الشعر »الحلمنتيشي « هو نوع من الشعر الفكاهي ، مجاله القصيدة التقليدية، حيث يقوم الشاعر بالمزج ما بين الكلمة الفصحي والكلمة »العامية المفصّحة« - إن جاز هذا التعبير - أي يعمد إلي إعراب الكلمة العامية لكي تبدو - في نسيج القصيدة - وكأنها فصحي، ولقد ازدهر هذا النوع من الشعر في النصف الأول من القرن العشرين، علي يد رائد طريقته، وأمير شعرائه، الشاعر الفذ »حسين شفيق المصري« (1882 - 1948 م) وهو الذي أطلق علي هذا النوع من الشعر اسم « الحََلَمَنْتيشي» وهي تسمية لا نعرف علي وجه اليقين مأتاها، وإن كنا نعرف جميعاً مدلولها - كما يقول د. محمد رجب البيومي - وقد يكون »حسين شفيق المصري« قد نسب هذا الشعر إلي ندوة »الحلمية« نسبة علي غير قياس عربي، (وهي نسبة تجمع بين العربية والعامية معاً في لفظ واحد وهو ما يدل علي مضمونه)، وندوة «الحلمية» هذه كانت مأوي الكبار من شعراء هذا العصر، وأخذ حسين شفيق المصري ينقل ما يذيعه في الندوة إلي صحف الفكاهة - والكلام ما زال للدكتور البيومي - تحت عنوان »الشعر الحلمنتيشي«.. ويقولون إن أولي نشأة هذا الشعر كانت في العصرين المملوكي والعثماني ، والبعض يذهب بهذه النشأة إلي »أبي نواس« وشركائه من ذوي التبذل، حين كانوا يحاكون لغة الغلمان والجواري في غزلياتهم الماجنة، (فيهجّنون أو يطعّمون) بها شعرهم، وقد استمر هذا التهجين متنقلاً فيما تلا ذلك العصر .. أما اختيار قصيدة لمباراتها فهو لا يعني شيئا ًمن مفهوم »المعارضة« ، إذ المعارضة الشعرية - اصطلاحاً - لا تكون إلا في الشعر الفصيح أصلاً وفرعاً، ولكن إطلاق كلمة « معارضة « علي الأعمال التي من نوع الحلمنتيشي فهو من الخطأ الشائع .. ومن المعارضات الجميلة لحسين شفيق المصري معارضته قصيدة «أبي العلاء المعري» التي مطلعها : ألا ما ل سيّدتي مالها أ دِ لاًّ فأحمل إدلالها يقول حسين شفيق المصري : أظُنُّ الوليّة َ ز عْلا نة ً وما كنت أقصدُ إزعالها أتي «رمضانُ» فقالت هاتولي ز كيبة نُقْل فجِبْنا لها ومن «قمر الدين» جبْنا ثلاث َ لفائفَ تتْعب شيّالها وجبتُ صفيحة سمْن وجبتُ حوائج َ ما غيرُها نالها فقُل لي علي إيه بنت الذين بتشكي إلي أهلها حالها تقول لهم جوزي هذا فقير كأني أضعْتُ لها مالها إن قارئ هذه القصيدة لا بد أن يكون ملمًّا بقواعد علم « النحو» العربي ، وبدون ذلك تفقد القصيدة كل وجودها الفني، فالقراءة الواجبة هي قراءة القصيدة مع إظهار الحركات الإعرابية، حيث يتحقق جمال المفارقة، بجانب جمال التشابه في تلفّظ اللفظة العامية بعد أن أصبحت فصيحة حيث أخذت شكل حركات وعلامات الإعراب لوقوعها الخاص في سياق البيت ، من هنا يكون الضحك لكلمة القافية في (وما كنت أقصد »إزعالها« ) ويتردد الضحك حين تقرأ القافية التالية (زكيبة نقل »فجبنا لها« ) ..