لميس الحديدي تكشف سر ارتدائها للنظارة: درع حماية في مجتمع ذكوري    الطالبات يتصدرن.. «أزهر المنيا» تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية 2024    متحدث الزراعة: توفير لحوم حية تبدأ من 155 إلى 250 جنيه    بالخطوات.. طرق دفع فاتورة كهرباء شهر يونيو 2024 (رابط مباشر)    مدير عام الجوازات السعودية: نحو ربع مليون حاج استفادوا من مبادرة "طريق مكة"    فرنسا.. ماكرون يقرر حل البرلمان ويدعو لإجراء انتخابات مبكرة    في ذكراها العاشرة.. الأمن العراقي ينجح في اصطياد متورطين جدد بمذبحة سبايكر    روسيا: الغرب يزيد من تصعيد الصراع في أوكرانيا    حل أزمة الكونغو قبل مواجهة منتخب المغرب فى تصفيات كأس العالم    خبير: الخلايا النائمة عبارة عن طابور خامس    سلة – الأهلي يهزم الاتحاد السكندري ويعادل النتيجة في سلسلة نهائي الدوري    شاو: إصاباتي خطأ من الطاقم الطبي ومني    مصطفى عسل: الفوز أمام علي فرج لا يصدق.. وسعيد بالتتويج ببطولة بريطانيا المفتوحة «فيديو»    26 ميدالية رصيد منتخب مصر للسلاح ببطولة أفريقيا بالمغرب    قبل بدء الامتحانات.. ما المحظورات التي يجب تجنبها من طلاب الثانوية العامة؟    محافظ دمياط تعتمد تنسيق القبول بمدارس التعليم الفنى    وزير المالية الإسرائيلي: انسحاب جانتس من الحكومة خطوة غير مسؤولة    قصواء الخلالي: مطلوب من الحكومة القادمة ترتيب أولوياتها وتلبية احتياجات المواطن    الإفتاء توضح أعمال الحجّ: اليوم التاسع من ذي الحجة "الوقوف بعرفة"    زيادة أكثر من 200 جنيه، ارتفاع سعر دواء شهير لعلاج مرضى الصرع    هل يجوز صيام 7 أيام فقط من ذي الحجة؟.. «الإفتاء» توضح    كم عدد أيام التشريق وحكم صيامها؟.. تبدأ من مبيت الحجاج بمنى    البابا تواضرس الثاني يؤدي صلاة عشية بكنيسة أبو سيفين بدير العزب    «مستقبل وطن»: يجب أن تعبر الحكومة الجديدة عن نبض الشارع    فحص 1068 مواطنا في قافلة طبية ضمن مبادرة حياة كريمة بدمياط    لمواليد «الأسد».. توقعات الأبراج في الأسبوع الثاني من يونيو 2024    «صاحبي وأخويا الصغير».. محمد رمضان ينشر صورًا من زفاف نجل رجل الأعمال ياسين منصور في باريس (صور)    ليلى عبد اللطيف تتوقع انفصال هذا الثنائي من الفنانين    أحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة وموعد الإعلان الرسمي    علاء الزهيري رئيسا للجنة التدقيق الداخلي للاتحاد العام العربي للتأمين    أسماء أوائل الشهادة الابتدائية بمنطقة أسيوط الأزهرية بعد اعتمادها رسميًا    «مكافحة المنشطات» تنفى الضغط على رمضان    تقارير: مانشستر سيتي يستعد لتعديل عقد نجم الفريق عقب اليورو    يورو 2024| سلوفينيا تعود بعد غياب 24 عاما.. انفوجراف    إدخال 171 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة عبر بوابة معبر كرم أبو سالم جنوب رفح    قرار قضائي بشأن المتهمين بواقعة "خلية التجمع"    منها مباشرة الزوجة وتسريح الشعر.. 10 محظورات في الحج يوضحها علي جمعة    وزيرة البيئة: زيارة الأطفال والشباب للمحميات الطبيعية مهمة    هيثم رجائي: الملتقى الدولي لرواد صناعة الدواجن سيكون بمشاركة عربية ودولية    بشرى سارة بشأن توافر نواقص الأدوية بعد عيد الأضحى.. فيديو    «اقتصادية الشيوخ»: الرقابة المسبقة سيؤثر إيجابيا على الاستثمار في مصر    مياه القناة: استمرار أعمال التطهير لشبكات الصرف الصحى بالإسماعيلية    مدحت صالح يستعد لإحياء حفل غنائي 29 يونيو بالأوبرا    حجازي: جار تأليف مناهج المرحلة الإعدادية الجديدة.. وتطوير الثانوية العامة    محافظ الشرقية يهنئ لاعبي ولاعبات الهوكي لفوزهم بكأس مصر    المرور: ضبط 28776 مخالفة خلال 24 ساعة    محافظ الشرقية يُفاجئ المنشآت الصحية والخدمية بمركزي أبو حماد والزقازيق    رئيسة المفوضية الأوروبية تدلى بصوتها في انتخابات البرلمان الأوروبي    توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين جامعتي المنصورة والأنبار (صور )    مدرسة غبور للسيارات 2024.. اعرف مجموع القبول والتخصصات المتاحة    وزير الزراعة يوجه بتكثيف حملات التفتيش على منافذ بيع اللحوم والدواجن والاسماك والمجازر استعدادا لاستقبال عيد الأضحى    ضبط مالك مطبعة متهم بطباعة المطبوعات التجارية دون تفويض من أصحابها بالقليوبية    فى انتظار القصاص.. إحاله قضية سفاح التجمع الخامس إلى جنايات القطامية    اعتدال بسيط في درجات الحرارة بمحافظة بورسعيد ونشاط للرياح.. فيديو وصور    بسمة داود تنشر صورا من كواليس "الوصفة السحرية"    يحدد العوامل المسببة للأمراض، كل ما تريد معرفته عن علم الجينوم المصري    3 طرق صحيحة لأداء مناسك الحج.. اعرف الفرق بين الإفراد والقِران والتمتع    مجلس التعاون الخليجي: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء استهدفت الأبرياء العزل في غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراع الطبقات في زمن الكوليرا
نشر في أخبار الأدب يوم 26 - 04 - 2014

أحببنا هذه الرواية ونصبناها سمت عصر جميل لم نعشه! من جن؟ جيل تشكل وعيه في نهاية التسعينيات وكنا قد رأينا أنفسنا كبارا، لم يعد يلزمنا ما يقدمه لنا الآخر حتي لو كان ماركيز، وحتي لو كان حبه في زمن الكوليرا. إلا أننا لم نتوقف عن ذكر "الحب في زمن الكوليرا" بالرغم من قسوة البعض علي مواقع التواصل الاجتماعي، فكنا نتكلم عن كل القصص بعين نقدية وبفذلكة ملائمة للسن، ودائما ما كنا نصل لرواية "الحب في زمن الكوليرا" لنغمض العين النقدية ويتجه الحوار إلي سكة الوله. حسنا، لم أكن قد قرأت تلك الرواية حتي سن متأخرة، وارتأيت أنه يتوجب علي قراءتها لأندمج في الوله والتوقير. قرأت الرواية. وكان ما كان.
من وجهة نظري، تأتي "الحب في زمن الكوليرا" تالية في تصوير عظمة الحب تالية لرواية "مرتفعات وذرنج" التي كتبتها اميلي برونتي عام 1851، منتصف القرن التاسع عشر. كتب ماركيز حبه في زمن الكوليرا عام 1985، كان التوقيت مصاحبا لنشأة جيل وتشكل وعيه حقيقة. بعيدا عن أي كتابة نقدية، هل هناك ما هو أجمل من تلك الحدوتة؟ حب يدوم حتي السبعين، حب لا ينطفئ، ولا يمل من ذاته، حب لا يصدأ ولا يخبو، حب- ببساطة- يعيش أبدا. وإذا كان حب كاثرين قد عاش مع هيثكليف حتي بعد رحيلها، ونجحت برونتي في تصوير معاناة الفقد حتي الثمالة، فأن ماركيز قد صور حبا يبقي ويعيش في تقلبات تاريخية واقتصادية ويومية وطبقه حتي السبعين، ومقابل تقلبات بلد كامل نجح فلورنتينو أن يبقي علي جذوة حبه مشتعلة. وفي حين بقت برونتي قصة كاثرين وهيثكليف منعزلة في البرية، محاطة بأشباح الروح وتهويماتها، فقد حافظ ماركيز علي قصة فلورينتينو وفيرمينا حتي النهاية في منتهي الحيوية دون أن يشوبها طيف الموت من قريب أو بعيد.
"الحب في زمن الكوليرا": رواية عن مأساة الطبقة فعليا، هل فكر أي منكم فيها كذلك؟ يراودني السؤال ما إذا كانت الرواية عن قصة حب أم قصة طبقة. من وجهة نظري، أراها رواية تطرح مسألة اختلاف- وصراع- الطبقات بشكل واضح. فما الذي فرق بين فلورينتينو وفيرمينا؟ اختلاف الطبقات! رفض الأب فكرة الزواج لأنه فضل الدكتور أوربينو علي فلورينتينو، وظل الأخير يسعي طوال حياته ليكون جديرا بفيرمينا. بل إنه في لحظة من حياته كاد اختلاف الطبقات الذي جعله يفقد حبه الحقيقي أن يودي بحياته ومن ثم ساعدته أمه علي الانتقال من المكان بأكمله. لكنه لم يبق العاشق المثالي الأفلاطوني، بل كان له هناته، وما أدراك ما هناته. كل من قرأ الرواية يعرف ما فعله فلورينتينو، لكن... ألا يُعد ابتعاد فيرمينا عن العاشق هو الخطيئة الكبري؟ حتي أن الناقد كيث بوكر قد تعاطف تماما مع فلورينتينو وشبهه بهامبرت في رواية لوليتا التي كتبها فلاديمير نابوكوف في عام 1955. لكنها كانت مدفوعة بالأب- لورنزو- وبمجتمع وإمكانيات وقدرة معيشية- فلا يمكن لوم المعشوقة، ولا يمكن تحويلها إلي موضوع أيضا عبر تسميتها "معشوقة" فقد كانت فاعلة وعاشقة. أين يكمن الخطأ؟ إنه نفس ما حدث في "مرتفعات وذرنج"، فقد رضخت كاثرين- القوية، العتيدة، سليطة اللسان، المغامرة، المندفعة،- لرغبة المجتمع المتمثلة في أخيها، وتخلت عن حبها لهيثكليف الذي شبهته "بالصخور الرابضة تحت سطح الأرض"، وتزوجت من إدجار الرقيق، الناعم، الذي يلبي صورة الرجل الفيكتوري آنذاك، والذي قالت عن حبها له أنه "يشبه أوراق الشجر المتناثرة التي تذروها الرياح". إنها المسألة الطبقية القادرة علي العصف بأقوي قصة حب، وكما نقول بسخريتنا المعهودة "تبا للطبقة"، في وسط مجتمعات إما محتلة أو تقع تحت الاحتلال، وهي إما تحاول أن تتماهي مع المُحتل أو تنطلق من كونها المحتل. المسألة شائكة لكنها تتيح قراءة ماركسية لرواية برونتي وما بعد كولونيالية لرواية ماركيز.
ولكن إذا كان النساء هن محور الحدث، كاثرين في "مرتفعات وذرنج" وفيرمينا في "الحب في زمن الكوليرا"- فلماذا لا نستدعي قراءة نسوية لكل من العملين؟ بمعني لم لا نقرأ العملين من وجهة نظر كاثرين وفيرمينا؟ لا أعتقد أنه قد خطر ذلك ببال أي منكم، فغالبا ما تقولون "الأدب هو الأدب، لا رجل ولا امرأة"، أليس كذلك؟ حسنا، أنتم قراء (ونقاد أيضا عذرا) قدامي للغاية، لا تزالون هناك في منطقة بعيدة للغاية، بالرغم من استمتاعكم بالحب في زمن الكوليرا! فالفقد الذي يصل مجازا إلي مرض الكوليرا لم يطل فلورينتينو فقط، بل أيضا فيرمينا، وفي حين لم يكن هناك عوائق أمامه لإتمام العلاقة بأي شكل فقد تعثرت فيرمينا في الطريق بسبب عناصر خارجة عن إرادتها، منها الطبقة ورغبة المجتمع التي تمثلت في الموقف الأبوي البطريركي لوالدها، ذاك الوالد الذي فرض علي ابنته آراء تستمد صرامتها وقوتها من كونها سائدة وجمعية. وهو نفس ما وقع مع كاثرين في "مرتفعات وذرنج"، حيث فرض الأخ نفس الآراء وربما اختلط الأمر بمشاعر شخصية تجاه هيثكليف، غيرة أو كراهية. الأمر إذا لا يعني النظر إلي موقع أو موقف المرأة فقط، بل يتطلب النظر إلي العناصر المحيطة بها: طبقة، تعليم، جنس، عائلة...الخ. وأضعف حلقة هي دائما المرأة (ربما كانت ولم تعد كذلك). القراءة النسوية تتضمن العناصر التي تدفع المرأة إلي مسار بعينه من ناحية، وتلك التي تُشكل وعيها من ناحية أخري.
"الحب في زمن الكوليرا": قصة حب لا يري لنفسه نهاية، بل يبدأ حبه في السبعين، أما "مرتفعات وذرنج" فهي تلك الرواية التي تُخلد الحب عبر ثقافة القرن التاسع عشر في انجلترا. لم يحتج ماركيز أن يلجأ إلي تلك التهويمات، بل وضع فلورينتينو وفيرمينا معا في سفينة، وجعل فيرمينا تهتم بزينتها، وخطوتها، وإحساسها، ليؤكد علي حقيقة جوهرية تتعلق بالحب والسن، أو بالأحري ليهدم صورة نمطية تشكلت في الوعي فيما يتعلق بقدرة الحب علي الاستمرارية. ليست واقعية سحرية، بل هي واقعية الواقع الذي لا نراه أحيانا كثيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.