تمثل رواية الأرض للروائي الكبير عبد الرحمن الشرقاوي علامة بارزة في تاريخ الرواية المصرية ،وهي تنتمي إلي الرواية الواقعية التي تتصف بالتشخيص أي إعادة إنتاج الواقع الاجتماعي بشكل من الأشكال ،ويطرح بوريس إخنباوم مفهومه عن السّرد التشخيصي بأنه السّرد الذي يتجلّي فيه حضور( السارد /الراوي ) بطرق مختلفة فيصبح أشبه بممثل يجسّد حضوره بوسائل لغوية ومواقف فكريّة ولكنه في كلّ الحالات يؤدّي لعبة معقدّة، يظهر ويختفي، يصرّح ويلمّح، ويهادن ويشاكس فيتموّج الخطاب تموّج حضور (السّارد/ الراوي ) و يتنوّع تنوّع المادة السردية التي يوظفها ويختلف اختلاف الموقع الذي منه يطل ويري. علي أن الراوي في الرواية هو نموذج الراوي البطل القابع خلف قضية (حق الفلاحين في الحصول علي نصيب وافر من المياه لزراعة أراضيهم وكذلك منع الاعتداء عليها أو سلبها) وينعكس هذا علي البناء العام للرواية حيث يتصف بطابع التماسك والانسجام ، المحافظة علي الحبكة ، احتفاظ الشخصية بعمقها النفسي والأجتماعي ، تعيين حدود الزمان والمكان كما تتجلي في ظواهر فنية ، الميل إلي وصف العادات ، الميل إلي التبرير النفسي والأيدلوجي وتترابط حلقات القص في نسيج الحكاية ، وتحتل النهاية مكانة هامة وأساسية لأنها تحدد منطق هذا الترابط ، والراوي هنا منحاز ينحاز لقيم فيدافع عنها ويتصدي لأخري فيجابهها وبالتالي فإن الانحياز هو في معناه العميق إقامة بنية عالم يحيل علي مرجع له ، واقعي ويتم ذلك أيضا علي مستوي اللغة فيميل إلي استخدام لغة مجازية تعتمد علي التصوير النفسي ونقل الأحاسيس والمشاعر . فعلي لسان صفية الشخصية المدخل التي ارتكز عليها الراوي في نسج خيوط حكايته تتجسد الأرض ليست باعتبارها قيمة اقتصادية فحسب، إنما كونها المصدر الوحيد للوجود المادي والمعنوي للشخصيات اواستمرت تقول ان الذي لا يملك في القرية أرضا لا يملك فيها شيئا علي الاطلاق حتي الشرف ويتردد هذا المعني أيضا من خلال شخصية عبد الهادي فخر القرية وبطلها الشعبي أثناء طوفانه بالأرض إن هذه الأرض الواسعة التي تمتد إلي جواره لتملؤه احساسا بالثبات والرسوخ والشرف .. لم يكن يري منها شيئا في الليل ومع ذلك فقد كان يعرفها .. يعرفها جيدا ، يعرف وجهها وقنواتها وكل مسلك فيها وعندما تلوح أزمة المياه في الأفق وينقسم الفلاحون إلي فريقين ، فريق يدافع عن الأرض وأخر يتخاذل ويستكين، يتشبث عبد الهادي بمنطق الفريق الأول ويلوم أحد دعاة الفريق الثانيب ولقد همس عبد الهادي لنفسه ذات ليلة قبل النوم لو أن للشيخ (الشناوي) أرضا يختلط عرقه بترابها.. ولو أنه رآها تتشقق من الجفاف تحت عينيه بعد ان شقي فيها .. ورأي أذرته الصغيرة الغضة تذوي كأطفال يموتون .. لو عرف الشيخ الشناوي كل هذا .. لسكت. وعندما يتم القبض علي الرجال الذين قطعوا الجسر الذي يفصل بين النهر والحقول لري الزروع العطشي للحياة ويساقون للسجن لم يؤثر ذلك في عزيمة الآخرين لقد ظلت الأرض هي محور الاهتمام والعناية القصوي لقد قبض بالامس علي كثير من الرجال ، ومع ذلك ذهب الاخرون إلي الحقول لأن الأرض لا تستطيع ان تنتظر الذين ذهبوا. وبعد خروج الرجال من السجن يندفع ادياب - الشخصية التي تمثل الأرض حياة تجربته الإنسانية كلها - محموما إلي الحقل وقد تملكه شعور عميق بالفقد ورغبة أصيلة في إستعادة كيانه ومقدرته بملامسة أرضه اثم انحني علي الأرض ونفسه تزخر بالحنين، والإحساس بالمقدرة ، فأمسك قطعة من الطين الجاف ، وفركها بين يديه، وترك ترابها يتناثر بين اصابعه والمشاعر المبهمة تغمر منه الجوانح إلي الحلق وتهتز منه الأعصاب. الشخصيات بينما يشير العنوان في الرواية إلي بطولة المكان نجد الراوي يبدأ الرواية بطريقة العرض المباشر أي بالشخصيات فيبدأ بشخصية صفية ويستتبع ذلك ظهور بقية الشخصيات الأخري وهذا يعني أن العنصر الأساس في منح المكان هذه الأهمية نابع من وجود الاشخاص فيه، اشخاص متحدين، تفاعلهم مع المكان يمنحه فرادته وهويته، فيمنحهم هويتهم وثقافتهم ونسق قيمهم فإذا كانت الشخصية في الرواية الواقعية هي شخصية حقيقية ( او شخص ) من لحم ودم، لأنها شخصية تنطلق من إيمانها العميق بضرورة محاكاة الواقع الإنساني المحيط بكل ما فيه من محاكاة تقوم علي المطابقة بين زمني ثنائية: السرد / الحكاية ، فإن الشخصية في هذه الروايات هي نتاج البيئة التي نشأت فيها تحمل سماتها الاجتماعية والنفسية وتتحمل همومها وأزماتها وتطلعاتها في المستقبل . تنقسم الشخصيات بحسب موقفها من المشكلة / القضية إلي فريقين : فريق يستميت في المقاومة والدفاع حتي النهاية وفريق آخر يستكين أو يتخاذل أو يساوم، ويتجلي انحياز الراوي للفريق الأول بطرق كيفية (اسماء - صفات خلقية- صفات نفسية) وبطرق كمية (تواتر ظهور الشخصيات في النص السردي) وبطرق وظيفيّة إذ تؤدي هذه الشخصيات / الشخصية وظيفة العامل الذي يتطلب مساعدين ومناوئين،كما أن الراوي يلجأ إلي نوع من التحفيز الواقعي( مشاركة محمد أبو سويلم والشيخ حسونة في دعم ثورة 1919 ومناهضة حكومة الشعب برئاسة الطاغية صدقي باشا ) وهنا تظهر هذه الشخصيات ليست باعتبارها تدافع عن قضاياها المحلية فقط وإنما ذلك امتداد لدفاعها عن قضاياها القومية والوطنية . علي إننا سوف نركز علي تأثير القضية /المشكلة علي العلاقات بين الشخصيات سواء أكانت سلبية أم إيجابية في إطار الفعل والرؤية والهدف. لقد أدت المشكلة إلي نزوع فردي للدفاع عن المصلحة الخاصة ، وقد دارت معركة دموية بين عبد الهادي من جهة ودياب من جهة أخري ، ثم اتسعت الدائرة لتشمل جموعاً من الفلاحين والفلاحات في الحقول ، علي أن الراوي لا يصف المعركة باعتبارها نتاج عداء أصيل بين الشخصيات ولكنها حالة طارئة أوجدها حرص غريزي لديهم في الحفاظ علي حياة الأرض ز كانت طاقات هائلة من الضيق تنفجر من كل نفس ، وتضرب كل من يتعرض لحرمان الأرض من الماء .. وباسم الدفاع عن حياة الأرض ذ عن الحياة نفسها ذ مضي كل فلاح يضرب ويضرب بلا توقف كل من يريد أن يناقش حق الأرض في الماء .. كان الرجال يضربون بعضهم بلا حساب وبلا مراعاة ، كأنهم لم يعرفوا بعضهم أبدا، ولم يحبوا بعضهم من قبل ، وكأنما قد أصبح من المستحيل أن يتحدثوا إلي بعضهم مرة أخري . كان من الممكن أن يصنع كل واحد بجسد أخيه أي شيء أن يقذف به إلي اعماق الماء.. أن يقطع منه.. وحتي أن يأكله . والنساء ايضا كن يفعلن نفس الاشياء ، ويحتدمن بنفس القسوة في المعركة، وشجت النساء رءوس بعض الرجال بالحجارة وسال الدم ، واختلط علي الاجساد، وسال في عرق كل وأحد دم من عروق أخيه. علي إنهم سرعان ما تيقظ وعيهم مع عبارة االشيخ يوسف .. حتموتوا بعض عشان اللميه.. طب امال اشطروا علي الحكومة واستعادت ذاكرتهم حقيقة المشكلة وأسبابها فتوجهوا جميعهم، كل الرجال الذين شاركوا في عراك بعضهم إلي الجسر الذي يفصل عنهم الماء وبقوة الذود عن الحق واستردادهب كانت الفؤوس تضرب أرض الجسر في قوة ونشاط.. وتشق قناة كبيرة في عرض الجسر بين النهر والحقول.. وتدفق الماء من القناة الكبيرة الجديدة إلي القناة الطويلة في بطن الجسر مارا بكل الحقول، اوهلل الفلاحون وهم يرون الماء يتدفق في موجات صغيرة سريعة مثقلة بالطمي وربما أدي ذلك إلي زيادة ثقتهم في أنفسهم فتكرر نفس المشهد في التخلص من الحديد الذي تم القاؤه في أرض محمد أبو سويلم لشق الطريق الزراعي عبر أرضه علي أن الراوي عمد إلي وصف روح البطولة الشعبية التي تلبست الفلاحين اثناء قيامهم بذلك واقترب الرجال تحت شعاع النجوم من حقل محمد أبو سويلم (...) مضوا في خطوات ثابتة، تتلاحق انفاسهم والعزم في صدورهم أكيد قوي.. أقوي من الألم (....) وحمل كل رجل قطعة فوق ظهره وأخذ يترنح تحتها قليلا في الظلام ، وما أن يقذفها في الترعة حتي ينصب قامته ، وهو يشعر بمثل القوة التي يتخيلها دائما حين يسمع قصة اأبو زيد الهلإلي المكان : يمكن تحديد علاقة الراوي بالفضاء المكاني كما يري الدكتور محمد زيدان - من خلال ، إما التصور الكلي للفضاء المكاني وفيه يقوم الراوي برصد حركة المكان بصفة كلية يدرك معها الفعل والإشارات الخاصة به في العمل ، أو من خلال التصور التفصيلي وفيه يركز الراوي علي المفردات الخاصة برؤية المكان وما تمثله كل مفردة علي حدة ، وما يمكن أن تعطيه ، يضاف إلي ذلك التصور الخاص بالمجاز السردي وفيه يعتمد الراوي علي منظوره الخاص متضافرا مع منظور المكان ، ومنظور الصورة الشعرية التي يمكن رصدها بلاغيا وتعمل هذه المنظورات مجتمعة علي وضع حيز بصري نفسي يتضافر مع الحيز الذي تصنعه اللغة . إذا نظرنا إلي تأثير المشكلة أو القضية علي المكان ، فان الراوي يعمد إلي حركة توسع في المكان خارج المكان الرئيس للأحداث ( القرية ) انتقالا إلي أماكن أخري ( المركز القاهرة ) وفي المقابل هناك حركة عكسية ( تكثف ) داخل المكان الرئيسي ( البيت المندرة المصطبة- ) تبعا لحركة الشخصيات وارتباطا بالمشكلة او القضية حركة التكثف ( منزل محمد ابو سويلم منزل محمد افندي ) - يمثل دار محمد ابو سويلم مركزا للأحداث الرئيسة في الرواية ( كتابة العريضة التباحث في المشكلة مع جموع الفلاحين القبض عليه مع عبد الهادي) ، علي أن كتابة العريضة في بيته كانت بداية العمل الجماعي الإيجابي، ويصف الراوي ( الأشياء ) في حالة متواضعة وتبدو هيئة الشخصيات في المكان معبرة عن أوضاعهم الاجتماعية وقف محمد ابو سويلم باللمبة علي رأس محمد افندي الذي كان يجلس وحده علي دكة خشبية فرشت بحصير مزركش.. وبقية الرجال يقفون أمامه .. وهو يقرأ كل كلمة يكتبها .. وقد أسند الورقة إلي ركبته والمحبرة بيد أحد الرجال الواقفين أمامه. - مع عودة الشيخ حسونة ناظر المدرسة إلي القرية وهو يمثل الوعي القائد للمجموعة ، يصبح محركا رئيسيا للأحداث، ويزوره العمدة لمحاولة استرضائه وتلبية رغبته في إخراج الرجال من سجن المركز، ويمثل البيت الذي ينزل فيه الشيخ حسونة ( بيت ابن اخته محمد افندي ) رمزا ثقافيا وأداة تقويم للعمدة مثل شخصية الشيخ حسونة ز واخذ العمدة يتأمل اللافتات المعلقة في منزل محمد أفندي علي حوائط المندرة الصفراء ، كان يجلس علي الكنبة وأمامه لوحة من الجبس مكتوب عليها االكريم لا يضام وإلي جانبه لوحة أخري كتب عليها بخط أحمر متشابك اوأما بنعمة ربك فحدثب اونقل بصره إلي لوحة ثالثة وأخذ يحاول أن يقرأ خطها وقرأ لنفسب عز من قنع ... وذل من .... اثم تمتم قراءة بقية اللافتة طمع .. وذل من طمع .