إشادة غينية بجهود شركة مصر للطيران في نقل حجاج كوناكري    أحلى بطيخ ممكن تاكله والناس بسأل عليه بالاسم.. بطيخ بلطيم.. فيديو    بايدن يدعو نتنياهو إلى وضع سلامة المدنيين بقطاع غزة في الاعتبار    الشوبكى: الهدف من بيان «شاس الإسرائيلى» مواجهة الأحزاب المتشددة    تعادل سلبي بين الجزائر وغينيا بالشوط الأول في تصفيات المونديال    تصل ل47 درجة مئوية، درجات الحرارة غدا الجمعة 7-6-2024 في مصر    المحكمة العليا السعودية: غدا الجمعة هو غرة شهر ذي الحجة والوقوف بعرفة السبت 15 يونيو    رحمة أحمد: شخصية "مربوحة" وش السعد وسبب شهرتي (فيديو)    الشوبكى: الهدف من بيان «شاس الإسرائيلى» مواجهة الأحزاب المتشددة    وفاة المخرج المسرحي محمد لبيب    تفاصيل إصابة لاعبي الكاراتية بمركز شباب مساكن إسكو    ميلان يعثر على خليفة جيرو    رئيس غرفة القليوبية: تحسن اقتصاد مصر واقعا ملموسا    وجدي زين الدين: خطاب الرئيس السيسي لتشكيل الحكومة الجديدة يحمل توجيهات لبناء الإنسان    موعد صلاة عيد الأضحى 2024.. بالقاهرة والمحافظات    «يقول الشيء وعكسه ويروي قصصًا من خياله».. ماذا قالت اللجنة الطبية عن القوى العقلية ل«سفاح التجمع»؟    حزب مصر أكتوبر يجتمع بأمانة الغربية بشأن خطة عمل الفترة المقبلة    البابا تواضروس يكشف عن الموقف الذي سقط فيه مرسي من نظره    رغم غيابه عن المعسكر.. مرموش يساند منتخب مصر أمام بوركينا من استاد القاهرة    جمال شقرة يرد على اتهامات إسرائيل للإعلام: كيف سنعادى السامية ونحن ساميون أيضا؟    توقعات برج الجوزاء في الأسبوع الثاني من شهر يونيو 2024 (التفاصيل)    أحمد فايق: الثانوية العامة مرحلة فى حياتنا علينا الاجتهاد والنتيجة على ربنا    دار الإفتاء تعلن «أول أيام عيد الأضحى 2024» الأحد 16 يونيو    عمرو الورداني: إعداد الزوجة للطعام فضل منها وليس واجبا    جامعة أسيوط تشارك في المؤتمر ال32 للجمعية الأوروبية لجراحي الصدر بإسبانيا    هانى تمام ب"لعلهم يفقهون": لا تجوز الأضحية من مال الزكاة على الإطلاق    خبير تربوى يوجه نصائح قبل امتحانات الثانوية العامة ويحذر من السوشيال ميديا    خبير علاقات دولية: جهود مصر مستمرة في دعم القضية الفلسطينية (فيديو)    القباج وجندي تناقشان آلية إنشاء صندوق «حماية وتأمين المصريين بالخارج»    رئيس جامعة الأزهر يبحث مع وزير الشئون الدينية الصيني سبل التعاون العلمي    التشيك: فتح تحقيق بعد مقتل 4 أشخاص وإصابة 27 جراء تصادم قطارين    اعتماد مخططات مدينتى أجا والجمالية بالدقهلية    الفريق أول محمد زكى يلتقى منسق مجلس الأمن القومى الأمريكى    رئيس هيئة الدواء يستقبل وزير الصحة الناميبى    على من يكون الحج فريضة كما أمرنا الدين؟    انطلاق فعاليات الملتقى السنوي لمدراء الالتزام في المصارف العربية بشرم الشيخ    غرامة تصل إلى 10 ملايين جنيه في قانون الملكية الفكرية.. تعرف عليها    «تنمية المشروعات»: تطوير البنية الأساسية ب105 ملايين جنيه بالإسكندرية    ياسمين رئيس بطلة الجزء الثاني ل مسلسل صوت وصورة بدلًا من حنان مطاوع    ماذا قال الشيخ الشعراوي عن العشر من ذي الحجة؟.. «اكتمل فيها الإسلام»    لاعب الإسماعيلي: هناك مفاوضات من سالزبورج للتعاقد معي وأحلم بالاحتراف    هيئة الدواء تستعرض تجربتها الرائدة في مجال النشرات الإلكترونية    "مكنتش مصدق".. إبراهيم سعيد يكشف حقيقة طرده من النادي الأهلي وما فعله الأمن (فيديو)    " ثقافة سوهاج" يناقش تعزيز الهوية في الجمهورية الجديدة    المشدد من 7 إلى 10 سنوات للمتهمين بتزوير توكيل لقنصلية مصر بفرنسا    نمو الناتج الصناعي الإسباني بواقع 0.8% في أبريل    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    زغلول صيام يكتب: عندما نصنع من «الحبة قبة» في لقاء مصر وبوركينا فاسو!    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    أبوالغيط يتسلم أوراق اعتماد مندوب الصومال الجديد لدى جامعة الدول العربية    «تموين القاهرة» تضبط أكثر من 11 طن دواجن ولحوم و أسماك «مجهولة المصدر»    رئيس وزراء الهند للسيسي: نتطلع للعمل معكم لتحقيق مستويات غير مسبوقة في العلاقات    كيفية تنظيف مكيف الهواء في المنزل لضمان أداء فعّال وصحة أفضل    توزيع درجات منهج الفيزياء للصف الثالث الثانوي 2024.. إليك أسئلة مهمة    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتابع سير العمل بمشروعات مدينة أخميم الجديدة    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    مواعيد مباريات اليوم الخميس 6-6-2024 والقنوات الناقلة    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"حارس ليلي للسماء"
كسر المعتاد وصناعة الدهشة
نشر في أخبار الأدب يوم 11 - 01 - 2014

تكشف مجموعة "حارس ليلي للسماء " للقاص والشاعر مصطفي السيد سمير عن موهبة حقيقية ومجتهدة لاتتواني عن كشف نفسها من قصة إلي أخري، لتضعنا باستمرار في عالم فاتن ومدهش.
والمغزي الأساسي الذي تقوم عليه المجموعة يرتبط بالسماء بوصفها رمزا يجسد حالة إنسانية تقوم علي كسر النمط المعتاد لحياتنا، والسمو قليلا فوق الواقع من خلال مجالات مختلفة مثل التأمل، والكتابة، واللعب، والحب وغيرها من الأمور التي لاتتناغم مع العيش في الحياة باشتراطاتها المادية فقط.
1
يلعب المكان دورا كبيرا في تجسيد مغزي المجموعة، فنري الحبكة تركز علي اختيار أماكن معينة لتصبح خلفية لأحداث الحكاية، وتلك الخلفية لا تأتي كحلية خارجية، بل تلتحم بالمغزي وتساهم في تجسيده، أو تأكيده، علي النحو الذي يعبر عن تصميم معين يتبناه الكاتب وهو يبني عالمه.
ليس من قبيل الصدفة أن تجري معظم الأحداث في أماكن مفتوحة، وعندما نجد أنفسنا في مكان مغلق كالبيت، إما أن يظهر مرتبطا بحالة سلبية، أو في وضع استثنائي يلحقه برمزية السماء، ففي قصة "ورقة مقطوعة بحب" ، نجد البطل يدخل البيت في وقت متأخر حيث يقول: " كان البيت صامتا والجميع غارقين في النوم .. أراحني هذا السكون".
البيت هنا يرتبط بالنوم فقط، ليصبح حالة تنفتح علي السماء من خلال الأحلام، والأهم من ذلك هو طبيعة البيت وتفاصيله الداخلية، فالأب يعمل في تعبئة العطور، ويمتلئ البيت بالزجاجات، والبطل يتحرك في البيت حركة مختلفة يقول البطل : "تتحول حركتي بين الزجاجات إلي ما يشبه الرقص أغني فتمتلئ سماء الغرفة بسحب من روائح العطر .... تتراجع سحابات العطر وتتمدد هذه الرائحة وتعلو لتزيح السقف والجدران والنوافذ والشوارع بالخارج بعيدا، لا مثيل لاتساع الصالة "( ص99، 101)
وتأتي النافذة المفتوحة لتلعب نفس الدور الذي يلعبه المطر، أو الرائحة، أو شجرة الابتسامات العجيبة، وهي ترتبط غالبا بتيمة الحب، وهكذا نري النافذة في إحدي القصص في وضع ثابت لا يتغير فهي "مفتوحة دوما ولاتستطيع البطلة إغلاقها صيفا أو شتاء " (ص60)، وفي قصة أخري ترتبط النافذة بوقوف الحبيبة لتلوح للحبيب عندما يمر القطار، وتظهر نفس العلاقة في القصة التي تدور حول سقوط قميص الحبيبة السماوي من النافذة، وهكذا ترتبط النافذة برمزية السماء بحكم طبيعتها ، وبحكم ارتباطها بعلاقة الحب التي يؤكد الكاتب علي ارتباطها برمزية السماء صراحة من خلال اختيار اسم المحبوبة "سما" في قصته الأخيرة .
هكذا يلعب تصميم المكان دورا كبيرا في كشف وترسيخ رمزية السماء ، باعتبارها تشكل جوهر المغزي في المجموعة.
2
علي مستوي البناء نجد الكاتب يحرص علي كسر السرد الممتد من بداية معينة إلي نهاية معينة، فالقصص لا تأتي في كتلة واحدة أبدا، بل يلجأ القاص إلي تقسيمها إلي وحدات صغيرة ، غالبا ما تحمل أرقاما تبرز استقلال كل وحدة سردية عن الأخري، وأحيانا يكتفي الكاتب بوضع فاصل في هيئة خط من النقاط ، وكأن شكل الخط يوازي النص الذي يفتت أجزاءه إلي وحدات مستقلة، وحين تختفي تلك الفواصل ، ينكسر السرد الممتد من خلال نقلات واضحة تظهر من خلال عناوين مكتوبة ببنط عريض ، أو من خلال فاصل طباعي، وقد يلجأ الكاتب أحيانا إلي وضع حكايتين متوازيتين مثل حكاية الشجرة، وحكاية البطل، والحكايتان مختلفتان، الأولي عبارة عن قصة يحكيها والد البطل وتتخللها حكايات أخري تحدث للبطل. وفي قصته (الذي يحدث) تتوازي القصة مع مقتطفات من يوميات سابقة تمتد من عام 1998 إلي عام 2006، ولا تأتي وفق ترتيبها الممتد فتبدأ مثلا بشذرة مؤرخة 5/12/2001 ، والشذرة التي تليها مؤرخة في 3/6/1998، في محاولة أخري لكسر التسلسل المنطقي للزمن، وهكذا ينتقل الكاتب من الحكاية إلي الشذرة، إلي الحكاية، كل ذلك يضعنا باستمرار أمام مقاطع سردية صغيرة جدا تضفي علي المجموعة قدرا من الرشاقة ، فيظهر نوع من التآزر بين الشكل والمغزي الذي يهدف دائما إلي كسر المسار النفعي الأحادي لحياتنا. وكأن السرد الممتد أو المصبوب في كتلة واحدة يوازي الحياة النمطية التي تمضي في اتجاه واحد ، وهكذا يصبح الكاتب وهو يبني عالمه، أشبه بطائر يتنقل بين شجرة وأخري، وهو ما ينعكس علي القارئ بالضرورة .
3
علي مستوي الضمير المتكلم نجد القاص يتحرك برشاقة من ضمير إلي آخر فيبدأ مثلا متحدثا بضمير أنا المتكلم، ثم ينتقل إلي ضمير الغائب هو ، ثم ينوع في أصوات المتكلمين ، فتتحول الشخصيات الثانوية إلي رواة، ويصل الأمر في إحدي القصص إلي تحول الجمادات إلي رواة ، كما في قصته ( ماروته الكائنات عن عاشقيْن)، والتي تتكون من مقاطع صغيرة تدور كلها حول حدث صغير للغاية ، وهو سقوط قميص من شرفة ، وتأتي تلك المقاطع ، علي لسان البطل في البداية ، ثم يتحول السرد ليأتي علي ألسنة كائنات مختلفة : جرح إبهامه الصغير، القميص السماوي، الهاتف، بائع الورد، الشرفة، سلم البناية ، البنفسج، الحبيبة ، كل هؤلاء يتناوبون السرد ، ويشاركون في تحويل حدث صغير جدا ، إلي لوحة فنية تاسرنا برشاقتها.
وهكذا تتعدد المواقع والمناظير، وتنكسر الرتابة وتكتسب النصوص قدرا واضحا من الرشاقة.
4
وعلي مستوي الزمن نجد القصص رغم قصرها إلا أنها تحمل مسافة زمنية طويلة ، قد تصل إلي سنوات أو عقود ، فالأحداث دائما ترتبط بأحداث سابقة ، وقد يكون الحدث الأساسي رد فعل لحدث قديم ،وكثيرا ما يتداخل في القصة الواحدة زمن الطفولة مع الشباب، أو زمن الشباب مع الكهولة ، وعندما نجد قصة نادرة تدور حول حدث يقع في زمن قصير ، نجد الكاتب يوزع سرد الحدث الصغير علي شخصيات كثيرة جدا ليصبح أكثر عمقا. وهذا البعد الزمني الواسع نسبيا يتناغم أيضا مع المغزي، فهو يمنح المَشاهد جذورا عميقة، وينتج علاقات تثريها.
5
أما الملمح البارز فيتجسد في اللغة التي تجيد صنع الدهشة وهي تقتحمنا بسلاستها، ورشاقتها، فلا زوائد لغوية مزعجة، ولا إسهاب يصيبنا بالملل.
ولغة الكاتب تلعب دورا كبيرا في تناغم الشكل والمحتوي، فإذا كانت رمزية السماء تتصدي للثرثرة ، فلغة الكاتب تتصدي للثرثرة، بعدم التورط فيها، والحفاوة بالتكثيف. وإذا كانت رمزية السماء تتصدي للأماكن الضيقة ،والنظرة الضيقة بالضرورة، فإن لغة الكاتب تحمل قدرا واضحا من الاتساع يجعلها تقترب من لغة الشعر، ونحن في الحقيقة نشعر كثيرا بأننا نقرأ شعرا لا قصة، وإذا كانت رمزية السماء تركز علي الأرض ، فإن اللغة هنا تفعل نفس الأمر، فلا تهوم ، ولا تلجأ إلي التركيبات المهيبة أو المعقدة ، لتوهمنا بأنها لغة سماوية متعالية، كما يحدث من قبل كتاب آخرين ، وكل ذلك يشير إلي تناغم جميل بين الشكل والمحتوي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.