" لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب" عنوان أحدث كتب المفكر والمؤرخ اللبناني خالد زيادة صدر عن دار " شرق الكتاب" يتناول فيه العلاقة بالغرب مستعيدا الجوار الفريد في التاريخ والجغرافيا الذي وضع العالم العربي والاسلامي علي تماس مباشر بأوروبا. وكانت علاقة العالمين تتميز بالتبادل والصراع وصولاً إلي الفترة التي اجتاحت فيها أوروبا العالم كله واستعمرته. أن العرب منذ بداية القرن التاسع كانوا عرضة لتأثير أفكار الغرب، من أفكار الحرية والدستور إلي الأيديولوجيات القومية والاشتراكية وصولاً إلي الأصولية الاسلامية التي هي رد فعل علي التحديات التي طرحتها أوروبا أمام العرب والمسلمين. إلا أن أوروبا لم تعد لديها أفكار كبري. ، لكن ثورة العرب الكبري التي تتكون الآن تدفعها قضايا العيش والكرامة والعدالة الاجتماعية كحقائق إنسانية قديمة شاملة ومقررة . صحيح أن هذه الثورات لا تزال في بداياتها ولكن أمام فترة تاريخية نشهد فيها " طي حقبة من اليأس والقنوط والتقهقر المادي والفكري خلال ما يزيد علي نصف قرن من الزمن. مع ذلك فإن ما يجري هنا وهناك يبعث الآمال بقدر ما يثير المخاوف والشكوك". الثورات العربية موجة لم تستقر بعد، ولن ندرك كل آثارها إلا بمرور سنوات. وهي اقرب إلي الموجة الثورية التي شهدها العالم العربي في بداية القرن العشرين، والتي غيرته تغييراً جذرياً. ويضيف زيادة: "ان ثورات العالم العربي الراهن لا تدفعها الأفكار الكبري وانما تدفعها قضايا العيش والكرامة والعدالة الاجتماعية كحقائق انسانية شاملة". ويستنتج أننا وصلنا اليوم الي طريق مسدود بين اتجاه النخب ذات الثقافة الغربية التي أصبحت بعد تجارب القرنين الماضيين تعبّر عن قسم من الطبقة الوسطي، واتجاه النخب ذات الثقافة الإسلامية التي تعبّر عن قسم آخر وازن من الطبقة الوسطي والقسم الأكبر من الطبقات الدنيا. ويختتم كتابه بالتأكيد علي أن المعيار لولادة فكر عربي حديث يكمن في تجاوز الايديولوجيات المعادية للغرب، والتخلي عن نظريات المؤامرة علي العرب والمسلمين، ولن يتحقق ذلك إلا بنشوء جيل ثقافي يتمتع بالاستقلال في الرأي، قادر علي قياس المصالح التي تربطنا بسائر الأمم، ويعيد النظر بكل الأسس الاقتصادية والتربوية والسياسية التي تحكم حاضرنا، وهو الأمر الذي قد يستغرق جيلا من التحولات.