أماني أبو رحمة باحثة ومترجمة وناقدة فلسطينية تتميز في اختياراتها التي تهتم بالنقد والنظريات الأدبية وخصوصا في السرد ومابعد الحداثة وبعد مابعد الحداثة ، ومن أهم ماقدمته للثقافة العربية كان علم السرد مدخلاً إلي »نظرية السرد ليان مانفريد« و كتاب الفضاءات القادمة الطريق إلي بعد مابعد الحداثة وكتاب نهاية مابعد الحداثة الادائية وتطبيقات في السرد والسينما والفن لراؤول ايشلمان.. وأخيرا كان كتاب» ارهاصات عهد جديد« ونهايات مابعد الحداثة وصدر عن دار عدنان للنشر وعلي نفقة وزارة الثقافة العراقية بمناسبة بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013 السرديات الكبري السرديات الكبري وموتها كيف تراها المترجمة والباحثة أماني أبو رحمة؟ احتفت ما بعد الحداثة بموت ما أطلقت عليه السرديات الكبري في عدد لا يحصي من المجالات مثل : النقد الأدبي والنظرية السياسية ، والموسيقي ، والعمارة ، وما إلي ذلك. وتزدري ما بعد الحداثة الأفكار الحداثية عن العقلانية ، والتقدم الخطي ، والطريقة الواحدة الحقيقية في تنفيذ الأفعال . اكتشف ما بعد الحداثيين وجود خلل في نظام الفكر الذي يحاول تفسير العالم ، وقوانينه الاجتماعية والطبيعية ، وأخلاقياته الحقيقية ، ومسار التاريخ ، وطبيعة الإنسان ، والمعايير العالمية التي تنطبق علي جميع الناس في كل زمان و مكان. وعلي هذا الأساس فإن ما بعد الحداثة تدور حول المواضيع التالية : إن الوصول إلي حقيقة عالمية ثابتة ضرب من المستحيل /لا توجد أفكار أو حقائق سامية ومتعالية / وان جميع الأفكار هي بُني تركيبية ثقافيا أو اجتماعي /وان الحقائق التاريخية غير مهمة وغير ذات صلة /وان الأفكار الصحيحة لا تكون صحيحة إلا إذا كانت في مصلحة المظلومين. ومن هنا وضعت ما بعد الحداثة نهاية للميتافيزيقيات والوجودية والابستومولوجيا والأخلاقيات لان مثل هذا النوع من الدراسات تفترض حقيقة ثابتة وكونية. وهذا هو جوهر فكرة موت السرديات الكبري . ولكن الأمر لم يسر وفق أهواء ما بعد الحداثيين، ذلك أن الذي مات في الحقيقة هو ما بعد الحداثة ذاتها وبقيت السرديات الكبري حية بل وانتعشت وتصلبت أحيانا بما يمكن وصفه ردة فعل علي إنكار ما بعد الحداثة لها. ماتت ما بعد الحداثة وبقي الإله والتاريخ والفلسفة والايدولوجيا والمؤلف والفن الرفيع والميتافيزقا التي عادت بقوة . ويمكن القول بأن احتفاء ما بعد الحداثة بموت السرديات الكبري وادعائها المفارقي بان الحقيقة العالمية الوحيدة هي أنه لا توجد حقيقة عالمية كان أعظم أساطيرها . ذلك أن البشرية لم تخضع في تاريخها الطويل لما وراء سردية واحدة كما فعلت ما بعد الحداثة حين نصبت نفسها سردية واحدة وحيدة صالحة للتطبيق كونيا ولو بالقوة , وحين تهدد الرأسمالية العالمية بإقصاء كل سرد و كل معني آخر عدا سردياتها الخاصة من حياة الإنسان. وفي حين إن التاريخ والتقاليد التي ربطت بين الناس والمجتمعات المحلية ومنحتهم إحساسا بالمعني والانتماء أضحت محاصرة من كل الاتجاهات ،فان نظام الاقتصاد العالمي غير الإنساني والذي لا هوادة فيه يجرف بقايا الكرامة الإنسانية والأمل لأولئك الذين تم نفيهم وإقصاؤهم واستغلاهم بالحروب والفساد وعدم المساواة المتزايدة التي يجرجرها النظام الاقتصادي العالمي في أذياله . هذا هو السياق الذي يجب علينا وضعه في أفكارنا إذا كنا نريد أن نسأل : لماذا ينجذب كثير من الناس إلي أشكال متعصبة ودوغمائية الدين. بالمعني الحرفي النقد بعالمنا العربي هل هو مظلوم أم ظالم وأين بالضبط تكمن أزمته؟ لست ناقدة بالمعني الحرفي للكلمة ..أحب أن أقدم نفسي قارئة جيدة في المقام الأول ثم باحثة ومترجمة .. ومن هذا المنطلق فقط سأجيب علي السؤال. النقد العربي يمر بأزمة متأصلة تفاقمت في السنوات الأخيرة .كان توجه النقد العربي هو إسقاط النظريات النقدية الغربية علي الأعمال الإبداعية العربية ، وربما كان ذلك مقبولا في بدايات النهضة الفكرية العربية بحكم أن مجالات الإبداع من رواية وقصة وفن كانت غربية الأصول والمنشأ، إلا أن استمرار ذلك أودي بالحركة النقدية التي باتت متأخرة وربما عاجزة عن تشكيل نظرياتها وفق ما تتطلبه حركة الإبداع في العالم العربي ووفق المتغيرات التي تمر بها المنطقة .لا تُعني النظرية النقدية بالأعمال الإبداعية فحسب، فلا يعني أن يتناول متخصص ما رواية أو روايتين أنه أسس لنقد عربي، وإنما تتناول مجمل المتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية والفنية والإبداعية لتدرس ظروف نشأتها وتحولاتها من حقبة إلي حقبة . الأمر الذي لا زال ضعيفا في العالم العربي. المبدع العربي بائس بالإبداع العربي يتوقف دائما في مرحلة سابقة وليست لاحقة للمدارس النقدية وأقصد أننا نري كثيراً من الكتابات الإبداعية- إن لم يكن كلها- مازالت في ذروة الحداثة أو مابعد الحداثة مع العلم أن هاتين المدرستين قد أعلنا موتهما؟ لا أتفق تماما مع هذا الطرح. إذ انه في مضمونه يسقط نظريات غربية نشأت في السياق الثقافي والفكري الغربي علي أعمال إبداعية عربية .فطالما اننا لم نؤسس لمدارسنا النقدية الخاصة بإبداعنا فلا يمكننا تصنيف الكتابات الإبداعية أو الأعمال الإبداعية العربية بصفة عامة وفق مدارس غربية. أري أن المبدع العربي بائس بشكل مضاعف : فمن ناحية لا تنقد أعماله من الداخل أي في سياقاتها العربية التي أنتجتها، ومن ناحية أخري يظلم حين تشرح أعماله بمشرط النقد الغربي المتقدم جدا والناشئ أساسا في سياقات مغايرة تتناول أعمالا إبداعية أتيح لها ما لم يتح للمبدع العربي من ظروف وإمكانيات هذا إذا استثنيا الموهبة التي يمتلكها كل مبدع بالضرورة . الفكر العربي في مأزق هناك اتهام للنقاد العرب بأنهم عجزوا عن خلق نظريات نقدية خاصة بهم ولجأوا للاستيراد؟ ربما أن ألاتهام صحيح بحق أغلبهم . النقد والاستشراق هل هما في مأزق واحد؟ الأزمة العربية ذات أبعاد عدة .. الفكر العربي برمته في مأزق وتبعا لذلك فان الاشتغالات الفكرية كلها تعاني من تبعات مأزق الفكر العربي. فقد العرب والمسلمون بالخصوص زمام المبادرة الفكرية برأيي حين عطلوا الاجتهاد لصالح القياس في الدين والآراء الفقهية ثم سحبوا ذلك علي كل مناحي الفكر ليعيش الفكر العربي أزمة تجميد لم تحدث لفكر سواه مع غناه وعظمته . الهوية متشظية كيف تري الباحثة والمترجمة الكبيرة أماني أبو رحمة أزمة الهوية الثقافية العربية؟ أري أنها تتشظي وآمل أن تكون تشظيتها سببا في إعادة تكوينها بصورة حاسمة بعيدة عن التوفيق والتلفيق والقهرية التي صاحبت تشكيل الهوية العربية في مرحلة ما بعد انسحاب الاستعمار الشكلي من العالم العربي . عالمي الخاص الترجمة والدكتورة أماني أبو رحمة ..كيف ترينها وكيف ترين أزمتها؟ الترجمة هي عالمي الخاصة ، هوايتي التي احلق معها في عوالم أختارها بكل الحب والشغف .. أزمتها هي أزمة الفكر العربي والقهر العربي والتبعية العربية والاقتصاد العربي ..هي أزمة مركبة لم تترك جانبا دون آثار سلبية . الربيع العربي هل مازال ربيعا من وجهة نظركم أم ماذا؟ لم أجده ربيعا منذ بزوغه ..فكيف سيتحول إلي ربيع وقد آذن بالأفول مضرجا بالدم والثورات كان صدمة ونكسة وخيبة أمل . الرواية التاريخية ما هو جديد الناقدة أماني أبو رحمة؟ عدا كتابي المترجم ( نهاية ما بعد الحداثة : مقالات في الأدائية وتطبيقات قي السرد والسينما والفن ) ، أعمل علي ترجمة كتاب جديد وحديث الصدور يرصد التحولات في الرواية التاريخية في السياق الغربي طبعا . ولأن الرواية التاريخية من أحب الروايات إلي قلبي ، أجدني مستمتعة جدا بالترجمة رغم بطء العمل بسبب انشغالاتي مع متطلبات الحياة الأخري .