أستغل فنان الكاريكاتير هاني شمس موهبته- هذه المرة- ليس في إبداع رسمة متميزة، بل في إصدار كتاب كشف فيه عن تفاصيل وأسرار نخبة من فناني الكاريكاتير، فقد أستطاع أن يصل إلي أعماقهم، وبحث في أسرارهم، وأستخرج منهم المواقف الدالة علي رؤاهم، و- أيضا- المواقف الضاحكة الغريبة التي تعرضوا لها. الكتاب يضم 16 حوارا مع عدد من مبدعي الكاريكاتير من مختلف الأجيال والاتجاهات الفنية، وقد شكلت هذه الحوارات رؤية ليس فقط للفنانين، بل لفن الكاريكاتير في مصر.. مساراته وتحولاته وعلاقته بالواقع السياسي. تطرق البهجوري في حواره مع شمس إلي علاقته بفناني الكاريكاتير من جيله، ولحقيقة الخلاف الذي وقع بينه وبين المبدع صلاح جاهين، فيروي قائلا: " أنا كتبت في مذكراتي واقعة حقيقية وعادية، فقد سافرت إلي ألمانيا في هذا التوقيت بدعوة من التليفزيون الألماني، وطلب مني حسن فؤاد أن أحضر له كتابا ضخما يضم 1000 رسمة كاريكاتيرية فأحضرته، وكان هدفه أن نشاهد أعمال الرسامين الآخرين كنوع من الثقافة، وحدث أن أعجبت صلاح جاهين إحدي الرسوم فقام بتمصيرها ببراعة، وكان هذا في بداياته وهو أمر عادي". ويكشف الفنان أحمد طوغان كيف أنه حمل السلاح في الجزائر واليمن، رغم أنه سافر بصفته الصحفية: " سافرت لأغطي الأحداث وأرفع الروح المعنوية للجنود بالكاريكاتير، لكن تواجدي في قلب المعارك جعلني مضطرا لحمل السلاح، وأذكر أنني عشت وسط الجنود في اليمن ورسمت 7 كتب بدون كلام لتوعية الجنود، حيث كان معظمهم أميين، فكنت أرسم لهم كيف يتصرفون في المواقف المختلفة، وكانوا يسعدون بها جدا". وماذا عن الرجل الذي يفكر لعمرو سليم، هذا السؤال واجهه به هاني شمس ، فضحك، ثم أجاب: " دي يا سيدي شائعة أطلقها علي للأسف فنان كبير، فبعد أعوام قليلة من العمل في روزاليوسف، بدأت في العمل في مطبوعات أخري، وكنت أجد أفكارا طوال الوقت أرسمها وتحدث صدي كبيرا، بينما يعاني هو من قلة الأفكار، وحدث أن قابل هذا الفنان رسامين جديدين في أسانسير روزاليوسف، فحكي لهما هذه الشائعةعلي أنها حقيقة، وقال لهما إن هناك شخصا يفكر لي أرصد له راتبا شهريا ضخما، وأنه يلازمني دائما ويمشي ورائي يحمل " شنطة"، وعندما عملت بجريدة الدستور، أصبحت هذه الشائعة " إفيها شهيرا" فكلما دخلت من باب المكتب يظل باقي الرسامين ينظرون إلي الباب في انتظار دخول " الشخص اللي يفكر لي وشايل الشنطة". وعن مواقفه مع الوزراء ورؤساء الوزراء، الذين كان دائم الانتقاد لهم، يحكي الفنان جمعة فرحات عن هذه المشاغبات فيقول: " ذات مرة أصدر الوزير ماهر اباظة أشهر وزير الكهرباء في مصر قرارا برفع أسعار الكهرباء فرسمته يظهر لأسرة مصرية في الظلام وربة المنزل تصرخ " يا لهوي ماكر أباظة"، وعندما أقامت المدرسة السعيدية حفلا لتكريم خريجيها من الشخصيات العامة وإكراما لي أجلسوني بجانب الوزير ماهر أباظة، أحد خريجي المدرسة، وقدموني للوزير فضحك وقال لهم " أنا عارفه، انتوا هتقولي عليه؟ ده رسم عليا كاريكاتير وسماني ماكر أباظة". وروي إيهاب شاكر عن بداياته في الرسم، عندما كان يرسم في مجلة الحائط بالمدرسة، وهو ما دفعه ذ فيما بعد- للإلتحاق بكلية الفنون الجميلة، وتخرجه ضمن نخبة من الفنانين من ذات الدفعة: مصطفي حسين، يوسف فرنسيس، صبحي الشاروني، ناجي كامل، وحسن حاكم. ويحكي سعد الدين شحاتة عن الرجل الذي جلس في الأتوبيس يقرأ جريدة الأهرام، وجاءت الصفحة التي فيها رسوماته بمصاحبة الحلقة الأولي من رواية لإحسان عبد القدوس، ففوجئ بهذا القارئ، ينزع الصفحة، وظن أنه سيحتفظ بها، وإذا به يمزقها ويرميها من شباك الأوتوبيس. حكايات كثيرة رواها هاني شمس علي لسان نخبة من فناني الكاريكاتير: مصطفي رحمة، وليد طاهر، سعيد الفرماوي، محمد عفت، فرج حسن، تاج، محمد عمر، عمرو عكاشة، سمير عبد الغني، وعبد الله الطبيب الذي فضل فن الكاريكاتير علي مهنة الطب. وفي مقدمته، قدم هاني قراءة لنشأة فن الكاريكاتير وتطوره، وبداياته حينما أطل باستحياء علي القارئ المصري عبر رسوم الجانب التي كانت تنقلها مجلة اللطائف المصورة وقت الحرب العالمية الأولي، بدأت بعدها المجلات المصرية في تكرار التجربة عبر رسامين أجانب صنعوا رسوما سياسية تعبر عن الواقع المصري، فظهرت علي صفحات مجلة الكشكول وروزاليوسف والفكاهة وغيرها رسوم كاريكاتورية تحمل توقيع خوان سانتيس الأسباني ورفقي التركي، واستمرت تجربة الأجانب في الكاريكاتير المصري إلي أن أقتحمها محمد عبد المنعم رخا، كأول رسام كاريكاتير مصري، ثم لحق به عبد السميع وطوغان وزهدي العدوي... وعلي يد صلاح جاهين وبعد ثورة يوليو 1952 دخل الكاريكاتير المصري في مرحلة جديدة، ثم جاءت اسماء طورت من هذا الفن.