بينما يصرح الدكتور محمد صابر عرب، وزير الثقافة بقرب افتتاح المبني الجديد لدار الوثائق القومية بالفسطاط، نهاية مارس الحالي، وبحضور الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة والذي تبرع بتأسيسه.. يهدد الدكتور عبدالواحد النبوي، رئيس الادارة المركزية لدار الوثائق في حواره مع "أخبار الأدب" بغلق المبني بعد افتتاحه، لعدم الاستعداد بإعداد الكوادر المتخصصة لقيام هذا المبني بدوره المنوط به، مؤكداً أنه من المؤسف أن مبني تم تأسيسه بتقنية عالية ويعد ثاني أرشيف وطني علي مستوي العالم، بتكلفة تصل إلي مائة مليون جنيه، يستفيد منه باحثون من 141 دولة، يستوعب 60 مليون وثيقة، تعجز الحكومة المصرية أن توفر له الحد الأدني من العمالة (155 موظفا مؤهلا) بتكلفة سنوية تتراوح بين 2 إلي 3 ملايين جنيه، رغم حاجة المبني إلي ضعف هذا العدد من الموظفين.هذا ما أكده د. عبدالواحد النبوي، في حواره معه عن مبني دار الوثائق الجديد، ذلك الصرح الثقافي، الذي يعد بالفعل اضافة، ونقلة ثقافية في عالم الوثائق في مصر والعالم العربي، وتطرق الحوار حول حماية الوثائق وقانونها، ومقر الدارين علي الكورنيش وفي الفسطاط. سألته كيف تواجه هذه المشكلة التي فجرتها؟ أقولها صراحة وبدون مواربة، لن تنقل ورقة واحدة إلي المبني، ولن تتاح خدمة في هذا المبني إلا بعد توفير العمالة اللازمة لتشغيله، وسوف نغلقه، حتي توفر الحكومة المصرية، العمالة اللازمة لخدمة المترددين عليه، فالعمالة ما هي إلا بث للروح داخل هذا الجماد. وما نوعية تلك العمالة، أعني المواصفات والمعايير؟ تم تحديد المجموعات النوعية للوظائف والتخصصات، والأعداد المطلوبة في كل تخصص، وإرسالها إلي مجلس الوزراء، وزارة المالية، وزارة التخطيط، الجهاز المركزي للتنظيم والادارة، وكلها آذان مغلقة لم يسمعنا أحد، ولم يجبنا أحد علي طلبنا، ومازلنا نؤذن علي الكورنيش، علي أن يسمعنا أحد، ويؤمن بأن هناك أرشيفا وطنيا، يعد ثاني أرشيفات العالم، يجب النظر إليه، وإلي أهمية دوره. وتساءل د. النبوي: هل يعقل أن يتم توفير 50 درجة وظيفية لمكتبة الجيزة العامة التي بها موظفون يديرونها حالياِ، ولايتم توفير 155 موظفا مؤهلا كحد أدني لدار الوثائق رغم حاجتنا إلي أكثر من ضعف هذا العدد!! ما دور هذا المبني في منظومة دار الوثائق، علي الكورنيش، وما الاضافة التي يقدمها؟ المبني الجديد اضافة في منظومة دار الوثائق القومية الموجودة الآن علي الكورنيش، ولن تنقل إليه إلا القليل من مقتنيات مبني الكورنيش، فمبني دار الوثائق بالفسطاط مساحة جديدة، لضم أوراق أخري من جهات حكومية، فعلي سبيل المثال هناك 2 مليون رسم هندسي بما يطلق عليه اسم المجمعة العشرية، وهي المباني التي بنيت وأوراق محكمة النقض التي مرت عليها فترة الحفظ الزمانية كما تنقل إليه أوراق بعض الجهات مثل مجلس الوزراء، وزارة الري، وبالتالي فالمبني يعد تكملة للمبني الحالي علي الكورنيش، لذا يتم ربط المبنيين بشبكة معلومات مؤمنة، تسمح بادارتهما بتكنولوجيا عصرية متقدمة. وعن مميزات مبني الدار بالفسطاط يقول د. النبوي: هذا المبني يدار بأحدث ما وصل إليه العلم في تصميم مباني حفظ الوثائق، ويوجد به نظاما الانذار والاطفاء، ومصمم بأحدث ما عرفه العلم، نظام الفوج (الضباب)، التبريد والتكييف المركزي الذي يدار بأنظمة إلكترونية، تسمح بخفض درجات الحرارة في أماكن، وارتفاعها في أخري، وغلقها في أماكن ثانية، أما فيما يخص التأمين، فكل الأبواب الخاصة بأمانات الوثائق مؤمنة إلكترونيا بكلمات سر ولا يتم الاطلاع عليها إلا من المسئولين عنها، فضلا عن أن المبني جميعه مراقب داخليا وخارجيا بالكاميرات، وملحق به جزء لحفظ الوثائق مكانه بعيد تماما عن الأماكن التي بها مصادر للمياه، ومجهز بأحدث قاعات اطلاع رقمية، وهي تقدر بثلاثة أضعاف القاعة الحالية الكائنة علي الكورنيش، وبعد افتتاحه سوف يتم اتاحة صورة رقمية أو ميكروفيلمية للباحثين من الوثائق الجاهزة للعرض. كيف تقيم لنا الوضع ككل، من حيث المبني، والادارة، والايداع، والقانون، وكل ما يخص الوثائق؟ فيما يخص الايداع بالدار، الواقع حاليا مؤلم علي كافة المستويات، مع جميع الجهات الحكومية، ولانستثني منها إلا ما ندر. هناك نوع من اللامبالاة، وأحيانا نوع من التعنت، وأحيانا أخري من الاستكبار في التعاون مع دار الوثائق القومية، وهي الأرشيف الوطني، الحافظ لذاكرة الأمة رغم أن دستور 2014 ألزم- وبلا استثناء - جميع جهات الدولة بأن تسلم أوراقها التي انتهي العمل عليها (أقصي مدة عمل لأي ورقة ادارية في أي جهة حكومية 15 عاما)، إلي دار الوثائق، نحن نتعامل مع أكثر من 8600 جهة إدارية منها 7401 جهة، تابعة للمحافظات، وأكثر من 1200 جهة تتبع الوزارات والهيئات المستقلة. وأضاف رغم ما ذكرته، فإن هذا لايمنع من القول إن جهة حكومية كبيرة مثل مجلس الوزراء، تتعامل معنا بشكل كامل ومتكامل، وتنفذ اللوائح، وتجدين أن وحدة محلية صغيرة في أسوان أو مرسي مطروح أو حتي العريش، لاتنفذ اللوائح، أزمتنا الكبيرة في تقاعس وتجاهل الجهات الادارية، فوزارة مثل وزارة المالية، وزارة أخطبوط، مشروعاتها ممتدة إلي كل مكان في الجمهورية وتجدينها لا تتعاون مع دار الوثائق، وتتجاهل كل المراسلات التي يرسلها وزير الثقافة إليها من مطالبات بانشاء لجنة دائمة للمحفوظات، وللتنسيق مع دار الوثائق فيما يتعلق بالأوراق ولا تستجيب لهذا الأمر. في أكتوبر 2012، ضبطت مباحث الأموال العامة أوراقا خاصا باليهود تم تهريبها من جهاز تصفية الحراسات الخاصة بوزارة المالية، وهذا الجهاز به أوراق تتعلق بفترة بداية، الخمسينات، ولا نعلم مصير هذه الأوراق، رغم أنها تتعلق بقضايا سيادية قد تضر الوطن، وعلي هذا المنوال تسلك وزارة مثل وزارة الزراعة (أهم الوزارات التي لها دور تاريخي منذ أيام الفراعنة حتي الآن) نفس المسلك، لا يوجد بدار الوثائق ما يسجل نشاط وزارة الزراعة في مصر، نحن عندما نتحدث عن أوراق أية مؤسسة، فهي عبارة عن الأوراق التي تستخدمها في نشاطها اليومي، محاضر الاجتماعات بالمشروعات، القرارات، الزيارات وغيرها. وتتبع نفس المنهج، وزارة الخارجية، التي انقطعت عن إرسال أوراقها منذ عام 1989، دون ابداء أية أسباب، يأتي هذا الوضع رغم أن القرار الجمهوري رقم 472 لعام 79، يجبر الجهات التي لديها أوراق تتعلق بالأمن القومي أو السياسات العليا، أن تسلمها لدار الوثائق القومية، بعد مرور خمسة عشر عاما، طبقا للمادة الرابعة لهذا القرار، فلدي اعتقاد جازم بأن كثيرا من الجهات الحكومية تقوم بإعدام أوراقها دون الرجوع لدار الوثائق، وهذه مخالفة صريحة وواضحة لقانون العقوبات المصري. وماذا يضيرهم في إيداع ما لديهم من أوراق بالدار؟ سؤال ليس له اجابة عندي، أوراق من فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، لماذا لا تسلم لدار الوثائق!! القانون يلزم هذه الهيئات بتنفيذ القرارات، لكن الثقافة الشائعة التي تربي عليها بعض المسئولين، والنظرة الدونية لدار الوثائق، باعتبارها جهة خدمية تتبع وزارة الثقافة. إذن لماذا لاتطالب الإدارة في دار الوثائق باستقلالها التام كمؤسسة وطنية للأرشيف الوطني؟ مفاجأة.. دار الوثائق عندما أنشئت كانت مستقلة، وكان ذلك في 24/6/1954، قبل أن تكمل ثورة يوليو عامها الثاني فقد كان لدي قيادات الثورة من الوعي.. في هذا الزمن الذي لم تنتشر فيه المعلومات، ولا الاعلام، وفي مجتمع كان يعاني من الأمية، لكن كانت هناك رؤية لدي الدولة القائمة، بأن لدينا أرشيف وطنياً علي أحدث النظم العالمية وتتاح فيه الوثائق للجميع. والآن، وهذا العام تكمل دار الوثائق القديمة ستين عاما ولم تتحرك عما تم في 1954، فماذا فعلتم؟ عانت دار الوثائق من الاضطهاد، والهيئات الادارية ضمت لهيئة الكتاب عام 1971، ثم تم فصلها، وضمها هي ودار الكتب عام 1993، تحت ادارة واحدة، وللعلم في عام 1995، كانت هناك محاولات لفصل دار الوثائق عن دار الكتب، ولم يستطع أحد فعل ذلك، ومات المشروع وأعدنا احياءه بعد ثورة يناير 2011، ومن 2011 لم نترك بابا إلا وطرقناه لمحاولة فصل دار الوثائق عن دار الكتب وتبعيتها لجهة سيادية مثل أرشيفات العالم. مع افتتاح مبني الدار بالفسطاط، ألا يكون الفصل الآن أمراً حتميا وضرورياً؟!! من يرد أن يسجل اسمه في التاريخ، فليوقع قرار استقلال دار الوثائق القومية، الارشيف الوطني المصري عن دار الكتب، وجعل تبعيتها لمجلس الوزراء أو رئاسة الجمهورية. وما موقف وزير الثقافة د. صابر عرب من هذا الأمر؟ أليس مؤمنا بهذا القرار؟ أتصور أنه مؤمن إيمانا كاملا، وعليه بذل الكثير من الجهد في هذا الشأن، وألا يستسلم لدعوات وأقوال إن ذلك ليس وقته، وأن هناك ملفات أكثر أهمية من قرار استقلال دار الوثائق، وأن يوضح كيف أن دار الوثائق في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ مصر، هي سند الدولة المصرية في كثير من القضايا التي سوف تكلف مصر غاليا، إذا أهملت أوراقها، وتركتها للضياع أو التهريب، أو البيع أو الحرق. وما قضايا أوراق اليهود أو شركات الغاز، أو النيل ببعيدة، فالقضايا كثيرة وسوف تحدث فيها تطورات إن لم تحفظ أوراقها بعناية في دار الوثائق، وتوفير الامكانات اللازمة لها، والصلاحيات التامة، لأننا سندخل في نزاعات وتعويضات وخسائر لايعلم مداها إلا الله. وماذا عن قانون الوثائق المعد للتصديق عليه؟ جميع ملفات هذا الموضوع موجودة داخل دهاليز مجلس الوزراء، ولا نعلم في أي الادراج المغلقة، ولاندري من يملك مفتاحها، لذلك نطمع في رئيس الوزراء المهندس ابراهيم محلب، الذي تعهد بحل كل مشكلات الدولة المصرية، أن يتخذ القرار بما يساعد علي أداء الدار لمهمتها القومية، باعتماد مشروع قرار انهاء الهيئة العامة للوثائق والمحفوظات، وإرساله لرئيس الجمهورية لإصداره. وما الموقف إزاء الأوراق المودعة بدار المحفوظات المصرية التابعة إداريا لوزارة المالية؟ هذه الأوراق بحكم القانون يجب أن تؤول لدار الوثائق طبقا للمادة الرابعة من القانون 356 لعام 1954، الخاص بدار الوثائق، وكان يجب نقل هذه الأوراق وضمها إلي الدار منذ عام 1952، والمفاجأة أن دار المحفوظات ضمت رسميا إلي دار الوثائق عام 1977، وكانت جزءا منها، وفي عام 1979، استغل الموظفون الحالة السياسة آنذاك (وقت معاهدة السلام) وطالبوا بالانضمام للمالية ضمانا لامتيازات المالية في المرتبات من جراء ذلك ولحد علمي فإن دار المحفوظات، في مسألة حفظ الوثائق ليست علي مستوي الادارة الفنية أو توفير البيئة السليمة لحفظ الوثائق، التي تحافظ علي الأوراق لإطالة عمرها البيولوجي، كما أنه ليس في العالم مكان يعمل بهذه الازدواجية الموجودة لدينا. الأمر الآخر، والأهم بحكم المادة 68 من الدستور المصري يجب أن تنقل أوراق دار المحفوظات إلي دار الوثائق طبقا لهذه الوثيقة الدستورية التي هي أعلي من كل القوانين واللوائح أو الآراء الشخصية، أو المصالح الخاصة.