في سورة البقرة الكريمة تحديدا الآية 191 ذكر الله عز وجل " و الفتنة أشد من القتل" وهو أمر لابد من الوقوف عنده كثيرا، حيث عظم الله عز وجل من خطورة وكارثية الفتنة التي هي عند الله تعالي أشد من قتل النفس، وبالنظر لتاريخ الأمم نجد أن الفتنة كانت سببا في هدم حضارات ازدهرت وقدمت للإنسانية الكثير، كما أنها كانت سببا أيضا في قيام أعظم الحروب واشدها ضراوة في حياة البشر، هذا هو ما يناقشه ويقدمه كتاب " مَصارِع النبلاء" للكاتب والباحث في التاريخ الإسلامي محمد سمير، كتابه هو دراسة تاريخية كاملة لأحداث الفتنة، بدءا من استشهاد الفاروق ومرورا باستشهاد عثمان بن عفان، ثم ما كان من أمر علي بن أبي طالب واستشهاده، ثم استشهاد الحسين، ثم استشهاد عبد الله بن الزبير. خمس شخصيات إسلامية من أهم وأخطر الشخصيات التي غيرت وجه التاريخ الإسلامي هي عناوين خمس فصول كونت الكتاب، الذي حاول فيه رصد الفتنة التي ألمت بأمة المسلمين منذ نشأتها وحتي قيام دولة بني أمية واستتباب الحكم لها، بدءا من التخطيط لقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وانتهاءً بمقتل عبد الله بن الزبير، في الفصل الأول: حياة الفاروق عمر ونشأته وإسلامه وهجرته وجهاده، ثم توليه الخلافة والفتوحات التي تمت في عهده في المشرق والمغرب ونماذج من عدله، ثم نعود إلي المؤامرة التي حيكت للتخلص منه، وكيف أنها كانت مؤامرة رباعية اشترك فيها يهودي ومجوسي ونصراني وفارسي، التي ما كانت تهدف إلا إلي زعزعة الأمة الاسلامية والإطاحة بالخلافة والخليفة وإدخال الأمة في أتون معركة طاحنة باقتتال داخلي لا يعلم مداه إلا الله. أما الفصل الثاني فيتعرض لحياة ذي النورين عثمان بن عفان وإسلامه وهجرتيه إلي الحبشة ثم إلي المدينة، ومواقفه مع رسول الله في المدينة، وصولاً به إلي اعتلاء كرسي خلافة المسلمين، ثم ينتقل الكاتب لدراسة الفتنة التي حيكت ضده وجهزتها جماعة السبئية، ودراسة تفصيلية لهذه التحركات، ومساعيه هو رضي الله عنه لرأب الصدع وتهدئة الموقف، وصولاً لحصاره في بيته وقتله. تناول الفصل الثالث حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وإسلامه وهجرته وجهاده في سبيل الله، ثم مواقفه مع رسول الله في الهجرة وبعد الهجرة، ثم بعض ما كان منه في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه كواحد من أهم أصحاب المشورة علي أمير المؤمنين، ثم وصولاً إلي توليه أمر الخلافة والمسلمين، فنستل من مقتل عثمان بداية جديدة لتتبع الفتنة التي أطاحت بالمسلمين وفرقت شملهم، فندرس معه دراسة تفصيلية أحداث معركة الجمل، ثم صفين، ثم قبوله التحكيم، ثم خروج الفرق عليه، وأهمها فرقة الخوارج، ثم النهروان، وصولاً إلي استشهاده رضي الله عنه. جاء الفصل الرابع دراسة لحياة الحسين بن علي وإطلالة سريعة علي خلافة الحسن، ثم نذهب إلي موقف الحسين من خلافة بني أمية وصراعه معهم، ودراسة تفصيلية لأحداث وملابسات مصرعه وهو يدافع عن الحق، رافعًا رايته في وجه الظلم والجور وتولية الأمر من ليس أهله، ثم ننتهي بقصة استشهاده كاملة. الفصل الخامس والأخير تناول حياة عبد الله بن الزبير ومواقفه في الإسلام وجهاده ثم وقوفه ضد دولة بني أمية، ثم خلافته وبيعته أميرا للمؤمنين، ودراسة لأحوال الأمة في ذلك الوقت، مرورا بتولي يزيد بن معاوية ثم معاوية بن يزيد بن معاوية، ثم تولي مروان بن الحكم، ثم ما كان من صراع بين ابن الزبير وعبد الملك بن مروان، وظهور الحجاج وما كان منه من محاصرة الكعبة ورميها بالمنجنيق، وقتل ابن الزبير وصلبه شهيدا لربه، وبمصرعه يكون مصرع النبيل الخامس في "مصارع النبلاء" ذاك الكتاب الهام والذي يحقق إضافة قيمة للمكتبة العربية والإسلامية.