلات هيئة الآثار في الوقت الذي سجلنا فيه مقبرة أبو حصيرة أثراً تاريخياً في دمنهور ..ولكنه منطق المقاولات الذي لا يضع أهمية لشيء أسمه التراث والتاريخ أو ذاكرة الأمة ومقدساتها ولهذا يستبيح كل شيء علي أساس أنه يفترض أن القيمة الوحيدة هي قيمة المال وسعر السوق الذي يتصور أن كل شيء قابل للبيع والشراء ابتداء بضمائر الناس وانتهاء بقيمة البشر والتاريخ . نفس المصير الذي تتعرض له اليوم مخطوطات دار الكتب بالزقازيق والتي كان يبلغ عددها أكثر من ال 200 مخطوط (كما صرح لي أحد مديريها السابقين الأستاذ سليمان) ولم يبق منها اليوم سوي 183 مخطوطا تعاني اليوم آلام أبناء عاقين تجاهلوا ما لهذه المخطوطات من أهمية كبيرة في التاريخ الإسلامي والعربي، وقيمتها في حفظ العلوم والمعارف والفنون، والآداب المتنوعة التي تشملها ، إضافة إلي اعتداءات علي قوامها المادي المتمثل بصناعتها، من الورق والكتابة والتجليد والزخرفة والتزويق، وما تتعرض له من انتهاكات بدأت بسرقة كثير من جلود المخطوطات الأصلية البديعة الشكل ذات الطراز الشرقي ، وتجليدها بجلود حديثة لا تتناسب مع تاريخ نسخها واستخدام (النشا) والغراء الأبيض والمواد اللاصقة الحديثة في التجليد مما أدي إلي تدمير عدد لا بأس به من المخطوطات والكتب النادرة، وافتقاد الدار لمفهرسين أكفاء مؤهلين بثقافة عالية وخبرة وممارسة مع المخطوطات إذ أن أغلب موظفي الدار من حملة المؤهلات المتوسطة !. وافتقاد الدار لأماكن مناسبة لحفظها ، مزودة بخزائن خاصة في جو معتدل ودرجة رطوبة مناسبة فجمعوها في دولاب صاج عتيق وتحفظوا عليها مما زاد من خطورة ما تتعرض له المخطوطات من انتهاكات . وإلي الآن لم تخضع تلك المخطوطات إلي معالجة لآثار التمزق ، والأرضة ، والبقع ، والأوساخ العالقة ببعض المخطوطات ، وافتقاد الدار إلي لأجهزة خاصة بالتبخير ، وقتل الحشرات ، وإزالة الأحماض ، وغير ذلك من الأدوات المستعملة في ترميم المخطوطات والكتب القديمة والحجرية التي تمتلكها الدار من حصيلة التبرعات منذ عام 1924 م .
علما أن مخطوطات دار الكتب بالزقازيق تختلف في ما بينها من حيث النفاسة بل تختلف باختلاف ما تحلت به من المزايا المرغوب بها وفقا لمعايير تؤخذ في الاعتبار والتي منها مخطوطات تتميز بجودة خط الكتاب ، ما تحمله بعضها من سماعات وإجازات وقراءات وبعضها مكتوب بخط بعض مشاهير النُّساخ كابن البواب ، ومالك ، وابن أبي الجوع وغيرهم من مشاهير الخطاطين والنساخ وتفرد الدار بنسخة فريدة في العالم من مخطوط (رحلة مباركة للحاج محمد البيشي المغربي) تاريخ نسخه 1219ه . ناهيك عن امتلاك الدار عددًا لا بأس به من المصاحف المخطوطة الموشاة بالذهب والفضة ومنمقة بألوان زاهية (رأيتها قبيل فقدها) ضاع أكثرها ، وامتلاك الدار لبعض المخطوطات التي يرجع تاريخ نسخها للقرون (السابع والثامن والتاسع والعاشر للهجرة ) مثل قطعة من مشيخة أبي التائب 731ه ، زبدة الواعظين لابن حجر 710ه ، رسالة نافعة في علم الحديث 874ه ، مجموعة تشتمل علي شرح المنار من مالك 975ه ، مختار الفتوي 875ه ، شرح مجمع البحرين لابن الساعاتي 943ه ، رسالة أيها الولد للغزالي 1099ه ، رسالة في الأنساب يرجع تاريخ نسخها لعام 703ه ، الزهور الفائقة في تعريف حقوق الطريقة الصادقة 1134ه المصباح في النحو 1051ه ، إضافة لعدد من كتب الفلك والطب والطبيعيات يرجع تاريخ نسخها إلي عام 1200ه ، 1315ه ، ونسخة بالخط المزركش لبردة البوصيري 1211ه ، إضافة لعدد كبير من مخطوطات المنطق والفلسفة ورسائل مثل إرسال الصواعق للسهروردي 1099ه ، ، وشرح تهذيب المنطق والكلام للتفتازاني 1100ه ، ومخطوط أخري بعنوان تقرير للقوانين المتداولة في علم المناظرة 1209ه ، وجلاء الأنظار في علم الأفكار 1111ه ، وعدد كبير من مخطوطات التفسير والقرآن بعضها يحتفظ بأغلفته الأصلية وزين بالرسوم الرائعة والألوان الزاهية . هذه الثروة المهمة من تراثنا المخطوط يواجه بنظام بيروقراطي يمنع تأسيس فهم حقيقي للمواطنين عن تراث بلدهم وتعميق انتمائهم إليه. وتحولت الدار إلي مخزن للورق القديم وليس مكانا لإنتاج معرفة تاريخية أو علمية حقيقية ، وبرغم تعرض الدار للسرقة وفقدان عدد كبير من الكتب التاريخية ذات الألق الخاص المطمور والمتوارٍ والمهمش إلا أنها اكتفت اليوم بدورها كمخزن قديم ومرتع لمحاذير أمنية علي حساب مبدأ الحق في المعرفة، متجاهلة حقنا وحق الأجيال القادمة في معرفة أين ذهبت الطبعات الأولي لكثير من الكتب المنهوبة أبرزها ؛ كتاب الخطط المقريزية بأجزائه الأربعة طبعة مطبعة النيل بمصر 1326ه ، وكتاب الكواكب السيارة في ترتيب الزيارة في القرافتين الكبري والصغري طبعة المطبعة الأميرية بمصر 1325ه ، 1907م ، الطبعة الحجرية الأولي من كتاب أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك تأليف السيد خير الدين التونسي في طبعته الأولي بمطبعة الدولة بحاضرة تونس المحمية 1284ه ، الطبعة الأولي لكتاب لمحة عامة إلي مصر تأليف كلوت بك مطبعة أبي الهول بجوار دار الكتب الخديوية ، كتاب حسن المحاضرة للسيوطي 1907م ، الطبعة الأولي من كتاب النيل في عهد الفراعنة والعرب 1920م ، تاريخ الكنيسة ليوسابيوس القيصري 1887م. ، وكتاب أبدع ما كان في صور سلاطين آل عثمان اعتني بجمعها وطبعها سليم أفندي فارس مدير الجوائب 1900، وغيرها المئات من الكتب ذات الطبعات الحجرية في الفقه والحديث والقرآن والفلسفة ، والأدب . إنه بلاغ للرأي العام أو للنائب العام للكشف عن حجم ما ضاع من كتب ومخطوطات تم تسجيلها عهدة متهالكة !! وتقديم السجلات الحقيقية والإحصاءات الدقيقة حول ضياع جزء غالٍ من تراثنا وإنقاذ ما يمكن إنقاذه اليوم ؛ فلا يزال بلاء السرقة لتراثنا يقوي ويشتد ، والباعث علي ذلك الجشع المادي الذي يصاب به بعض الناس والموظفين والذي يملأ نفوسهم ، ويغشي عيونهم ، فلا يرون إلا المادة ، وفي سبيل الحصول عليها يضحون بالغالي والنفيس ، متناسين تراث أمتهم وتاريخهم وباتت الحاجة ملحة لتفعيل مبادرة الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة المؤرخ محمد عفيفي في تبنيه دعوتنا لانتقال ملكية المخطوطات من دار الكتب بالزقازيق (والتي تتبع محافظ الشرقية ووزير التنمية المحلية) إلي وزارة الثقافة ممثلة في دار الكتب والوثائق القومية (المستودع الرسمي والأساسي لوثائقنا التاريخية) لترميمها وتصويرها وحفظها وتقديم العناية اللازمة للمخطوطات وإتاحتها للباحثين بأسعار زهيدة مع ضرورة تخلي الأخيرة (دار الكتب والوثائق القومية ) عن نهجها العقيم وغير الفاعل في التعامل مع التراث وخدمة الباحثين خاصة أن تجربة البحث العلمي والتعامل الدائم مع مكتبات محلية وعالمية تضعنا أمام مواقف كاشفة تجبرنا علي المقارنة بين مانجده من أنظمة فعالة تكاد تكون قانونا يحكم وينظم العمل المكتبي في الخارج وبين دار الكتب المصرية المفترض أنها أحد أهم مظاهر قوتنا الناعمة ، وهي المقارنة نفسها بين موظف تدرب علي إدراك قيمة البحث العلمي وموظف يدير عمله بطريقة السوبر ماركت في دولة من العالم الخامس .!!