جورج أورويل لايزال جورج أورويل متواجدا بقوة علي الساحة الأدبية خاصة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فقد عاد بقوة إلي الأضواء بعد صدور طبعة جديدة من روايته الشهيرة 1984 الأسبوع الماضي، والتي تم نشرها لأول مرة سنة 1949 التي قفزت مبيعاتها طبقا لإحصاءات دار نشر الأمازون إلي سبعة آلاف بالمائة فور صدورها، ولا يزال صعودها مستمرا حيث وصل خلال الأربعة وعشرين ساعة الماضية إلي 267 ألف بالمائة. السبب الواضح في ذلك الإقبال أن الكثير من الناس يعتقدون أن هناك كثيراً من أوجه التشابه بين توجه الحكومة الأمريكية في الوقت الحاضر للتجسس علي الرسائل الألكترونية والمكالمات الهاتفية، وبين رؤية أورويل للمستقبل حيث نجد » الأخ الأكبرس حولنا في كل مكان، لذا نجد كلمة الأورويليين تتردد علي الألسنة إشارة إلي اعتناقهم مبادئ أرساها أورويل في كتاباته، مما دعا لإثارة العديد من التساؤلات هنا: ماذا تعني الحرية لدي الولاياتالمتحدةالأمريكية؟ بالإضافة إلي سؤال طرحه السيناتور بيرني ساندرز خلال مقابلة تليفزيونية الأسبوع الماضي: ماذا يعنيه دستورنا؟ وما نوع البلاد الذي نريد أن نكون عليه؟ سوف يكبر الأطفال علي أن اللعنة تحل علي كل ما يفعلونه ليؤدي إلي تسجيل في مكان ما بملف، وأعتقد أن ذلك منتهي الأورويلية و يكبح الشعور بالصدمة علي حياتنا، فأورويل دائما معنا، ولايحتاج دعاية، كما فعل دي جي تايلور في سنة 2003 حين كتب السيرة الذاتية لأورويل، بعد أن ظل لخمس سنوات فاحصا لوثائق أورويل مستخلصا دعاية للكاتب تقول: إذا كان هناك ثلاثة أدباء لهم أعظم التأثير علي التواصل بين الناس فهم شكسبير وديكنز وأورويل. الولاياتالمتحدةالأمريكية كانت دائما حريصة علي أورويل، فالليبراليون يتحمسون له بسبب تحذيره من نفوذ السلطة، والمحافظون لأن كتبه تمنحهم العصا التي يضربون بها الشيوعية، كما امتد تأثيره أيضا إلي خارج عالم المتحدثين بالإنجليزية، فهناك طبعات من رواياته«1984« و»مزرعة الحيوانات« التي نشرت سنة 1945 وزعت عبر أنحاء الإتحاد السوفييتي، وكان ولايزال موقرا في بولندا، حيث كان نقاده يقرأون له علي نطاق واسع في ظل الحكم الشيوعي، كما انه أصبح مقروءاً جيدا حاليا في الصين، فأورويل لديه دائما ما يقوله لكل من يعاني تحت الاستبداد. رغم كل ذلك، القراء الذين اختاروا شراء روايةس1984س بسبب قلقهم بشأن الرقابة الألكترونية لبريزم وهو برنامج المراقبة الألكترونية التابع لوكالة الأمن القومي الأمريكية، سوف يخطئون إذا اعتبروها رواية تدور حول مخاطر التكنولوجيا، كذلك كل من يري الشاشات المعلقة في زاوية الحجرات كجهاز هام كي تمارس السلطة سيطرتها، إلا أن قلق أورويل الحقيقي هو كونها تهديدات غادرة للحرية، دولة الأخ الأكبر تضع نصب عينيها أشياء أقلها السيطرة علي اللغة والفكر، وفقا لشعارات كررها وزير الصحة:»الحرب هي السلام، والحرية عبودية، والجهل قوة« حرمان للناس من كلمات المقاومة، نوعا من سحق المقاومة. في رواية 1984 حدد بطلها وينستون سميث فعل التمرد بأنه الحفاظ علي كتابة اليوميات كمحاولة لتسجيل أفكاره ومشاعره بدقة، فليس من السهل أن يتعرض التعبير الذي كنت بحاجة اليه إلي الطمس أو التحريف... فكرة أن الحكومات يمكنها السيطرة علي عقول الناس أرعبت أورويل، تايلور الذي كتب سيرة أورويل الذاتية يزعم أن رواية1984 ولدت نتيجة جنون العظمة، وهو ما بدا واضحا منذ أعمال أورويل الأولي خلال فترة الثلاثينيات، لقد قام بتكريم الكاتب كفرد حر يسعي من أجل الحقيقة المجردة، مدينا بفضل عدم وجود مصالح خاصة، ولايزال هناك وفي كل مكان رأي يقول إن الحرية مقيدة، غلف أورويل جميع تلك المخاوف في مقال له سنة 1946 تحت عنوان الوقاية من الأدب في عصرنا كتب فيه: تتعرض فكرة الحرية الفكرية للهجوم من اتجاهين، الأول من أعدائها النظريين المدافعين عن الشمولية، ومن الجانب الآخر والمباشر أعدائها الفعليين الإحتكار والبيروقراطية، كل شيء يتآمر لتحويل الكاتب، وجميع أنماط الفنانين الآخرين إلي موظف عام قاصر، والعمل طبقا لموضوعات سلمت له من فوق، دون أن يقال له علي الإطلاق ما يبدو له أنه لب الحقيقة. هذا هو جنون عظمة أورويل الذي يمنح كتاباته قوتها وإلحاحها، ويمنحها الأبدية، وما يمكن أن نتعلمه من فهم كثيرا ما يستخدم ذوأحيانا يساء إستخدامه- مصطلح الأورويليون، أن كل ما عليه أن يخشي ليس فقط تكنولوجيا المراقبة، بل أيضا رد فعلنا نحوها، هل نحن علي استعداد للسؤال عن الغرض من استخدامها؟ هل سنطالب بإشراف أكبر علي عمل الأجهزة الأمنية؟ هل نحمل حكومتنا السبب؟ طالما هناك ونستون سميث يكافح للحفاظ علي يومياته، لن يفوز الأخ الأكبر.